أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - أساطير الجفجير.....!















المزيد.....

أساطير الجفجير.....!


نعيم عبد مهلهل

الحوار المتمدن-العدد: 4495 - 2014 / 6 / 27 - 12:06
المحور: الادب والفن
    


(( تناول الرز بدون أستعادت ذكريات ، يحوله الى مجرد قطن لا طعم له ))
شاعر صيني ( نسى ) أبي أسمه
سمعتُ هذا الكلام من أبي بالرغم من أني طوال حياتي معه ، لم أسمعه يتحدث لا عن الماضي ولا عن المستقبل ولا عن قراءاته ، هو دائما يتحدث عن حاضره ، وأغلبه عن عمله ، الربح والخسارة ، ومرات اسمعهُ يتحدث الى أمي عن الذي رواه القارئ الحسيني عن سبب تسمية ( عرس أبو القاسم ) في اليوم الثامن من عاشوراء ، وقتها تقوم أمي بتحضير الشموع والياس وقليل من الحلويات وتجمعنا حول الصينية المضاءة ، تبكي قليلا وتنوح ، فنبكي مع بكاؤها ، ونحن نسمع من نحيبها قصة الشاب العلوي ابن الامام الحسن ع الذي قتله جيش يزيد في يوم عرسه على ارض كربلاء.
وحين تنتهي من هذا الطقس المؤلم تنتهض تعد لنا ( الطبيخ ــ الرز ) مع اللبن الخاثر والتمر ، ويكاد يكون هذا عشاؤنا المعتاد ، وكنت انتبه الى الملعقة الكبيرة التي تنقل بها الرز من القدر الى الماعون والمسماة ( الجفجير ) وهو عبارة عن ملعقة هائلة الحجم مصنوعة من معدن الفافون شكلها من الاعلى يتكون من دائرة مليئة بالثقوب ، وسبب تفكيري بالجفجير بشكل دائم أن والدتي بالاضافة الى استخدامه في اعداد الرز ، تسخدمهُ ايضا كعصا للضرب عندما تقرر معاقبتنا عندما نُشاكس أو نكسر ماعوناً خزفياً ، او تشتكي علينا واحدة من الجارات بسبب شجارنا مع ابناءها ، وآخر علقة اكلتها بهذه العصا المعدنية كان في الصف الرابع عندما جلبت شهادتي لأمي مكملاً في درس الرياضيات .
حفظت اسم الجفجير منذ سنتي الرابعه ، لأني كنت أشعر أن حليب الرضاعة من صدر أمي لا يكفي فأبقى جائعا ، وبغريزة ما ترنو عيناي اليه بشهية غريبة بعد كنت وانا في ( الكاروك ــ المهد الخشبي ) اراقب اخوتي وهم يتجمعون على صحن الطبيخ وهم يلتهمونه كما جياع لم يتذقوا طبيخا منذ الف عام ، وعندما كبرت ظلت اخيلة تلك اللحظات تسكنني ، وكنت وقتها مع لذة مشاهدة اخوتي في عراكهم على صحن الرز أرتعب عندما ارى أمي تسحبه من داخل القدر وتضرب به أخي الكبير لأنه يأكل بشراهة واسرع من اخوته ولايبق لهم شيئا ، وعندما كان أبي يطلق على اخي لقب ( جفجير البلد ) كنت اظن أن هذا اللقب لأنه اكثر اخوتي من يلامس ظهره الجفير بسبب غضب أمي ، وكنت اسمع بكاءه العنيد والمكتوم كي لايراه اخوتي الصغار ويشمتون فيه وينال ذلك من كبرياؤه وسطوته بينهم ، ولكني اكتشفت عندما كبرت إن لقب جفجير البلد الذي يحمله أخي الكبير ليس بسبب تحمله الضرب بالجفجير .ولكن لأنه اكثر افراد البيت من يتشمشم اخبار المحلة والشارع واتسعت معلوماته الى أبعد من المحلة والمدينة ، بل صارت له دراية واسعة بما يجري في هذا العالم من خلال زيارته لصديقه في بيتهم وكان هؤلاء من الميسورين وعندهم جهاز راديو ، فكان يلتقط الاخبار وينقلها الى أبي الذي ينصت اليه بأصغاءٍ ودهشة ، وبعد ذلك تطورت هوايات جفجير البلد ــ أخي ــ في المعلوماتية عندما صار من هواة جمع الطوابع التي أقر أن طوابع أخي والبومه الصغير الذي اتفحصه كل ليلة بمتعة غريبة هو من قادني لامتلك مواهب الترحال وعشق السينما والشعر وكتابة رسائل الحب الافتراضية لي ولاصدقائي من هم بسني.
ظلت صورة الجفجير تسكن المخيلة ، وحتى في ثقافتنا الثورية عندما عشقنا اليسار كانت صورته لصيقة لهاجس الجوع الذي يصاحب الفقراء في حياتهم ، واتذكر اننا في حماس المراهقة قررنا نحن صبيان المحلة أن نؤسس حزبا اسميناه حزب الجفجير ، لكن اخي نصحني بألغاء هذه الفكرة لأنه تُذكرُ الاخرين بلقبه القديم الذي اطلقه عليه ابي ( جفجير البلد ) وهو ينزعج من هذا اللقب الذي كاد الجميع أن ينسوه ، وتزوج هو وصار لديه أطفال ولايريد لأبناءه أن يعرفوا إن ابيهم كان يطلقون عليه لقب ( جفجير البلد ).
مرة في الحرب ساقنا القدر ، وقد تم سوقي الى الجندية حين تخرجت ، واخي سيقَ ايضا لخدمة الاحتياط ، أن نكون أنا وهو في جبهة واحدة في قاطع الاهوار في منطقة مجنون ، وكان هو في سرية الكمياوي ، وأنا في كتيبة مدفعية 130 ملم ، وقد زرته مرة في وحدته ، وصحبني معه الى مطبخ السرية لاستلام التموين اليومي من الرز المطبوخ كي اشاركه الغداء وقد امتلأ سعادة وهو يقدمني الى رفاقه من الجنود قائلاً بفخر :هذا اخي الصغير ، الشاعر والقاص واجمل من يكتب رسائل الغرام في محلتنا .
وهناك في المطبخ انتبهتُ الى أن الطباخ يحمل الرز الى قصع الجنود بلمعقة كبيرة جدا اكبر بكثير من تلك التي يستخدمها طباخ وحدتنا ، تأملتها وضحكت ،انتبه اخي بشيء من خجل خفيف وقال :هذا أكبر جفجير في جبهات القتال ، ولكنه ليس جفجير البلد ، هذا جفجير الحرب .
ضحكنا معا ، وشرح لي لماذا هو بهذا الحجم ، وقال انه تمدد تلقائيا ليكبر لأنه يستنشق الغازات الكيمياوية اثناء تنقلات السرية . هم يفترضون هذا وانا لااصدق ، انا اظن انه تمدد بهذا الشكل بسبب :الضجر من الحرب.
قلت :انا ضجر منها ايضا ، فلماذا لا أتمدد واكبر .
قال : أنت لاتتمد ، انا جائز ، لأني جفجير مثله.
ضحكنا معا ، وتذكرت تلك اللحظات بعد سنوات من نهاية الحرب عندما شعر أخي بألم في أنفه وحين اخذته الى الطبيب قال أنه يعاني من التهاب حاد في الجيوب الانفية وعليه اجراء عملية.
في العملية اظهروا من أنف اخي غددا كبيرة على شكل كرات ، شك فيها الطبيب الجراح وارسلها الى المختبر المركزي في بغداد ، وعادت النتيجة انها غدد غير امينة وأن اخي مصابا بسرطان الانف .
وسألني طبيب :أن كان اخي يعمل في المجال الكيمياوي اثناء الحرب.
فقلت :نعم خدم جنديا في السرية الكيمياوية في الفرقة العاشرة.
فقال :لهذا السبب هو مصاب ..!
رضي اخي بقدره ودمعت عيناه وقال بمزاح يائس : كل هذا بسبب ذلك الجفجير في مطبخ السرية.
ضحكت لأواسيه ...
تفاقم المرض عليه بعد اشهر قليلة...
وقبل اغماضته الاخيرة ، وشعوره بدنو الأجل ...همس لي :عندي امنية اتمنى أن تتحقق..وكأنه ارادها مزحة في طقوس وداعه الاخير .
قلت :أطلب يا اخي ...
قال :عندما اموت سوف لن يكون لعائلتنا جفجيرا ، تفتخر به ليكون جفجير البلد ، وما دمت انت قد تهجرت وسافرت وقرأت ورأيت .احمل هذا اللقب بدلا عني حين ارحل.
عانقته باكيا وقلت :قبلت لأكون..
وحين رفعت وجهي عن احضانه الدافئة ، كان هو قد فارق الحياة والى الأبد................!

باريس 2012





#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السنونو هذا الطائر الشيوعي .....!
- طيري ياطياره طيري ...!
- المِعدان يعشقونَ أيطاليا وصوفيا لورين...........!
- ( الموت بالخازوق فقراً ومنفى )
- داعش لاتشبه مراكش ..ولا تشبه العش ..
- فاجينتي مالا.. اللون الأحمر والعنبر ..!
- الناصرية.. شهيدٌ من دير متي والزقورة وبطن الحوت..!
- خوذة الله وخوذة العباس.وخوذة الجندي المنكسر ..!
- الناصرية تبكي من أجل نينوى ..!
- ملاكٌ على شكل قصيدةٍ ونهدْ.......!
- النشيد التأريخي لمعدان باريس
- الله وروح الشاعر والرسام والموسيقي والصائغ..!
- أحتمالات الغيب في شهوة الكأس
- وجه المونليزا قراءة جديدة في رؤى الجمال والعولمة
- الناصرية ... ألأطفال الفقراء شهداء شموع زكريا
- رسالة رثاء إلى ماركيز وأحمد المظفر وأنكيدو.............!
- أساطير الناصرية والسينمات الصيفية..!
- أسطورة غرام سومرية ( حكاية ، يوسف الناصري )
- الناصرية سطور ، وعطور ، وخبز التنور .........!
- السفرُ إلى الفضاء البعيد ............!


المزيد.....




- مهرجان كان: الكشف عن قائمة الـ101 الأكثر تأثيرا في صناعة الس ...
- مسلسل طائر الرفراف الحلقة 70 مترجمة باللغة العربية بجودة HD ...
- السحر والإغراء..أجمل الأزياء في مهرجان كان السينمائي
- موسكو تشهد العرض الأول للنسخة السينمائية من أوبرا -عايدة- لج ...
- المخرج الأمريكي كوبولا على البساط الأحمر في مهرجان كان
- تحديات المسرح العربي في زمن الذكاء الصناعي
- بورتريه دموي لـ تشارلز الثالث يثير جدلا عاما
- -الحرب أولها الكلام-.. اللغة السودانية في ظلامية الخطاب الشع ...
- الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي.. ما حكايتها؟
- -موسكو الشرقية-.. كيف أصبحت هاربن الروسية صينية؟


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم عبد مهلهل - أساطير الجفجير.....!