لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 2257 - 2008 / 4 / 20 - 04:58
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ساهمت عدة عوامل في انتعاش التطرف في بلاد الجزائر, من أوجهه, نظام الحزب الوحيد في العقود الماضية,انتهاك حقوق الإنسان, التطرف الديني, التحرش السياسي على البلدان الصديقة,سباق التسلح, دعم الانفصال. وللتطرف نتائج سلبية على ضمير المجتمع تنعكس على المعتقد بالأساس.إن قياس انهيار الضمير لدى المجتمع الجزائري في العقد الأخير من القرن العشرين, يستدعي نوعا من القياس التاريخي أو على الأقل الاستشهاد بوقائع مماثلة.ففي القرن السادس عشر الميلادي ساهمت الأزمة الاجتماعية التي أنتجها الجوع والوباء والخوف والغزو البرتغالي للسواحل المغربية في التأثير على الضمير لدى المغاربة ,حيث أسلم الكثير من اليهود وانتشرت الطرقية على نطاق واسع وعمت الأفكار الألفية القائمة على إشاعة تفيد أن سنة ألف هجرية ستشهد قيام الساعة, لذلك انقسم الناس إلى صنفين صنف يلهث وراء اللذة لاغتنام الفرصة الأخيرة وصنف يتردد على الزوايا وأماكن الزهد
لاستغلال ما بقي من الوقت في التعبد .وفي الأندلس هاجر الموريسكيون إلى المغرب بعد سقوط غرناطة وفضلت ثلة منهم البقاء في مواقعها واعتناق المسيحية, تسمى المدجنين ونسجل أن كثيرا من القبائل الأمازيغية تعمل على مراجعة أزيائها وبعض طقوسها والعلاقات مع النساء كلما مرت بمنعطف تاريخي خطير يفرضه الحرب والجوع والخوف والوباء. فالأزمات الاجتماعية تشكل أساسا للردة الدينية والنكسة الثقافية.وتتجلى أزمة الضمير لدى بعض الجزائريين في اعتناق المسيحية والانفعال مع حملات (التنصير) التي تنزل بعض المواقع الهامشية . ولم يكن اعتناق المسيحية غاية في حد ذاته أو مؤسسا على مضامين النصوص المسيحية ,إنه وسيلة للخلاص من الأزمة بالهجرة إلى فرنسا أو للتعبير عن رد الفعل تجاه قيم العنف التي ينادي بها الإسلام الأصولي. ولا جناح عن كل الذين عبروا عن عدم قدرتهم تحمل التقتيل والترهيب وتصفية الأبرياء باسم الدين الإسلامي. لقد قدمت الجزائر ما يكفي من الضحايا طيلة فترة الاحتلال الفرنسي, حيث نظمت مجازر بشعة لتصفية الأطفال و النساء والشيوخ.و شهدت المعتقلات سوء العذاب, ولم يعد الشعب الجزائري يطيق العنف ولا مشاهدة سيلان الدماء البشرية.لذلك , فكل من يمارس العنف بالجزائر باسم الدين أو باسم الأمن أو بصفة أخرى أو يبتغي إرضاء نزوات دفينة في نفسه فهو شاذ متطرف.وإذا كانت عملية التنصير نشيطة ,في السر أو العلن, في الهامش بالصحراء الجزائرية , فإن وضع الأمازيغ في البلاد في حاجة إلى المراجعة ذلك أن منطقة القبائل تعرضت لضِعف ما تعرضت له المناطق الأخرى من المعاناة في عهد الاحتلال الفرنسي وطيلة فترة الحزب الوحيد. و بعد ذلك, ففي الوقت الذي يدافع فيه سكان تيزي أوزو وما جاورها عن الثقافة الأمازيغية و الديمقراطية وقيم التعايش والإنصاف انتعش من يمارس القتل ويدعو إلى القتال وينتظم في جماعة التوحيد والقتال باسم الدين. و فضلا عن ذلك كله, ساهمت الأزمة الاجتماعية الجزائرية في المزيد من تدهور الضمير لدى الشباب لأن عائدات النفط وظفت في ما يرضي كبرياء الجنود, سباق التسلح لتهديد المغرب. ولقد أدركت مؤسسات التبشير الأوروبي خصوبة التربة الجزائرية لنشر النصرانية.ولا نشك أن (الإنجيليين الجدد) يدركون جيدا العلاقة بين الإقبال على اعتناق المسيحية والأزمة الاجتماعية الناتجة عن التهميش, لذلك تراهم مترددين على الصحراء الجزائرية. ولم تكن الجزائر وحدها البلد المستهدف من حملة (التنصير) فهناك تركيا والمغرب , أي أن الحملة من هذا النوع تستهدف النقط العمرانية التي تسكنها العناصر غير العربية أو التي تعاني من الأزمات الاجتماعية.فالمبشر المسيحي لا يدخل أرضا مسلمة لا تتوفر فيها مؤشرات نجاح مهمته.ويغلب على الظن أن نشاط (الإنجيلين الجدد) يخدم أهدافا يهودية أيضا لأن هؤلاء يعتنقون أفكارا سياسية تحاول التوفيق بين اليهودية والمسيحية ولأن مشروع تهويد شمال أفريقيا لا يزال قائما إلى الآن. ولا عجب فقد كان هدف المسيحية إصلاح اليهودية من الداخل ولكلتا الديانتين مشروعا موحدا. وترجع صحيفة لوموند الفرنسية, في شهر مارس الماضي,أسباب انتشار المبشرين السريين بكل من المغرب والجزائر إلى ما عبرت عنه ب(وصم الإسلام بتهمة العنف والإرهاب ).وللإشارة فإن المبشرين المسيحيين لايفتأون يترددون على القبائل المغربية الجبلية المنعزلة ويوزعون أشرطة للتبشير المسيحي بالأمازيغية , وقبل ذلك يهيئون الأرضية بتوزيع الهدايا و تعميق ثقافة التسول والثقة في الأجنبي. وكلما انتشر الخبر تقوم السلطة المحلية بجمع الأشرطة وتنبيه السكان إلى خطورة الانسياق والتبشير المسيحي , والمثال من قبيلة ايت عبدي المنعزلة بجبال الأطلس الكبير الأوسط.وإلى جانب استغلال الأزمات الاجتماعية والأمية والانعزال تصادف المبشرين المسيحيين يقدمون إغراءات للشباب بالحصول على الجنسية الفرنسية نظير التخلي عن العقيدة الإسلامية. وكلنا يعلم خطورة الدعاية الغربية المسيحية إن استغلت مؤشر الفقر والبطالة في صفوف الشباب ووعدتهم بضمان الهجرة إلى الغرب الأوروبي إن هم ارتدوا عن الإسلام. و إلى جانب الحملات الدعائية في الميدان أحدثت بعض قنوات التبشير المسيحي السمعية والبصرية توظف اللغة العربية واللهجة الدارجة و الأمازيغية لا قناع شباب بلاد المغارب لاعتناق المسيحية بالتركيز على عنصر الخلاص من المعاناة. ولا تتردد هذه القنوات الإذاعية في توزيع نسخ الإنجيل بالمجان والكتب المسيحية الأخرى. ولما تبين أن جماعات التبشير قد تجاوزت الحد وبدأت تستهدف المرضى وتعالجهم مقابل التخلي عن دينهم, وتمارس الإغراء في نطاق واسع ,اجتمعت الحكومة الجزائرية يوم الأربعاء 9 نونبر2005 لوضع مشروع قانون (تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين ) الذي يرمي إلى (مواجهة النفوذ المتزايد لجماعة التنصير في البلاد وتعزيز الوضع الدستوري للإسلام بصفته دين الدولة الرسمي). ولقد صدر القانون عن البرلمان يوم 20 مارس 2006. و ينص القانون على (السجن عامين وخمسة أعوام وغرامة مالية تتراوح بين 5ألاف و10 لكل من يحاول إغراء مسلم باعتناق دين آخر). ولم تكن الحكومة الجزائرية تدافع عن الدستور فقط بل تحاول التخفيف من حدة الحمى الناتجة عن التنصير الذي يستغل الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي للجزائر, بعد أكثر من 13 سنة من الحرب التي أسفرت عن 150 ألف قتيل ومثلهم من الجرحى و 30 مليار دولار من الخسائر في البنية التحتية حسب تصريح الرئيس الجزائري السيد عبد العزيز بوتفليقة في إحدى المناسبات. و يهدف قانون (تنظيم الشعائر الدينية لغير المسلمين) إلى الحفاظ على النظام العام وسيادة الدولة ولا علاقة له إطلاقا بتقليص الشعائر لغير المسلمين. وكلنا يعلم مساحة الحرية الدينية في بلاد المغارب, فهناك كنائس وبَيَاع تقام فيها الصلوات بدون أي قيد وشرط.وتجنبا لكل تأويل ولبس عملت وزارة الشؤون الجزائرية على تأسيس لجنة وزارية مختلطة تضم ممثلين عن وزارة الخارجية والدفاع والداخلية, مهمتها استقبال شكايات وتظلمات غير المسلمين في حال تعرضهم لتجاوزات تتنافى وما هو مضمن في قانون تنظيم ممارسة الشعائر الدينية.و بالمقابل يتضمن النص عقوبات زجرية على كل من يتم توقيفه متلبسا بتهمة(التنصير ) خارج الأماكن المصرح بها في النص القانوني. و لم يقتصر تحصين السيادة الجزائرية على القانون, فقد قامت الدولة وبعض الجمعيات والمؤسسات الإسلامية بالجزائر بدعوة دعاة مسلمين يصلحون ما أفسدته حملات التنصير وذلك بإلقاء محاضرات بمنطقة القبائل وغيرها من المناطق المستهدفة بحملات (التنصير). ومن بين الدعاة الذين زاروا منطقة القبائل الشيخ القرضاوي المشهور بأسلوب الإقناع في فتاويه وخطبه الدينية و الشيخ صفوت الحجازي.كما قامت الدولة أيضا بإصلاحات تهم المناهج الدراسية الدينية. تلك هي نتائج الأزمة الاجتماعية بالجزائر والتي تستدعي وقفة لمراجعة الأداء والتفكير في مشروع استقرار المنطقة المغاربية التي تعاني إلى جانب حملات(التنصير) من الهجرة السرية والنزعات الانفصالية و الإرهاب القائم على مرجعية دينية.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟