أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - إصدار كتاب جديد لصبري يوسف: ديريك يا شهقة الرُّوح 1 2















المزيد.....



إصدار كتاب جديد لصبري يوسف: ديريك يا شهقة الرُّوح 1 2


صبري يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3763 - 2012 / 6 / 19 - 19:51
المحور: الادب والفن
    


إصدار كتاب جديد لصبري يوسف: ديريك يا شهقة الرُّوح 1 ـ 2

صبري يوسف ـ ستوكهولم
أصدر الأديب والشَّاعر صبري يوسف عن طريق دار نشره في ستوكهولم كتاباً جديداً بعنوان: "ديريك يا شهقةَ الرُّوح"، يتضمَّن الكتاب 10 نصوص أدبيّة، كتبها خلال السَّنوات الأخيرة من إقامته في ستوكهولم، وقد نشر أغلب هذه النُّصوص في الصّحافة الورقيّة والالكترونية.
ولدت هذه النُّصوص كومضات اشراقيّة، من دون أي تخطيط لها، وتتعانق مع عوالم الشِّعر، النَّص، القصّ، الخواطر، التأمُّلات، ويتداخل أحياناً في النَّص الواحد أكثر من جنس أدبي، قسم من هذه النُّصوص ممكن نشرها كقصائد نثر، وقد اعتبر بعض المشرفين أنَّ النصّ الذي حمل عنوان: "الشِّعر رحلة عناقٍ مع العشب البرّي"، بمثابة وجهات نظر نقديّة حول الشِّعر، لهذا نشر موقع أقلام ثقافية النَّصّ في باب النَّقد، وغيره من المواقع نشره كنصّ شعري، وبعض الصحافة والمواقع اعتبرته نصَّاً أدبياً، لهذا أحب الكاتب أن ينشر الكتاب في باب: نصوص أدبيّة، يحمل كلّ نصّ بين طيّاته أكثر من جنس أدبي.
ليس مهمّاً نهائيَّاً أن نصنَّف جنس النَّصّ الَّذي بين أيدينا، هذا ما يراه الكاتب، إنّما المهم ـ وهذا ما يتمنَّاه الكاتب أيضاً ـ أن يتمتّع القارئ والقارئة به أثناء القراءة، ولنترك القرَّاء والقارئات يصنِّفون النّصوص كما يشاؤون، أو يتركونها نصوصاً أدبية متدفِّقة من خلال مهاميز بوح الرُّوح.

ننشر فيما يلي النُّصوص على قسمَين:

الشِّعر رحلةُ عناقٍ مع العشب البرّي


الشِّعر صديق غربتي الفسيحة، وهجٌ منبعثٌ من نداوة الرُّوح، بحيرة حنان آمنة على مرّ الأيام والشُّهور والسِّنين، براعم مزنّرة فوق قبابِ الحلم، وحده الشِّعر قادر على السِّباحة عبر السَّديم، عبر العواصف، عبر النَّسيم العليل، الشِّعر صديق البلابل والزُّهور البرّيَّة، صديق عاشقة من ضوء منبعثة من زرقة السَّماء، الشِّعر وحبق العشق توأمان، الشِّعر أسبق من اللُّغة، صديق منصهر بخبايا اللُّغة، وسيبقى بعد رحيل اللُّغة لأنَّه ينبع من خصوبة الحياة، هو الحياة بعينها!

يمنح الشَّاعر الحياة رحيق عمره، راغباً أن يزيّن وجه الضُّحى بالياسمين، يحاول دائماً أن يغسل عذابات الطُّفولة بدموع القصائد المتناثرة من خاصرة السَّماء، يمسح أحزان الكهول، عابراً مخابئ الهموم ليلملم أنيناً مندلقاً من ضجر الأيَّام ويبدّده بين تلافيف الرِّيح، يمسك محبرته متحدِّياً اعوجاجات هذا الزَّمان، محاولاً إعادة صياغات البسمة على وجنة اللَّيل، دائماً في عراكٍ مع ذاته المندلعة بنيران طغاة هذا العالم، وحده الشِّعر يمنح نشوة ولادات القصائد، يحلّق عالياً كنسرٍ قويّ الجِّناحين، مرفرفاً في قبّة السَّماء، يعانق نجمةً متلألئة كلون الفرح!

الشِّعر هو بوّابة خصبة، غنيّة أبهى من اخضرار الرَّبيع، الشِّعر ترتيلةُ حبٍّ تنشدها فيروز، إيقاع متصالب مع بهجة الطَّبيعة، وتغريد البلابل في عزّ الرَّبيع، الشِّعر حلمٌ منعش مفتوح على أغصانِ العاشقة، سديمٌ معطَّر بالبخور، قنديلٌ مصهور من خلاصة العسل البرّي، يضيء برزخ الرُّوح، الشِّعر حركةُ باشق محلّق فوق خمائلِ النُّجوم، صلاةُ ناسكٍ منعزلٍ في كهفٍ طافحٍ بالانتعاش، عطشٌ أزليّ لا يروي ظمأ القلب .. الشِّعر يزيدُ جموح العاشقة توقاً لإرواء غليل الحنين إلى شهوة الارتقاء! .. الشِّعر حالة قلقٍ متشظِّية من زخّات المطر، هاطلة من عيون السّحاب على غبطةِ المكان! هاجسُ وردة معطّرة بالطَّلِّ، تريدُ أن تباركَ خصوبة الأرض!

الشِّعر صديق راقصات الباليه وحبق موسيقى البحر المنبعثة من هسيس كائنات مشتعلة بالشَّوق على إيقاعات هداهد العشق! .. الشِّعر لغة مفهرسة بعذوبة السَّماء، بنكهة النّعناع المنثور حول قبّة المحبّة، حالة انتعاشٍ نحو الأعالي، لمعانقة نقاوة عبق اللَّيل، الشِّعر نداء وردة محشورة بين أنياب الضَّواري، تريدُ الخلاص من خشونة الرِّياح! .. مغامرة عاشقٍ للغوص في أعماقِ البحار، لإنتشال عاشقة من لونِ المحار! .. الشِّعر صديق وحدتي .. حالة انتشاءٍ في دنيا من ضجر!

الشِّعر كائنٌ برِّيء لأنّه يولد من رحاب الطُّفولة، صديق الكائنات كلَّ الكائنات، ..يتداخل مع خيوط العمر من أجل أن يمنح القلب خصوبة الحياة، ومضة فرحٍ فوق قبّة الأحزان، بركةٌ هاطلة من خدود الشَّمس، صديق روحي المتدفّقة فوق أغصان الصَّباح! .. رحيق الميلاد .. غابة خضراء تحطّ كالنَّسيم على أكتاف الطُّفولة، الشِّعر واحة مرحِّبة بأنين القلوب المكلومة، لتبلسم جراحات اللَّيل والنَّهار، يتعانق الشِّعر مع جموحِ العقل والرُّوح وبهجة الإنتشاء!.. الشِّعر توأم الرُّوح، جمرة مشتعلة في حدائق الأحلام لتضيء بهجة العمر على أنغام اخضرار أنشودة الحياة!

لا أظنُّ يا صديقتي أنَّكِ تهربين من الشِّعرِ، ولا أظنُّ أنَّ الشِّعرَ يهرب منكِ أو إليكِ، أنتِ والشِّعر يا عزيزتي صديقان متعانقان إلى حدِّ الإسراف، تتوهين أحياناً عن فراديس الشِّعر، عابرةً أحزان الرُّوح، ململمةً جراحات الأيام والشُّهور والسِّنين، لا تصدِّقينَ أنّكِ أنتِ الَّتي عبرتِ محطّات عمركِ المبعثرة حزناً إلى حدِّ السّبات، إلى حدِّ النَّوم تحت عجلات آلام هذا الزَّمان! أَلَمْ يخالجكِ أحياناً كثيرة أنتِ لستِ أنتِ؟! .. أنَّكِ أنَّاتٌ على خارطةٍ من بكاء! .. أن تكوني أنثى من هناك، يعني أنَّكِ مُتخمة بأحزان الصَّباح، متشظّية بأحزان اللَّيل والنَّهار! أن تكوني أنثى من لون الرَّبيع، في زمنٍ من رماد، فلا بدَّ أن يقطعوا جلاوزة العصر أوتار صوتكِ، وتسافرين عبر مدنٍ أكلتها الرِّيح وجرفتها أعاصير الحلم في دنيا تتعانق فيها الكوابيس!.. حنجرتكِ غير متخمة بالأوجاع فقط، بل مبرعمة أيضاً بأشواكٍ لا تخطر على بال، مبرعمة بأنهارٍ من الحنظل!
نتصافح فوق أجنحة الغربة والمسافات، فوق أجنحة النَّسيم، فوق أجنحة الحياة، فوق أعاصير المحبّة، فوق دياجير الشَّوق إلى روحٍ تتلظّى من غدر هذا الزَّمان! إلى أصابعٍ مرتعشة وهي تخطُّ أحرفاً من بكاء، من دموع الأطفال والنِّساء والأشجار! أشجارنا تبكي يا صديقتي، وروحي هائمة شوقاً إلى أنشودة الحياة، غائصٌ الآن في كتابة نصٍّ مفتوح على فضاء الذَّاكرة المتصالبة مع غربة الإنسان مع أخيه الإنسان في هذا الزَّمن الأحمق! .. نصٌّ مندلقٌ من خاصرة الرُّوح، جرفني معه في وهادٍ لا تخطر على بال الجنّ! آه يا عزيزتي، أنا القائل، "كم من الدموع حتّى هاجَت البحار!" قلبٌ متجذِّرٌ في دنيا من بكاء، ابن المسافات وأحزان الدُّنيا!

هل استيقظتِ يوماً واستنشقتِ وردةً ملء روحكِ؟ هل احتضنْتِ نجمةً وأنتِ غارقة في سماوات الحلمِ؟!.. هل عانقتِ حلماً من لون العصافير، من لون الفراشات، من لون الماء الزُّلال؟ .. هل أنتِ معي أم أنَّكِ شاردة، تلوذين الفرار من خفافيش اللَّيل؟

آهٍ .. حتّى أحلامنا مهشّمة من خشونة الطُّوفان الهاطل على قباب القلب من كلِّ الجهات، إنّه زمن الشِّعر يا صديقتي، الشِّعر هو ملاذنا الفسيح، هو كهفٌ آمنٌ بعيدٌ عن مرمى صولجانات هذا الزَّمان، واحةٌ مكلّلة بالنَّدى تبعث في أعماقنا أهزوجة الحياة، الشِّعر يبلسم جراحنا الغائرة، صديقنا الحنون، غابةٌ مكتنـزة بالنَّرجس البرّي، الشِّعر حكمةٌ منشطرة من ذيلِ نيزكٍ على وجه اللَّيل، بركة هاطلة من رحيق الغمام، مطرٌ متدفِّق من رحم السَّماء، قبلة شمسٍ في صباحٍ باكر، الشِّعر رذاذات تبرٍ صافٍ، أمواجٌ مرتسمة على بسمة الطُّفولة، رحلة فرحٍ على أكتاف المساء!

بعد قرنٍ أو قرون سيأتي شعراء يقودون هذا العالم، فشلت سياسات العالم، وفشلَت قيادات العالم بقيادة الكون، الشِّعر سيعيد صياغات هذا العالم إلى جادة الصَّواب، الشِّعر صديق النَّوارس والبحار، صديق الأرض والسَّماء، صديق الرُّوح الجريحة، ماءٌ زلال يسقي قلوباً عطشى، الشِّعر بوّابةُ فرحٍ مفتوحة على أعشاب الجَّنّة، يتطاير من جناحيه وهج المحبّة، طفولةٌ مزنّرة بورودٍ متفتّحة حول سهول القلب. الشِّعرُ غذاء الرُّوح، يطمسُ اليباس ويبدِّد المساحات القاحلة من الجَّسد، الشِّعر رحلةُ عناقٍ مع العشب البرّي ، الشِّعر درّةٌ ثمينة في قاع البحار، يلتقطها الشَّاعر بذبذبات روحه ليقدِّمها إلى عاشقة من ضوء! لا تبكَي كثيراً يا صديقتي، من هنا أرى دموعَ فرحٍ، دموعَ شوقٍ إلى حنان اللَّيل، إلى صديقٍ منبعث من وهَجِ الإنكسار، أرى ومضةَ عينيكِ ، بسمةَ روحكِ، أوّلَ مرّة أرى بسمة الرُّوح، بسمةٌ متطايرة من نسيمٍ نديٍّ، بسمةٌ طافحة بالعذوبة، بسمةٌ منعشة كتغريدِ البلابل، بسمة مسربلة مع دموع الأطفال وهم يعانقون أمهاتهم قبل أن يناموا في أحضان قبلة الصَّباح، غاليتي لا تقولي أهرب من الشِّعر، انّنا يا صديقتي نهرب أحيانا من ذواتنا، لكنَّ ذواتنا المفهرسة في ينابيع الشِّعر تلاحقنا أينما حللنا وأينما رحلنا، تدغدغ شواطئ الينابيع، فيهتاج حبق الشِّعر فنكتب بانتعاشٍ ما تمليه علينا خصوبة الرُّوح، نرحل وتبقى نصوصنا متربِّعة على جدار الزَّمن كأنشودةِ الحياة ..

"صديقتي! ..
ويبقى الشَّوقُ إلى محيّاكِ
قصيدةً معلّقةً
بينَ أحضانِ اللَّيل!!

ستوكهولم












ديريك يا شهقة الرُّوح!

طفرَتْ دموع ساخنة من عينيّ، وأنا ألقي نظرة على صورٍ من شوارعِ ديريك، بلدتي الّتي ترعرعتُ فيها، وتبيّن لي كم أنا قاسٍ على نفسي وأهلي وأصدقائي وشوارعي وأزقّتي التُّرابيّة الَّتي تبرعمتُ فيها! وكم تمنّيتُ لو كنتُ داخل كادر الصُّورة، وأنتم تلتقطون تلكَ الصُّور.

أتساءل باشتعال: هل نحنُ الّذينَ عبرنا المسافات على أجنحة الرِّيح، وتركنا شوارعنا تصرخ في أعماق اللَّيل، تمتَّعنا في ضجيج الغربة، ودهاليز الأقبية الغارقة في موجات الحزن، وسط جموح شوق الرُّوح المنسابة في أعماق الحلم؟! هل ثمَّةَ أجمل من أن يحضنَ الإنسان معابر الصِّبا، ومخارج الفرح في واحات الطُّفولة الَّتي احتضنته سنوات طوال، أين نسير يا قلبي، وهناكَ آلاف الصُّور في الذَّاكرة تبكي وتنوح من شدّةِ الشَّوق، أريدُ أن أبكي حتّى أتوازن مع شوقي العميق إلى سماء الأحبّة، كلّ الأحبّة! ..

عندما نظرتُ إلى شوارعي وأزقّتي ومعالم فرحي التي خبّأتها بين حنايا الرُّوح، لم أستطِعْ أن أحبسَ دمعتي، فأنا لا أختلفُ عن أيِّ طفلٍ فقد ألعابه الحميمة، ويشتاقُ إليها كلّما هبَّ النَّسيم العليل من سماء المالكيّة وكرومها وسهولها الفسيحة، نظرتُ إلى المرآة للتأكّد من نقاوةِ دمعتي فوجدتها معفّرة بكلّ أنواع الغربة، وتأكّدتُ أنَّ الحصادَ الّذي حصدته في بحار غربتي، مكثّفٌ بالشَّوكِ والبربورِ والزِّيؤانِ، ولم أعثر على أيّةِ معالم فرحٍ في تجاعيدِ غربتي سوى هذا الشَّوق المجنون إلى تلكَ التِّلالِ وخدودِ الأهل؛ وكلّما أحاولُ أن أعانقَ خلاني، أجدني محاصراً ببحيرات ستوكهولم من كلّ الجِّهات!.. أنا التَّائه في أعماق الحرف والبحار والحلم المشنفر بكلِّ أنواع العذاب، لا تصدّقوني يا أحبّائي إن قلتُ لكم أنَّني سعيدٌ في غربتي، ولا تصدّقوا حرفي عندما يلامس وجنةَ الشَّفقِ؛ فحرفي وإن علَت قامته، فإنّه يعلو فوق جبهة الرُّوح، تاركاً قلبي يبكي ليل نهار شوقاً إلى ذواتٍ تائهة خلف البحار من الجهةِ الأخرى من جموحِ الرُّوح، كنتُ أظنُّ أنَّ روحي ستهدأُ، لو لملمتُ ديريك حول خاصرة القلب، ديريك مسقط الرأس، تاجٌ من الذَّهب الصَّافي، أفرشه فوق روحي، فوق نداوة حرفي، فوق معابر الحنين، فوق طراوة الحلمِ، ديريك صديقتي الأبقى، حبيبة من لونِ البابونج. أوّل أنثى عانقتها من ديريك، أوّل قصّة كتبتها في ديريك، أوّل حرف نقشته في ديريك، أوّل دمعة ذرفتها في ديريك، أوّل حلم مسربل بالإبداع اندلع في ديريك، أوّل نجمة عشقتها، تلألأ وميضها في سماء ديريك، أوّل نورج ركبته في ديريك، وأوّل منجل حملته وحصدتُ فيه سنابل العشق في ديريك، أوّل بيدر فرشتُ فوقهُ أكوام الحنطة في ديريك، أوّل صديقة نبتتْ بين تجاعيد فرحي من ديريك، وأوّل صديق سطعَ فوق خميلةِ القلب من ديريك؛ أحمل ديريك فوق وجنةِ روحي، وأفرشها فوق شهقتي العميقة، أدلقها فوق نهدِ صديقة من نكهةِ الياسمين، أوّل مرّة أشعر بأهمية شوق والدي إلى "آزخ" أو "كوفخ" مسقط رأسهِ، ديريك هي وطني السَّرمدي الَّذي أشتاقُ إليه بطريقةٍ صارخة وحارقة، أشتاقُ أكثر ما اشتاقُ إلى أكوامِ الطيّنِ التي رافقتني ثلث قرن من الزَّمان! لا أنسى أبداً كرومها، أزقّتها، أشجارها، ترابها، صيفها ونجومها الَّتي تضحكُ في سمائها القمراء، ألعاب الطُّفولة تنفرش أمامي فأتذكّر لعبةَ (القتيلة والدَّامة، والباقوش، والمزعار، والطَّفْش، والشَّميطونكة، والسِّيخ، والدَّاربولكة، والكيبالة، والغلوغلو، والكارشو بشّّ، والاعتماد على (التّسطو مسطو) قبل بداية كل لعبة، فيرتعش قلبي شوقاً إلى تلالِ الذَّاكرة البعيدة، فتقفز في أعماق الرُّوح ألعاباً متلألئة بدموعِ الحنين، فأشتاق إلى لعبةِ (البرّي والتُّوش والبيبة والصّلابة والبوكة والصَّنم والكيلافرّي والبرو برفانو بري وا جاوايا)، ثمّ تأخذني الذَّاكرة إلى سهول القمح الفسيحة، عابراً البراري مع أحبّتي نبحث عن (الحرشف والحِمحِم والقيفارات والقولكات والبيشّكات وعين البقرة وزهور الخطميّة)، نلملم بمتعة باقات (القنجرّيه).. نقطِّعها ونخلطها مع الثُّوم والجّبنة النَّاعمة كي نصنع منها (سيركة) للشتاء الطَّويل، وكم كنت أفرح عندما كنتُ أشاهد (زيغلانة) في أرضٍ خصبة، كنتُ أستأصلها من أعماق جذورها، وأقشّرها وآكلها بلذّة طيّبة، وكأنّها نبتة الحياة!

طفولة من لون النِّعناع البرِّي، تتراءى أمامي شامخة مثل باقات النَّرجس البرّي عندما كنّا نقطفها من (كفري حارّو) ونحن صغار، ثم نأتي ونقدّمها لأساتذتنا، حيث يملأ أريجها معابر الصُّفوف، أشعر الآن وكأنّني أشمّ عبق شذاها، فتخرّ دمعتي شوقاً إلى عوالمِ طفولتي الفسيحة المتلألئة مثل سنابل الرُّوح، طفولة متناثرة فوق معابر أزقّتي البعيدة، مترامية حول ضفافِ الأنهار، نلمُّ باقات (القرّامِ) ونصنع منه (ريسيّات) كي نقطع مجرى النَّهر لإصطياد سمكِ الشَّبوطِ، أتذكّر كيف كنتُ أركض خلف الفراشات و(الجزجزوكات) والجراد وفرس الأمير، هسيس الحشرات يعبر مخابئ الحلم، نلملم باقات السَّنابل والحمّص الأخضر والعدس و(شولكة) العصفور وشولكة (الشَّايكْ)؛ إنّي أتوه شوقاً إلى هواءٍ عليل، إلى أزقّةٍ طينيّة غارقة في شهقاتِ الحنينِ.

ما كنتُ أظنُّ أنّ لملمةَ شواطئ الذَّاكرة لا يروي غليل الحنين المحفور في جبهةِ الرُّوح. هل نحن الَّذين نرسم أزقّتنا بلون المحبّة، وتهنا خلف البحار، وجدنا مخدّة مريحة أكثر راحة من مخدّة الأم؟ أين أنتِ يا أمّي، لترَي كم مخدّتي قاسية وخشنة كأنَّها مصنوعة من بقايا التِّبنِ، لا راحة ولا فرح يلوحُ لي في الأفقِ. لماذا ابتعدتَ كثيراً عنّي يا أفقي، وهل ثمّةَ أفقٍ مريح لما أرنو إليه في سماءِ الغربةِ؟ هناكَ ألف سؤالٍ وسؤال يراودني، وكلّ سؤال يذبحني من الوريدِ إلى الوريدِ قبلَ أن أجيبَ عنه، فلا أجيب عن أسئلتي، وأهرب منها بإنهزاميّة قاتلة، ولا أجد سوى حرفي، فأدلقه بكلّ شهوة فوق نصاعةِ الورقِ، لعلّي أخفِّفُ قليلاً من وهجِ الشَّوق إلى سماءِ الطُّفولةِ آهٍ.. يا طفولتي البائسة، لماذا أشتاقُ إليكِ رغمَ بؤسكِ، ورغم كثافات الطِّين التي كانت تحيق بي حتّى ركبتي؟!
وجعٌ لا خلاص منه مرّةً، وأنا غائصٌ في أكوامكِ الطِّينيّة ومرّة شوقاً إلى تلكَ الأكوامِ، معادلاتٌ لا أجدُ لها حلاً ولا توازناً، فلا أجدُ نفسي متوازناً مع نفسي، إلا عبر الحرفِ، وحده حرفي يعيد إليّ قليلاً من توازنات معالمِ تيهي المتطاير بين أجنحةِ اللَّيل، ليل غربتي، لو تعلموا كم من السَّاعات بكيتُ في رحابِ غربتي، تسربلني كآبة الشِّتاءات الطَّويلة، أريد أن أفضحَ لكم هذا الَّذي يدعى (صبري)، هذا الّذي يفرشُ حرفه فوق لجين الغسقِ، غير آبهٍ لجمرةِ الشَّوقِ المتلألئِ في سماءِ الحلقِ، إلى متى ستكابر أيّها الكاتب (الخياليّ)، أيّها المجنّح في سماواتِ الحرفِ، أينَ المفرُّ من الحنانِ والشَّوقِ إلى أحضانِ الأحبّةِ وعظامِ الأهلِ؟

البارحة رأيتُ والدي في حلمي، رأيته يحلّقُ فوق البحار عابراً المسافات، بقامته القصيرة وعقاله و(شرواله)، رأيته واقفاً أمامي بهيكله العظميّ، وليس بهيئته الطَّبيعيّة، خرجَ من قبره غير مكترث بأبجديات الموتِ، جاء كي يعرّي خشونتي، وعدم اكتراثي لجمرةِ الشَّوقِ، زارني في الحلمِ كي (يشرشحني)، عبر غربتي وأنا غائصٌ في تضاريس الحلمِ، هزّني من كتفي، اندهشتُ من صلابة العجائزِ رغمَ ذوبانِ البدنِ، هيكلٌ عظميّ بكل عنفوانه، جاءني كي يوقظني من نومي، ويحقِّقَ لي ولو قليلاُ لما تبقّى من خصوبةِ الحلمِ، احتنضتُ العظام الحنونة، فتراءت لي سهول القمح وكروم الفرحِ واخضرار الأيام والشُّهور والسِّنين الَّتي عشتها بين أحضانِ الأسرةِ، حلمٌ من لون الادهاش والاندهاش، أسرة ملوّنة بكلّ أنواع الفرح والبكاء، ما يزال حنوناً حتّى بعدَ الموتِ وسيبقى إلى ما بعدَ الموت، استبدلَ مخدَّتي بوسادة من طراوةِ السَّنابل، وزيّن لحافي بعناقيدِ المحبّة والأبوّةِ، عبرتُ دهاليز أزقّتي، نهضتُ من نومي فجأةً وإذ بي أجدُ وسادتي مطرّزة بنداوةِ الدَّمعِ، شعرتُ بالإرتعاشِ والخوفِ من خشونةِ غربتي ومن وجعِ الشَّوقِ، ثمَّ ارتسمت أمامي مشاهدُ الوداع الأخير، وتراءت أمامي الأحبّة، ثمَّ تغلغلَ الحزن في أعماقِ الرُّوح والبدنِ، وتساءلتُ:

كيفَ عبر والدي كلّ هذه البحار؟ جاءني كي يبدّدَ آهاتي ويفجِّر بي وهجَ الحنان إلى العظامِ، عظام الّذين أنجبوني للحياةِ! هل ثمّةَ شيء في الدُّنيا أغلى من عظامِ الأمِّ، من عظامِ الوالدِ الحنونِ؟

عجباً أرى كيف تحمّلتُ كل هذه السِّنين، وأنا بعيد عن شهقةِ الأحبّة؟ هل أنا طبيعي ومن لحمٍ ودمّ؟ يراودني أنَّ قلبي تصلّبَ من خشونةِ المسافات، ربّما من شدّة الحزنِ أو من وطأةِ الشَّوقِ أو ربّما من وجعِ الحنين، لهذا تجاوزت كل أنواع الشَّوق، وتهتُ في عوالم ما بعدَ الشَّوق، لأنّ الشَّوقَ لم يعُدْ يبلسمُ خدّي، فما وجدتُ في سماء غربتي مَنْ يعانق وجع الشَّوق غير حرفي، اعذروني يا أحبّتي لو كنتُ قاسياً بحقّكم أكثر من حجرِ الصّوانِ، فقد خلخلت الغربة أجنحتي، فلم أجد نفسي إلا وأنا أندفع في رعونةِ الرِّيحِ وغدرِ البحرِ، فتأكْسَدَتْ لغة الشَّوق مع أحجار الصُّوان من شدّةِ حزني وألمي، فلم أجد ما يسعفني سوى قلمي كي أكتبَ عن غزارةِ الدُّموع بعدَ هبوطِ اللَّيلِ، وعن جمرةِ الشَّوقِ بعدَ أن حلّقتُ في أعماقِ السَّماء، لكنّي خبّأتُ كلّ تلاوين الحنان بين خميلةِ الرُّوحِ، فلم أستطِعْ أن أفشي لكم بكلّ أسراري، كي لا تقلقوا على خشونة الانتظار، لكن آنَ الأوان أن أفضحَ لكم نفسي وأصارحكم وأنا بكاملِ قيافتي: أنَّ عينيَّ لم تذُق طعمَ الفرح منذ أن عبرتُ البحار، ومنذ أن تسلَّلتُ من بين أحضانكم الدَّافئة ولم أجد حضناً أدفأ من أحضانكم ومع كلّ هذا الإنشراخ، لا تقلقوا، فأنا لم ولن أنساكم يوماً واحداً، سأعود يوماً إلى مساحات طفولتي المتناثرة بين خدودكم الطَّافحة بالعذوبةِ، كي أفرشَ لهيبَ غربتي وشوقي فوقَ أحضانِكم الفسيحة، وأشهقُ بكلِّ فرحٍ شهقةً عبقة أكثر من بهجةِ الإنتشاء!


ستوكهولم: 1 . 9 . 2003 صياغة أولى
13 . 7 . 2004 صياغة أخيرة
























تأمُّلات موشَّحة بأسرارِ الغمام


إهداء: إليكِ أيَّتها المتعرِّشة في بوحِ القصائد

......،
هل اسمك يعني زهرة، وجنة الخميلة، حفيف غيمة، انبعاث بوح القصيدة، وجع الحرف وهو يتصاعد نحو غمائم الأعلى، نحو هلالات بخورِ المحبَّة، هل تنامين بين صمتِ اللَّيل وحنين المروج، تحلمين بسيمفونية الفرح الآتي عبر فيافي القصيدة، أم أنَّكِ تزرعين في كلِّ يومٍ حفاوةَ الياسمين فوق أخاديدِ المحبَّة، محبّة انغماسِ الحبر في لواعجِ القصيدة. تشبهين قصيدة لم تخطر على بال، أوجاعَ الحنين إلى أحلامِ الصِّبا، خريرَ النَّعيم فوق أنهارِ المودّة، تنضحين مثلَ نكهةِ البيلسان فوقَ تلاوين منسابة فوق بكورةِ اللَّوحة، تنقشين وَشمَ الحنينِ فوق جنوحِ الموجة، موجةٌ تعانق موجة وأنتِ تتأمَّلين عبور السُّفن التَّائهة في أعماق الغربة، تبحثين عن ظلالٍ مريحة تستريح في ربوعها أطيافُ القصيدة، أوجاعكِ تنمو مثلَ بتلاتِ النَّفلِ، مثل أسرارِ أريجِ النَّارنج، أوجاعكِ تضاهي أوجاعَ القصيدة!

هل تزنَّرتْ في مرافئِ روحكِ تيجانُ أزاهيرِ غيومٍ ماطرة، ينبعثُ من عينيكِ ضياء حلمٍ مشبّع بحبقِ النَّسيم، هل يغفو قلبكِ وأنتِ غائصة في أحضانِ اللَّيل بين أسرارِ القصائد؟ تتناثرين مثل المطر فوق أراجيح غربة الرُّوح، تشبهين نسائمَ اللَّيل المتمايل على إيقاعات ترتيلة الحياة، اسمكِ يشبه حبرُ الخلاص، خلاصُ النَّهارِ من مآسي الحروب، حروبٌ تجتاح مهجةَ الشِّعر، تقتلُ نضارةَ الوردة، وحده الشِّعر ينتشلنا من غورِ المهالك، من طيشِ انشطارِ البيارق، تخبو بيارقُ الحروب تحت تيجانِ القصائد، وحدها القصيدة تنقذنا من هول المعارك، تمحق ضجرنا من هذا الزَّمان، تنيرُ أرخبيلاتِ الحلمِ، ترسم خارطة مفهرسة بألوان النَّدى، يسطع أسمكِ مثل قصيدة وارفة فوق منائرِ النّهار، يتراقصُ مثل غزالة الشِّعر فوق أسرارِ المدائن، اسمك بشارة خيرٍ فوق لظى المسافاتِ، أسمكِ منبعثٌ من أحلامِ وردةٍ مسترخية فوق موجةٍ منحازة إلى أعماقِ كنوزِ البحار!

تنبعث أحلامكِ مثلَ أحلام العصافير وهي تزغرد قبلَ أن تحلّق فوق أمواجِ البحر، كيف تتراءى أحلام العصافير والنَّوارس المهاجرة، هل تكتبين القصيدة من وحي اهتياج القلب شوقاً إلى أزقّة الطُّفولة، أم أنكِ مسكونة بلوعة الحرف على امتدادِ تخومِ العمر؟ الطُّفولة ملاذٌ آمن، تهفو روحكِ إلى رسم عوالمِ طفولةٍ مترعة بأزاهير المحبَّة، محبّة أجراس النَّواقيس وهي تنقش ابتساماتِ الهلال فوق خدود الأطفال في ليالي الميلاد، ليالي المحبّة، محبَّة المروج الممتدَّة على مدى الحنين، محبَّة الجبال وهي ترنو إلى نجمة الصَّباح، محبَّة الغيوم الهاطلة فوق وداعة الحنطة، محبَّة الصَّباح وهو ينشقُّ فرحاً فوقَ بهاءِ الوردة، كم من التأمُّل حتى تماهت عيناكِ مع حبور الطُّفولة، تمعنين في تلألؤات النُّجوم في ليلة متهاطلة بأريج القصائد. هل يراودكِ أن تصبحي غيمة ماطرة، تهطل فوق بيادرِ الذَّاكرة المهفهفة بعناقات الطُّفولة؟!
... ... ... .... .... .... ...... .... ... .. ... ..... ...... .... ..... .... ....... .... .... ...... .... ..... .... .... ..... ... .... ........؟!
ترفرفين فوقَ شهيقِ البحار، بحثاً عن نوارسٍ مهاجرة، بحثاً عن قطرات النَّدى التي تناثرت فوقَ صباحاتنا ونحن نحطُّ فوق بحيراتِ قطبِ الشِّمال، تتبرعم القصائد في ليالٍ مكلَّلة بعبقِ الياسمين، تترعرع على أنغامِ هديلِ اللَّيل، تشمخُ عالياً كأشجارِ النَّخيلِ، كأوجاعِ الكروم المتدلِّية بعناقيد العنب، وحدها الكلمة تخفِّف من أوجاعِ البحار، هل للبحارِ أوجاعٌ مماثلة لأوجاعِ العشاق، أم أنَّ البحار تحلمُ ليل نهار أن تسقي أشجار المجرّات، تعبر القصيدة زرقة السَّماء، ترغب أن تغفو بعيداً عن انشراخِ الآهات!

اقتنصُ عذوبة القهقهات من لحظاتٍ عابرة، موغلة في حفاوةِ التجلّي، تتراقص الحروف فوق أجفاني، تريدُ أن تغفو فوقَ أراجيح الطُّفولة، فوق بسمة الرُّوح وهي ترنو إلى محطَّاتِ عمرٍ مضى غفلةً، يمضي عمرنا كغمضةِ عين، يرحلُ في أعماقِ السَّديم، أكتب بغزارة متهاطلة كندَفِ الثَّلج، بشراهة كبيرة، تتناثر النُّصوص والقصائد في أركان صومعتي، فأبوِّبها لكنّها تشاكسني كلَّما أتركها بعيداً عن مهاميز حرفي، تحنُّ إلى حفيفِ حبري، تغفو القصص فوق صدري، والقصائد فوق ظلال القلب والرُّسوم تلوذ فوق مرافئ الرُّوح، فأهرع إلى لملمة هذه العناقيدِ المزدانة بتوهُّجاتِ الاشتعال. أوَّل البارحة أنجزتُ حواراً حول خضاب اللَّون لوني، كنت تائهاً في معمعانات قصائد عشقيّة فرحيّة اغترابيّة عديدة، عدتُ إلى توهُّجات القصائد، غائصاً في متاهاتها، اقتنص وردة تائهة في مهبِّ العناقِ، وأفرشها فوق بسمة الشَّوق إلى كروم المالكيّة، لعلِّي أعبر جهة الحنين وأحطُّ الرِّحالَ في ربوع حلب، مدينة طريّة، مفتوحة على أغصانِ الودادِ، تخاطب مدارجَ التَّاريخ، وتتلهَّف بشوقٍ عميق إلى جموحِ المدادِ، مدينة من لون البياض، من لون البوحِ الحميم، أحنُّ إلى أزقَّةِ سليمانيّة، حلب مدينة وديعة، تحتاج إلى أجنحة مفروشة بشموخٍ كبير كي تعانق نجيمات الصَّباح في أوجِ انتعاشِ اللَّيل!

هل تحنّين إلى ظلالِ الكروم في صباحات الصَّيف، أم أنَّكِ غائصة في قصصك وأشعاركِ تنتظرين ابتساماتِ الشَّفق، تبحثين عن مغائر الحرف، لكنه يتوارى بعيداً فتلتقطينه وهو يهفو إلى براعمِ غيمة، إلى انسياب تفاصيل هفهفاتِ الدَّمعة، هل تكتبين نصَّكِ وأنتِ هائمة، مسترخية فوق وجنةِ اللَّيل، تنتظرينَ عودة السُّنونو في صباح باكر على إيقاعات موسيقى الرُّوح، أم أنَّكَ مبعثرة بين ارتعاشاتِ القلبِ واهتياجِ الرُّوحِ الى دفءِ القصيدة، حيث أراجيح الطُّفولة تزداد تلألؤاً في فيافي الذَّاكرة؟! .. تشبهين غمامة تائهة في وجه الرِّيح، كلَّما تحاولي أن تحطِّي فوق بساتين الحنين، تنقلك مويجات النَّسيم نحو غابات مكلَّلة ببهجة القصائد، يذهلكِ الحرف عندما يطاوعك ويترجم ذبذبات قلبك، وهو يرنو بحنان كبير إلى مرافئ الطُّفولة، تتوهين بين أزاهير الصِّبا وخصوبة الشَّباب، تقطفين وردةً مائلةً على مرافئ القلب ثمَّ تقدِّمينها إلى شاعرٍ تائهٍ بين تلافيفِ الغمام!

ستوكهولم: 30 ـ 4 ـ 2008










تنظيف دنيا فوضاي

نهضتُ من نومي باكراً في صباحِ العيدِ على أثرِ أحلامٍ مزعجة، فأحببتُ أن أصدَّ هذه الانزعاجات بمزيدٍ من الانزعاج، كي أبدِّدَ الانزعاج بانزعاجٍ مضادّ، حيث كانت شقَّتي في حالة يرثى لها من حيث الفوضى، ويدهشني كيف بعض فاقدي العقول أطلق على الفوضى العارمة في العراق، أو أيَّةِ بقعة فوضويَّة في العالم، اصطلاح الفوضى الخلاقة!

غباءٌ حقيقي أن يعتبر الإنسان ما جرى في العراق فوضى خلاقة، لأنَّ الفوضى وجه سلبي في أغلب سلوك البشر، إلا في بعض حالات كتَّاب وشعراء وفنَّاني ومبدعي هذا الزَّمان أو الأزمنة الغابرة، فهم فوضويُّون لأنَّ فوضويَّتهم تقودهم إلى عطاءات خلاقة، حيث أنَّهم على حساب الفوضى يلتفتون إلى نصوصهم وفضاءاتهم ويبدعون تجلياتٍ تسمو عالياً كتلألؤاتِ النُّجوم، تاركين الفوضى تعشِّش في أركانِ صومعاتهم، ولكن إلى متى ستبقى فوضاهم تحاصرهم من كلِّ الجِّهات، وما فائدة كلّ إبداعهم الخلاق، طالما هناك فوضى متراكمة بعد ولاداتِ القصائد في أركان حياتهم؟! لماذا لا يقضوا على الفوضى من خلال الإبداع، إبداع الجمال فيما حولهم بدلاً من تراكماتِ الفوضى؟!

لهذا أحببتُ أن أقضي على هذه المعادلة، معادلة فوضى الكتَّاب، أن أبدِّدَ الازعاجات الَّتي لاحقتني في خفايا الحلم صبيحة عيد الميلاد، من خلالِ العبور في أعماقِ ما يحيق بي من فوضى مزعجة، نعم فوضى مزعجة إلى أقصى درجات الانزعاج، وضعتُ في الاعتبار أن ألملمَ كل المسبِّباتِ المزعجة وأزجّها بكلِّ حزم وإرادة في وجه المنغِّصات الحلميَّة الَّتي لاحقتني مراراً إلى أن يئستُ منها، فما وجدَتْ بدَّاً من التَّغلغلِ إلى قاعِ الأحلام، بعد أن أفلستْ من مجابهتي وجهاً لوجه!

نهضتُ بشهيّة مفتوحة للعبور في دنيا فوضاي، لعلِّي أخفِّفُ من تراكمات ترَّهات الأيّام والشُّهور والسِّنين، لملمتُ الاقلام المتناثرة في أركان غرفة الاستقبال، غريب! أراني استقبل الأقلام أكثر مما يستقبل المرء الضُّيوف، يبدو أنَّ ضيوفي هم أقلامٌ فقط.
لم أجدُ ضيفاً يبرِّدُ القلب، يخفِّفُ من وطأةِ غربتي، يزيل هذه الترسُّبات الكالحة، ولا أظنَّني سأجده في مستقبل الأيام، وحده قلمي صديق غربتي وضيفٌ ينضحُ بهجةً في كلِّ ركنٍ من أركانِ فرحي، وفي كلِّ آهةٍ من آهاتي. تعال يا قلمي، تعال يا صديقي، كي أضعَكَ فوقَ ثغرِ وردةٍ، كي أنقشَ نداءَ الرُّوح فوقَ أجنحةِ اليمام، كي أنثر رحيقكَ فوق أوجاعي، لعلِّي أزيح أوجاعاً مرصرصة فوق رقبتي منذ سنين، لعلِّي أزرع نسائمَ أملٍ فوق تلالِ فوضاي. تعالَ يا قلمي، يا أجمل فوضى عبرت في مرامي كياني، أنتَ الفوضى ما بعد الخلاقة، لأنَّني من خلالكَ تمكّنتُ أن أقضي على ضجري، على فوضاي، على قرفي، على حلكةِ اللَّيل الزَّاحفِ على أنهارِ الذّاكرة.

وضعتُ قلمي جانباً، تأمَّلْتُ ذاتي، ذاتٌ تائهة بين وهادِ العمرِ، هائمة بآلافِ الأفكارِ، متأرجحة فوقَ حبَّاتِ المطر، تبحثُ عن الماءِ الزُّلالِ، متعانقة مع تجلِّياتِ الخيالِ، ذاتٌ محلِّقة فوقَ هدوءِ اللَّيلِ، مزدانة في وهجِ السُّؤال، للموتِ حضورٌ طاغٍ في بوحِ السُّؤالِ، غدرُ الإنسانِ فاقَ خشونةَ الأدغالِ، ذاتٌ تبحثُ عن كيفية اسئصال الشرِّ المعشَّشِ في كينونةِ الإنسان، كينونة متقطِّعة الأوصال، على شاكلةِ دبيبِ الأرضِ الزَّاحفِ في عتمِ اللَّيلِ على غيرِ هدى!

وضعتُ الأقلام المتناثرة في آنية، فبدَتْ كأنَّها زهور متعطِّشة للفرح. إنّي أبحث عن فضاءات الفرح، عن موسيقى منبعثة من زقزقاتِ عصافير محلَّقة هناك فوق أشجارِ التُّوت عند بيتي العتيق، لملمتُ آلاف الأوراق المبعثرة حولَ أسرارِ السَّرير، صحف ومجلات، كتبٌ موزّعة في كلِّ مكان، لوحاتي مسترخية بهدوء لذيذ فوق جدارن غربتي، شقّتْ بعض اللَّوحات طريقها إلى أن استقرَّتْ فوقَ خشبِ السَّتائر، كأنَّها جزء من ديكور السَّتائر، واسترخى بعضها على صدر المكتبة، فعانقت كتبي عناقاً حميماً، وما تبقَّى تنتظر مكاناً آمناً، بعيداً عن الفوضى المحدقة في عذوبة اللَّون المنبعث من شغفِ العشقِ والاشتعال.

استقبلَ الكونُ عيد الميلاد، وأنا غائص في تنظيف دنيا فوضاي، لم يهلّ عليّ منذ زمنٍ بعيد في صباحاتِ العيد ولا في مساءاته سوى أقلامي، سررتُ لهذا التَّواري عن عالمي، أصدقاء ومعارف من لونِ البكاءِ الأزلي، من لونِ الضَّباب الغائص في غمامِ المتاهات، الكلمة هي عيدي، هي صديقي، هي صديقتي، هي بؤرة فرحي وانتعاشي، هي معراجُ تجلِّياتي إلى نضارةِ السَّماء.

نظَّفتُ فوضاي تنظيفاً مكثَّفاً إلى أن أصبح عالمي العاج بالفوضى، عالماً طريّاً، مريحاً، حميماً، دافئاً، خلخلتُ أجنحة الفوضى، طردتها شرّ طردة، شهيّتي كانت مفتوحة على زعزعةِ الفوضى من جذورها، لم أعُدْ أطيقُ الفوضى ولا أؤمن باصطلاح الفوضى الخلاقة حتى ولو كانت الفوضى أسَّاً بديعاً للإبداع، حتى ولو كانت رحيق الإبداع، تبقى الفوضى فوضى، تغدو أمامي كحالة سقيمة تعكِّر مزاجي الصَّباحي، خاصَّةً في صباح العيد، في صباح الفرح، في صباحِ الشِّعر والارتقاء، في صباحِ التجلِّي في سماءِ الإبداع، نزوعٌ عميق جرفني إلى أن تصبح صباحاتي كلّها عيد، عيد من حيث البحث عن مكامن الجمال في أركان يومي على مساحات كهفي، فأنا ملتحمٌ في عوالمي مثل رهبان الجبال، مع فارق بسيط هو أن رهبان الجبال كانوا ينزعون نحو عوالم روحانية أيَّام زمان، بينما رهبانيَّتي تنزع نحو فضاءاتِ الحرفِ واللَّونِ والعشقِ المفتوحِ على تجلِّياتِ الكلمة، ربَّما هي رهبانيّة حداثوية تصبُّ في عالمِ الإبداعِ، لهذا لا أؤمنُ بالنُّزوع الرُّهباني بالمفهوم الرُّوحاني المحض والتعفُّفي الخالص، فهو ضدّ الطَّبيعة البشرية، ولا يناسب هذا الزَّمان، ويحدُّ من آفاقِ تجلِّياتِ الرُّوح حتَّى في عالم الرُّوحانيات، هكذا يخيّل إليَّ، أو هكذا يبدو لي الإنسان، لأنَّ الإنسان ليس روحاً خالصاً، هو روح وجسد، فلا بدَّ من التَّوازن بين ما هو روحي وما هو جسدي، وإلا تخلخل كيان الإنسان كإنسان يحمل بين جناحيه جموحات روحيّة وجسديّة خلاقة!

يهفو قلمي إلى حفاوةِ السَّماء، إلى سموِّ الرَّوحِ وهي تصعدُ نحوَ واحات المحبَّة، نحوَ حبقِ السَّلامِ، في عيدِ المحبّة والسَّلام، كيف لم يعِ الإنسان كلّ هذه السِّنين أنَّه رسالة فرحٍ من الأعالي، يزرعُ هديلَ اليمامِ في هضابِ الدُّنيا، يسقي خميلةَ الرُّوحِ، يشعلُ شموعَ الفرحِ مع اشراقةِ السَّماءِ، لعلّه يتعانق معَ توهجاتِ الشَّمسِ في صباحِ العيدِ!


ستوكهولم: 25 . 12 . 2009

الكتابةُ شهقةُ عشقٍ مندلقة من خيوطِ الشَّمس!


أخبّيء كلّ يوم عشته في ربوع ديريك في حنايا غربتي، وأنقش توهُّجاتِ الذَّاكرة البعيدة فوق حبقِ الشِّعر. زادي في الكتابة هو سهول القمح وبراري المالكية، وأزقَّتي الطِّينيَّة الَّتي غُصْتُ فيها حتّى مفاصل الرُّكبة، إلى أن امتزجتْ تلكَ الأكوام الطّينيَّة في شهيقِ الشِّعر وفي رحابِ الحلمِ !

أكتبُ كي أترجم بعضاً من موشور طفولتي وفتوّتي وشبابي وغضبي من اعوجاجات هذا الزَّمان، لأنثرَ تواشيح حبري فوق غيمةٍ ماطرة، لعلّها تهطلُ فوقَ بيادر العمرِ زهوراً من نكهةِ الياسمين!

الحياة تغدو أحياناً وكأنّها أفعى غليظة ملتفّة حولَ عنقي، تبدو أقصر من جموحي، ممّا يراودني، تحاصرني في كلِّ حين، تفجِّر في أرخبيلاتِ الرُّوحِ طاقاتٍ هائجة، وكأنّ هذه الطَّاقات متأتّية من زمنٍ سحيقٍ، طاقات عالقة في اخضرارِ الخيال. الحياة غمامةٌ عابرة، بسمةُ طفلةٍ في صباحٍ نديٍّ، ضحكةُ الرَّبيعِ عندما يستقبل نسائم عليلة من أعالي الجبالِ، لا نملكُ في الحياة سوى رجرجات هذا العمر القصير! كم يغيظني لأنَّني لا أعيش قروناً من الزَّمان. أشعر في أعماق الحلم، حلم اليقظة واليقين، أنَّ هناك براكين من الرُّؤى والأفكار والنّصوص والقصائد والألوان تتماوج في رحاب المخيّلة الهائجة مثل شلالات هاطلة من خاصرة السَّماء. نعم يغيظني أن لا أعيش قروناً من الزَّمانِ، لأنَّ عمرنا القصير الَّذي نعيشه، لا يكفي إلا لترجمة بعضاً من زنابق عشقي للحياة، لا يكفي أن نغوصَ عميقاً لنترجمَ ما يعترينا من الدَّهشةِ، دهشةُ الذُّهولِ من دورانِ الكونِ، من سطوعِ برعمٍ فوقَ تكويرِةِ النَّهدِ، متى سأكتب هذه الجِّبال الشَّامخة نحو أبراجِ الصُّعودِ، صعودُ الرُّوح نحو بخورِ الصَّفاءِ!

وحدها الكتابة تخفِّف من تخشُّباتِ ضجري، وحدها الكتابة تمنحني ألق العشق، وحدها الكتابة تبدِّدُ من صقيعِ غربتي، وحدها الكتابة تمنحني بهجة الهدوء وخصوبة الرُّوح، وتفتح شهيَّتي على محراب العناقِ، وحدها الكتابة تغمر صباحي شهقة السُّموِّ، وحدها الكتابة تنقش فوق هلالات الحلمِ حبق التجلّي. لا يهمّني إن عشتُ قروناً، أو بضعة شهور، فالزَّمن مهما طال هو مجرَّد زمن متناثر فوق خميلةِ الحياةِ، وحدُها الكتابة تبقى ساطعة فوقَ مفاصل البقاءِ، وحدها الكتابة تمنحني نكهةَ العشقِ على امتدادِ الكونِ.

هل كنتُ يوماً يخضوراً فوق جبينِ الطَّبيعةِ ولا أدري، هل سأتحوّل يوماً إلى نجمةٍ متلألئة في ظلمة اللَّيل، أو فراشةٍ ملوّنة ببهجةِ الانتعاش؟ هل كنتُ يوماً ما وردةً متراقصة على تخومِ المحبَّةِ، أم أنَّني كنتُ شهقةَ عشقٍ مندلقة من خيوطِ الشَّمسِ؟! هل يوجدُ على وجهِ الدُّنيا أحلى من بسمةِ الحرفِ وهو يتمايلُ فوقَ أغصانِ الخمائلِ، خمائلُ الكونِ باقاتُ فرحٍ إلى بني البشر. هل نحن البشر حروفٌ متطايرة من دفءِ الشَّمسِ أم أنَّنا خيوط نيازكٍ متدلّية من عيونِ السَّماءِ، ما هذا التوحُّدُ اللَّذيذ مع زخّاتِ المطرِ؟ ربّما كنتُ في غابرِ الأزمان غيمةً ماطرة ولا أدري، وإلا فما هذا الشَّوقُ البهيج إلى حبّاتِ المطرِ؟!

تساؤلاتٌ هائجة تراودني، أشبه ما تكونُ بتلاطماتِ أمواجِ البحر، تبتسمُ عروسُ البحرِ تحتَ اهتياجِ الأمواجِ، لماذا لا يعقدُ الإنسان صلحاً مع ذاته، مع ضياءِ البدرِ لعلّه يزدادُ سطوعاً أكثر من هالةِ البدرِ؟! هل نحنُ سنابلُ قمحٍ منثورة فوق خصوبةِ الكونِ، أم أنَّنَا نغمة حنينٍ منبعثة من تلألؤاتِ النُّجومِ؟!

لم أجد على وجهِ الدُّنيا أجمل من حبقِ الأنثى، من بهاء الأنثى، من شهقةِ الأنثى، من نكهةِ الأنثى، هديةٌ متهاطلة من بياضِ غيمةٍ حُبلى بأريجِ النّعناعِ ويخضورِ الحياة! الأنثى شجرةٌ مزنّرة بندى اللَّيلِ وشموخِ النَّهار، صديقةُ الرِّيحِ ونسائم الصَّباحِ، وردةٌ تائهة فوقَ موجاتِ البحر، الأنثى صديقة البرِّ، تسترخي بين رحابِ الحلم، فوقَ نداوةِ العمرِ، لغةٌ دافئة مندلعة من تلاوينِ الضِّياءِ، تتراءى أمامي الآن مثل الغمام أمنيات كثيرة، كانت تنتابني فيما كنتُ ألهو فوقَ أراجيحِ الطّفولة، أمنيةٌ رافقتني طويلاً منذ أن كنتُ أركضُ حافي القدمين في أعماقِ الأزقّة، أمنيةٌ لا تخطر على شطحاتِ خيال الجنِّ، هل تقمّصني جنّيٌ يهوى العبور في صفاءِ السَّماءِ مخلخلاً أشواكاً عالقة بين مويجاتِ الغمِّ، وإلا فما هذه الأمنيات المفتوحة على اهتياجاتِ اليمِّ؟ أمنيةٌ لا تنـزاحُ من تجاعيدِ الذّاكرة المحفوفة بالغرائبِ، ذاكرة متألِّقة بين أغصانِ الطُّفولة، ذاكرة مبرعمة في نصاعةِ جموحِ الخيال، أكبرُ فيكبرُ همّي وتتقلّصُ أغصانُ الأمنياتِ!

الكتابة نسائم بحرٍ منعشة، تهبُّ عندَ الغروبِ، تسطع عند بزوغِ الفجر، صديقة البراري وهمهماتُ اللَّيل، الكتابة عطشٌ مفتوح نحو ينابيعِ السَّلامِ، حالةٌ متجلّية بحبورِ الانتشاءِ، نعبرُ جهةَ البحرِ وخلفنا ذاكرة محمومة معفّرة بالرّمادِ. مَن يستطيع أن يزرعَ فوقَ خدودِ الشَّمسِ شموعَ المحبّةِ ويسقي نبتةَ الحياةِ؟ زلازلٌ مهتاجة تنمو، تنفرشُ فوقَ معارجِ الحلمِ، يهفو قلبي إلى بيادر ألعابِ الطُّفولةِ، إلى أريجِ سهولِ القمحِ، إلى صحارى العمرِ، ما هذه الخشونة المتشظِّية فوق معارج العمرِ، لماذا لا يبني الإنسانُ محطَّاتِ فرحٍ عندَ تخومِ الرّوحِ، كيف تتحمّلُ الرّوحُ كلّ هذه المنغصّاتِ؟ ثمّة تساؤلات تزدادُ نموُّاً فوقَ تلألؤاتِ الحلم، وحده قلمي ينقذني من اندلاعِ الاشتعالِ، يخفِّفُ من ضجرِ اللَّيلِ وبكاءِ النَّهارِ، وحده حرفي صديق غربتي وكلّ الكائنات، موجة فرحٍ تعبرُ وجنة الشَّفقِ، فأضحكُ وإذ بي أراني في أعماقِ الحلم، متى سأعبرُ على متنِ سفينة الحبِّ لجينَ البحرِ، معانقاً زهرةً مستنبتة من زبدِ البحر، مرشرشاً رذاذات دفئي فوق رعشةِ العشق وأمواجِ الرَّحيلِ؟!

غربةٌ مريرة تغمرُ صدرَ الكونِ، وحدها الكتابة تبدِّدُ جهامةَ النَّهارِ، تمنحني ألقَ الشَّوقِ إلى مرافئِ العمرِ، إلى ربوعِ دفءِ المساءِ، تفتحُ شهيّتي على موسيقى متناغمة مع حفيفِ اللَّيل، فيروز تكحِّل حرفي طزاجةَ العسلِ البرّي، تمنحني بهاءً مكتنفاً بالتجلّي، فيروز أغنية منبعثة من رحمِ البحرِ، موجةُ فرحٍ منسابة فوقِ بخورِ الرُّوحِ، صوتٌ مدبّقٌ بأريجِ الزَّهرِ، تغريدةُ بلبلٍ في أوجِ الرَّبيعِ، فيروز صديقة وجعي وبهجةُ قلبي، تزرعُ في خيوطِ الصَّباحِ روعةَ الشَّوقِ واخضرارَ العناقِ!

وحدُها الكتابةُ تحرقُ الشُّرورَ العالقة بينَ أجنحتي، تهدهدُ فوق جبيني هديلَ اليمامِ، وتزرعُ في غدي أملاً باسماً، معبّقاً ببخورِ المحبَّةِ وأغصانِ السَّلامِ!


ستوكهولم: 8 . 6 . 2005




#صبري_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إصدار كتاب جديد بعنوان: حوار د. ليساندرو مع صبري يوسف
- إصدار الجزء الثالث من أنشودة الحياة للشَّاعر صبري يوسف
- إصدار ديوان جديد للشاعر صبري يوسف
- صبري يوسف ضيف مايا مراد للنقاش حول تجربة الأب يوسف سعيد
- لقاء الشاعر مروان الدليمي مع صبري يوسف عبر فضائية عشتار
- إصدار كتاب جديد للأديب والشَّاعر صبري يوسف يتضمَّن: شهاداته ...
- إصدار مجموعة قصصيَّة جديدة للأديب الشَّاعر صبري يوسف
- إصدار ديوان جديد للأديب الشَّاعر صبري يوسف: أنشودة الحياة، ا ...
- حوار رمزي هرمز ياكو مع الأديب والفنَّان التَّشكيلي صبري يوسف
- إحياء حفل تأبين أدبي كبير للأب يوسف سعيد في أربيل
- حفل تأبين أدبي كبير للشاعر المبدع الأب د. يوسف سعيد في أربيل
- مشاركة الأب أيوب اسطيفان في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع ...
- مشاركة الشاعر جوزيف قسطن في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع ...
- مشاركة الأديب والشاعر والمترجم د. فاضل العزاوي في حفل التأبي ...
- مشاركة الأديب د. يوسف متّي إسحق في حفل التأبين الأدبي للشاعر ...
- مشاركة الشاعر ميخائيل ممّو في حفل التأبين الأدبي للشاعر المب ...
- مشاركة الشاعر وليد هرمز في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع ...
- مشاركة الدكتور المهندس جبرائيل شيعا في حفل التأبين الأدبي لل ...
- مشاركة الشاعر هشام القيسي في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبد ...
- مشاركة الشاعر شربل بعيني في حفل التأبين الأدبي للشاعر المبدع ...


المزيد.....




- طريقة تنزيل تردد قناة توم وجيري الجديد 2024 نايل سات لمتابعة ...
- نتنياهو عن إصدار مذكرة اعتقال ضده من الجنائية الدولية: مسرحي ...
- كرنفال الثقافات في برلين ينبض بالحياة والألوان والموسيقى وال ...
- ما الأدب؟ حديث في الماهية والغاية
- رشيد مشهراوي: مشروع أفلام -من المسافة صفر- ينقل حقيقة ما يعي ...
- شاهد الآن ح 34… مسلسل المتوحش الحلقة 34 مترجمة.. تردد جميع ا ...
- مصر.. تأييد الحكم بالسجن 3 سنوات للمتسبب في مصرع الفنان أشرف ...
- بعد مسرحية عن -روسيات ودواعش-.. مخرجة وكاتبة تواجهان السجن ف ...
- بقضية الممثلة الإباحية.. -تفاصيل فنية- قد تنهي محاكمة ترامب ...
- مصر.. القبض على فنان شهير بالشيخ زايد بتهمة دهس سيدتين


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبري يوسف - إصدار كتاب جديد لصبري يوسف: ديريك يا شهقة الرُّوح 1 2