يحيى الشيخ زامل
الحوار المتمدن-العدد: 1937 - 2007 / 6 / 5 - 05:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أسماءنا رمزاً لنا وصورة وثائقية لعلاقتنا بأرضنا وناسنا ، وحينما نذكر أسم أحدهم ترتسم صورة متكاملة وواضحة أمامنا لملامحه ووجهه وضحكته بل وكل شيء يتعلق به .
والأسماء يطلقها علينا آباءنا وأمهاتنا وربما أحد الأقرباء أو الأصدقاء ، فتبقى لاصقة فينا تراقب حزننا وأفراحنا، نكتبها على الجدران والأشجار ودفاتر مدارسنا كذكرى محفورة لا تفارق ذاكرتنا .
الأسماء بالمجان ولكن بعضها غير جميل وغير مناسب بالمرّة مع أنها مبذولة للغني والفقير، فكيف لو كانت تباع وتشترى فستكون بلا شك أكثر ردائة من التي نسمعها تتردد من حولنا وتعكر ذوقنا وتثير استغرابنا .
ومع أننا مجتمع إسلامي كما يقولون ، والإسلام يقول على لسان نبيه الكريم ( ص) أن أفضل الأسماء ما (عبّد أو حمّد ) وأن كثير من الذين دخلوا في الإسلام وكانت أسماءهم غير مناسبة سارع النبي (ص) إلى تبديلها وتغييرها لأسماء مناسبة وجميلة مثل ( زيد الخيل ) أبدله (ص) إلى ( زيد الخير ) ومثلها كثير ، إلا آّنا نجد العرف يلقي بضلاله علينا وعلى أسماءنا فنرى الكثير من الناس قد سمّو أولادهم بأسماء الحيوانات أو الحشرات أو النباتات ،وحتى وقت قريب كانوا يسمون بعض الأولاد بأسماء البنات خوفاً عليهم من الحسد والأذى .
وفي علم النفس ترتبط الأسماء بالكثير من النوازع النفسية والسلوكية والاجتماعية وتلقي بسلبيتها أن كانت غير مناسبة على صاحبها لتبقى تلاحقه إلى حافة قبره ، وأذكر قبل سنين قد سمعت
طبيباً نفسانياً من الإذاعة الكويتية أثناء سقوط النظام ،وكان البرنامج يلقى الضوء على الأسماء وكيفية تأثيرها على الفرد وسلوكه ، وكيف أنه أختار أسم الرئيس السابق ( صدام ) وأبنيه ( عدي وقصي ) كنموذج لهذه الدراسة النفسية ، وكيف ذكر صفات كثيرة وواقعية لشخصية ( صدام ) من خلال أسمه ، وكذلك لأبنيه ،وذكر معلومات تكاد تكون متطابقة 100% حول هذه الشخصيات النموذج .
وفي علم الفلك والأبراج والطوالع ، يرى الكثير من أرباب هذه الحرفة والهواية ارتباط الاسم بالكثير من الحظوظ والنحوس والصعود والأفول لمستقبل ونجاح الشخص المطلوب ، ويعتقدون أن الاسم له تأثير كبير في تحديد مصير الإنسان وحياته .
وتذكر المصادر العربية الكثير من الأسباب والعوامل التي تدفع الناس لتسمية أولادهم ومنها :
1- الدين: للدين أعمق الجذور في النفس الإنسانية، ويتجلى ذلك حتى في ظاهرة التسمية، والكثير من الأسماء العربية لها طابع إسلامي، نحو عبدالله، و عبدالرحمن و تاج الدين و أحمد ومحمد ، أو مسيحي نحو: يعقوب و بطرس و بولس و جرجس، أو وثني، نحو: عبدالعزى و عبد مناة و عبداللات (وهي أسماء كانت شائعة في العصر الجاهلي، إلاّ أنها الآن غير موجودة والحمدلله، فلا معبود إلا الله تعالى) .
2- أسماء الحيوانات: إن القبائل العربية التي تسمت بأسماء الحيوان تُعدُّ بالعشرات، ومنها: كلب أو كليب و أسد و فهد و يربوع و ثعلب و نمر و حصان و عنزة...... إلخ ، وقد تسمت بها إما لتميزها، أو لصحبتهم لها، أو لاشتهار مناطقهم بها.
3- أسماء الطيور: ومنها: صَقْر و حمامة و شاهين و عقاب و هيثم و عكرمة و نسر و يمامة و سمامة و عصفور...... الخ .
4- أسماء النباتات: ومنها: حنْظلة و وردة و زهرة و شمامة و ياسمينة و فلة و زهور و نخلة و ريحانة و عراد و طلحة و شيحة ...... الخ .
5- أسماء الكواكب: نحو: بدر و هلال و "شهاب ونجمة و شمس و "قمر .
6- أسماء نسبة إلى الأماكن: نحو: الدمشقي أو "الشامي و البغدادي أو البصري أو "الكوفي و المصري و العُماني و السعودي.
7- أسماء أشياء يستخدمها العربي في حياته اليومية: نحو: حجر و صخر و سيف و نجر و هِمْيَانُ و حِزَامُ .
8- أسماء مِهَن: نحو: الجوهري و الحريري و (الخيَّاط) و النحَّاس و النجَّار و النشَّار و الحدَّاد و السَّاعاتي و - السبَّاك والصائغ و السرَّاج و الورَّاق و الجزَّار و الحماميِّ و المعماري و العطار .
9- أسماء زمان: نحو: رمضان و شعبان و رجب و جمعة وربيع وسَحَر و عيد .
10- صفات ومنها: جميل وخالد وسعيد و عبّاس .
11- أسماء التفاؤل، وهذا الدافع ظاهر في الأسماء على وزن يفعل نحو: يعيش و يزيد و يعمر وينفع و يسلم .
12- أسماء القوة والشجاعة والفروسية - خصوصاً بالنسبة للذكور حيث كانت وما زالت من أهم ما يفتخر به العربي في العصور المختلفة، نحو: فارس ، منتصر ، فواز ، هذلول ، متعب ، سطَّام ، غالب ، ظافر .
13- الانتساب إلى القبائل والعشائر، وإلى البطون والأفخاذ، والآباء والأمهات على نقيض الأعاجم الذي ينتسبون إلى القرى والمدن والأماكن .
ومن أهم الدوافع خلف هذه التسميات لدى العرب على اختلاف قبائلها وشعوبها التالي:
1- التيمُّن بالله والدين والأنبياء والصحابة ورجال الدين الأتقياء، نحو: عبدالله، خير الله، جارالله، المستعين بالله ، المنتصر بالله ، محمد، أحمد ، إبراهيم ، موسى ، عيسى، علي (وسائر أسماء أهل البيت ـ عليهم السلام ) و سعد وتاج الدين و صلاح الدين وعلاء الدين و عز الدين وسيف الإسلام .
2- التفاؤل: وحيث يتطيرون من الذين لهم أسماء تشعر بالتشاؤم .
3- التضامن الأسري: حيث يسمى أكثر من فرد في الأسرة بمشتقات مختلفة من أصل واحد. نحو: سالم و سليم ومسلم، أو عمر و عمران و عمير و معمر أو حامد و محمد و أحمد و حمد إلخ .
4- لإرهاب العدو، لذلك نجد العرب يسمّون بأسماء حيوانات مفترسة، نحو: نمر و سبع و ثور وبنباتات مرَّة أو شوكية أو كريهة المنظر، نحو: حنظلة و علقمة و قرظة (شجر له شوك) أو صفات القتل والحروب نحو قتلة و حرب وطحوم و كنانة.
وكانوا على عكس ذلك، يسمُّون عبيدهم ونسائهم بأسماء حسنة، نحو: بدر و نور و جوهر و قمر وصبح وأنس القلوب و جِنان و طروب .
وقال بعضهم لابن الكلبي: لم سمَّت العرب أبنائها بـ كلب و أوس و أسد وما شاكلها، وسمَّت عبيدها بـ يُسْر و سعد و يمْن فقال أحسن: لأنها سمّتْ أبناءها لأعدائها، وسمَّت عبيدها لأنفسها .
5- حِمايةُ الشخص من الحسد، والأرواح الشِّرِّيرة، والجنّ باعتقادهم ، ولذلك اختاروا أحياناً، أسماء قبيحة منفِّرة ، نحو: خيشة، وحنظلة و رمضان و عيد و حرب وشروق وفجر .
6- زمان الولادة وظروفها كالتسمية بـ خميس و جمعة و رمضان و عيد و حرب و شروق و فجر .
7- التمثل بالعظماء في السياسة والحرب والعلم والأدب والفن وغير ذلك ، بهدف أن يكون المتَّسمون كهؤلاء العظماء في الشهرة، أو أن يتخذوهم مثلاً أعلى في الحياة .
8- التقرب إلى الحكام، أو إظهار الإعجاب بهم عن طريق تسمية الأولاد بأسمائهم .
9- التعويض عن أخ أو قريب آخر متوفي عن طريق تسمية المولود الجديد باسمه. ومنهم من يتشاءم من التسمية باسم المتوفَّى خشية أن يلحق العوض بالمعوض (وقد نهى الإسلام عن التشاؤم ودعا إلى التفاؤل عموماً) .
10- الشكوى من كثرة المواليد الإناث في العائلة، كأن يُسمِّي أحدهم ابنته الرابعة كفى، والخامسة منتهى والسادسة ختام .
11- وثمة بواعث أخرى كثيرة للتسمية، منها الوفاء بنذر في عنق أحد الوالدين أو كليهما، والاستجابة لرؤيا يراها أحد الوالدين في المنام، والتعبير عن ظرف الولادة، والأمل بما يريد الوالدان أن يحققه لهم مولودهم، والتناسب الإيقاعي لأسماء الإخوة، والتشابه في الصيغة الصرفيّة، أو الحرف الأول من الاسم، أو الأخير منه، أو الرغبة في ابتكار أسماء جديدة.. ويمكن الإشارة، أخيراً، إلى أن العرب لم يتسمّوا دائماً بأسماء لها معانِ يقصدونها، بل كانوا أحياناً يتسمّون بأسماء لا يفكرون بمعناها، وبخاصة المعربة منها .
ولا شك أن الإسلام عندما أحدث تغييراً جذرياً في حياة العرب، أثر كثيراً في بواعث التسمية عند الوالدين (وجعلها من حق الولد على الوالدين)، وفي الأسماء نفسها، ويتجلى هذا التأثير في:
1- اختفاء الأسماء الوثنية: كعبد العزى و عبد اللات وغيرها .
2- تحسين الأسماء امتثالاً لله تعالى ورسوله محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
#يحيى_الشيخ_زامل (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟