عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4657 - 2014 / 12 / 9 - 15:23
المحور:
الادب والفن
الرقص على جسد الشهوة
حتى مجيدة جارتنا التي كانت تتعمد أن تلبس ثياب النايلون صيفا وتأت لتساعد أمي في الخبز تحديدا, فهي تعلم تماما أني أتفحص جسدها بشراهة قبل أن تلبس الثوب البالي فوق ثيابها وتبدأ بسجر التنور الطيني ,اليوم أرى تلك السيدة الخمسينية في حينها مجرد كتل من اللحم الموزع بعشوائية لا تفصح عن جسد امرأة بقدر ما تثيره من غباء في التكوين والتشكيل الجسدي , يقارن فيصل جسدها وبلهجة ساخرة مع صديقته الدنماركية التي يصعب علي تلفظ أسمها وأقترحت أن أناديها بـ لينا .
الصدفة وحدها أحيانا تحدد المسارات وتختار ما لم يكن في الحسبان ,لا أتذكر أنه في السنوات العشر الأخيرة جاء في بالي أن أسأل عنه فقد أفترقنا قبل ثلاثون عاما بالتحديد ,قبلها كنا نذهب سويا بعد الأنتهاء من الكلية مشيا صوب شارع السعدون كل ثلاثة أيام مرة نجمع ما فضل من المصروف اليوم وأحيانا نستلف بعض الدراهم لنكمل سهرتنا ما بين الظهر والعصر في مقصف مزوي ,الثرثرة تفتح أبوابها لمجرد أن نشم رائحة الزحلاوي ,كل منا له طقوس مع أول كأس لكن ما يعجبني به كان تجدده الواعي في طرح فكرة جديدة للنقاش تنهي دوما بالبكاء المر منه فقد كان شهوانيا شبقيا من غير حد .
في بيت لينا اول لقاء حقيقي منذ أن وصلت إلى هنا ,الطاولة كانت تتسع لثلاث مقاعد أو بالأحرى لا توجد في الغرفة الصغيرة والجميلة التي تتمتع بدفء يوحي لك بالانسجام الودي بينهم غير هذه المقاعد ,جلس زوج لينا على طرف صندوق لا أعرف بالضبط أن أصفه ولكنه كان قريبا مني, سررت أنه يتكلم العربية بلهجة مفهومة فيما أحتضن صديقي لينا ورسم قبلة ذات معان على شفتيها شعرت في حينها لو أهرب من هذا الموقف الغريب .
في أول محاولة له أن يكتب قصة قصيرة في الثمانينات نشرت له أحدى الصحف المحلية أقصوصة قصيرة عندما قرأها البعض كنا نتوقع له أن يكون تشيخوف العراق ,هذا ما أكده محرر الصفحة عندما ألتقينا به مصادفة في أروقة كلية الآداب ,كان هناك أحتفالا كبيرا لا أتذكر المناسبة وبعدها بيومين ذهبنا للجريدة ومعنا نصوص له ولنا طردنا موظف الاستعلامات وهددنا بالأمن لو رجعنا مرة أخرى ,لم يكن هذا الموقف الوحيد الذي صادفنا ونحن نبحث عن عمل ,فقد أستأجرنا أحد الأشخاص لتدريس أبنه في الصف السادس الابتدائي ,هو يعط درسين وأنا درسين مضى أسبوع جميل حتى ذهبت كما المعتاد حتى تلقيت سيل من اللكمات على وجهي وطردت شر طرده ,علمت أن الزوجة قد راودت فيصل عن نفسها فأكرمها إكرام البدوي وأعطاها الدرسين بدل ابنها .
دخلنا في حوار مع زوج لينا الذي أخذني لغرفة صغيرة أخرى كانت أقرب للمكتبة أو المكتب منها لغرفة استراحة ,لوحات معلقة على الجدران تنتمي للفترة الذهبية من الفن الأوربي الانطباعي ومجموعة من الشهادات الدراسية معلقة ومؤطرة بأناقة على الجدران , بدأ يشرح لي كيف يمكنه التوفيق بين عمله كأستاذ مدرسة ثانوية متخصص بالفلسفة وبين متطلبات دراسته في الحصول على الدكتوراه في فلسفة الفيزياء , فهو يدرس الفيزياء أيضا , سألته ألا يمنحون إجازة دراسية للتفرغ للبحث , تعجب مني أن أطرح فكرة الإجازة وأستغرب كيف له أن يجسد المستجد العلمي إن كان منقطعا عن التدريس ,قال أنها هذه الشهادة الثانية له فقد حصل قبل أربع سنوات على شهادة مماثلة من جامعة كوبنهاغن .
في أواسط الثمانينات عندما قدمتا للدراسة في الماجستير لم يكن ممكنا لنا حتى التنافس مع أشخاص أخرين لا يملكون أدنى المؤهلات المطلوبة ,كان موضوع الحرب ورفد الجبهة بمقاتلين أولى كثيرا من الماجستير خاصة ونحن أكثرا أهلية نوعية لأن نكون في الخطوط الأمامية التي لا ترحم مثقف أو متعلم أو جاهل , الموت عندما يأت عاصفا لا يفرق بين القطان الموجودة أمامه طالما أنها تتقبل الموت بسهولة , فيصل بعد أخر محاولة للتقديم للدراسات العليا أختفى ولم أعرف عنه شيء إلا قبل أسابيع عندما قرأت أسمه بالصدفة على صفحة أحد الأصدقاء ,عندما ألتقيته كان ذلك فيصل الشبقي الفيلسوف الذي يتفنن في التوجع ويبدع وهو ثمل حتى لا يمكن أن تجد في الكون أفكارا أكثر واقعية وتراجيدية مما يطرحه وهو في قمة الجنون مع الخمر .
في الطريق لشقة لينا أخبرني أنه يستمتع بمناخ أوربا إنه يبعث بك للجنة كل يوم وتطارح جميلاتها غرام كل تفاصيله لم يستطع رب لا في السماء ولا في الأرض أن يصف الروعة تلك , أخرج من حقيبته التي يحملها على الكتف مجلة أسبوعية دنماركية فيها قصة نالت الجائزة التقديرية وترجم لي المقطع الأول(( أنها تغرز أظافرها في جسدي تسري رعشة توقظ ألاف السنين من الحرمان لهذا البياض الطاغ فتثور في عروقي كل رغبة الأجداد والأسلاف فأفرغ بركاني حمما تصهرها وتصهرني فيصبح كل شيء مباح حتى الموت يكون مجرد لوحة سوريالية وأنا أطعمها خيرات الشرق)) ,أعرف تماما كم هو مجنون ومهووس بالنساء وأشياء أخر شعارة كان قديما (خمر ونساء وفلسفة وبعدها كل شيء يهون).
في الحديث كنت مترددا أن اسأل زوجها عما يجري بين صديقي وزوجته وقد ذهبا معا إلى مكان ما داخل الشقة دون أن يسأل لكن تطرقت متقصدا مفهوم الحرية الأجتماعية وكيف ننظر لها نحن كشرقين وعن الصورة التي يرسمها بأعتباره متفلسف عنا ,أدرك بذكاء خارق أنني أقصد ما أقصد سألني لو أنني ويقصد حاله رجل يمارس التجارة في بلدة ما دون أن يخرق القانون ودون أن يغش أحد أو يخدع أحد ويؤدي ما هو مقتنع به من وظيفة تتوافق مع ميله ,هل يشكل ذلك أنتهاك للحرية في الرأي , أجبته على الفور طالما لم يكن هناك أنتهاك لحرية الأخر لا أظن أنني أمانع ,قال هي تمارس حريتها دون أن تنتهك حريتي أنا ومقتنعة أنها من حقها أن تتمتع بجسد يعود لها ولا يشكل ذلك تعارض مع فكرتي فهي لم تخطئ .
في عام 1964سقطت جارتي سميرة صريعة بخنجر أبيها وأخيها الذي تغرز عميقا في جسدها الذي لم يبلغ الربيع الرابع عشر بعد أن تعرضت وهي نائمة لسطو سافل من الجيران أستغل غياب أهلها الذين كانوا يبكروا فجرا للذهاب إلى العمل وفض بكارتها دون أن تستطيع أن تدافع عن نفسها أمام قوة وغلاظة هذا الوحش ,أخبرت والدتها كما أخبر الجيران عما حدث وهي تبكي خارجة من دارها كالمجنونة لم يمض مساء ذلك اليوم إلا وهي تدفن في أطراف البلدة بدون غسل ولا تكفين لأنها عار محض ,عار صنعه وغسله أيضا عرف أخرق همجي وما زلت أتذكر دموعها وهي تتوسل لأبيها ومنظر السكاكين تنهش جسدها وأخيرا قص أخيها كفها الأيمن ليحتفظ به دلالة الأنتصار الأعظم .
ذهب صديقي الجديد وعاد محمل بعلبتين من البيرة الألمانية يدعونني فيها لتغيير الجو بعد أن سردت له قصة سميرة ولكن بكثير من الحذر , أعتذر مني إن لم أكن مثل صاحبي فيصل قلت أنا لا أشرب البيرة حماية لصحتي قال بلهجة أقرب للسورية حرام قلت لا ولكن لا أحبذها فقط ,سألني هل تم تقديم القتلة للقضاء والغاصب أيضا قلت ,أظن أن أخيها دخل فترة قصير للسجن وخرج بعذر قانوني يسمى الدفاع عن الشرف ,أما أبيها والغاصب تصالحا على ما أظن ,قال بإمكانك أن تقيم هذه الدعوى هنا ضد المجرمين والاقتصاص منهم أظن أن سميرة ما زالت تتألم في قبرها , قلت أطمئن قبل أن أصل هنا مررت على قبرها وجدته الأن مجرد بناية يسكنها أولاد يحلمون بغد خال قانون يسامح القتلة.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟