أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الانباري - العراقي جبر من بطن امه الى القبر














المزيد.....

العراقي جبر من بطن امه الى القبر


علي الانباري

الحوار المتمدن-العدد: 2186 - 2008 / 2 / 9 - 06:33
المحور: كتابات ساخرة
    


السعادة في الحياة صعبة المنال، لان من شروطها ان تكون الطمأنينة الروحية اساساً ترتكز عليه، اضافة الى توفر الحاجات المادية التي لابد منها للانسان كي يشعر بكرامته خارج الاذلال والعوز والضنك.

وعن السعادة ومدى نيلها في حياة الانسان، سمعنا هذه الطرفة منذ كنا صغاراً وتحكي بأن عراقياً ذهب الى لندن لغرض العلاج، وفي يوم من الايام زار احدى المقابر فهاله جمال المقبرة، وكثرة الازهار فيها لكنه رأى عجباً، إذ ان التواريخ بين الولادة والموت قصيرة، قد تكون سنة او اثنتين او اكثر قليلاً، أصابه الذهول، أمعقول الا يعيش الانجليز جميعاً غير هذه السنين القصيرة، أغلبهم يموتون أطفالاً؟

حينها توجه بالسؤال الى احد الواقفين جواره عن سر مايراه، اجابه الشخص والحسرة تملأه (لقد كان عراقياً مثله)، إعلم ان السنوات المؤشرة على شواهد القبور هي سنوات السعادة التي عاشها هؤلاء، أما غيرها فلايكتبونه، عندها أخبر العراقي الوافد للعلاج زميله الذي تعرف عليه بأنه سيوصي أهله ان يكتبوا على شاهدة قبره (هذا قبر المرحوم جبر، من بطن امه الى القبر) دلالة على انه لم يعش يوماً وحداً من السعادة، بل عاش حياته تعيساً، معذباً.

ان هذه الحكاية المأساوية تدل على شعور العراقيين بانهم قياساً الى غيرهم من الامم والشعوب، مسلوبو السعادة، لأن من ساسوا امورهم لم يكونوا يفكرون بهم الا في نطاق تسخيرهم لمآربهم الشخصية، فلو قرأنا التاريخ جيداً لرأينا ان اغلب الحروب التي دارت في زمن الدولتين الاموية والعباسية جرت على أرض العراق، وكان العراقيون وقودها ويوم ان فكر المغول بالامتداد غرباً أصبحت بغداد محط أنظارهم فأجتاحوها ودمروا كل شيء، وكان أغلب الضحايا من أهلها المشغولين بالصراعات الداخلية، الى ان اصبحوا جميعاً حطب المحرقة الكبرى.

وبرغم هذا يأتي من يمجد من أهانوا الشعب وأذلوه مدافعاً عن جور السلاطين الذين جعلوا من انكشاريتهم كلاباً مسعورة تمزق أوصال الناس، ويدافع عن شاهات دكوا بمدافعهم بغداد، وحاصروا مدن العراق حتى احالوها خرابا بعد قصفها بحمم الدمار.

أهو قدر العراقي الذي ما ان يختلف اثنان حتى يتبارزا على أرضه فيجراه الى معركة لاناقة له فيها ولا جمل، وبعد ان يسويا خلافهما رافعين أنخاب الصلح والوئام، يدفع العراقي الثمن المر وهكذا أصبحت الحياة لديه سلسلة طويلة من الاحزان، حتى انه ليبكي في ساعات الفرح واذا ماضحك انتفض مذعوراً وهو يردد (اجعله اللهم خيراً) فكأن لحظات الضحك ذنب يرتكبه سرعان مايتوب عنه.

بعد خروج العراق من السيطرة العثمانية، ودخول الانجليز بغداد، بقي الناس يحملون الارث الكبير من المعاناة والعذاب وطوال العهد الملكي لم تقدم الحكومات المتعاقبة للشعب الا الفتات، بينما بقي الاقطاعيون والاعيان هم الصفوة المتسلطة على الرقاب، الى ان ذهب هذا العهد، فاستبشر الناس خيراً بجمهورية عادلة تعيد البسمة الى شفاه المسحوقين، لكن الذي حدث، ان الرحى لم تتوقف عن طحن الامال، فلم ينل جبر وأشباهه الا الوعود التي سرعان ماتتلاشى هباءً أمام قسوة الواقع وتسلط الحكام.

أيعقل أحد أن نظاماً خاض حرباً أمدها ثماني سنوات أكلت الاخضر واليابس، وخلفت وراءها مئات الالوف من القتلى وأضعافهم من الجرحى واليتامى والارامل، أيعقل أنه بعد وضع الحرب أوزارها يعود بعد أقل من سنتين الى خوض حرب أخرى الا في هذا البلد الذي جل أهله بالظلم الى ان شرب أبناؤه كأس المواجع فجاءهم الفرج بزوال سبب تعاستهم لكنهم بقوا منشغلين بالجدل العقيم والقيل والقال غير عابئين باصلاح مافسد.

الكل يغمض عيونه على مايجري منتظراً هدهد سليمان كي يأتيه بالبشرى واني لاشفق على هذا الهدهد ان يصيبه اليأس فيهرب بعيداً .



#علي_الانباري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وردة الحلاج
- قصائد الى
- اغيثونا ايها العقلاء
- غنائية
- بغداد شمسك آيتي
- الماء والخضراء والوجه الحسن
- مرضت فشفاني الجواهري
- زوجتي ارهابية من طراز خاص
- حكاية سحرية
- سيارة ابي سموكن
- ليلة القدر_ 2_
- ليلة القدر_ 1_
- غدا تسقط الاقنعة
- سماء الياقوت
- قصائد اغفلها الرواة
- المرأة في العراق..حياة رخيصة وموت رخيص
- المنبوذ
- بلاد العجائب
- ماذا يحمله عام2008
- انا الصب الذي غنى


المزيد.....




- على وقع صوت الضحك.. شاهد كيف سخر ممثل كوميدي من ترامب ومحاكم ...
- من جيمس بوند إلى بوليوود: الطبيعة السويسرية في السينما العال ...
- تحرير القدس قادم.. مسلسل صلاح الدين الأيوبي الحلقة 25.. مواع ...
- البعثة الأممية في ليبيا تعرب عن قلقها العميق إزاء اختفاء عضو ...
- مسلسل روسي أرجنتيني مشترك يعرض في مهرجان المسلسلات السينمائي ...
- عيد مع أحبابك في السينيما.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك أ ...
- في معرض الدوحة للكتاب.. دور سودانية لم تمنعها الحرب من الحضو ...
- الرباط تحتضن الدورة ال 23 لجائزة الحسن الثاني لفنون الفروسية ...
- الإعلان الأول حصري.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 161 على قناة ا ...
- -أماكن روحية-في معرض فوتوغرافي للمغربي أحمد بن إسماعيل


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - علي الانباري - العراقي جبر من بطن امه الى القبر