أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم العبيدي - الحلم السردي.. سياحة من الغرائبي إلى الواقعي














المزيد.....

الحلم السردي.. سياحة من الغرائبي إلى الواقعي


عبدالكريم العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 4946 - 2015 / 10 / 5 - 13:27
المحور: الادب والفن
    





ان أصنع سردا، علي أن أنصِّبُ نفسي هاربا دائميا، وأتمسك بكل ما يهتك هويتي، وأتسلل إلى فرح البصرة القديم، هناك سأشتبك بـ بمباسيي المكايد، وأتماهى مع ما يدور فيها من رقصات "الجنباسة، والانكروكا، والهيوه، والنوبان، على أنغام "الجيكانكا"، وموسيقى "الباتو"، ثم احتسي "طاسة بوزة"، لأثمل سريعا.
تتصدَّع عزلتي فجأة فأغرق، لكم غرقت؟، مُذْ ذلك الزحف، وأنا أغرق في رقصات "الخشّابة والمحيبس والمرواس والاسمري والخماري". لوحة جذّابة من حركات الأيادي والسيقان، وسط دخان بخور "الجاوي" وعطر دهن "العود"، والأنغام الصادحة، والمتفرجين الذين أطلقوا عنان رغباتهم للرقص.. عرب ويهود وبلوش ومسيحيون وصابئة، قوس قزح جميل،..، تلك مسافة كافية للفرار في "مكايد" تُعْرَف رقصاتها من لون "الشنيّر"، أعلامها المرفرفة منذ الفجر، ومن أسمائها الغريبة:"ساحة باريس وسعدية الدلاكة وسنجان وياروت وعتيكة وريحانة ووو...".. "البصرةُ أم "الكِيف".
سأحتاج الى ثلاثية كانط لأتحمل مشقات سرد البصرة القديم: سأحتاج الى أمل ونوم وضحك.
الحواس تخدع يا ديكارت من آن لآخر، ومن الحكمة ألا أثق بما يخدعني، ولكن أسرتني دورانات مسحورة، وقفزات متتالية صادمة، طافت بي حول "مكايد" الرقص، توقفتْ فيها الدحرجة لبرهة، فنهشني انبهار ما أرى وأسمع وأشم، هل هذه هي البصرة التي ضيَّعتني!؟
تفتحتْ في لمعان تلك الرجَّة جواهرٌ مغرية، وأسرني، أنا الخائف الهارب، غزل رجّاج، نفض كل الجمودات المتهرئة، وصنع متاهات كافية للفرار، ثم طوَّقني بعطور البصرةِ كُلها، لم أعد أقدر البتة، أنا المستحم بكل هذه الغوايات أن أنجذب اليها بسهولة، أنا لا أفهم شيئا.
كنت أعوم في مِنهول مستهلك، أعيش على تلك المساحة المغبرة الضيقة من الزجاج، تلك التي لا تطالها ماسحاتُ زجاج السيارات في تأرجحها المكوكي يميناً وشمالاً. وبينما كانت تتوالى الاهتزازات التاريخية من حولي، مضيتُ بخفة نحو أعراس البصرة القديمة، وجدت البصرة روايات، أبوابُ بيوتَها فصول، منازلها مقاطع، شوارعها أجزاء، وشطها قصيدة، لا ينفع مع البصرة الخيال المجنح، من يضنيه القلق وهو يقترب من أسرار هذه المدينة عليه أن يصبر، وأن يميل الى الحدس الخلاق، ليصرف من ذهنه "البرحي والبريم والگنطار والاشْرسي والمدگوگة والشعث"، وأسماك "البُني والگطان والگباب والصبور والكاري الهندي وحلاوة نهر خوز وتعتومة العصريات والشرجيه والباحوره"، ففي تلك اللحظة بالضبط، سيهتز في قلبه نوّاس البصرة الجبار، وهو يصنع بمكر وعناد ميقاتيات وأدوات خصيباوية جديدة لقياس غطرسة الزمن وصلفه، وسعة هالات غروره، ساعةُ نواسَه الجديدة ستتغنى بأحدث جملةٍ فيزيائيةٍ بصريةٍ خالدة، ذاتِ زمنٍ عراقيٍ خاصٍ بها، يسطع في مكونات المسرح الكوني، ثم تنأى ساعته بذاتها لأول مرة عن زمنِ جملة:"اخصيباوي من اللبه"، الزمن البصري هو أحد المُطْلَقات فعلا، هو محنة من أقدم الأحاجي، ووحدها البصرة من ستفسره لنا.
ولكن كيف؟
يدخل محمد خضير الى منطقة الحلم فينحصر تصوره في طاقته الكبرى، وينغمر في الحرب الناعمة، ليتصدى بالإبداع القائم على الحلم لقمع السلطة وجبروتها، هكذا أنتج كراسته الكانونية.
ثم تضيق البصرة باليوميات والمذكرات، فيلجأ محمود عبد الوهاب في رغوة سحابه الى صنع دليله بـنغمة "سـرد الهاتف"، استهلالات غرائبية تؤلف محكياته، وهي مكالمات ليل بصري.
يختزل كاظم الحجاج ستة عقود بصرية كاملة بمفردةٍ واحدة لتبقى معروضة الى الغيب، فهو عمرٌ بصريٌ صائمٌ منذ ستين عام، عمر لا يحتمل أي فتوى، كأنه موجود لذاته.
ضياع "مهدي طه" البصري الأسمر هو صمت، صمتٌ يفتش عن كلمة، وهو شيء بلا أي شيء، إذن هو لعبة بصرية حقا.
المدن تغير طباعها، نعم يا سهيل سامي نادر، وإذ لم تغيرها تخفيها أو تعطيها لوناً جديداً. لكن هذه المدينة أوقفت ساعتها وسط ظهيرة لافحة رطبة في زمن قديم جداً، إنها حتى إذا ما تغيرت تجد نفسها عائمة في أبخرتها ذات المذاق الحارق. إن كرمها يسيح مع الزمن، أبخرة لا تريم عن سماء المدينة، وحياة يومية تعاند الزمن وتطيح به عند العتبات.
ها هو حسين الأسدي، يأتي مؤخرا فيصنع للكلام البصري جسدا، يتمدد على الشفاه لكنه بارد الأطراف، فيهزأ من حرارة لوعة المدينة.
ان أقسى أنواع الضياع هو المقرون بهزائم، وما دمت أنهيت نصف قرن من الهزائم، فانَّ المزج بيني وبين ضياعي يغدو ممكنا، وإذا ما زعمت أن الرواية باتت تروي ما عجز عنه التاريخ، فمن الواضح أن هذا الناتج يرتبط بماهية التحديات النظرية والعملية بين الرواية والتاريخ، بين اشتغالهما بالوقائع الهامشية والشذرات والمخلوقات المنسية غير المعنية بصناعة التحولات الكبرى، بين القامع السلطوي والمقموع المهمش، بين سيّر الملوك الغازين وبين هذا الناتج الاجتماعي المسحوق والضائع والمهزوم دائما.
نعم، دفعني بقوة مؤثر كتابة رواية مغايرة، والخوض في موضوعة كانت محظورة سابقا، فالقوانين التي كانت تلجم الأفواه وتحطم الأقلام هدمت نفسها بنفسها بحسب سبينوزا، والأمر الذي أراه مهما الآن هو الأخذ بوظيفة الرواية الجديدة وجعلها أكثر فاعلية في لملمة كل ما هو مهمل ومنسي ومغيّب وسرده داخل نص روائي شديد المشاكسة، فالحياة عملية سردية تتحول من الغرائبي الى الواقعي وبالعكس، في شكلٍ لا يستقر ولا يهدأ منذ ألواح السومرين.
إنني هنا أرمي إلى تفعيل القيمة التاريخية داخل مجرى التحولات الحياتية، ومحاولة بعث الروح في تفاصيلها الراكدة بعد خلعها عن كل ما هو سائد ومحافظ وخاضع لرواسب اجهاضية مقيتة.
في رواية الذباب والزمرد أردت أن أقول أن (تذبيب) الشعب، والتمتع بمشاهدته من خلف الزمرد كما كان يفعل نيرون وكل دكتاتور معتوه جاء بعده، سيولّد نوعاً من الانتنوستالجيا، يحيل الانسان الى ذلك الخلو المطلق، أي أنه يسلبه ماهيته ويمتص رحيق انسانيته، وهذا هو ما يحصل لنا الآن.



#عبدالكريم_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عيد كوليرا
- خريج يبحث عن وظيفة
- خمس قصص باكية جدا
- في لحظات رحيله.. في بدء الفراق -عادل قاسم-.. صورة عراقية لمس ...
- البصرة.. أم السرد
- -31- آذار.. نبض -الآخر- الجميل
- الشيوعي بلوى!
- الشيوعيون -كَفَرَة-
- سوزان ابراهيم و (لعبة الأنا).. قراءة تحليلية في مجموعتها الش ...
- الرفيقة (أم امتاني)
- بيت علي الشباني. محطة الشيوعيين.. شهادة
- العراقيون يتكيفون مع الحر ويحولون معاناتهم إلى نكات!
- شهادة دموية مكتوبة برائحة شواء لحم العراقيين
- مفردات برلمانية تغزو الشارع العراقي الآن
- 1/7 تاريخ كاذب لمواليد العراقيين على مدى قرن
- صورة -فكاهية- من داخل المعتقلات الصدامية
- البعث و ضرورة المراجعة الذاتية


المزيد.....




- دق الباب.. اغنية أنثى السنجاب للأطفال الجديدة شغليها لعيالك ...
- بعد أنباء -إصابته بالسرطان-.. مدير أعمال الفنان محمد عبده يك ...
- شارك بـ-تيتانيك- و-سيد الخواتم-.. رحيل الممثل البريطاني برنا ...
- برنامج -عن السينما- يعود إلى منصة الجزيرة 360
- مسلسل المتوحش الحلقه 32 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
- -الكتابة البصرية في الفن المعاصر-كتاب جديد للمغربي شرف الدين ...
- معرض الرباط للنشر والكتاب ينطلق الخميس و-يونيسكو-ضيف شرف 
- 865 ألف جنيه في 24 ساعة.. فيلم شقو يحقق أعلى إيرادات بطولة ع ...
- -شفرة الموحدين- سر صمود بنايات تاريخية في وجه زلزال الحوز
- من هو الشاعر والأمير السعودي بدر بن عبد المحسن؟


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم العبيدي - الحلم السردي.. سياحة من الغرائبي إلى الواقعي