خالد عبد القادر احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3158 - 2010 / 10 / 18 - 20:52
المحور:
القضية الفلسطينية
تطور الاسس الموضوعية لبنية وهيكل القرار السياسي الفلسطيني: ( 2 )
: ( أ ) تمهيد ضروري لقراءة مقدمات متغي وضع القرار السياسي الفلسطيني بعد هزيمة 1948
منذ الغزو العربي الاسلامي لفلسطين وبه, استقرت صيغة التركيبة الاثنية العرقية في المجتمع الفلسطيني. ولم يكن يطرأ عليها إلا تغيرات نسبية تتخلف بالعادة عن الغزو الاستعماري المتتالي عليها, كذلك استقرت نسبيا تبعا لذلك احجام ملكية الارض التي تقتسمها هذه التركيبة الاثنية, الامر الذي دفع بظاهرة الانصهار القومي الفلسطيني الى الامام والى الخلف الصراعات التناحرية والانقسام الاثني فجعل طابع صراعاتها الرئيسي ثقافي روحاني ديني, لم يعد فيه الى مستوى الصراع الدموي المباشر إلا خلال المدى الزمني للحروب الصليبة. والمشروع الاستعماري الاحلالي الراهن, لكنه حتى في زمن الحروب الصليبة بقيت استقلالية المجتمع الفلسطيني الموضوعية مصانة, وبذلك بقي لها ذلك المستوى من التميز السياسي وان لم يصل حد السيادة المستقلة, فان تميزها في الصراع السياسي العالمي الاقليمي كان يجسد مستوا من مستويات استقلاليتها. حيث بقيت وحدة الصيغة القومية الفلسطينية على حالها, واستمرت عملية الانصهار القومي الفلسطيني في التحقق, الى ان وصلت في مستوى تحققها حد الظاهرة القومية الملازمة لنمط الانتاج الاقطاعي وهي الصيغة القومية ذات التعريف السياسي الديموغرافي المختلط, والتي نطلق عليها الان اسم فلسطين التاريخية. كمجتمع وجغرافيا ونطاق انتاجي.
فخلال تلك الفترة تفككت بصورة ملحوظة سيطرة التحريم العرقي الديني امام هجوم الحاجة الاجتماعية العامة لتبادل المصالح بين شرائح السكان المختلفة, وان لم تفقد بعد الاولية العرقية الدينية احترامها, غير ان اولويتها تراجعت الى المستوى الثانوي امام حاجة التبادل بين اصحاب نمط الانتاج الرعوي مع اصحاب نمط الانتاج الزراعي وحاجة تبادل سكان المدن الحرفيين مع سكان الريف الزراعيين وحاجة تبادل سكان المناطق الجبلية الزراعيين بموسمية انتاجهم ونوعيتها مع حاجة سكان السهول الزراعيين ايضا بموسمية انتاجهم ونوعيته, وبذلك اخترق تبادل الانتاج حدود السوق المناطقي وبدء يفكك عزلنه لصالح السوق القومي الاقطاعي وفي ضوء هذا المتغير الاقتصادي حدث التغير الاجتماعي الذي دفع الى الامام الية الاستقطاب الطبقي على حساب الاستقطاب القبلي العشائري الديني, فسيطرت طبقة الاقطاع على الوضع الاجتماعي الفلسطيني وإن لم تتمركز سياسيا في ادراة مركزية, والذي منع ذلك بصورة رئيسية هو عامل الاحتلال الاجنبي. لذلك لم يكن غريبا ان تكون حركة القرار السياسي الفلسطيني تتجه نحو التمركز والبدء بمركزة مؤسسات اساسه الموضوعي قبل هزيمة 1948م وكذلك التوجه القومي الفلسطين العام, وهو توجه قومي حضاري موضوعي كان ينقصه الاستقلال السياسي السيادي الفلسطيني. واستكمال الانتقال اقتصاديا الى نمط الانتاج الراسمالي وسيطرة الطبقة البرجوازية الفلسطينية على السلطة. فهذه كانت المقدمات الضرورية لتبلور الظاهرة القومية الحديثة لمجتمع ياني من التبعية والاستعمار.
لقد قطعت الحالة الاستعمارية الراهنة مسار التطور القومي الفلسطين في هذه المرحلة الانتقالية, وهو مستجد لم يكن ليحدث لو ان هذه الحالة الاستعمارية كانت كلاسيكية الطابع, اي غزو استعماري ( وظيفي ) او غزو استعماري استيطاني, فنتائج النوع الاول ستزول بفعل رحيل القوة الاستعمارية, اما مسار التطور القومي فجل ما كان سيلحقه من ضرر كان سياخذ صورة الابطاء والاعاقة او الانحراف, اما في الحال الثاني الاستيطاني فان مسار التطور القومي الفلسطيني ايضا لم يكن لينقطع بل ستتسع عملية الانصهار فيه لتهضم العامل العرقي الجديد والمتغيرات التي احدثها على عملية الانصهار القديمة, كما حدث ويحدث في جنوب اقريقيا والتجارب الشبيهة, والى جانب ذلك فان اقصى ما يمكن لعملية احتلال وتقسم فلسطين ان تستحدثه من نتائج في مسار التطور القوميي الفلسطيني كان سيتمحور حول تشويه هذا المسار, فقد حدث من قبل ان قسمت فلسطين بين اطراف عدة غير ان بقاء وحدة صيغة التركيب الاجتماعي الفلسطيني على حالها ووحدتها الديموغرافية الاصيلة واستقلاليتها الموضوعية, كانت تمنع نتائج من نمط النتائج الراهنة التي تعرف خطأ بمقولة استعمار كلاسيكي او استيطاني. فهذه الحالة الاستعمارية, لا يعرفها بشكل دقيق إلا مقولة الاحتلال الاحلالي, الذي يقطع مسار تطور مجتمع ما ويلغي صيغة وجوده الخاصة, ويخرجه منهما ويحل فيهما محله حلولا كاملا. وهو اقدم الانماط التاريخية للاستعمار, والذي لايستكمل ولا يترسخ إلا بالقضاء نهائيا على العرق الاصيل. وهو ما كانت تفعله القبائل المتوحشة ببعضها البعض حيث لا تختلف حداثة الاحتلال الصهيوني عن اصالة ذلك الاستعمار القديم إلا بالاحجام عن اكل اللحم الفلسطيني المهزوم فحسب.
لقد كان من الضروري في هذا الموقع الاشارة الى طابع الحالة الاحتلالية الراهنة, من اجل ادراك النتائج المدمرة التي الحقتها بالوضع القومي الفلسطيني, والتي لا تتعلق بعامل الاستيلاء على الارض كعامل جغرافي حامل للظاهرة القومية ومكانا لتوثييق عملية الانصهار القومي فحسب فهذا ممكن حتى في ظل استعمار استيطاني, لكننا قصدنا هنا توضيح تمايز اساسها البرنامجية نوعيا, والذي يؤسس لتمايز في حجم وسعة ومستوى النتائج الضارة التي يلحقها كل منها بالظاهرة القومية. وبالتالي نوعية ومستوى عمق وجذرية برنامج التحرر والشعار السياسي الذي يجب ان تلجأ اليه القومية الفلسطينية في نضالها من اجل التحرر. وهو امر لم يرتقي اليه بعد الوعي السياسي الفلسطيني تاسيسا على حالة انكار خصوصية الذات القومي الفلسطينية المسيطرة على البنية الفكرية الثقافية الفلسطينية, ومن اجل تفسير هذا المدى الزمني الطويل الذي غاب فيه عن الواقع السياسي في الصراع الاقليمي القرار السياسي الفلسطيني وطرفه,
هنا يجب الاشارة الى ان الحلول محل القومية الفلسطينية كان مسالة برنامجية واضحة تماما لاطراف المؤامؤة الاستعمارية التي ارتكبت الجريمة بحق القومية الفلسطينية وهي طرف الاستعمار العالمي ( جميعا ) مجسدا بمجلس الامن وقرارات بخصوص القضية الفلسطينية طوال هذا المدى الزمني. وطرف الحركة الصهيونية بمشروعها القومي الرجعي, وطرف النظام الاردني , اما اطراف التقسيم الاخرى كمصر وسوريا ولبنا فكانت بصورة اكبر معتقلات سجنت الحركة الوطنية الفلسطينية ومنعتها عن التحرك.
اما الشكل الخاص الذي بدت حركة كل طرف من هذه الاطراف عليه اثناء تنفيذ المؤامرة فقد كانت له الاسباب الموضوعية التي رسمت ملامحه. لكن ما يهمني هنا هو اعادة التاكيد على ضرورة التمييز بين مقولة الاستعمار الاستيطاني والتي تطرح برنامجية نضال تحرر ديموقراطي ضد التمييز العنصري الذ يلازم عقلاقات صراعاتها. ومقولة الاحتلال الاحلالي الذي تحمل برنامجيته محاولة نفي الاصيل واحلال البديل والتي يعبر عنها شعبيا بانها صراع وجود لا صراع حدود.
#خالد_عبد_القادر_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟