أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - فيما خص أزمة الثقافة النقدية..















المزيد.....

فيما خص أزمة الثقافة النقدية..


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2734 - 2009 / 8 / 10 - 10:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا تترك الاستقطابات السياسية الحادة في البيئة العربية مجالا لممارسة نقدية مستقلة. يحل محلها الانضواء أو الرفض. نحن صح، هم خطأ، قضي الأمر. لا ننتقدهم بل نرفضهم. ولا ننتقدنا بل نلتصق بأنفسنا وجماعتنا، ما لا يترك مسافة لانبثاق النقد. ولما كان الشرط الاستقطابي يستغرق الجميع، فلن يبقى حيز مستقل لنقد الثقافة أو السياسية أو الدين أو الحداثة.
ظاهر الأمور يوحي أن ثقافتنا كلها نقد، أننا جميعا متشككون أكثر مما نحن دعاة. لكن هذا انطباع مضلل متولد عن غلبة السياسة في تفكيرنا. مواقف الخصام والرفض التام ليست نقدا، ولو لأنها تصدر من تسليم أول، غير نقدي، بأننا نحن صح. تتوافق هذه المواقف مع تغذية نزعة الامتثال ضمن جماعتنا بدرجة تتناسب مع الرفض المطلق لهم.
ولا تعني غلبة السياسة غلبة الاهتمام السياسي، أو فرط الانشغال بالسياسة وقضاياها، بل بالأحرى توسع منطق الخصومة والمنازعة والحساب السياسي خارج الميدان السياسي، بما في ذلك إلى الثقافة. أعني تحول المجالات غير السياسية إلى ميادين منازعة سياسية بين أطراف وكتل ومجموعات متخاصمة، تحرص على تعظيم فرصها ومضاءلة فرص خصومها. وبينما يبدو أن الانشغال السياسي العملي يجتذب اليوم أناسا أقل من أوقات سابقة، فإن المنطق السياسي بالعكس يكتسح حيزات الثقافة والنشاط الحقوقي والدين وكل اهتمام عام. هذا يخرب الثقافة والحقوق والدين دون أن ينصر السياسة. يخربها عبر تسييسها المفرط، وإن من وراء حجاب. وللتسييس مفعول الاستقطاب من حيث إحلال الفرض أو الامتثال محل النقد.
وبينما يعرض السياسيون اليوم، بمن فيهم المعارضون، أدنى مستوى من الثقافة والتفكير النقدي، فإنه ليس من شأن انتشار التسييس والاستقطاب أن يتسببا في معاكسة هذا الميل، بل ربما في التغطية عليه فحسب. والمشكلة أن من يتحفظون على التسييس اليوم يفضلون الانعزال على الانخراط في معارك نقدية. وعلى هذا النحو يلحظ المتابع بيئة ثقافية عربية استدخلت منطق السياسة وركنت إلى الحزبية، فتشكلت فيما يشبه أحزابا ثقافية تحاكي الأحزاب السياسية (في طور أفولها لا في طور صعودها)؛ أو يلحظ جزرا منعزلة عن بعضها، لا تكاد تتفاعل. الجمع بين الاستقلالية والنقدية نادر.
أين الدراسات النقدية المهمة؟ أين المجلات النقدية؟ أين المعارك الثقافية المثيرة؟ ومن هم أبطالنا الثقافيون اليوم؟
لا ريب أن ثورة الاتصالات، الأقنية الفضائية والانترنت والهاتف النقال، تسهم في إضعاف الثقافة النقدية بعد أن لم تكن قوية أصلا في بيئتنا، إلا أن الأساسي ليس هنا فيما نرجح. في المقام الأول هناك مشكلة في اقتصاديات الثقافة. "الثقافة لا تطعم خبزا"، يقول تعبير شائع في أوساط محبين للثقافة يضطرون إلى مزاولة مهن "تطعم"، لكنها تستهلك طاقتهم ووقتهم. والواقع أنه يحصل أن تطعم الثقافة خبزا. لكن هذا يتوافق عموما مع الانخراط في حزبيات الثقافة، وما تقتضيه من تسخير النقد لخدمة الولاء الحزبي الثقافي، وفي النتيجة رد الثقافة إلى إيديولوجية تجتر نفسها. أو هو يقتضي التخلي عن النقد لمصلحة مقاربات تقنية وشكلية للقضايا السياسية والثقافية، وهو ما يؤمن فرص عمل أوسع للمثقفين في السوق الثقافية والإعلامية العربية، النازعة كليا للسياسة. في المحصلة لدينا صيغتان لفقد الاستقلالية شائعتان. واحدة تفرط في التسييس فتعجز عن نقد ذاتها، وتاليا عن كل نقد؛ وواحدة تمعن في الغفلة عن السياسة والرهانات السياسية إلى حد يقتضي منها إخصاء نقديا ذاتيا.
في المقام الثاني هناك طفور الانتماءات الأهلية في السنوات المنقضية من هذا القرن. الطفور هذا عالمي، لكن له سياق خاص عندنا. لقد تلاقت لبرلة الاقتصاد والإعلام (كل شيء صار أكثر ظهورا) مع جملة التفاعلات السياسية والإعلامية والرمزية لما بعد هجمات 11 أيلول، بما فيها احتلال العراق والتنازع الطائفي الذي أعقبه، ومع الضمور المتمادي للبعد الفكري لدولنا القائمة وعسر التماهي بها، تلاقت فجعلت الروابط الأهلية حاضرة ومنافسة للرابطة الوطنية التي تبدو شكلية وبلا محتوى قيمي وحقوقي وسياسي إيجابي. والظاهرة هذه عنصر تحزيب للثقافة لا مجال للمبالغة في شأنه. المثقفون الذين توقفوا عندها وحاولوا تقصيها والوقوف في وجه آثارها الفكرية والسياسية المخربة غير موجودين ببساطة. المثقفون انهزاميون أمام الطائفية، وإن أخذت انهزاميتهم شكل هروب إلى الأمام.
الثقافة تخفق في الوقوف في وجه الطائفية. هذا عنوان أساسي للفترة الحالية. من جهتها الطائفية تنجح في تطييف الثقافة. أي في خنق روحها النقدية. بل في مسخها وتمام تخريبها. وإن لم تسهم الحزبيات الثقافية المتشكلة هي ذاتها على صورة تجمعات مغلقة في تغذية الطائفية، فإنها بالقطع لا تملك عدة فكرة أو سياسية أو أخلاقية للتصدي لها. إذا كانوا هم خطأ ونحن صح، هل نحصل على غير طوائف؟
يبقى عنصران يشيع الكلام عنهما في تفسير أزمة الثقافة النقدية. أولهما تدهور مستوى الحريات العامة المتاح في بلداننا. يصطدم المثقفون بالرقابة وقلة المنابر المستقلة أو منعهم من النفاذ إليها، وقد يفقدون حريتهم، الأكثر نقدية وشجاعة منهم بخاصة. هذا يضيق القاعدة الاجتماعية للثقافة والتفكير النقدي، فيقلل من فرص نشوء تيارات ثقافية كبرى وولادة مبدعين كبار.
العنصر الثاني يتصل بالمحرمات الدينية ووراءها أجهزة دينية ترى الدين ثقافة وعلما وسياسة وقانونا، أو تجعل منه المرجعية العليا لكل شرعية. في غير حادثة معروفة تعرض مثقفون لتضييقات بلغت حد تهديد الحياة، بل أودت بحياة مثقفين نقديين. والضعف الفكري للدول في بلداننا، ونقص شرعيتها، يجعلانها غير مؤهلة لضبط تلك الأجهزة الدينية أو الحد من مخاطرها على الحريات الثقافية.
لكن الأسباب لا تخلق الظواهر، بل تساعد على فهمها. وزوال "أسباب" أزمة الثقافة النقدية لا يولد ثقافة نقدية. تولد الثقافة النقدية على أيدي مثقفين نقديين. شجاعة هؤلاء وجديتهم تصنع فرقا ضمن الأوضاع ذاتها. تكرسهم للثقافة (وليس تكريسهم لذواتهم) يصنع فرقا. في النهاية ما من أوضاع مؤاتية أبدا للثقافة النقدية، ولطالما تحققت طفرات ثقافية كبرى في ظل أوضاع قاسية.
الغرض القول إن أقوى "أسباب" الخمول الثقافي هو خور المثقفين وخمولهم. من جهة ثمة ضرب من نقص اشتهاء المعرفة والتفكير المستقل، ومن جهة أخرى ثمة ضرب من التهذيب الكاذب، حط على رؤوس المثقفين. تهذيب يطال روح النقد، لا الرغبة في القتل والاستئصال. لكن النقد أجدى وأنظف، فوق أنه قتل بديل.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منظومتا استثناء، لا واحدة، في سورية
- تعقيب على نقاش منتدى -هلوسات- حول مشروع قانون الأحوال الشخصي ...
- في أصول صناعة التشاؤم العربية
- بصدد العنف والنخبوية
- ملحوظات أولية في نقد السياسة
- ماذا يعني مفهوم الحريات الاجتماعية؟
- موقع -الديني السياسي- في وثيقتين معارضتين سوريتين
- من خرافة سياسية إلى أخرى..
- عودة إلى مشروع قانون الأحوال الشخصية السوري
- -الحل- غير موجود... أين هو؟
- في بئري الدين والدولة
- في شأن الديمقراطية والإصلاح السياسي... سيرة استهلاك إيديولوج ...
- الطائفية والأحوال الشخصية في سورية
- عالم السادة الرجال -المسلمين- وما وراءه
- بحثا عن توازنات جديدة.. إيران تتحرك!
- تساؤلات بصدد السياق السياسي والمؤسسي لمشروع قانون الأحوال ال ...
- نتنياهو، كيف حصلنا عليه؟ وأي سلم يتحصل منه؟
- ما معنى البقاء في السلطة إلى الأبد؟
- الكثير الذي فات خطابك يا أخ أوباما!
- هذه أو هذه وإلا فتلك: عقائد الحتمية في السياسة السورية


المزيد.....




- بعد طلب مدعي -الجنائية الدولية-.. ماذا ينتظر قادة إسرائيل وح ...
- النظافة في الأماكن العامة.. ضرورة لمنع العدوى
- الضفة الغربية: الجيش الإسرائيلي يبدأ عملية عسكرية في جنين وا ...
- -التطبيع مع السعودية انتصار يغير قواعد اللعبة-.. الرئيس الإس ...
- المحاكمة الثانية لقادة -مؤامرة الانقلاب- في ألمانيا
- ذياب في نادي أسرة القلم: طوفان الأقصى أحدث حالة من الوعي الم ...
- بيسكوف يستبعد مشاركة دولية في جنازة رئيسي
- بوتين يناقش مع ميرضيائيف التوسيع اللاحق للتعاون بين روسيا وأ ...
- بيسكوف يوضح موقف موسكو من شرعية زيلينسكي كرئيس لأوكرانيا بعد ...
- ترامب يحدد مرشحه لمنصب المدعي العام في حال فوزه بالانتخابات ...


المزيد.....

- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ياسين الحاج صالح - فيما خص أزمة الثقافة النقدية..