لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 2260 - 2008 / 4 / 23 - 01:22
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الناظر في الحركة الوطنية المغربية في عهد الحماية الفرنسية بما هي حركة سياسية منظمة نشأت في المراكز الحضرية أولا وغزت الوسط القروي في وقت متأخر, ودعت إلى وحدة المغرب وتحريره في السنوات الأخيرة من الحماية ,يجد أنها وليدة المنعطفات التاريخية. ولا يفيد هذا الكلام أن الحدث هو الذي صنع الوطنيين المغاربة، فهناك إمكانيات ذاتية متوفرة لدى سكان المدن, ومنعدمة لدى سكان البادية, مكنت من تأسيس عمل سياسي منظم في السر ابتداء من أواسط العشرينات من القرن الماضي وفي العلن ابتداء من 16 مايو 1930، فوق أن الوطنيين صنعوا بدورهم الحدث لما انتهزوا فرصا كثيرة واستغلوا بعض المنعطفات في التاريخ الفرنسي لما بين الحربين العالميتين, وأثناء الحرب العالمية الثانية كذلك. فالوطنيون المغاربة فعلوا في الميدان في أحسن الأحوال وانفعلوا مع الحدث في أسوئها. فالمؤثر الأول في يقظة النخبة المغربية التي تشبعت بالتعليم الأصيل في المدارس الدينية بالمراكز الحضرية المغربية يكمن في حرب الريف ضد المحتلين الإسبان بشمال المغرب ,حيث رفع البطل المغربي محمد بن عبد الكريم الخطابي شعار تحرير المغرب, كل المغرب, متجاوزا الهدف الذي رسمته المقاومات الذاتية بالأطلس المتوسط والأطلس الكبير الشرقي والأطلس الصغير و تافيلالت والتي حاربت من أجل تحرير المجالات القبلية الوظيفية للقبائل والتي تحوي المراعي و المحاطب و المزارع و الممرات الاستراتيجية. إن شعار حرب الريف اثبت أن الوطن فوق كل تمييز واعتبار وأن تحرير المغرب قضية كل المغاربة كما كان الاستعمار قضية القارة الأوربية .وقد تبين وقع حرب الريف على الأوساط الاستعمارية الغربية من خلال التحالف الفرنسي الإسباني لقمع ثورة الريف رغم العداء, أو بالأحرى الصراع حول المصالح, بين فرنسا وإسبانيا أثناء الحرب العالمية الأولى. لقد استفاد الوطنيون الأوائل من درس الريف وتبينوا أن لا جدوى للمدفع ما لم يتأسس على وعي بأهمية الوطن وعي أسسه محمد بن عبد الكريم الخطابي في الميدان. وفي سنة 1930 انتقلت الحركة الوطنية بما هي جمعيات سرية، إلى العمل الواضح مستغلة صدور ظهير 16 ماي 1930 أسوأ استغلال, صانعة منه الحدث التاريخي بإخضاعه لأسوأ تأويل للنصوص في تاريخ المغرب مما أنتج أسوأ فهم. فالظهير المذكور في زعم أقطاب الحركة الوطنية يدعو إلى التفرقة بين الأمازيغ (البربر كما هو مضمن في الوثائق) والعرب, والحال أنه ينظم إحدى المؤسسات المهمة في البادية المغربية وهي المحكمة العرفية ,التي لا تزال ضرورية إلى الآن,ولا علاقة للظهير بالتمييز اللغوي والعرقي. لقد شكل الظهير حدثا بارزا في تاريخ المغرب ومنعطفا لميلاد حركة سياسية مغربية واجهت الحماية الفرنسية.ولا ننكر بأن تلك السنة تشكل منعطفا تاريخيا في تاريخ الاستعمار الفرنسي, لأنها شهدت احتفالين اثنين لمناسبتين مهمتين، مرور قرن على استعمار الجزائر ونصف قرن على استعمار تونس, وشهدت أيضا جدلا موسعا حول جدوى انضمام شمال أفريقيا إلى فرنسا. ولا ننكر بأن هناك بحوثا تاريخية حول أصل سكان شمال أفريقيا وضعت عدة أرضيات واقترحت عدة فرضيات نتج عنها عدة تعديلات مؤسسة على الأركيولوجيا والإثنوغرافيا. وفوق ذلك لا ننكر بأن فرنسا انتبهت إلى العنصر الأمازيغي وبحثت في الثقافة الأمازيغية, ورغم ذلك لم تتضح سياسة عنصرية فرنسية ترمي إلى التفرقة بين الناطقين بالأمازيغية والناطقين بالدارجة المغربية ,وكل يصلي باللغة العربية ويمارس طقوس الديانة الإسلامية وفق فقه الإمام مالك وعلم الكلام الأشعري وطرق صوفية معروفة في المغرب : الشادلية و التيجانية و الدرقاوية والقادرية و البوتشيشية منها طرق نشيطة اليوم. والغريب أن الحركة الوطنية واجهت الظهير المذكور – إن افترضنا أنه يرمي إلى التفرقة بين المغاربة – بقراءة اللطيف في بعض المساجد المغربية ولم تكن المواجهة سوسيوثقافية فلم يتأسس خطاب تحريري قائم على الوحدة السوسيوثقافية أو تأسيس خطاب قومي كرد فعل للظهير المؤول , وبالمقابل لم تتأسس حركة أمازيغية استجابة لطبيعة المناسبة,فكل ما هناك أن الحركة الوطنية كانت مطلبية إصلاحية فقط, تَبين ذلك سنة 1934 حيث رفعت المطالب لفرنسا ,وفي سنة 1937 دخلت الحركة الوطنية منعطفا آخر لما ثبت عدم جدوى النهج الإصلاحي و المطلبي ,لأن فرنسا لم تنو تنفيذ بنود معاهدة الحماية لسنة 1912. وكانت قد غيرت سياستها الاستعمارية منذ 1926 تاريخ تعيين المقيم العام ستيج Steeg ونهاية مرحلة اليوطي فيلسوف الحماية والمدافع عن روحها ,وتأثرت بأجواء ما بين الحربين العالميتين التي لا تزال متأثرة بالمرحلة الإمبريالية والتي عمقها الانتداب في الشرق الأوسط وظهور أنظمة دكتاتوروية في عقد الثلاثينات من القرن الماضي كما ساهمت أزمة الديموقراطية في الجمهورية الثالثة الفرنسية في تيئيس المجتمع الفرنسي, وبالتالي ينفع أي خطاب يدعو إلى التحرير, أعني ضرب الإمبراطورية الفرنسية.و لذلك كان قمع الحركة الوطنية سنة 1937 من طرف المقيم العام نوكيس مناسبا والظروف الداخلة والدولية ,وكان تقسيم الحركة إلى أنصار علال الفاسي المنضوين تحت لواء الحزب الوطني وأنصار محمد حسن الوزاني صاحب الحركة القومية. فالنظام الفرنسي مهدد في شمال المغرب من طرف حركة فرانكو ومهدد بالنازية بألمانيا والفاشية بإيطاليا, فلا مخرج سوى قمع أي تحرك سياسي. ولقد شكلت الحرب العالمية الثانية منعطفا جديدا للحركة الوطنية المغربية لا يختلف في شيء عن منعطف 1930. لقد كان من المنتظر أن يستغل المغاربة الاحتلال الألماني لفرنسا سنة 1940 ,لكنهم لم يفعلوا حيث ظلت الحركة الوطنية ساكنة صامتة إلى نهاية سنة 1942 (في منطقة الحماية الفرنسية). و بالمقابل سجل في المنطقة الخليفية تعاطف مع الألمان والإيطاليين أظهره عبد الخلق الطريسي والعناصر المنضوية تحت لواء حزبه الإصلاح الوطني. ولا ننكر أن حزب الوحدة المغربية بزعامة الأستاذ المكي الناصري قد أحسن استغلال الحدث وأحس أن سنة 1942 تشكل منعطفا في الحرب العالمية الثانية وفي التاريخ الفرنسي لذلك اقترب من عبد الخالق الطريس فتكونت جبهة سياسية بشمال المغرب تدعو إلى تقرير مصير البلاد ضمَّنت ذلك في وثيقة موجهة إلى أولي الرأي والأمر. وفي منطقة الحماية حرك صادفت نهاية سنة 1943 متأثرة بالحدث التاريخي آنذاك والذي صير المغرب ميدانا له ,من ذلك مثلا نزول جيش الحلفاء بالأرض المغربية واجتماع آنفا ولقاء السلطان محمد بن يوسف والرئيس الأمريكي روزفلت ,فضلا عن الاتصال السري بين السلطان وقادة الحركة الوطنية المغربية. ولا ننكر بأن السلطان محمد بن يوسف كان اطلع على وثيقة المطالبة بالاستقلال. ودون الخوض في أسباب اجتماع الفصائل السياسية المتصارعة حول وثيقة المطالبة بالاستقلال نسجل أن الأجواء الدولية التي خلقتها الحرب العالمية الثالثة إلى حدود سنة 1943 هي التي صنعت حدث المطالبة بالاستقلال الذي شكل بدوره منعطفا في تاريخ المغرب الحديث.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟