عبد العزيز الحيدر
الحوار المتمدن-العدد: 2900 - 2010 / 1 / 27 - 20:26
المحور:
الادب والفن
الذي يقرأ أية مقطوعة شعرية جديد ة لماجد الحيدر سيصاب ككل المرات بالشئ الكثير من الدهشة ...! وهو ما أسميه بالاثر الاقوى, والجوهري في الشعر. واصابة المستمع بالدهشة , هو جوهر الاكتشاف الاول...لعالم محجوب عن الانظار,الا أنظار الشاعر المبدع, الذي يستلهم الكلمات والصور والايقاعات من عمق مجهول للكل, ولكنه حديقته التي يرتاض اليها كل ساعة ...وهو مرة اخرى الوظيفة الجوهرية للشاعر في كشف المستور .وهنا تمتلأ دهشة القارئ الفطن بشئ كثير من الغبطة الداخلية ومزيج من الحزن والسرور وبشئ من الحسد على هذه اللغة السهلة الممتنعة, والممتعه, والعميقة في تاثيرها البنيوي في هيكل القصيدة وهي لغة لايجيدها الا المبدعون والعارفون بجوهر الشعر .القصيدة لدا الحيدر , في كل مرة تقرأ له فيها..عالم كامل... محاط بسياج رائع من هيكلية البناء المتدرج, والذي يحتوي في كل مرحلة منه ذات الايقاعات الانسانية الاصيلة ولكن بتصاعد موزع توزيعا هرمونيا متجانسا بدون اخلال في اي مقطع من مقاطعه, ولذلك فان قصائد ماجد المليئة بالوجدان المرهف , تصلح وبشدة للغناء الشجي على اعتاب الزمن الوقح ...المدهش في قصائد الحيدر هذا الترابط بين الثيمات,الواقعية البحته وبين الذعر الداخلي(ان جاز التعبير ) في صميم الذات الشاعره والذي ينهل منه الشاعر المبدع احساسه بوحدانيته وفرادته وشعوره المبجل بالحضور الملائكي وبما تحاط به روحه من حياةالحب والتلاحم والصعود المثالي الى عالم لايولد الا بين ايدي الشعراء وبحضورهم .
كنت اود ان تتاح لي فرصة من العمر لاقوم بدراسة شاملة لشعر الحيدر, وهو وبكل جدارة يستأهل أن يتوقف عنده النقاد والباحثون طويلاً, لما يمثله من أمتداد فذ لمسيرة الشعر العربي الحديث انطلاقاً من السياب وبلند والبياتي مروراً بالاجيال المتعاقبة ,الذي يمثل الحيدر في هذه السلسلة حلقة لامعة في زمن كاد أن يكون فيه دور الشعر ضئيلاً حد التهميش.ان الحيدر يعيد في قصائده مجد الشعر الذي خبا ذات اصيل شتائي عاصف واهوج ومجد الطبقات المسحوقة والمغلوبة على امرها وهي تناضل باصالة واصرار من اجل وجودها الانساني, فهو صوت ثوري,انساني عميق في زمن تتهم فيه الثورية والانسانية بشتى التهم الباطلة .
ان ما قادني الى هذه المقاربة الاولية , هي قصيدته الاخيرة المنشورة في جريدة (طريق الشعب ) بعنوان (أغنيات ) والتي اعتقد جازماً ان النقد والدراسة يمكن ان يقفاعندها كثيراً عبر محتواها وبناءها والذي يتوزع على مساحة هائلة من الموضوع الانساني, وهيكلها الذي يتكون من ستة محاور هي
اغنية لعامل بخبز يومه
اغنيةالى صورة اخي
اغنية لربات الفنون
عصيان او اغنية ثانية لربات الفنون
اغنية تحت المطر
اغنية اخيره
هيكل يلاحظ فيه القدرة على جمع ديوان شعري كامل في قصيدة واحدة ضاماً بين دفتيه لوعات العامل البسيط الذي يعمل باجره اليومي والذي يناجي اولاده بلغته البسيطة ومفاهيمها الشعبية العميقه الدلالة
كلوا كثيراً يا صغاري
واملؤوا البيت بالضجيج
مادمت حياً.....
حاملاً غير محمول؟
انها اغنية بقدر ما تحمل من فرحة مؤقته بيوم مرزوق فأنها تحمل الوجع المر بغد مجهول قد لايكون فيه حيا ليطعم اولاده , لقد جسد الحيدر معاناة الطبقة العاملة بالخوف الازلي من البطاله بتجسيد قل نظيره.
ثم ينتقل الى اغنية ثانية اكثر لوعة مليئة بفجيعة الشهادة وعبقها العطر, والوجع المر الذي يذكر بامهات قصائد الرثاء ولكن عبر اسلوب مبتكر مستخدماً تقنيات تيار الوعي السردي وهذا المقطع من القصيدة قصة كامله هي الاخرى تذكرنا بالطروحات التشيكوفية في المسرح بدون ان نشعر
الانك لا تشيخ.... الانكم كلكم....لاتشيخون
ايها الفتية العنيدون
الملفوفون بالحياء....والصبا...والاحلام
ثم هذا المقطع الثالث المبني على الاستشراقات الميتافيزيقية, حيث ربات الفنون قد هرمن وتعفن من الزمن المتكرر الايقاع ويحسدن الشاعر على استمرار قدرته على الغناء....أنها مقاربة –الموت والميلاد- والفناء-والخلود تلك الموضوعة الفلسفية الاثيره يحسمها الشاعر لصالح خلوده بعد تعفن الخالدات من ربات الفنون
نحن الخالدات
نجلس عند اقدامكم ونضرب الاوتار...
عجباً...
من منا السيد
ومن الاله؟!
وفي مقطع جديد يستدعي الشاعر ذاته ويواجه ربات الفنون ويستهزأ بهن
أي ربات الشعر ذوات الحول.....ساعصيكن
ولن......لن اكتب شيئاً!
انه رفض للحظة الكتابة بالجملة حيث مالم يذكره او ذكره في قصيدته من الم مر ..... من لوعة الحرمان والانسحاق الطبقي الى عبق الشهادة الى صراعات الذات المبدعة مع مواضيعها كل ذالك تجعل القصائد تعبيراً ساذجاً وقاصراً, يجعل الشاعر واقفاً في موقف الرافض لرنات الاوتار وارواح الليمون واشباح الليل...وهمهمة الخيل.....
فكلها..
لن تغريني..
لن تهزم قلبي او تفرج شفتيا!
وفي مقطع أروع ما يكون , تاخذ صور الماضي ثم الحاضر فالمستقبل تتوالى في مخيلة الشاعر والقارئ لموضع مكاني واحد ولشخصية محورية واحدة هو عازف الجلو الملتحي رمزاً للفنان والحياة التي يحلم بها دوماً, وكل ذلك عبر حركات وجدانية بكائية رهيبة
مرة كنت طفلاً
هكذا قيل لي ...
فجأةً صرت كهلاً
أين ما بين عمرين ....ضاع؟!
انه عمر الخيام يتجسد جالساً الى كامو يبحثان في الغربة والاغتراب الروحي , وكل هذا الجو الفلسفي( فلسفة الزمان ) يعبر الى حلم مستقبلي مازال متقد بعنف في ضربة وتر فنيه معبره
شوارع مبتلة بالسلام
يومها ....طفلتي
ربما..سيعود
وفي المقطع الاخير من القصيدة- الملحمة – يعود الشاعر الى ذاته ويبدأ في غناء وجداني حزين , يبدأ بمناجاة قلبه الذي ضاع منه ؟! في خضم كل هذه الاحداث ....
آه ما ابعد قلبي !
كم مرت من أعوام
لم أره فيها؟
واخيراً أقول لولا أن أوخذ بجريرة تمجيد الذات لكون الحيدر اخي وتؤام روحي... لقلت شيئاً اكثر ولكنني مدرك بان بصمةً كبيرةً يتم بصمها في سجل تاريخ الشعر العربي الحديث هي بصمة الشاعر ماجد الحيدر .
21/3/2007
#عبد_العزيز_الحيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟