أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد جاسم الساعدي - التعليم في العراق وآفاق اصلاحه واسئلة التربية النقدية















المزيد.....


التعليم في العراق وآفاق اصلاحه واسئلة التربية النقدية


عبد جاسم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 3271 - 2011 / 2 / 8 - 13:37
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


التعليم في العراق وآفاق إصلاحه وأسئلة التربية النقدية
تحقق شعوب العالم أسباب نهضتها وتقدمها، حينما تتجاوز مرحلة السكوت على الأمر الواقع، وتدخل في فضاءات النقد والتحليل والمقارنة، ويعتبر التعليم دائماً نقطة ارتكاز رئيسة في البحث، باعتباره مفتاح حركة الإصلاح، اذ به نبتدئ ونعالج الأزمات البنيوية الأخرى في مراحل الخراب والانتهاكات وهبوط المستوى التعليمي الى ادنى مستوياته. ويعترف اهل الاختصاص والمعنيون بالفضاء العلمي والتربوي في العراق بانحدار التعليم، وتلك صرخة وصدمة نفسية، فيما يسهم الواحد منا في الخضوع للازمة والمشاركة فيها، بتخريج دفعات لا تتوافر فيها الشروط الأولى للتعليم الجامعي، وكأننا جزء من الأزمة ومن عوامل استفحالها.
لقد وضعتنا تجربة العمل الميداني التي اشتغلت عليها (جمعية الثقافة للجميع) منذ سبع سنوات في مدارس بغداد ومعاهدها والاشتغال على الاقتراب من مئات المتعلمين والمعلمين والمتسربين عن الدراسة وكذلك في برنامج الجمعية لتعليم الكبار وبخاصة النساء في المناطق الشعبية المهمشة في اطراف بغداد من احياء 9 نيسان في الباوية والمعامل والفضيلية والرشاد وحي طارق وكذلك مدينة الصدر والزعفرانية وابو دشير والبياع.
اذ اكتسبت الجمعية ثقة المواطنين وتعاملت معهم من خلال احتياجاتهم المباشرة في توفير مهارات تعليم محو الأمية بالتعاون مع مديرية تربية الرصافة الثانية والثالثة ومديرية تربية الكرخ الثانية، والتنسيق بحسب كتاب رسمي من وزارة التربية واقترنت التجربة بتوفير صفوف حضانة لأطفال النساء حققت تجربة مهمة على نطاق تعميق الثقة والصلة، والعمل بحسب البعد الإنساني والاجتماعي والتربوي اولا، وكانت صفوف محو الأمية توفر ايضا ندوات ولقاءات مباشرة في موضوعات حقوق الإنسان وحقوق المرأة ومفاهيم المساواة والعدالة الاجتماعية وتقديم النصائح القانونية الى النساء وما اكثر مشكلاتهن الاجتماعية في الطلاق والميراث والمنازعات الشخصية والعنف المنزلي.
وهنا لابد من الإشارة ، بأن حضور النساء كان على مستوى عال من المسؤولية والشعور باهمية التعليم ومكافحة الظروف الاجتماعية والعزلة ومحاولة البعض اعتراضهن وثنيهن من الوصول والاستمرار في الدراسة.
لقد منحتنا التجربة دروسا لا حد لها في التواصل والتنظيم والإعداد ومساعدة المعلمين والمعلمات على المشاركة.
ومهما يكن من الظروف الاستثنائية المتعددة الأشكال في خراب البنية التحتية وعدم مساعدة الإدارات التربوية بأشكالها وانماطها الا ان جمعيتنا تعتز بما وفرته ابتداء من السبورة والباب والتدفئة والتبريد وخلق مناخات مشجعة على الحضور والدرس والمناقشات الجميلة لنساء يتركن بيوتهن لساعتين كل يوم بالإضافة الى الدورات التدريبية التي نظمتها الجمعية، لأكثر من مئتين وخمسين معلما ومدرسا، في مدينة الصدر والزعفرانية وما تقدمه تقارير واحصاءات برنامج الأمم المتحدة والتقارير السنوية التي يصدرها قسم التخطيط والإحصاء في وزارة التربية، الى استيعاب حجم المشكلة بأبعادها الاجتماعية والثقافية والتربوية والنفسية وما يترتب عليها من مضاعفات بنيوية، تتصل بسلوك الإنسان وعلاقاته والمحيط الاجتماعي. وتراجع بناءات وقيم ثقافية واخلاقية، فينشأ عنها عزوف عن المعرفة والتعليم وانحسار عن الحضور والمشاركة في الأفعال الإنسانية.
فالمشكلة التعليمية في العراق ذات بعد تراكمي، يتصل بأربعة عقود من الخوف والقهر والطغيان السياسي وإتباع سياسة (العسكرة والتصنيع العسكري) والإهمال المنظم للكفاءات العلمية والثقافية في العراق بما يخدم الدكتاتورية واهدافها التوسعية في الحروب والاعتداءات وخلق بؤر متوترة.
يمكن ملاحظة بعض قرارات النظام في هذا الشأن:
1- قرار رقم (1192) في 16/9/1978:
- قبول كافة ابناء وبنات زوجات الشهداء في الكليات والمعاهد في القطر، استثناء من شرط المعدل والعمر.
2- قرار رقم (1225) في 10/9/1981:
- تضاف الى اخوة الشهداء، واخواتهم من خريجي وخريجات الدراسة الإعدادية خمس درجات فوق معدلات النجاح لكل منهم، لغرض القبول في الكليات والمعاهد العالية في القطر.
- وضع مناهج تعليمية رديئة، لا تشجع على المعرفة والحوار والسؤال والنقد، انها في خدمة النظام، كما اصبحت المؤسسة التعليمية متضخمة في حجمها وحجم العاملين فيها من دون اداءات علمية او طرائق تربوية صحيحة،تفتقر الى المنهجية العلمية والى الإدارة الحديثة والتكنولوجيا. وبقيت المؤسسة التعليمية بامتداداتها مع الماضي في بقاء المنهج التعليمي من دون تغيير يذكر، او يسهم في اعادة إصلاح التعليم.
- يلاحظ ان نسبة الالتحاق الصافية في التعليم ما قبل الابتدائي في العراق هي 5,8% مقارنة ب، 29% في الاردن و 66% في الكويت و 59% في المغرب و 65%في لبنان.
- وان 35% من البنات يتركن الدراسة و 55% من اللاتي يتركن الدراسة في الريف.
- بلغ عدد التلاميذ المتسربين من الدراسة في المرحلة الابتدائية والمتوسطة حوالي ثلاثة ملايين تلميذ، تشكل البنات النسبة الاكثر منهم.
لعل ذلك يعود لهيمنة الطابع السياسي/ الديني وتحجيم دور الباحثين والأكاديميين التربويين المختصين لمرحلة الإصلاح في التعليم.
وبرزت الظاهرة / الطائفية/ والمحاصصة السياسية، وثقافة العنف في المدرسة والجامعة وتأثير الهجرة القسرية على الطلاب والأسرة.
ان قائمة الجوانب السلبية التي رافقت العملية التربوية في العراق طويلة ومتعددة، وتشكل خطرا حقيقيا على مستقبل العراق وبرامجه الثقافية والعلمية ومحاولات اقامة مجتمع جديد، يخلو من العنف والخوف، ويعتمد على الإنسان والجماعة لنشر ثقافة القانون والدستور وحقوق الإنسان والمجتمع المدني واشاعة المعرفة وثقافة النقد والحوار والمشاركة.
نستدل من خلال التجربة والعلاقات المتواصلة مع المعلمين على مدى تأثير الأزمة وضغوطها على أشكال الأداء والحضور والمشاركة والمبادرة، بالتراجع والانحسار وتعليق الحال على وزارة التربية وحدها، وكأن المعلم غير معني بتطوير التعليم ومعالجة الثغرات.
لهذا يبدو ان الأزمة مركبة بين المدرسة والمعلم والوزارة والمحيط الاجتماعي، لقد اجمع المعلمون في ورشات التدريب على وجود ضغوط واعباء ثقيلة تتجلى في :
- اكتظاظ الصفوف التي وصل بعضها الى مئة تلميذ، ووجود الدوامات المزدوجة والثلاثية، وغياب الدورات التدريبية للمعلمين.
- افتقار المدارس كلها، الى وسائل الإيضاح والمختبرات والتجهيزات، بمعنى ان المدارس هياكل من دون حياة ونشاطات غير مدرسية، فالمدرسة تعاني من اهمال مقصود للنشاطات الفنية والرياضية والعلمية والثقافية والمكتبية ايضا...
وماذا بقي من المدرسة ومن حيوية وجودها وتأثيرها على المحيط الاجتماعي؟
تظهر الحوارات مع المعلمين حال الاعتكاف والاستسلام للازمة ومضاعفاتها، اذ ان القراءة تكاد تكون اختفت وان الكتابة قد سبقتها في الانحسار والخفوت، واصبح المعلم رقما غير منتج وفعال في الأداء اليومي لشعوره بحجم المشكلة ومضاعفاتها وما ينتج عنها من مشكلات متعددة في الحياة اليومية.
ان الغالبية الغالبة من المعلمين الذين نلتقي بهم ونحاورهم قد اخذ منهم الإحباط مأخذا وجعلهم نمطيين يائسين غير مبالين بما يجري حولهم فلا تجد شيئا من المبادرات والإبداع والعمل الجماعي.
ان تراجع التعليم في العراق يرتبط بتراجع الأبعاد الأخرى في الوضع الثقافي والاجتماعي وضمور التواصل والحيوية وغياب النقد والحوار.
لهذا فالتعليم ذو صلة بالإنسان والثقافة والفكر والإصلاح التعليمي ويرتبط بحركة الإعلام وبرامج الأحزاب والمنظمات السياسية والثقافية بالانتقال من مرحلة الركود والخضوع للازمة الى مرحلة التجديد بحسب برامج علمية، ينهض بها مختصون في كل مجالات الإبداع والفلسفة وعلم النفس والاجتماع والثقافة.
تقدم ورقتنا مقترحات لعلها تسهم في معالجة ازمة عضوية ذات تأثيرات سلبية على الحياة العامة في العراق وقد تؤدي الى مضاعفة عناصر العنف والموت والإرهاب وتراجع الأبعاد الإنسانية والوطنية والثقافية.
- الاعتماد على الطاقات العلمية والتربوية والثقافية المختصة بمناهج التعليم والبحث الأكاديمي وتوفير احصاءات دقيقة تكون في فائدة العملية التربوية ويمكن الاستعانة بباحثين عراقيين في الخارج على ان تنظم الطاقات في هياكل تنظيمية تتمتع بالحرية والوصول الى المعلومات الدقيقة واختيار أفضل السبل لتحقيق دراسات حديثة من دون الخضوع للمحاصصات الطائفية والسياسية.
- لابد من توفير ضمانات قانونية وتشريعية يتولاها مجلس النواب لحماية الباحثين ومركز الدراسات من التدخل الطائفي والعنف والتهديد، على ان تدعم الخطوة العلمية بحركة إعلامية وثقافية وبرامج احزاب سياسية ذات ابعاد وطنية وتحررية بالإضافة الى منظمات ومؤسسات المجتمع المدني المعنية بالتعليم والثقافة ومستقبل العراق. ويمكن ان تكون من مهمات مركز الدراسات:
- اعادة النظر بمناهج التعليم كلها.
- إعادة النظر في طرائق التدريس.
- تحديث الإدارة، نعني بها إدارة المدرسة والجامعة والمعاهد واعتماد الأساليب الديمقراطية في اختيار الإداريين ابتداء من رئيس القسم والعميد ورئيس الجامعة ومساعديه الإداريين، ومدراء المدارس والمعاهد.
- اعادة النظر في الكادر التعليمي لان أعدادا كبيرة منه قد تجاوزها الزمن فإحالتها على التقاعد اولى من وجودها.
- تنظيم دورات تدريبية علمية، تبقى في العراق ثابتة ومتطورة مع كفاءات واختصاصات تتولى تدريب الأساتذة والمعلمين ويمكن الاستعانة باختصاصيين عراقيين او عرب او اجانب.
- تنظيم دورات متطورة وبخاصة (العربية) التي تدعم العملية السياسية في العراق لعقد اتفاقات تعاون في التدريب والتأهيل وإعادة تدريب الأساتذة.
- الاهتمام بالمكتبة المدرسية والجامعية ومعاهد المعلمين والمعلمات والمعاهد التقنية والفنية.
- تشجيع حركة الفن التشكيلي والنحت والموسيقى والإبداع بالتنسيق مع وزارة الثقافة.
- خلق أجواء علمية وثقافية في الفضاءات التربوية كلها بما يعزز الانتماء الى الوطن وثقافة المحبة والتسامح.
- تشجيع الطلاب على الكتابة والإبداع والمبادرة وتنظيم منافسات شبابية متنوعة تطور كفاءاتهم وتخلق جوا من الوئام والمودة والسلام.
- ايلاء الأهمية للمدرسة بوصفها وحدة تربوية اولى في المحيط الاجتماعي وتوفير الظروف البيئية والصحية والمناخات الكفيلة بتفاعل المدرسة وتنمية العلاقات الثقافية والاجتماعية والتربوية.
- تحسين ظروف المعلمين وتشريع قانون يوفر الضمانات الاجتماعية والصحية لهم ولعوائلهم وبناء مجمعات سكنية للمعلمين الشباب وتشجيعهم على الإبداع والتواصل مع المحيط الاجتماعي والعلمي والثقافي.
يتضح لنا من خلال قراءة حركة التعليم في العراق على المستوى العلمي والنظري، انها من اعقد القضايا التي تواجه المجتمع العراقي لصلتها بفكر الإنسان وبنيته العقلية والثقافية والاضطرابات السياسية والإيديولوجية والانتماءات الدينية وتراكمات الشعور بالخوف والعزلة وعدم جدوى التعليم.
لذا يقتضي توافر شروط حركة الإصلاح التعليمي والاجتماعي والثقافي لا على مستوى الشعارات والحملات الانتخابية، بل الاشتغال الدؤوب لتحريك الأجواء الساكنة وتفعيل الحركات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات غير الحكومية والنقابات العمالية والمهنية والصحافية وبالتعاون مع المنظمات الدولية ذات الخبرة والكفاءة العالية في فهم واستيعاب الوضع التعليمي في العراق والبلدان العربية والعالم كمنظمة "اليونسكو" لوضع خطة عمل إستراتيجية بالتنسيق مع مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني لمعالجة حال الأمية في العراق...
ولعل الأمر يتطلب بضع خطوات من اهمها:-
1- خلق بيئة ثقافية شاملة لفهم مضاعفات الأمية والجهل وكيفية مواجهتها بطرق علمية وبالتعاون المشترك مع القوى العراقية/ المدنية والرسمية والشعبية وان تكون الأمية في اولويات مشروعات الدولة والأحزاب والإعلام والمنظمات ومصاحبة ذلك في حملات ثقافية تركز على حق التعليم اولاً...
2- سن تشريع قانوني، يكفل تطبيق مبدأ التعليم الإلزامي في المرحلة الابتدائية كما جاء في الدستور العراقي، مع توفير مكافآت مالية تعالج ازمة العوز الاجتماعي ولو مؤقتا، وتنظيم دورات تدريبية لتأهيل الشباب والنساء وإعدادهم للعمل والاندماج الاجتماعي، ويكون بالتنسيق مع الوزارات المعنية: وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وزارة حقوق الإنسان ووزارة الشباب والرياضة، وان تأخذ تلك الدورات طابع الاستمرارية في العراق كله.
3- من الضروري جدا، تخصيص موازنات مالية سنوية لمشروعات الأمية وإعداد الشباب وتأهيله، وان تقع في اطار الشفافية والعدالة والمساواة بين المتعلمين والمتعلمات.
4- الاشتغال لإعادة تدريب/ المعلمين والمعلمات بما يناسب مناهج التعليم الحديثة وطرائق التدريس، وان تضع الخطة في اعتبارها توفير المكان المناسب بالتخلص من المدارس ذات الدراسات المزدوجة والثلاثية التي لا تلائم مشروع محو الأمية، بالإضافة الى تقديم الحوافز للمعلمين والمتعلمين، التي تشجعهم على الحضور والتواصل والمشاركة...
5- الانتقال لوضع إستراتيجية عمل تختص بمشروعات محو الأمية من خلال الاتفاق بحسب التشريع القانوني على تكوين/ المجلس الأعلى لمحو الأمية، بمشاركة الجهات المعنية الحكومية والشعبية.
6- معالجة أزمة تسرب التلاميذ من الدراسة بخاصة بين الفتيات اللواتي تصل أعداد المتسربات منهن الى نحو 50% في المرحلة الابتدائية.
7- الاتفاق بحسب الشروط العلمية ومن خلال البحث والدرس على ان التعليم في العراق لا يتحقق له النجاح ما لم تعالج/ الأمية بوصفها ظاهرة تتعلق بتدني مستويات التعليم العام في العراق ووجود إحباط والشعور باليأس وعدم جدوى الدراسة.
فقوى التغيير القادمة في العراق، معنية بوضع برامج إستراتيجية علمية تحتفظ بالاستقلالية والوضوح والانفتاح على الطاقات والجماعات والأحزاب والحركات ذات الاهتمام في الإصلاح وعلى التعدد الثقافي والتنوع والحوار وان يجري التعامل مع التراكمات الثقيلة في نسبة الأمية والجهل والمتسربين من الدراسة وظاهرة الغش وتزوير الشهادات والمناهج التعليمية والإدارة والعقليات المحافظة التي تخشى التغيير، بحسب منهج علمي وبخطوات ممكنة تقود الواحدة الى الخطوة التالية بمقدرة عالية على الحوار والإقناع والاشتغال لكسب الرأي العام العراقي وقنواته الثقافية والتربوية والاجتماعية والسياسية والإعلامية والدينية.
تولي مراكز البحث في العالم اهمية استثنائية لمتابعة عناصر العملية التربوية التعليمية وتنمية قدرات العاملين بها، وتخصص حكومات البلدان المتقدمة نسبة عالية من موازناتها السنوية للغرض نفسه.
وتستحوذ طرائق التدريس على موضوعات البحث النظري والتطبيقي لوجود فضاءات معرفية وفكرية متعددة، تنفتح على مساحات ثقافية وإعلامية في النقد والحوار والاقتراب من الجمهور والمعنيين بالعملية التربوية.
فيخرج التعليم عن الغرف المظلمة والقرارات السياسية والحزبية او (المذهبية والطائفية) كما في بلداننا العربية، فيصبح عندئذ موضوعا مفتوحا للمناقشة وإبداء الرأي في كل مفاصل التعليم، ابتداء من المدرسة والمنهج وطرائق التدريس ووسائل الإيضاح والمختبرات والأجواء الصحية والبيئية ورعاية المواهب والطاقات الخلاقة والاحتفاظ في الأعداد المقررة لطلاب الصف الواحد بما لا يزيد عن خمسة وعشرين طالبا في اقصى طاقات الاستيعاب.
وتأخذ طرائق التدريس أبعادا ثقافية وفكرية لصلتها بالإنسان والمجتمع والتطورات الاقتصادية ولا تخلو من التجاذبات. يميل بعضها الى القديم والمحافظة على مفرداته ومنهجية العمل به، خشية الدخول في مغامرات الحداثة والتجديد فيفقد المعلم سطوته التقليدية في قاعة الدرس.
وطرائق التدريس، كما ذكرنا لها علاقة بثقافة السؤال النقدي والمعرفي في إعداد الطاقات الهائلة التي تحتويها قاعات الدرس في مراحلها المختلفة، تشارك في بناء عالم جديد، يتوهج بالمعرفة والحضور الثقافي ويقضي على الخمول والزوايا المغلقة، فالتعليم لدى هؤلاء المفكرين ليس سلعة تخضع للعرض وطلب السوق، كما تشاء الأنظمة الرأسمالية، بل هو إنتاج جديد للإنسان يعيد له اعتباره في الحياة ودوره في قيادة المجتمع.
لذا نجد حجم العلاقة التفاعلية بين النظريات النقدية الحديثة في الأدب ونظرية التربية النقدية التي حمل لواءها المفكر الأمريكي (هنري جيرو) يضع وجه المقارنة المعرفية بين نظرية الأدب والتعليم، من حيث العناصر المشتركة في علم اجتماع الأدب، التي تعنى بالإنسان اولا وتشتغل لتحريره من القيود والضغوط الكامنة في داخله وتلك التي تفرض شروطها اليومية عليه لعزله وتهميشه من الحضور والمشاركة والتفاعل مع الجديد في الحياة.
فانغمر مفكرو الأدب ونقاده منذ عقود في فك رموز القهر والاستلاب، كما نجد لدى، انطونيو غرامشي، والان روب غرييه، وميشيل بوتور، ورولان بارت والتوسير وميخائيل باختين ولوسيان غولدمان وغيرهم.
تشتغل التربية النقدية على رفع مستوى الوعي لدى الطلاب ومنحهم الفرصة الكافية في الحضور والمناقشة وابداء الرأي وان يكونوا طلابا مشاركين في قاعة الدرس وفي البحث والحوار.
وان يتمكنوا من تقديم الاسئلة عن المؤسسات الحالية وتفكيكها ومناقشة اهدافها ودواعيها، ويرى (جيرو) بان التربية التي تنمي ثقافة السؤال والنقاش فقط، لا تقول شيئا عن نوع المستقبل الذي ينبغي الدعوة اليه، ولا عن قيمة الحرية والعدالة فيه، ولا بأي نوع التعليم وبأية كيفية يتحقق هذا المستقبل.
ويميز كل من نيكولاس بيربلس ورابرت برك، بين التربية النقدية والتفكير النقدي كمدخلين نقديين في التربية، فالتربية النقدية تركز على التغيير وعلى العمل الجماعي الذي يحققه، وبذلك فانها تتجاوز الشواغل الرئيسة للتفكير النقدي الذي يهتم فقط، بالسعي لتعليم الآخرين التفكير بطريقة نقدية.
فالشخص النقدي، من منظور التربية النقدية، هو الشخص الذي يسعى لإقامة العدل والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
فينصب اهتمام التربية النقدية على مقاومة الظلم الاجتماعي والمساواة الاقتصادية والقهر السياسي وإعادة غرس الأمل في إمكان التغيير، انطلاقا من الإيمان بفعل الإنسان وقدرته على صنع التاريخ.
فالسعي لمقاومة بنى القهر وتغيير علاقات السيطرة امر في صميم التربية النقدية، وترجع جذور هذه الفكرة الى المفكر التربوي النقدي بولو فريري.
فالتربية النقدية بالنسبة لفريري تهتم بتنمية الوعي النقدي، والحرية عنده، تبدأ بادراك منظومة علاقات القهر والوعي به، وإدراك الفرد لمكانه في هذه المنظومة.
وتمثل التربية النقدية في تنمية وعي الفئات المقهورة بوضعها في منظومة علاقات القهر كخطوة اولى ثم السعي العملي لتغيير الوضع القائم.
ويؤكد باولوفريري بأن التربية النقدية ذات هدف ووسيلة للتغيير في الوقت ذاته، اذ تسعى التربية لخلق مجتمع جديد، والتربية كوسيلة للتغيير تمثل شكلا من أشكال العمل الذي ينبثق عن الربط بين لغة النقد ولغة الممكن انها تمثل الالتزام القوي من جانب رجال التربية بإضفاء السمة السياسية على العمل التربوي، اي توظيف الوعي النقدي والعمل في اطار مشروع سياسي للتغيير والتحرير الاجتماعي.
ويشير جيرو، الى ان فريري يضع التعليم في قلب الحلقة السياسية مباشرة من خلال القول، بأن التعليم يمثل ليس فقط صراعا على المعنى ولكن ايضا صراعا على علاقات السلطة، وتتضح هذه الحقيقة بمقولة غرامشي الى المناداة بإضفاء الصبغة السياسية على العمل التربوي واضفاء التربوية على العمل السياسي لذا يرى جيرو، ان التربية التي قد اصبحت من منظور غرامشي وفريري مشروعا راديكاليا للتغيير الاقتصادي والسياسي والثقافي يتم فيه تغيير علاقات السلطة.
فالتربية السياسية تعني القضاء على مركزية السلطة في قاعة الدرس وغيرها من المواقع التربوية، لذا يمكن مناقشة الآليات التي تستخدمها السلطة لفرض اللامساواة التي تعمل على تهميش بعض الجماعات الاجتماعية ومحاصرة انواع معينة من المعرفة وكبت الحوار النقدي، وتطور القدرة على إصدار الأحكام، وهي القدرة التي تتطلبها المواطنة الديمقراطية، لذا فالتربية السياسية، شيء مختلف عن الصورة القمعية لتسييس التربية، تشجع التلاميذ على ان يصبحوا مواطنين يعارضون هؤلاء الذين يملكون زمام السلطة في المجتمع، وفي الوقت نفسه يحترمون الاتجاهات النقدية داخل الثقافة المسيطرة.
خلاصة القول، ينادي جيرو بتربية للمواطنة تكون على فهم وعلاقة مباشرة وتفاعلية بالمدارس وغيرها من المواقع الثقافية بصورة تمكن الطلاب من التعرف على كيفية بناء المجتمع تاريخيا واجتماعيا، وفهم اشكال القهر الطبقي والعرقي الكامنة في العلاقات الاجتماعية الحالية، والنضال من اجل إيجاد ثقافة نقدية عامة تقاوم وتغير اشكال السلطة التي تسيطر على النظام الحالي للتعليم والبناء الاجتماعي الكبير.
وهذا يعني بالنسبة لجيرو ان ينتظم التعليم في تصور يربط القضايا الأخلاقية والسياسية بمتطلبات الحياة الديمقراطية.
كما يعني ايضا توفير الشروط المادية والأيديولوجية اللازمة للطلاب كي يصبحوا فاعلين يفكرون بطريقة نقدية، ويتجشمون المخاطر، ويفهمون كيف تعمل السلطة لخدمة كل من السيطرة والتحرير.
كما تعني تربية النقدية المواطنة بالنسبة لجيرو، جعل المنهج وما يصاحبه من ممارسات اجتماعية متفقا مع المبادئ الأساسية للحرية والعدالة والمساواة.

نخلص بان التربية النقدية عند هنري جيرو، تقدم رؤية مختلفة لطبيعة العلاقة بين التربية والمجتمع، نوجز اهم ملامح التربية النقدية بالاتي:-
1- التربية نشاط غير محايد، فالمعرفة التي تقدم في المدارس، ليست محايدة، كما يدعي المحافظون، فالمعرفة المختارة تكون منحازة لفئات اجتماعية على حساب فئات اجتماعية اخرى.
2- التربية نشاط سياسي واخلاقي، لذا يجب النظر اليها في اطار علاقات السلطة وصراع المصالح، فالتربية تفترض تصورا عن الحياة والمستقبل من بين الكثير من التصورات، وتنطلق من رؤية معينة عن المجتمع والذات الإنسانية من رؤى كثيرة، وتؤثر بشكل مباشر في تحديد مكانة الأفراد في المجتمع، وهذه كلها ذات ابعاد سياسية واخلاقية، كما ان الطبقة الحاكمة، هي التي ترسم للتربية اهدافها بصورة تتفق مع سياستها ومصالحها.
3- التربية ذات نشاط مسيس، لكنها لا تخضع تماما للسيطرة الكاملة من جانب الفئات الاجتماعية السائدة، لكنها ميدان للتناقض والصراع، فالمدارس ليست وسائل لمعاودة الإنتاج الاجتماعي والثقافي فحسب، كما ان الفئات الاجتماعية المهمشة لا تتلقى الرسائل المعرفية للمدرسة بصورة سلبية دائما، بل تقلبها حينا وتتكيف معها حينا وتقاومها احيانا اخرى. فالتربية ميدان كما ذكرنا للصراع والتناقض والرفض للثقافة السائدة في المدارس.
4- يمكن الاستفادة من مناخ التناقض والصراع السائد في المدارس لتغيير الجوانب السلبية ومحاولات إخضاع الطلاب لاتجاه سياسي او ثقافي يعبر عن هيمنة السلطة السائدة. لهذا يمكن استخدام المدارس ساحة عامة لمناقشة الشأن العام وتنمية وعي الأفراد بحال القهر واللامساواة في المجتمع وتشجيعهم على تحمل المسؤولية المدنية والعمل بصورة ايجابية ومنتظمة لمقاومة القهر ونشر الحرية والديمقراطية.

د. عبد جاسم كاظم الساعدي
رئيس جمعية الثقافة للجميع
تدريسي/ الجامعة المستنصرية

المراجع:
- مستقبل الثقافة في مصر/ طه حسين، دار المعارف ط2 1996
- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العام 2003
- آفاق تربوية متجددة في التربية والتحول الديمقراطي:
دراسة تحليلية للتربية النقدية عند هنري جيرو، تأليف: سعيد اسماعيل عمرو 2007



#عبد_جاسم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثقافة العراقية الى اين...؟
- كتاب ... مدجنون
- مذكرة مفتوحة لإصلاح التعليم
- نحو عراقٍ خالٍ من الأمية
- الاحباط وهامشية المكان في الثقافة العراقية- القصة نموذجا
- الكفاءات العراقية في الخارج
- المنظمات والنقابات في دائرة المدنية والثقافة النقدية
- ازمات بنيوية في الثقافة العراقية
- على هامش مؤتمر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي
- قناة السومرية ... نقطة نظام
- الحركة العمالية في العراق
- اتحاد أم اتحادات ؟
- الحملات الانتخابية
- التعليم في العراق ونظرية التربية النقدية
- من شقاوات الحزب والثورة !
- مغامرة العوم في أعالي الفرات
- الجامعة المستنصرية : الخوف والعنف وهبوط المستوى العلمي
- العنف وانقلاب 8 شباط 1963 في الذاكرة العراقية...
- رواية (مكان أسمه كميت) الواقع والمتخيل في السرد القصصي
- التعليم في العراق: الواقع والآفاق


المزيد.....




- ما خطط جنازة رئيسي ومن قد يتولى السلطة في إيران؟.. مراسل CNN ...
- بلينكن: على إسرائيل أن تقرر إذا كانت تريد التطبيع.. وهذا شرط ...
- كاميرون: لندن لا تستبعد إمكانية اتخاذ إجراءات جديدة بخصوص ال ...
- مقتل 16 سيدة وفتاة على الأقل بعد سقوط حافلة كانت تقلهم للعمل ...
- أول عرض أزياء لملابس البحر في السعودية يثير جدلا
- واقعة سرقة عملات أجنبية في مطار القاهرة تثير جدلا والداخلية ...
- إبراهيم رئيسي.. تعزية إيران بوفاة رئيسها ورفاقه تقسم المواقف ...
- محمد صلاح يلمح إلى البقاء في ليفربول بعد تعيين المدير الفني ...
- الاتحاد الأوروبي يعتمد قانونا رائدا للذكاء الاصطناعي
- إيران بعد مصرع رئيسي.. هل من تغييرات جوهرية في الأفق؟


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد جاسم الساعدي - التعليم في العراق وآفاق اصلاحه واسئلة التربية النقدية