أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو عبد الرحمن - السيسي يقدم للعالم رسالته في الديمقراطية















المزيد.....



السيسي يقدم للعالم رسالته في الديمقراطية


عمرو عبد الرحمن

الحوار المتمدن-العدد: 4590 - 2014 / 10 / 1 - 02:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لكي نفهم ونقترب خطوة أخري من عقل الإنسان، الرمز والقائد الذي يعشق تراب هذا البلد، ويعشقه الملايين من أبناء مصر، ربما يكون من الأنسب العودة معه إلي سنوات مضت، حينما كان طالبا نجيبا بكلية الحرب الأميركية، وليقدم في ختام دراسته مشروع بحثه الاستراتيجي، وكان بعنوان "الديمقراطية في الشرق الأوسط"، وهي الرسالة الأكاديمية الراقية التي أشرف عليها الكولونيل "ستيفن جي. جيراس"، وذلك - تحديدا بتاريخ 15 مارس عام 2006.

الرسالة وبقراءة متأنية لسطورها تكشف عن وعي عميق امتلكه "العميد" عبدالفتاح السيسي، - هو الآن المشير والرئيس - بكل معطيات الحياة السياسية والاجتماعية والإنسانية في بر مصر المحروسة وكذا في منطقة الشرق الأوسط ككل.

وهو ما يتضح جليا في دراسته المقارنة السريعة لمفهوم الديمقراطية ومدي ملائمته لدول العالم الثالث، وكذا الأسلوب الأمثل للتعاطي الديمقراطي من جانب شعوب هذا العالم، ما يؤخذ منه وما يترك، وفقا لمقتضيات الظروف الآنثروبولوجية والإثنية والتاريخية.. وننتقل سريعا بك عزيزي القارئ إلي سطور البحث الفريد:

والبداية مع ملخص البحث

يتناول هذا البحث تبعات التحول الديمقراطي في منطقة الشرق الأوسط، من خلال تقييم الأوضاع الاستراتيجية والسياسية الراهنة في الشرق الأوسط، وإلقاء الضوء على التحديات والمخاطر والمزايا التي يقدمها تشكيل حكومة ديمقراطية. وتشمل محاور البحث: الاختلاف في المنظور بين الثقافتين الشرق الأوسطية والغربية، تأثير الفقر وتدني مستوى التعليم وعنصر الدين، الافتقار للرؤية الاستراتيجية، سيكولوجية الشعوب والحكومات، المخاطر المتأصلة في الديمقراطيات الجديدة. ويعرض البحث في ختامه إلى استشراف مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط.
الديمقراطية في الشرق الأوسط

تُعتبر منطقة الشرق الأوسط واحدة من أهم المناطق في العالم، وهي مهد الديانات السماوية الثلاث:الإسلام والمسيحية واليهودية. يغلب الطابع الديني على ثقافة شعوب الشرق الأوسط حيث يعد من أهم العوامل المؤثّرة على سياسات المنطقة. ومن ثم، ينبغي مراعاة تلك النزعة الدينية في المفاوضات الدبلوماسية وعملية وضع السياسات. وعلى الصعيد الاقتصادي، وقد أنعم الله على تلك البقعة من الأرض بكميات هائلة من احتياطي النفط والغاز تكفي لسد أغلب احتياجات العالم من الطاقة، ولهذا السبب تولي القوى العظمى اهتمامًا كبيرًا بالمنطقة، وتسعى جاهدة إلى إحكام سيطرتها والهيمنة عليها لتأمين مصادر الطاقة اللازمة لاستمرار نموها الاقتصادي(). ونتيجة لذلك يقع الشرق الأوسط تحت ضغوط مستمرة لإرضاء أجندات متعددة قد لا تتفق مع احتياجات شعوب المنطقة ورغباتها. أضف إلى ذلك البُعد الجغرافي الذي جعل من الشرق الأوسط منطقة استراتيجية حسب المنظور العالمي، حيث يتحكم في ثلاثة ممرات ملاحية ذات أهمية تجارية وعسكرية، هي قناة السويس ومضيقي هرمز وباب المندب. وبالتالي، نجد أن الموقع الاستراتيجي الذي تتمتع به المنطقة والطابع الديني الذي يميز ثقافتها يشكلان معًا حجر عثرة أمام إقامة أي نظام ديمقراطي في المنطقة على المدى القريب.

ومما يزيد من تعقيد سبل تحقق الديمقراطية في الشرق الأوسط قضية الصراع العربي الإسرائيلي، كونه صراعًا لا يقتصر على الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فحسب، بل هو صراع يؤثّر على جميع العرب في الشرق الأوسط. ويثير وجود إسرائيل في المنطقة لخدمة المصالح الغربية الشكوك لدى العرب إزاء الديمقراطية وحقيقتها()؛ الأمر الذي سيزيد من تقويض آفاق الديمقراطية في الشرق الأوسط ويشكِّل مسوغًا لظهور نموذج ديمقراطي يخدم مصالح المنطقة، وإن كان لا يحمل سوى القليل من الشبه للنموذج الغربي للديمقراطية().

على الرغم من أن الشرق الأوسط قد شرع في التحوُّل نحو تطبيق الحكم الديمقراطي، إلا إن بقايا الأنظمة الدكتاتورية المستبدّة لا زالت قائمة؛ مما يقوض من فرص تحقيق الديمقراطية إلى جانب حالة التوتر التي تسود المنطقة حاليًا نتيجة للصراعات الموجودة في العراق وأفغانستان إضافة إلى الصراع العربي الإسرائيلي. ولن تتقبل شعوب المنطقة فكرة الديمقراطية بشكلٍ كاملٍ حتى تتم تسوية النزاعات وإزالة أسباب التوتر.

يتشدق العديد من القادة الاستبداديين بمبادئ الحكم الديمقراطي ويشيدون به في الظاهر، بينما باطنهم يرفض الاحتكام إلى الإرادة الشعبية عن طريق التصويت(). وثمّة أسباب وجيهة لذلك، أولها أن العديد من بلدان المنطقة ليست مؤهلة تنظيميًّا لاعتماد الحكم الديمقراطي(). ثانيًا، وهو الأهم، أن هنالك مخاوف أمنية داخلية وخارجية في تلك البلدان. ونظرًا لأن قوات الجيش والشرطة غالبًا ما تكون موالية للحزب الحاكم في الكثير من بلدان المنطقة، فإنه لا يوجد ما يضمن تعاون تلك القوات في حال تطورت الديمقراطية مع مؤسسات ودوائر جديدة ووصول أحزاب جديدة إلى سدة الحكم. لذا يتعيّن على القوات الأمنية بناء ثقافة تقوم على إظهار الولاء للدولة لا للحزب الحاكم. كذلك ينبغي تهيئة وإعداد الجماهير التي تعيش في ظل النظام للاضطلاع بدور تشاركي في الحكم الديمقراطي. ويتطلب تحقيق ذلك بعض الوقت لتثقيف المواطنين العملية الديمقراطية ذاتها لكي تكون أكثر قدرة على الجذب.

لقد ظلت أمريكا هي القوة الدافعة في الشرق الأوسط، لاسيّما عندما يتعلق الأمر بدعم مصالحها القومية. وقد دعمت أمريكا، في سعيها لتحقيق ذلك، أنظمة غير ديمقراطية وبعض الأنظمة التي لا تتمتع بالاحترام بالضرورة في الشرق الأوسط، مثل أنظمة البلدان الخليجية، كالمملكة العربية السعودية، ونظام صدام حسين في بداياته، والمغرب، والجزائر، وغيرها. وقد دفع ذلك الكثيرين إلى التشكيك في دوافع الولايات المتحدة ورغبتها في إرساء الديمقراطية في الشرق الأوسط في الوقت الراهن. فهل يصب التحوّل الديمقراطي في صالح الولايات المتحدة، أم هو لصالح بلدان الشرق الأوسط؟ إن التطوّر الديمقراطي في الشرق الأوسط لن يتحقق بسهولة إذا ما اعتُبرت الديمقراطية خطوة من جانب الولايات المتحدة بهدف تحقيق مزيد من المصالح الاستراتيجية لها، كما أن هناك قلقاً من أن الحرب على الإرهاب هى فى الحقيقة مجرد قناع لإقامة الديمقراطية الغربية فى الشرق الأوسط()، ولكى تنجح الديمقراطية فى الشرق الأوسط، يجب أن تعكس مصالح بلدان الشرق الأوسط وليس مصالح الولايات المتحدة فقط، ويجب أن يُنظر إلى الديمقراطية على أنها مفيدة لشعوب الشرق الأوسط، وأن تظهر الاحترام لطبيعة الثقافة الدينية، فضلاً عن تحسين ظروف المواطن العادى.

يعد النموذج العراقي لترسيخ الديمقراطية معيارًا رئيسيًّا لاختبار الديمقراطية في الشرق الأوسط. وهل ستسمح الولايات المتحدة للعراق بأن يطور ديمقراطيته الخاصة أم أنها ستحاول صياغة ديمقراطية موالية للغرب؟ فعلى سبيل المثال، هناك طوائف مختلفة من المسلمين (الإخوان، والشيعة، إلخ)، ومن المرجح أن يظهروا فى مختلف بلدان الشرق الأوسط فى إطار الحكم الديمقراطى، وإذا ما نُظر العالم العربى للعراق باعتباره دُمية أمريكية، فلن تسعى بلدان المنطقة للمضىّ قدمًا نحو الديمقراطية، وإن فعلوا ذلك فهل ستكون أمريكا مستعدة لقبول ديمقراطيات الشرق الأوسط فى شكلها الخاص، التى قد تكون أو لا تكون متعاطفة مع المصالح الغربية، لاسيما في السنوات الأولى من عمر الديمقراطية في الشرق الأوسط؟

يتعين أخذ رغبات شعوب بلدان (المنطقة) ومتطلباتها بعين الاعتبار. هل هم في حاجة إلى الديمقراطية، وهل هم مستعدون لتغيير أساليب حياتهم من أجل إنجاح التحول الديمقراطي؟ ذلك لأن تغيير الثقافة السياسية هو أمر صعب. فأن يقال إن الديمقراطية هي الصيغة المفضلة لنظام الحكم هو أمر يختلف تمامًا عن التأقلم مع متطلباتها وقبول خوض المخاطر الناجمة عنها. فقد أثبت التاريخ- على سبيل المثال- أن السنوات العشر الأولى من أية ديمقراطية جديدة غالبًا ما يحدث خلالها صراعات داخلية أو خارجية إلى أن تنضج هذه الديمقراطية الجديدة().وبينما تتطور الديمقراطية يجب أن يكون الشعب ملتزمًا بالديمقراطية وعلى استعداد للتغلب على التحديات المختلفة.
.
إن تغيير الأنظمة السياسية من الحكم الفردي إلى الديمقراطي لن يكون كافيًا لبناء ديمقراطية جديدة، ذلك لأن الأنظمة الاقتصادية والدينية والتعليمية والإعلامية والأمنية والقانونية بالدولة جميعها ستتأثر. ونتيجة لذلك، سيتطلب الأمر وقتًا لكي تتأقلم الشعوب والمؤسسات مع الشكل الجديد للحكم ونظام السوق الحر الذي سينشأ. وسيتعيّن على البلدان الديمقراطية تقديم الدعم إلى الديمقراطيات الجديدة الناشئة والتحلى بالصبر معها. وفي رأيي، فإن الديمقراطية تحتاج إلى بيئة جيدة تتمتع بوضع اقتصادي معقول، ونظام تعليم جيد، وفهم معتدل للقضايا الدينية، وفي النهاية رغبة من الأنظمة في تقاسم السلطة مع الشعب. وبالنظر إلى أن بلدان الشرق الأوسط تمتلك قاعدة دينية قوية، فإنه من الضروري أن يعمل الزعماء الدينيون على إقناع شعوب المنطقة أن الديمقراطية أمرٌ جيد للبلاد، ولا تتناقض مع القيم الإسلامية المعتدلة. ويمكن لهذا النوع من الدعم الشعبي من الزعماء الدينيين الإسهام في بناء أنظمة ديمقراطية ومباركة التغيير الذي سيصاحب عملية التحول الديمقراطي.

يتطلب التحول الديمقراطى إجراء بعض التغييرات، فضلاً عن متطلبات الزمن المصاحبة لك، وبالتالي لا يمكن أن نتوقع من بلدان الشرق الأوسط التحول إلى نظام الحكم الديمقراطى بخطى واثبة. وثمّة قلق في الشرق الأوسط من أن أمريكا تتعجل "دمقرطة" المنطقة، وذلك في ضوء عدوانها على العراق وأفغانستان واستراتيجيتها المبنية على اتخاذ الإجراءات الوقائية إذا ارتأت ذلك(). أما التحرك في هذا الاتجاه بسرعة كبيرة فقد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة، حيث من الممكن أن ينظر إلى الدوافع الأمريكية على أنها أنانية ولا تحترم أسلوب حياة شعوب الشرق الأوسط. فمن المهم أن تمضي بلدان الشرق الأوسط نحو الديمقراطية بخطى ثابتة ومنطقية ومنضبطة وفقًا لشروط بلدان المنطقة. إلا إنه يتعيّن على الديمقراطيات الغربية تقديم المساندة من خلال توفير الدعم الاقتصادي والتعليمي والتقني للمساهمة في تعزيز التنمية والتغيير.


مفهوم الديمقراطية من المنظور الإسلامي:

قبل المضي قدمًا في البحث، من المهم أن نعرف كيف ينظر رجل الشارع العادي في الشرق الأوسط للديمقراطية. إن الديمقراطية كونها تحتوي على مضمون علماني، من غير المرجح أن تلقى ترحيبًا من قبل الغالبية العظمى من شعوب الشرق الأوسط المتمسكين بالعقيدة الإسلامية(). ويسود توتّر تقليدي في البلدان الإسلامية فيما يخصّ إقامة نظام حكم ديمقراطي(). فيظهر من جهة من يعتقد بإمكانية التوفيق بين الحكم الديمقراطي والطبيعة الدينية لمجتمعات الشرق الأوسط. إلا إنه، من الجهة الأخرى يوجد هناك من يعتقد أن الثقافة القبلية السائدة في بلدان الشرق الأوسط قد لا تتلاءم مع الحكم الديمقراطي حيث ستظهر الكثير من الأحزاب والفصائل بشكل مبالغ فيه. وسينجم عن ذلك مجتمع "مفكّك" لا يمكن توحيده على نحوٍ فاعل. وتبرز كذلك خطورة هذا الوضع الذي قد يؤثّر سلبًا على التماسك الذي كوّنته العقيدة الإسلامية. وعلى الرغم من وجود هذه المخاوف، فإن روح الديمقراطية، أو الحكم الذاتي، يُنظر لها في أغلب الأوقات كمسعى إيجابيّ طالما أنه يعمل على بناء البلاد ويحافظ على القواعد الدينية ولا يهمّش من قيمة الدين أو يؤدي إلى عدم الاستقرار(). ويمثّل تكوين هذا التوازن تحديًا أكبر، مثلما حاولت معظم الديمقراطيات الغربية تكريس انفصال الكنيسة عن الدولة. وما تشير إليه هذه الصورة هو أنه ليس من الضرورة أن تتطوّر الديمقراطية النامية في الشرق الأوسط لتصبح كالنموذج الغربي، بل سيكون لها شكل خاص مصحوبًا بروابط أقوى دينيًا.

من غير الممكن فهم الديمقراطية في الشرق الأوسط دون استيعاب لمفهوم الخلافة التي يعود تاريخها إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم()، فخلال حياته والسبعين عاما التي تلتها تحققت دولة الخلافة المثالية كأسلوب حياة يعيشه الناس ضمن الهيئات الحاكمة. وتُعتبر هذه الحقبة الزمنية فترة مميزة إذ جسدت النموذج المثالى للحكومة، وهو نموذج معترف به على نطاق واسع وتتطلع إليه أى حكومة وهى مشابهة للأهداف التى تتبعها وتسعى إليها الولايات المتحدة مثل "الحياة والحرية والبحث عن السعادة". أما المنظور السائد في الشرق الأوسط، فإن الكلمات التى تحدد شكل الديمقراطية ستكون على الأرجح "الإنصاف والعدالة، والمساواة والوحدة والتكافل"().

على الرغم من أن تحقيق النموذج المثالي كان يمثّل أقصى تطلعات المجتمع الشرق الأوسطي، إلا إنه عقب وفاة الرسول وتأثيره الكامن، بدأت الحكومة الممثّلة في نظام الخلافة بالانحراف عن النموذج المثالي الذي رسخه النبي. وأخذ زعماء الخلافة ينظرون إلى مصالحهم الذاتية وشرعوا في استغلال سلطاتهم لتحقيق رفاهيتهم الخاصة، وبدلاً من السعى لتحقيق رفاهية شعوبهم حاولوا إحكام قبضتهم على السلطة من خلال تعيين الأقارب، وأهل الثقة عوضًا عن أهل الكفاءة الذين تقررهم هيئة البيعة التي تمثل الخلافة(). وقد أدى ذلك إلى تزايد السخط تجاه إدارة الخلافة، حيث حُرم العديد من أفراد العائلات الحاكمة من حقوقهم واختاروا صياغة مفاهيمهم الخاصة للخلافة ما أدى إلى ظهور صراعات قبلية وعرقية فككت الدولة التي كانت تشكل يومًا نسيجًا إسلاميًّا موحدًا(). واليوم لا نزال نعانى من تداعيات الانقسامات التى حدثت فى وقت مبكر داخل المجتمع الإسلامى، حيث يوجد فى المنطقة مختلف الفصائل القبلية والعرقية، ونظراً لهذا الوضع، يصبح توحيد تلك الفصائل أحد التحديات التى تواجه محاولات إعادة إقامة الخلافة الرشيدة من جديد.

هناك مسائل ذات علاقة بموضوع الخلافة مثل البيعة والشورى، ويرجع تاريخهما للسنوات الأولى من الإسلام، وبالتالى فهى مفاهيم مهمة ومحترمة.()، فالبيعة هى عملية انتخابية لاختيار الخليفة، بينما الشورى تعتبر هيئة استشارية ورقابية للخليفة أو الخلافة، ويغلب على عملها الطابع الديني حيث تعمل على ضمان قيام الخليفة بواجباته طبقًا للتعاليم الإسلامية. ورغم أن هاتين العمليتين لهما خلفية تاريخية دينية، فإنها تمثل آليات لتطوير الديمقراطية.
.
بالنظر إلى الطبيعة الدينية لثقافة الشرق الأوسط، ثمة تساؤل يطرح نفسه عن ماهية التركيبة المحتملة للديمقراطية. فهل سيكون هناك ثلاثة أو أربعة أفرع للحكومة؟ وهل يتوجّب إضافة الجهاز الديني للأجهزة التنفيذية والتشريعية والقضائية لضمان توافق القانون مع المعتقدات الإسلامية؟ قد تكون الإجابة بنعم، لكن قد لا يكون هذا من أفضل الوسائل. فالأمثل هنا هو ضرورة أن تأخذ جميع الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية المعتقدات الإسلامية بعين الاعتبار عند القيام بواجباتها. وبالتالي، لن تكون هناك حاجة إلى وجود جهاز ديني منفصل. إلا إنه لكي يتم تقنين المبادئ الرئيسية للعقيدة الإسلامية، ينبغي أن يكون ذلك منصوصًا عليه في الدستور أو في أية وثيقة مماثلة. ولا يعني ذلك إقامة دولة دينية، بل يعني تأسيس ديمقراطية قائمة على المعتقدات الإسلامية.

أهم ما يتبادر إلى الذهن عند التأمل في مسألة الديمقراطية في الشرق الأوسط هو ضرورة تمكين الديمقراطية من الظهور، وهي قد لا تكون على نفس النمط الغربي، ولكنها ستكون بداية الطريق. والقاعدة العامة هى أن الشرق الأوسط هو الأكثر تأييدًا لروح الديمقراطية وسيظل يدعمها طالما تسعى إلى تحقيق الوحدة الشاملة. ويتضمن هذا الأمر السماح لبعض الفصائل التي قد تعتبر راديكالية بالمشاركة السياسية، لاسيما إذا كانت مدعومة بالأغلبية عبر التصويت الشرعي. فمن غير المعقول أن يطالب العالم بالديمقراطية فى الشرق الأوسط، ثم يستنكرها لأن الفائزين فى الانتخابات أقل تأييداً للغرب، ولو أخذنا- على سبيل المثال- الانتخابات التي أجراها الفلسطينيون مؤخرًا وفازت بها جماعة حماس، فسنجد أن هذه الجماعة ليست على وفاق مع الولايات المتحدة والبلدان الغربية ولكنها انتخبت بطريقة شرعية. والأمر الآن متروك لحماس وبقية بلدان العالم للعمل على تسوية خلافاتهم السياسية. ومن المهم أن ندرك أنه على الرغم من وجود خلافات عميقة، لاسيما فيما يتعلق بوضع إسرائيل، إلا إنه من المهم منح الفرصة للأحزاب المنتخبة شرعيًا لكي تحكم. وإذا لم تتوفر فرص مماثلة فى الانتخابات الخاصة ببلدان الشرق الأوسط، فإن بلدان المنطقة ستشكك فى مصداقية البلدان الغربية، وحقيقة نواياها فيما يتعلق بالحكم الديمقراطى وما يمثله.

تعتبر مسألة الديمقراطية في هذه المرحلة من تاريخ الشرق الأوسط من المسائل الهامة، وقد نضجت المنطقة لاستيعابها. ويشعر الكثيرون في الشرق الأوسط بأن الأنظمة المستبدة البائدة والحالية لم تحقق التقدم المأمول، وبخاصة إذا ما قورنت بحكومات مناطق أخرى في العالم الإسلامي مثل ماليزيا، وباكستان، وإندونيسيا، ناهيك عن بعض البلدان الغربية.

إن ترسيخ الديمقراطية مسألة لا تعرقلها المبادئ الإسلامية، فمن الممكن أن يتعايش نهج الإسلام مع الديمقراطية. فعندما استُحدثت الديمقراطية في الولايات المتحدة تأسّست على أساس القيم اليهودية والمسيحية. وبالنظر إلى التأثير المفرط لكنيسة إنجلترا، قرّرت الولايات المتحدة أن تدرج بعض المواد في الدستور لفصل الكنيسة عن الدولة، إلا أنه لم يتم استبعاد الدين من الحكم نهائيًا، على الرغم من اعتقاد البعض ذلك. ومن الواضح أنه خلال الأعوام الأولى من نشأة الولايات المتحدة أضحى الدين عاملاً هامًّا ساهم بشكل كبير في صياغة منظومة قيم الأمة الأمريكية.() ولا يختلف هذا التوجّه كثيرًا في الشرق الأوسط سوى أن الدين الإسلامي هو الذي يمثّل الأساس الذي ستُبنى عليه الديمقراطية، مع السماح بممارسة الديانات الأخرى على غرار التقليد الأمريكي، إلا إن الإسلام سيبقى هو الدين السائد في الشرق الأوسط، وبالتالي يكون المنطقي أن نظام الحكم الديمقراطي سيقوم على تلك المعتقدات. أما التحدّي الذي سيواجهه العالم هو ما إذا كان سيقبل بالديمقراطية المبنية على المعتقدات الإسلامية في الشرق الأوسط. وإذا تحدثنا من الناحية العلمية، فلاينبغي أن يثير ذلك أي إشكال لأن المعتقدات الإسلامية تنتج سلوكيات متشابهة إلى حدٍّ كبير مع سلوكيات الديانات الأخرى.

تحدّيات الديمقراطية في الشرق الأوسط

هناك عددٌ من التحدّيات الداخلية التي من شأنها إعاقة العملية الديمقراطية مثل الفقر، ومستوى التعليم، وممارسة الشعائر الدينية، والطبيعة النفسية للمواطنين والحكومات. يقدّر مجموع الدخل (الناتج القومي) في بلدان الشرق الأوسط مجتمعة بـ700 مليار دولار سنويُّا، وهو يعتبر أقل من إجمالي دخل إسبانيا. أما إجمالي دخل البلدان الإسلامية، بما فيها البلدان الواقعة خارج منطقة الشرق الأوسط، فهو أقل من دخل دولة مثل فرنسا. وأسباب الفقر في الشرق الأوسط متعددة تأتي على رأسها- على سبيل المثال لا الحصر- الصراع العربي الإسرائيلي والحرب العراقية الإيرانية ونزاع الصحراء المغربية، والخافات بين سوريا ولبنان. وقد أدّت تلك الأزمات إلى زيادة الديون الداخلية والخارجية وحالت دون تحقيق نمو اقتصادي(). وقد تفاقمت مظاهر العجز الاقتصادي بسبب سوء السياسات الاقتصادية والقرارات السياسية. فمن نافلة القول إن بلدان الشرق الأوسط أخذت على عاتقها تكريس نمط الأسواق الموجّهة حكوميًّا بدلاً من الأسواق الحرّة، ونتج عن ذلك عدم ظهور حوافز لتطوير الاقتصاد(). كما أدت السياسات الحكومية فيما يتعلق بتوفير فرص العمل إلى حدوث صعوبات، ذلك لأنه في كثير من الأحيان كان يتم طرح أعداد كبيرة من الوظائف على الرغم من عدم وجود تمويل كافٍ لدعم البرنامج التشغيلي، مما نجم عنه تفشي البطالة واشتعال السخط الشعبي ضد الحكومات(). وتعتبر حالة السخط الشعبي أحد العوامل الرئيسية لإثارة التوتر في الوقت الراهن فيما يتعلق بمسألة الديمقراطية. ينظر الناس في الشرق الأوسط إلى أية حكومة نظرة ملؤها الارتياب، وما يزيد من الطين بلّة أن من يعتلي السلطة تبدو عليه مظاهر الرخاء والرفاهية بينما يكابد الإنسان البسيط لكسب قوت يومه. وهذا ما يفاقم من تدهور المفهوم الذي يمكن أن تقوم عليه الحكومات لخدمة شعوبها، ويومًا تلو الآخر يكافح الناس لكسب أقوات يومهم والاقتصاد لا يتمتّع بالحيوية التي تيسّر ذلك في حين تتفشى البطالة متفشيّة بين الناس في الشرق الأوسط. وبما أن النظم الاقتصادية تتسم بالضعف، فإن الناس يضطرون للقيام بما يتحتّم عليهم القيام به للمعيشة، وغالبًا ما تُفتح الطرق نحو الفساد الذي يطفو على السطح، في الوقت الذي يتّجه فيه من يستحوذ على السلطة إلى التلاعب بالطبقات الأكثر فقرًا والتأثير عليهم(). ونتيجة لذلك، يتم اعتماد أسلوب "الشيء مقابل الشيء" كسلوك اجتماعي عادي، الأمر الذي يؤدي إلى تكوين سلوك ثقافي مناقض للقيم التي بُنيت عليها الديمقراطية. وسيظهر لدى الناس توجّه قوي نحو "شراء مواقف" السياسيين الناشطين مقابل تحقيق مصالح معيّنة إثر تطبيق الديمقراطية. ويمكن لهذا السلوك أن يتغيّر بمرور الوقت ومن خلال التعليم، لكن ذلك قد يستغرق فترة جيل أو جيلين حتى يصبح واقعًا ملموسًا. ولمعالجة حالة الفقر المنتشرة في الشرق الأوسط، لابد من تحسين الظروف الاقتصادية والسياسية سواءً أقيمت الديمقراطية أم لم تقم. وثمّة فرصة للديمقراطية خلقتها ضرورة تحقيق التغيير، إلا إن هذا يخلق كذلك فرصًا لأنواع أخرى من أنظمة الحكم قد لا تكون حميدة. أما الذين يروجون للديمقراطية فيمتلكون الآن فرصة سانحة في الشرق الأوسط.

إن فرص الإسراع بإقامة الديمقراطية ستتعاظم إذا ما تم التغلب على الفقر. ويتحتّم على بلدان الشرق الأوسط اتخاذ تدابير داخلية لتقوية اقتصادياتها، لكنها في الأغلب لن تستطيع إنجاز تلك المهمة دون دعم من الديمقراطيات الغربية. وقد يتأتّى هذا الدعم على شكل ضخ استثمارات في مشروعات في بلدان الشرق الأوسط، بالإضافة إلى إقامة الأعمال التجارية. كذلك من الأهمية بمكان التعهد بالالتزام بتحريك عجلة الاقتصاد إلى الأمام. ولضمان توفير الدعم الملائم والتحقق من اتخاذ تدابير وقائية لمكافحة خطر الفساد الحقيقي، لابد من إنشاء منظمة حكومية خاصة أو نظام للرقابة الدورية على إدارة أعمال الشرق الأوسط الاقتصادية. وربما حان وقت تجديد نشاط جامعة الدول العربية في شأن الإشراف على الشئون الاقتصادية والتجارية(). إن تلك التدابير من شأنها تحسين ظروف الفقر ومنح فرصة أفضل للديمقراطية.

عندما ينظر رجل الشارع البسيط في الشرق الأوسط إلى المليارات التي تنفقها الولايات المتحدة على الحرب في العراق، فإنه قد يتساءل للوهلة الأولى: لماذا لا يستخدمون هذه الأموال لتنمية الشرق الأوسط اقتصاديًّا بدلاً من الخوض في حرب؟ يشير هذا التصوّر إلى أن الدعم والتحفيز الاقتصادي قد يسهم في إحراز تقدم في سير عملية الديمقراطية وتعجيلها. إلا إن الولايات المتحدة ترى أن إنفاق تلك الأموال على الحرب أمرٌ أساسي لتهيئة الظروف لإرساء أسس الديمقراطية، والتي قد تفقد مصداقيتها في عيون الناس الناس في الشرق الأوسط إذا لم يتم تحقيق الاستقرار في العراق وأفغانستان. فمن الأفضل أن أرى مليارات الدولارات يتم توظيفها لتحقيق أهداف ومساعٍ اقتصادية سلمية فى شكل استثمارات ومساعدات. إلا إن هذا الدعم قد يتبخر في غياب بيئة حاضنة سليمة. ومع ذلك، يجب الإقرار بأن الوسائل الحركية ليست هي الوحيدة لتوفير الدعم لبناء ديمقراطية مستقرة. ولكي تساعد الولايات المتحدة المنطقة فى مجال الديمقراطية بطريقة أكثر فعالية، عليها خفض عدد قواتها العاملة فى العراق وأفغانستان، وإظهار دعمها الاقتصادى للدول المساندة في الشرق الأوسط، مثل مصر.

يحول تردي مستوى التعليم وضعف الاقتصاد دون إقامة الديمقراطية في الشرق الأوسط. وقد وصلت نسبة الأمية في الشرق الأوسط- باستثناء سوريا وإسرائيل- إلى 30-45 % من مجموع السكان(). ويعتبر النظام التعليمي هزيلاً، حيث يشوبه قلة الالتزام بالحضور، وشح الأدوات التعليمية، وضعف التمويل، وقلة القادرين على الوصول إلى شبكة الإنترنت(). يعتبر نظام التعليم ضعيفًا ومناهجه عشوائية غير مرتبطة باحتياجات الشرق الأوسط الاقتصادية أو الحكومية أو حتى الدينية. وعلاوة على ذلك، يتّسم النظام الاقتصادي العام بالهشاشة، ولا يقدّم بدوره حافزًا للشعب لمواصلة التعليم أو استكماله. ويسهم اتساع صلاحيات الحكومة وتضخم رواتب بعض المسئولين في خنق المبادرات الفردية وتعزيز قبضة الحزب الحاكم. ففي مصر، تم في عهد الرئيس السادات تخفيف وتقليص دور الحكومة بهدف تحفيز النمو الاقتصادى، إلا أن تلك الجهود لم تتطور فى عهد الرئيس مبارك() ولا تكفي الإصلاحات الفنية وحدها لتحسين منظومة التعليم في الشرق الأوسط، بل يجب أن يكون هناك حافز اقتصادى من شأنه أن يجعل المواطنين يدركون مزايا التعليم، لذلك يجب أن ترتبط الإصلاحات التعليمية بتحسين القدرات الاقتصادية للبلاد، ويجب على الحكومات تنفيذ السياسات التى تشجع على الحرية الاقتصادية والنمو الاقتصادى.

تتنوع أنظمة الحكم وصيغها بشكل واسع في الشرق الأوسط، فمنها الأنظمة المَلَكية، والحكومات المؤقتة نتيجة لتعرض بعض البلاد للاحتلال (في الأراضي الفلسطينية)، إضافة إلى الديمقراطيات، والجمهوريات، والاتحادات الفيدرالية، والدول الدينية (ثيوقراطية)، لكن الطبيعة الدينية للشرق الأوسط خلقت تحديات للسلطات الحاكمة، خاصة فى ظل سيطرة النظم المركزية على الحكم، وميل الحكومات نحو النظام العلمانى، ما أدى إلى تجاهل قطاعات عريضة من المواطنين يعتقدون بضرورة عدم استبعاد دور الدين من الحكم، أما الزعماء الدينيون الذين يتخطون حدودهم بالتدخل في شئون الحكم، فغالبًا ما يكون مصيرهم الزج بالسجون دون محاكمة. وهذه الحكومات التى تدعى الديمقراطية تحكم قبضتها المركزية وتتحكم في نتائج الانتخابات بطريقة غير عادلة من خلال السيطرة على وسائل الإعلام والتخويف الصريح، وعندما تزيد الحكومات من جرعة الاضطهاد قد تكون النتيجة حدوث بعض الأعمال الإرهابية. وأفضل مثال على ذلك هو الأراضي المحتلة في فلسطين، حيث خلق الظلم والقمع بيئة خصبة لنشأة حركات متطرفة()، وبالطبع توجد عناصر دينية معتدلة داخل المجتمع لكنها ليست مؤثرة بنفس قدر المتطرفين، فالمتطرفون يتمتعون بالنفوذ ويكتسبون شعبية بين الناس، فجماعة مثل حركة حماس من المرجح أن تصل إلى السلطة من خلال الوسائل الديمقراطية، لكنها لا تزال لا تمثل الشعب بنسبة كبيرة، وخاصة المتدينين المعتدلين، الذين يمثلون الإسلام المعتدل حتى فى مواجهة حركة حماس المنتخبة، ومن المحتمل أن تكون هناك تحديات داخلية للحكم، ولكن هناك أمل أن تخفف القطاعات الدينية الأكثر اعتدالاً من سياسات وتدابير المتطرفين.

إن السيطرة على وسائل الإعلام من قبل الحكومة يعرض المسلمين المعتدلين لمزيد من المشاكل، فوسائل الإعلام تحكمها فلسفة علمانية()، ووسائل الإعلام العلمانية تضمن سيطرة الدولة على الإعلام وتحرم رجال الدين المعتدلين من الظهور، وتنشر فلسفة الحياة الليبرالية التى لا يدعمها أو يفضلها الكثير من المسلمين المعتدلين، ما يوفر ذريعة للمتطرفين لأنها تتسبب فى اتفاقهم مع المعتدلين على موقف مشترك واستغلاله لصالحهم، ما يزيد من انتشار وتأثير الأفكار المتطرفة، وكل ذلك لأن الحكومة تمارس السيطرة المفرطة على وسائل الإعلام، وبالتالى لم تعد وسائل الإعلام تقدم أى دور خدمى للمجتمع()؛ فعند وجود حالات من الفساد فى الحكومة، فمن المحتمل ألا يتم تناولها. وعلى هذا النحو، يقود الإعلام الجماهير إلى الاعتقاد بأن حكوماتهم جيدة وتسهر على رعاية كافة المواطنين، لكن الكثير من المواطنين فى الشارع صاروا يدركون الحقائق عبر وسائل أخرى.

سيظل الإعلام يشكل عائقًا أمام التحول الديمقراطي، وذلك لبعض الوقت حتى يمكن الوثوق به للتعبير عن ما هو أكثر من وجهة نظر الحكومة، وسيكون هذا تحديًا هائلاً لأنه يجب على من يتولى السلطة أن يكون على استعداد للتخلي عن الهيمنة على وسائل الإعلام. وربما كانت المراحل الأولى من الديمقراطية مفتقرة إلى التقارير الإعلامية الموضوعية حتى يتم تأسيس منظمات إخبارية مستقلة ومتحررة من قبضة الحكومة. وقد تتأتي أولى الخطوات المهمة في هذا الطريق عبر الاستهلال بتلقي معونة المنظمات الإخبارية الدولية والضغط من الدول الديمقراطية من خلال صحافتها الحرة.

مخاطر الديمقراطية في الوقت الراهن

كما أسلفنا في هذا البحث، يتكوَّن الشرق الأوسط من أشكال متعددة من أنظمة الحكم. ومعظمها يمثّل أنظمة حكم ملَكية تهيمن على مناطق نفوذها وحكمها بشكل كامل. ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى أن هذه الحكومات ستتخلى عن السلطة طواعيةً لصالح حكومة ديمقراطية. إلا إن ثمّة حاجة إلى رؤية موحدة تلتف حولها بلدان الشرق الأوسط بغض النظر عن شكل أنظمة حكمها. وتقدم منظمات مثل منظمة الأوبيك وجامعة الدول العربية نموذجًا للهيئات التي تعبر عن المصالح شرق الأوسطية، لكنها لا تقوم بدور المنظمات الوحدوية مثل اتحاد شمال إفريقيا على سبيل المثال(). وقد يكون من صالح بلدان الشرق الأوسط أن تنظر بعين الاعتبار إلى نشوء الحكومات الإفريقية ومحاولاتها لتنظيم نفسها على أساس إقليمي رغم اختلاف أنظمة الحك بها.

وبالنظر لعدد الملَكيات الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، فلا غرابة أن تتعلق أنظار الشعوب بحكوماتهم لتحقيق رفاهيتهم. ولطالما كان هذا هو الوضع السائد تاريخيًا. وكإطار عام، فقد ظلّت طبيعة كل شعب من هذه الشعوب تعتمد على تلقي الرعاية والمساندة من الحكومات. وكان هذا الوضع مقبولاً في عهد القيادات الرشيدة، ولكن في ظل القادة الفاسدين الذين لا يتمتعون بالثقة فإن الجموع الجماهيرية غير ممثلة سياسيًّا ولا تتم تلبية طلباتها واحتياجاتها. ومجددًا، تضعنا الديمقراطية في وجه التحديات، لذا وجب تبني المبادرات الفردية ومكافأتها حتى يدرك المواطن أهمية السعي نحو تحقيق حاجاته المصيرية بدلاً من الاعتماد على الحكومة. وهو أمر سيستغرق بعض الوقت، ويتطلب إنجازه وجود قيادة قوية، وقاعدة وظائف واقتصاد قوي.

اختلاف التصورات بين الشرق الأوسط والثقافة الغربية إزاء الديمقراطية

هناك أمل فى إقامة ديمقراطية فى الشرق الأوسط على المدى البعيد، إلا أنها قد لا تكون نموذجًا يتبع القالب الديمقراطى الغربى، فالديمقراطية فى الشرق الأوسط يجب أن تتسع لأنواع مختلفة من نظم الحكم، ويجب أن يكون لها هدف موحد هو أن يتحول الشرق الأوسط إلى منطقة موحدة، وهذا هو مكمن الخطورة الحالى، فهناك معركة مستعرة بين المتطرفين والمعتدلين والغرب، وكل طرف يسعى جاهدًا لبسط سيطرته وفرض طريقة الحياة التى تدعم مصالحه().

مستقبل الديمقراطية في الشرق الأوسط
المتطرفين يرون الخلافة باعتبارها الهدف النهائى، فى حين يراقب المعتدلون الديمقراطيات الناشئة فى دول مثل مصر وسوريا ولبنان واليمن، وبطبيعة الحال فإن فلسطين تحصل على نصيبها من اهتمام العالم بعد صعود حركة حماس للسلطة، والسؤال الذى يطرح نفسه: ماذا سيكون شكل الديمقراطيات الجديدة؟ نرى أمامنا ثلاثة اختيارات؛ يرى المتطرفون "عودة" الخلافة باعتبارها الهدف المنشود، في حين يراقب المعتدلون الديمقراطيات الناشئة في بلدان مثل مصر وسوريا ولبنان واليمن. وبطبيعة الحال، فإن تحصل على نصيبها من اهتمام العالم بعد صعود حركة حماس إلى السلطة. والسؤال الذي يطرح نفسه: ماذا سيكون شكل تلك الديمقراطيات الجديدة؟ نرى أمامنا ثلاثة اختيارات؛ الأول هو الديمقراطيات التي تميل نحو التطرف، مثل حماس، فقد تأخذ مركز الصدارة لأنها منظمة بشكل فعال وتلبى احتياجات ممثليها، وسيكون التحدى بالنسبة لهم هو: هل سيتمكنون من المشاركة بشكل فعال على الساحة العالمية وتحقيق نوع من التوازن دون التخلى عن ثوابتهم أو عزل أنفسهم عن العالم؟ أما النموذج الثانى فهو أقرب للاعتدال، مثل مصر ولبنان، حيث لا يمكن بسهولة تقبل الأيديولوجيات المتطرفة فى هذين البلدين، لكن تبقى المشكلات مع الفساد داخل الحكومة غير مفهومة بشكل جيد أو واضحة للمواطنين، ولتحصين تلك التجارب الديمقراطية ضد الاستقطاب نحو الأيديولوجيات المتطرفة من المهم أن تثبت الديمقراطية الجديدة وجود طريقة أو أسلوب أفضل للحياة بالنسبة للمواطنين من خلال حكومة تمثل أطياف المجتمع. ويتمثل النموذج الأخير والأقل احتمالاً في النموذج الغربى للديمقراطية. ويظل هذا خيارًا قائمًا وسيكون بمثابة نموذج يحتذى به في الشرق الأوسط، بيد أنه من غير المرجح أن تشبه ديمقراطية دول الشرق الأوسط صورة الديمقراطية الغربية، وذلك في ظل تعقيدات الأوضاع فى المنطقة. وسوف تكون إقامة ديمقراطية ناجحة فى العراق معيارًا لبعض دول الخليج فى المستقبل؛ فإذا نجح العراق فى إقامة ديمقراطية معتدلة فى المستقبل؛ وإذا نجح هذا النموذج فإن ذلك قد ينسحب على الديمقراطيات المعتدلة التي ستنشأ في المستقبل. كما سيثبت أن الصراعات المتعددة الأعراق (السنة والشيعة) يمكن حلها سلميًّا ويمكن أن يكون أسلوب ونظام الحكم واحداً فى تلك البلاد، وأن الديمقراطية قادرة على حل مشكلة انتشار الفقر على نطاق واسع وخلق حياة أفضل.
الاستنتاجات والتوصيات

إن التعليم ووسائل الإعلام هى الركائز الرئيسية نحو إرساء الديمقراطية، ويجب أن تتحول الدول من نظم تتحكم حكوماتها بكل شىء فيها إلى دول تتحكم شعوبها بكل سلطات الدولة وأدواتها ووسائل الإعلام. وعندما تكون وسائل الإعلام، مثل الإنترنت والتلفاز، أكثر انتشارًا ستكون قادرة على التأثير على نظام التعليم على نحوٍ إيجابي وإصلاحه من أسفل إلى أعلى. ومن الواضح أن المتطرفين يدركون جيداً قوة وسائل الإعلام ويحاولون كسب المزيد من النفوذ من خلالها()، ولكى تنجح وسائل الإعلام يجب أن تشير وتبين أن الاعتدال هو أفضل نمط من أنماط الحياة. كما أن دور الدين فى الحكم سيكون محوريًّا ضمن العديد من الأدوار الأخرى. فالمنظور المعتدل يشير إلى وجود مكان ما للمعتقدات الإسلامية. وعلى مر التاريخ كان الدين يمثل تحديًا للديمقراطية، لكن ذلك لا يعنى أن الشرق الأوسط سوف يفشل فى دمج الدين ضمن نظام الحكم، فيجب أن يكون هناك فهم مشترك للدين الإسلامى بين جميع الأعراق والثقافات، كما يجب مراعاة المعتقدات غير الإسلامية واحترامها.

يتحتّم على الشرق الأوسط اتخاذ هيكل مثل الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد الأوروبي يمثل بلدان وحضارات ذات مستويات معيشية متباينة، ولكنها ترى أن اتحادها ضروري لمصلحة أوروبا الاقتصادية والأمنية وعلى مستوى التأثير الدولي. ولذات الأسباب السابقة ينبغي على الشرق الأوسط أن يكون كيانًا موحدًا. وسوف يساعد ذلك على استقطاب الشرق الأوسط كمنطقة واحدة، وربما يدعم إنشاء سوق حرة مشتركة وهو أحد مساعي الديمقراطية. وفي نهاية الأمر، بينما يتطور الشرق الأوسط لابد أن يساعده بقية العالم لتطبيق قيم الديمقراطية ووسائلها. وسيكون الاستثمار في وسائل التعليم نقطة جيدة للبداية.

***

جدير بالذكر أن البروفيسور ستيفين جيراس الذى عمل كمستشار أكاديمى للفريق عبدالفتاح السيسى فى كلية الحرب العليا الأمريكية فى الفصل الدراسى 2005 ــ 2006 خلال دراسته للزمالة، قدأشاد بالسيسي قائلا إن الفريق السيسى كان طالبا ذكيا ويتقن اللغة الانجليزية، وجادا وهو كان يعتبر من أكثر الطلاب العسكريين الذين كانوا يدرسون الزمالة جدية».
خلال الدراسة روى البروفيسور جيراس فى تحقيق نشرته مجلة الفورين بوليسى الأمريكية، موقفا جعل السيسى يسترعى اهتمامه، فقد استضاف البروفيسور حفلة غداء لمجموعة من الطلاب العسكريين فى منزله وبعد الغداء لفت انتباهه أن ضابطا مصريا كان يجلس وسط المجموعة غير مبال بالألعاب الالكترونية التى فضل رفاقة اللعب بها بعد الغداء.
وبينما كانت والدة البروفيسور جيراس البالغة من العمر 80 عاما تساعد فى استقبال الضيوف، قام السيسى بتبادل الحديث معها وإفهامها بعض اللوحات العثمانية من التراث التركى التى تزين المنزل المكتوبة باللغة العربية بالمنزل ودلالتها الدينية، معلقا بأنه كان طالبا متدينا.

وأشار جيراس إلى أن معظم الضباط يقضون عام الزمالة فى راحة من النظام العسكرى وتكون فكرة تحقيق التطور المهنى العسكرى غائبة عن أغلب الطلاب، ولكن السيسى كان مختلفا عن بقية الطلاب.

وذكرت مجلة الفورين بوليسى إن السيسى الذى درس فى كلية الحرب العليا الأمريكية من عام 2005 حتى 2006 يعتبر أول وزير دفاع مصرى تدرب فى الولايات المتحدة، فسابقوه تلقوا تدريبهم فى روسيا. وخلال مدة دراسته فى بنسلفانيا حيث مقر الكلية، حصل على مواد دراسية مثل التفكير الاستراتيجى، نظريات الحرب الاستراتيجية، وصياغة السياسات الوطنية، ومادة رأت المجلة أنه يعتقد أنها مفيدة فى منصبه الآن وهى عن العلاقة فى النظم الديمقراطية بين الجيش والحياة المدنية.

وذكرت المجلة أنه بالرغم من هذه المواد الدراسية التى درسها الفريق إلا أنه لا توجد أى شواهد تدل على أن دراسات السيسى فى الولايات المتحدة جعلت لواشنطن نفوذا وتأثيرا عليه.
حيث حذره وزير الدفاع الأمريكى تشاك هاجل مرارا من القيام بمساندة الشعب في ثورته ضد حكم الإخوان الفاشي، وبعد ذلك طالبه ببناء نظام سياسى شامل يستوعب الجميع، ولكن السيسى لم يقم بعزل الرئيس مرسى فحسب بل قام بحبس كبار مسئولى جماعة الإخوان المسلمين، بينما قامت قوات الأمن بفتح النار على مؤيدى مرسى المعزول، بحسب المجلة الأمريكية.
وحتى إذا لم يذكر أساتذة السيسى أنهم لم يلمسوا أى تأثير ملحوظ فى فكر السيسى خلال دراسته للزمالة، يعتقد البعض أنه يميل إلى الأيديولوجية الإسلامية فى تشكيل آرائه السياسية. وقد كتب البروفيسور روبرت سبرينجبورج مقالة فى مجلة «الفورين افيرز» المرموقة ناقش فيها ورقة بحثية كتبها السيسى خلال دراسته ذاكرا أنها «يبدو وكأنها مكتوبة من أحد أعضاء الإخوان المسلمين» حيث شدد فى ورقته البحثية على مركزية الدين فى سياسات الشرق الأوسط وطالب بإعادة الخلافة الإسلامية.
وذكر السيسى فى ورقته البحثية أيضا أن ورقته البحثية بناء على دراسات وبحث قام به وليس قائمة على التحجر الفكرى وانتقد طريقة الولايات المتحدة فى محاولة فرض الديمقراطية فى منطقة الشرق الأوسط.



#عمرو_عبد_الرحمن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلاح ال(HAARP) الأميركي يشعل النار في الأقصر
- منجم السكري المنهوب (عيني عينك)
- السيسي يناور كالفراشة ويلدغ كالنحلة ... (فيديو)
- تمرد غزة: حماس ازدادت توحشاً .. والفلسطينيون يحلمون بالخلاص ...
- الإخوان والمخابرات الأميركية وراء إسقاط الطائرة المصرية
- أمريكا تقصف مصر بسلاح الزلازل -HAARP-
- آلن وست: الخارجية المصرية هزمت -الأميركية- في موقعة داعش!
- صرخة ضابط شرطة!!
- -الوطن- تحاور عدو الوطن!!!
- إلي مخابراتنا الوطنية: الإخوان العائدون مجرد جواسيس
- الأزهر رهينة في يد الإرهاب الإخواني
- جيشا سورية ومصر في عين الإعصار
- احذروا يا عرب: اليوم دمشق وغدا الإسكندرية
- جماعة الإخوان الشيطانية: إرهاب وفوضي وأناركية
- شفرة دانيال والحرب الماسونية علي مصر
- المواطن الإستراتيجي ونظرية الأمن القومي الشامل
- مصر تُسقط أوباما الإخواني بالقاضية القضائية
- هؤلاء يحاولون اغتيال رئيس مصر
- داعش: السلاح الأميركي الجديد
- نوايا أميركا الإرهابية نحو سوريا


المزيد.....




- كواليس قرار الجنائية الدولية بشأن كبار القادة في إسرائيل و-ح ...
- الجيش الأميركي: أكثر من 569 طن مساعدات سُلمت لغزة عبر الرصيف ...
- مسؤول أممي: لا مساعدات من الرصيف العائم في غزة منذ يومين
- بايدن: هجوم إسرائيل في غزة -ليس إبادة جماعية-
- مصدر: مستشارو السياسة الخارجية لترامب التقوا بنتنياهو
- 7 مرشحين يتنافسون في الانتخابات الرئاسية الموريتانية
- من تبريز إلى مشهد، كيف ستكون مراسم تشيع الرئيس الإيراني؟
- نيبينزيا: إسرائيل عازمة على الاستمرار بعمليتها العسكرية على ...
- سيناتور روسي: في غضون دقائق ستترك أوكرانيا بدون رئيس
- مادورو: الرئيس الإيراني كان أخي الأكبر ورمزا للثوري الطامح ل ...


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عمرو عبد الرحمن - السيسي يقدم للعالم رسالته في الديمقراطية