عماد عبد اللطيف سالم
الحوار المتمدن-العدد: 4730 - 2015 / 2 / 25 - 22:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يا فراشات الضوء القادم من جوف الليل .
يا حبّات النور والندى .
سنتقاعدُ معاً .
أنا من التعب .
وأنتم من ضجر الدروس الكئيبة .
معكم .. سينتهي زمنُ القصص القصيرة جداً ، مثل موجة .. والعميقةِ جداً ، مثل بحر .
معكم سينتهي زمنُ الوجوه التي كانت تكتبُ ، في كلّ عامٍ ، حكاياتَ الشغف القديم .. و تاريخَ الرائحة التي تملأُ المكان بحنينٍ مُلتَبِسٍ إلى الغد . هذا الغد الذي لم يعُد لي .. وأصبحَ الآن وديعتي لديكم .. وإرثي الوحيد .
وكما مرّت المسرّات من قبل ، وعافتني وحدي ، أعلِكُ الأسى والغياب .. ستمضون انتم ايضاً .. وسأبصركم بما تبّقى لي من ماء العيون ، في سمائي التي تضيقُ بي يوماً بعد يوم ، وكأنّكُم نجمةً تركضُ وراء نجمة ، لتوقدَ الشموع فوق تعبي .. الذي آن لهُ أن يضيء .
يا بنينَ الأمل .. وبناتَ الأماني .
يا حبّات السنابلِ في بيادر الروح .
هذه الكلمات لكم .
و أينما تكونوا .. سنكون .
و سيكونُ مُدهشاً أنّ نكتشفَ أنّنا كنّا نحبّكُم كلّ ذلك الحب . وأنكم لن تجيئون الينا كما جئتم من قبل . وأنّنا سنشتاقُ اليكم كثيراًً . و أنّنا سنمُدُّ اليكم راحة ايدينا ، لتغفون فوقها مثل حمامٍ أليف . وأنّنا ، فيها ، سنحرسكُم من الأسى ، ولو عن بُعْدٍ .. ولو بعد حين .
هذه الكلمات لكم .
ولو كان ذلك بوسعي .. لأرسلتُ إلى كلّ واحدٍ منكم ، وكلّ واحدة منكنّ ، رسالة أضع
فيها أصبعي على الجرح .. وأمنحُ ذلك الجرحَ إسماً صريحاً .
لكنه الخوف من ان يساء فهمُ المقاصد .. فتضيع الرسالة في زحمة الخراب .. وتفلتُ
بعضُ النيازكِ من السماوات التي غفَتْ السنواتُ الأربعُ فيها .. وكأنّها ومضة ضوءٍ
مرّتْ .. وتركت ضحكاتكم مرسومةً على روحي .
هذه الكلمات لكم .
اقرأوها ببرودكم المعتاد .. لعل وعسى يطرق احدهم باب البيت .. ويترك باقة الورد
التي تخصّكُم على العتَبة ، ويمضي بعيدا .. كما مضيت .
هذه الكلمات لكم .
سأملأ بها الأرض ، و اغرس عذوبتكم فيها .. تاركاً بعدي قناديل تمتدّ على مدى الحلم .. ويورقُ بها ألفُ نهارٍ ، ونهار .
لن اترك بعدي خيانة الأكاذيب الصغيرة .. او الخوف من الظُلْمة .
لن أترك أمكنتي فارغة منكم .
لن أترك شيئا من الرماد العقيم .
سأترككم بعدي .. تضيئون الدروب التوّاقة إلى النور .. وتحلمون وحدكم .. معتوقون من رضاعة الأم ورعاية الأب ، مثل طفل يحبو في انتظار الخطوة القادمة .. ودهشتها المضيئة .
لاتتركوا هذا العراق العجيب فارغا .. في انتظاري .. وانتظار غيري .
املأوه بالصخب والمحبة وعبير العشب والضجيج المقدس .
وفي آخر الدرب ، ساكون هناك .. مُنتظِرا إياكم ، مثل نسر قديم .
وداعاً يافاكهة الفردوس .
وداعاً لعام الواجب الأخير .. والوظيفة الأخيرة .. والدور الأخير .
وداعاً للنخلِ الذي لايزالُ نابِتاً في هذا البلد .
النخلُ الذي لولاه .. ما كانَ هذا العراقُ جميلاً ،
وعزيزاً ،
وجاحِداً ..
إلى هذا الحد .
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟