أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - لحسن ايت الفقيه - طهارة الوطن في ثقافة التحصين المغربي















المزيد.....

طهارة الوطن في ثقافة التحصين المغربي


لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)


الحوار المتمدن-العدد: 2222 - 2008 / 3 / 16 - 11:24
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


تطهير الأرض بالنار والدم أحد مظاهر الوطنية المغربية غير المؤسسية, وأحد الطقوس القديمة التي تواجهها المؤسسة الحديثة وتجرمها. وإنه من المفيد إعادة النظر في اللامدون من الأفكار واللامؤسس من الأعراف والنظم والإجراءات والأفعال والأفكار, ما دامت مرتبطة أشد الارتباط بالهوية الثقافية المغربية الأصيلة, ومفيدة في فهم بعض السلوكيات التي يجرمها, في بعض الأحيان, القانون الحديث سيما إن كانت منافية والاتفاقيات الدولية. وإذا كانت الطهارة في الدين الإسلامي أحد شروط العبادة أو بالأحرى إحدى الوسائل التي تقرب الإنسان من ربه, فإنها, في الثقافة المغربية غير العالمة, تقرب الإنسان من أرضه. ومما لاشك فيه أن القرابة بين الإنسان المغربي وأرضه أوثق, في بعض الأوساط, من القرابة بين الإنسان وأخيه, و كلا الأسلوبين في الطهارة يتم بمطهر طبيعي مقدر لدى المغاربة الماء في الطهارة الدينية التي لغة النظافة وإزالة النجاسة, والدم والنار في الطهارة الثقافية التي تفيد تعقيم الأرض من آثار العدو وإطفاء مواقع الأرواح بها. ويمكن توظيف حجر التيمم في حال تعذر وجود الماء, وحجر الملح في حال تعذر استعمال النار وتوظيف لغة الحديد والدم. و إذا كانت الطهارة الدينية تخص البدن فإن الطهارة الثقافية تخص الأوطان. وباختصار شديد فالطهارة إحدى وسائل تحقيق المحبة بين الإنسان والأرض وبينه وبين الرب وكلتا المحبتين, حب الوطن وحب الخالق, من الإيمان.
1-النار مطهر مغربي أصيل:
من المفروض في الأرض الطهارة إن لم تدنس بالأوساخ والأزبال والنجاسة, وكما قال الشاعر البريطاني وليم كوبر Willian couper "صنع الله الريف وصنع الإنسان المدينة". فالأرض طاهرة ماؤها, عيشها شجرها, ترابها, صخرها, جبالها, حقيقة لا يختلف عليها اثنان, لكن للمغاربة فهما آخر يكمن في ربط طهارة الأرض بالنار ودم الإنسان. ولا نملك إشارات قوية تفيد أن الطهارة بالنار أحد رواسب المجوسية التي يظهر أن لها موقعا بغرب بشمال أفريقيا, إن صح ما جاء في أسطورة هرقل, التي أوردها بعض الكتاب الكلاسيكيون, والذي يفيد أن البطل الأسطوري هرقل رافق الفرس إلى المغرب, ربما في الألف الثاني قبل الميلاد. ويغلب على الظن أن كل ديانات المشرق من مجوسية ويهودية وفينيقية ووثنية ممثلة في مغربنا الحبيب ولها حضور في حياة المغاربة اليومية للان. ويقضي التطهير بالنار –بقطع النظر إن كان لهذا الممارسة علاقة بالمجوسية-إحراق كل مستوطن جديد قبل الإقدام على تشييد الدور والقصور ونصب الخيام. ولا يزال رحل ايت مرغاد بالأطلس الكبير الشرقي وأعالي ملوية يطهرون مواضع الخيام بالنار قبل نصبها ويزعمون أنهم يحرقون فقر أناس استوطنوا المكان من قبل . ولا يزال معظم الرحل يعتنون بأمازير ,أي المستوطن, وهو مكان مشمس في المراعي الشتوية ومهوى في المراعي الصيفية ,
ويحمل معنى واد أسيف ملول أحد روافد أم الربيع ما يكفي للدلالة أن الطهارة بالنار فعل مرغوب فيه لاعلاقة له بجرائم الحرب أو الانتقام مفعول.
ف "أسيف" تعني الواد. و"ملول" تفيد الأبيض. والواد الأبيض هو الواد الطاهر, بناء على الدلالة الرمزية للألوان لدى المغاربة. ومرد إطلاق هذه التسمية إلى أن "أيت حديدو" حينما دفعتها الضرورة للبحث عن مجال وظيفي أحسن, وذلك باستبدال مراعي الهضاب الصحراوية. قرب الانكسار الأطلسي الجنوبي .أو بالتحديد قرب بومالن دادس, بالقمم العالية. وجدت أمامها "أيت عطا" تشكل سدا منيعا حال دون بلوغ القصد وتحقيق المراد في وقت وجيز. وبعد معارك ساخنة تمكنت ايت حديدو من السيطرة على أعالي أسيف ملول. وكان أول إجراء قامت به تطهير حوض أسيف ملول بالنار, ولما نزل مطر غزير حمل الواد سيلا داكنا أو خليطا من الرماد والماء والفحم والتراب. لذلك أطلق عليه "أسيف بخوشن" أي الواد الأسود ولما كانت النية تحدد طبيعة العمل, فإن الواد الأسود تحول إلى واد أبيض أي الواد المطهر بالنار بغية الاستيطان والاستقرار.صحيح أن ايت حديدو استبدلت التسمية الواد الأسود بالواد الأبيض تحت وقع التطير لكن المراد يكمن في الرغبة في تطهير الوطن. ولا يزال المؤرخون يستغربون من الحريق المتكرر بمدينة وليلي و الملموس في طبقات الآثار عند الحفر, وقد ربطه البعض بالانتفاضات المتكررة ضد الاحتلال الروماني والحال أن التطهير المتكرر للمدينة القديمة أحد أركان ثقافة الاستيطان المغربية.ويظهر أن معظم الكوارث البيئية التي شهدها المغاربة من قبل مرتبطة بممارسة الإحراق لتوطيد العلاقة بين الإنسان والأوطان. وإذا تعذر توظيف النار فإن الشمس خير وسيلة لتطهير مساكن المغاربة اليهود حين انتقالها بالبيع إلى المغاربة المسلمين, ويقضي ذلك إزالة سقف المنزل لتغشى أشعة الشمس كل بساطه, وهناك مواقع لا تزال شاهدة على التطهير الجزئي والكلي لمواطن صنهاجة بالجنوب المغربي, ونستشهد بقرية تديغوست بحوض غريس المركبة من مقطعين (تادغ تغوس) أي هذه القرية أحرقت بالأمازيغية.
2-الأرض المطهرة بالدم.
يأتي التطهير بواسطة الدم في المرتبة الثانية بعد النار.ويتم تحت إكراهات الدفاع الذاتي.ولاتزال بعض القبائل تؤمن بالطهارة المستديمة للأرض بواسطة الدم وتجعلها أحد شروط الاستقرار والاستيطان.والطهارة بواسطة الدم ممارسة قديمة شعارها اللون الأحمر الأرجواني الذي تحمله بعض نساء صنهاجة و زناتة وكل عرائس المغرب التقليدي .ولا مجال لتفصيل القول في اللون و علاقته بالإنسان والأرض.وما يفيد في هذا المجال التذكير فقط , بخلاصة قصة اللون الأحمر الأرجواني في تاريخ المغرب و التي تدور حول الملك الأمازيغي بطليموس الذي قتله الطاغية الروماني كاليبولا ظلما وعدوانا,لا لشيء سوى أنه ارتدى برنسا أحمر أرجوانيا معلنا , بالإشارة والرمز ,تحديه للطاغية الروماني ومبشرا بعهد الاستقلال والحرية.ولا يزال البرنس الأحمر لباسا مفضلا في معظم النقط العمرانية بالجزائر وفي أقصى الجنوب الشرقي المغربي.ويتمحور التطهير بالدم على الصراع من أجل تحرير الأرض من العدو القبلي أو الديني أو العرقي حيث يحصل المنتصر على اعتراف الجميع بملكيته للأرض وكأن عقود الملكية-هنا- تحرر بواسطة الدم وكل إنكار لحقوق القبيلة المنتصرة في الأرض التي حررتها يعني إنكار لدمها بالترجمة الحرفية للعبارة الأمازيغية.وهناك مواسم دموية بالجنوب الشرقي المغربي يتذكر فيها الإنسان علاقته بالأرض من ذلك مثلا الزيارة السنوية لقبيلة بني مطير لضريح أبي وكيل ميمون المسعودي-بحوض زيز- الذي أصلح ذات البين بينها وبين عبد المومن بن علي الكومي.ولاتزال ايت سغروشن تزور سنويا أحد المواقع الصخرية شمال سد الحسن الداخل بالرشيدية.أما ايت يعزة فلاتزال تطهر بحيرة تيزليت ,شمال مركز إملشيل, سنويا بأكثر من 64 ذبيحة تنحر في الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر بالتوقيت الجولياني.والأكثر من ذلك أن ايت يعزة لا تعرف إلا بالأرض المطهرة بالدم ,ويكفينا على سبيل المثال ذكر العلاقة بينها وبين مزرعة أقانوانين شمال بحيرة إزلي والتي انتقلت إلى القبيلة كتعويض عن جريمة قتل رجل من ايت يعزة ,ارتكبها أحد رعاة عشيرة ايت سيدي احساين المحايدة بفعل وضعها العرقي والتي تشكل عازلا بشريا أمنيا بين ايت حديدو وايت سخمان. وحيث إن مزرعة أقانوانين غير مطهرة بواسطة الدم فقد أضحت بساطا غير صالح لدفن الموتى وغير لائق لممارسة الشعائر الدينية الجماعية و الأكثر من ذلك أن أقانوانين التي تعني بالأمازيغية واد الكانون أي واد الاستقرار اللحظي والمؤقت بساط لجرائم القتل المتكررة وكأن ايت يعزة من سكان تغيغاشت طفقت تطهر هذه الأرض بالدم. نفس الشيء ينطبق على قرية إيمي ن تقات التي انتقلت إلى عشيرة ايت علي السو من قبيلة ايت يعزة بالشراء.
ويظهر أن تطهير الأرض بواسطة الدم ممارسة معروفة لدى كل القبائل التي استوطنت مجالها بالقوة وتمردت طورا على السلطة المركزية كما هو حال ايت يزدك بأعالي زيز التي أنشأت فلسفة مجالية باعتماد الطوبوغرافيا والماء وحال البيروغواطيين بتامسا وقبيلة مغراوة بالشمال الغربي المغربي والتي صمدت كثيرا أمام الغزوات المتكررة المستهدفة أرضها وشأن ايت عطا بالجنوب المغربي والتي تحدت المستعمر الفرنسي بترسانته وجيوشه بجبال صاغرو. صحيح أن هناك قبائل فقدت جزءا من نسقها الثقافي بتغيير زي النساء وتعديل بعض الأعراف لكن علاقتها بالأرض, لا تزال قائمة على الطهارة بالدم أو بالنار أو هما معا.



#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)       Ait_-elfakih_Lahcen#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل الرفع من تمثيلية النساء في المجالس المنتخبة المغربية
- على هامش الوقفة الاحتجاجية لرؤساء المؤسسات التعليمية بالرشيد ...
- التبعية والاستلاب في تاريخ المغرب
- الاستعمار والنظام القبلي المغربي بين التفكيك والتكييف
- احتجاجات تقودها النساء ضد العنصرية والتهميش والاستغلال الفاح ...
- جمعية التواصل لمديري التعليم الابتدائي تسطر برنامجها النضالي ...
- « مدونة الأسرة» المغربية في قفص الثقافة العالمة:من يحمي رأي ...
- إقليم الرشيدية:مسيرة نسوية احتاجا على العزلة والتهميش
- الخبر و الذاكرة الشعبية بالجنوب الشرقي المغربي
- الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين- مكناس:أية مقاربة لتأهي ...
- الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين – مكناس- المغرب:كيف نرس ...
- جمعية التواصل لمديري التعليم الابتدائي بإقليم الرشيدية:أية م ...
- نيابة التعليم- الرشيدية:أسلوب قديم يضرب الأمل و يعرقل العمل


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - لحسن ايت الفقيه - طهارة الوطن في ثقافة التحصين المغربي