|
حوارات مهدي بندق – 7 - مع أدونيس
مهدي بندق
الحوار المتمدن-العدد: 1933 - 2007 / 6 / 1 - 06:26
المحور:
مقابلات و حوارات
توضيح للقارئ التقيت الشاعر والمفكر الكبير د. علي احمد سعيد "أدونيس" في أكثر من مناسبة تبادلنا فيها الحديث، تقديرا متبادلا، حول قضايا الثقافة العربية. ثم حدث أن استضافته مكتبة الإسكندرية ضمن برنامج الباحث المقيم للفترة من 5 إلى 15 نوفمبر 2006. وبالطبع حرصت على حضور محاضراته مشاركا بمداخلات –اخشي أنها كانت ساخنة بعض الشيء- فكان من الطبيعي أن نتفق على إجراء حوار بيني وبينه للنشر بالمجلة، التي أبدى –متلطفا- إعجابه الشديد بها. من جانبي فقد تركت له مسألة تحديد موعد ومكان اللقاء الخاص لإجراء الحوار المتفق علية، مقدرا جدول أعمالة الحافل. وأخيرا اتصل بي هاتفيا صبيحة يوم الثلاثاء 14-11-2006 ليبلغني استعداده للقاء في تمام السادسة من هذا اليوم في فندق فلسطين بالمنتزه. وحين صارحته بأنني أتحرز من قيادة سيارتي ليلا لمتاعب بصرية، أسرع بتقديم عرض منة كريم، أن يرسل إلي بسيارته المخصصة من جانب المكتبة لتنقلاته الشخصية، فشكرته واقترحت علي أن ابعث إلية على فاكس الفندق مسودة الأسئلة، كسبا للوقت، فرحب متحمسا للاقتراح، وعلى الفور بعثت إلية ما طلب. حوالي الرابعة مساء، فوجئت باتصال من الصديق الدكتور يوسف زيدان مدير المخطوطات بالمكتبة وممثلها في برنامج الباحث، يعتذر عن إرسال السيارة، قائلا أن قائد سيارة أدونيس توجه إلى القاهرة في مأمورية عمل، فقلت للصديق يوسف: لا بأس، سوف أتصرف أنا بمعرفتي. وبالفعل رتبت الأمر بحيث يقلني نجلي بسيارته إلى مكان اللقاء في الموعد المحدد. إلا أني فوجئت للمرة الثانية بالشاعر أدونيس يتصل، وكانت الساعة قد بلغت الخامسة والنصف مساء، معتذرا بان الأسئلة تحتاج إلى وقت لدراستها وإعداد الرد عليها، ووعد بإرسال الأجوبة بالبريد الإليكتروني بعد أيام قلائل. لكن الأيام انقضت، ولم يفي "المثقف العربي" بوعده! إذن فليكتفي "القارئ العربي" بالاطلاع على الأسئلة وليحاول هو –بنفسه- أن يخمن الإجابات.
في البداية أود أن تعلم أنني واحد ممن قرءوا مشروعك الشعري الفكري قراءة منتجة، أي القراءة التي تدفع إلى الكتابة سواء بالاتفاق أو الاختلاف، بالمداخلة للتوازي أو المداخلة بالتطوير، وفي هذا السياق كتبت في دراستي المعنونة "حداثتنا المحاصرة" أقول أن أدونيس بثابتة ومتحولة إنما كان يشتجر مع الثقافة العربية على مستوى تاريخ الأفكار، دون التفات منة إلى أن هذه الثقافة العربية لم تكن إلا انعكاسا لأنماط وعلاقات الإنتاج السائدة، أو التي كانت سائدة فيما قبل الإسلام، وبعد ظهور الدولة العربية. ولقد قلت أنت لي في معرض رفضك لهذا المنهج المادي التاريخي أن الأدب في أمريكا اللاتينية متقدم على البنية التحتية، وهذا صحيح، ولكنة لا يجعلني مخطئا، فليس البناء وحدة الممثل للبناء الفوقي. بالطبع البناء الفوقي تتمثل فيه فلسفة المجتمع، وأعرافه، وتقاليده، ودرجة تطوره القانوني، أما الأدب –بشكل خاص- فقد يسبق هذا البناء بفضل اعتماده على خاصية الخيال الإنساني وعلى تأثر المبدعين بإبداع نظائرهم في المناطق المتقدمة من العالم. وهنا يبدو تفسيرك لتخلف الثقافة العربية غير مرتكز على أسس منهجية صلبة. والآن وأنت نفسك تعيد قراءة كتابك "الثابت والمتحول" بعد أكثر من ثلاثين عاما على نشرة، أراك مازلت تراوح في موقفك دون أن تتخذ خطوة أكثر تقدما. ولا اعني بذلك ضرورة انتهاج منهج محدد، فما بعد الحداثة، أنتجت مناهج مختلفة وفعالة مثل التفكيك Deconstructive method، وإحلال الحكاية الصغرى Les petite recite محل الحكايات الكبرى Meta-recites على نحو ما فعل فرانسوا ليوتار وغيرة، فضلا عن النسبية وانتقاد العلم ذاته على يد بول فيرا آبند. ................................................................................................... .................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................... عودة إلى كتابي "حداثتنا المحاصرة" -وأظنك قرأته- قلت أنا إن التراث لا يرادف الماضي، لأن التراث إذا كان موجودا هناك انطولوجيا، فهو حاضر هنا على المستوى الإبستيمي، وهو ما لا يمكن أن ينكره حتى أدونيس، ورغم هذا فلقد راح أدونيس يوحد ما بين الحاضر الفاسد، وبين مجمل التراث من ناحية، ومن أخرى راح يوحد ما بين مستقبل حر مأمول وبين فكر يراد له أن ينبع من العدم. فإذا شئنا أن نقيم قطيعة ثقافية مع الماضي (لاحظ أنني أقول قطيعة ثقافية وليس قطيعة معرفية بالمعنى الذي يشير إلية العلم) لو أننا فعلنا لكان علينا أن نعدم الماضي، ولكان حاضرنا بالضرورة عدما، فكيف للعدم الحاضر أن ينجب شيئا في المستقبل، وقلت أيضا أن الحاضر ليس كله فسادا، وإلا فهل لنا أن نعد معارضي الفساد فاسدين؟ أنت تقول أن الارتباط بالتراث إنما تقوم به الفئات الوارثة المسيطرة الموحدة بين سيادتها على النظام وسيادتها على الكلام، وأنا أقول أن الارتباط بالتراث يقوم به المسيطرون والراغبون في التحرر من الهيمنة، ولكن كل من زاويته، وإلا فقل لي كيف يمكن للاشتراكيين مثلا أن يبنوا المجتمع اللاطبقي دون اشتباك يعترف بوجود الرأسمالية؟ لقد حدث بالفعل أن حاول بعض الطوباويين –مثل سان سيمون- أن يتجاهلوا النظام الرأسمالي برمته، فكان الفشل مصير تجربتهم. ورغم ذلك كله فأنت نفسك لا تقطع مع التراث بشكل كامل ونهائي، بل تحبذ تحديث تجربة القرامطة وصولا إلى مفهوم اصح للدين.. إلا يعتبر هذا منك انسياقا لرؤية أيديولوجيه وان كانت معاكسة للأيديولوجية السائدة؟و أليس الأصح أن نقوم ببناء رؤية معرفية تتأسس على التراكم العلمي والذي لم تخل منة الثقافة العربية في عصور ازدهارها؟ ................................................................................................... .................................................................................................................................................................................................................................................................................................................................... انطلاقاً من المنهج الذي انتهجته بغية تطوير المادية التاريخية لتتسع أمام احتمالات المستقبل، في ظل الثورة الثالثة –اعني ثورة المعرفة باقتصادها الرمزي، وسلطاتها المتعددة اللامركزية- أرى انك شاعر ما بعد حداثي (ولنتذكر أن إبداعك هنا يتجاوز حدود الثقافة العربية السائدة، ومن ثم فهو لم يدخل بعد في بنائها العلوي) لكنك كمفكر تسعى إلى خلخلة وتفكيك هذا البناء الذي أكلة الصدأ، وفي هذا السياق ترى أن اللغة العربية تواجه أزمة وجود، تقول ذلك آسفا، حاملا على جيل جديد يتعامل مع اللغة العربية كما لو كانت لغة ثانية وليست اللغة الأم. وأنا أسالك ومتى كانت اللغة العربية هي لسان الأم mother tongue بالنسبة للمصريين أو للعراقيين أو لأبناء الشام؟ المصريون مثلا كانوا ولا يزالون يتحدثون اللغة المصرية –التي نصفها بالعامية تقليلا لشانها- ولولا ضغوط الحكام العرب منذ عام 87ه بتعميم العربية لغة رأسمالية للدواوين، لظل المصريون يتحدثون ويقرئون ويكتبون بلغتهم الوطنية. بالطبع سيقول الأيديولوجيون أن اللغة العربية سبيلنا إلى الوحدة. فماذا عن الوحدة الأوروبية التي تبنى اليوم من خلال توحيد السوق، وأنا طبعا لا اقصد أن نعطي ظهورنا للغة العربية، بل اعني فحسب أن نقوم "بتعويمها" –بالتوازي مع اصطلاح تعويم العملة- فإما أن تثبت جدارتها بالحياة، وإما أن تختفي كما اختفى غيرها من اللغات التي أهمل أصحابها وتجمدوا. أليس هذا هو التحدي الثقافي الأكبر في حياتنا اليوم؟ ................................................................................................... ............................................................................................................ ........................................................................................................................................................................................................................ ........................................................................................................................................................................................................................ أثبتت المسيرة التاريخية أن الديمقراطية هي أفضل الوسائل "السيئة" لممارسة السلطة. وفي العالم العربي نرى شعوبه ما زالت بعيدة عن هذه الممارسة. البعض يعزو السبب إلى تراث الاستبداد، لكنني أرى أن الثقافة –بحسبانها منظومة للأفكار والسلوكيات المطابقة للتطور الإنتاجي- هي أساس هذا التباعد، فالإنسان العربي لا يؤمن في قراره نفسه أنة سيد مصيره، بل لعلة يلتذ بكونه خاضعا لغيرة، إذ يعفيه ذلك من تحمل المسؤولية الذاتية، أفلا ترى معي أن ثمة ضرورة لمحاولة فكرية استباقية Anticipatory تسعى إلى تفكيك ثقافة الإذعان والرضا بالجبرية هذه، تلك التي حالت بيننا وبين "مقصرة المعرفة" Knowledge economizing بمعنى إدخال المعرفة في المكون الرأسمالي لمؤسسة الدولة، والمؤسسات الإنتاجية الأخرى محلية كانت أم أجنبية، على نحو ما فعلت الصين واندونيسيا وماليزيا، ومنظومات العقائد الدينية، وجلاميد المذاهب السياسية؟
#مهدي_بندق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في رماد المحو
-
استقالة من ديوان العرب
-
مواسم الجفاف
-
حوارات مهدي بندق - 6 - مع قطب اليسار أبو العز الحريري
-
حوارات مهدى بندق - 5 - مع الدكتور مجدى يوسف
-
حوارات مهدى بندق -4 -مع الناقد د.صلاح فضل - القسم الثاني
-
حوارات مهدى بندق - 3 - مع الناقد الأدبىّ د. صلاح فضل
-
حوارات مهدى بندق -2 - مع السيد ياسين
-
والدولة أيضاً محاصرة في مصر
-
حوارات مهدي بندق - 1 - مع جابر عصفور
-
البلطة والسنبلة -5- المصريون واشارات الخروج من الحصار
-
ريا وسكينة بين صلاح عيسى وميشيل فوكوه
-
البرهان الثقافي على المسألة الإقتصادية
-
قصيدة أُقَلِّبُ الإسكندرية على أجنابها
-
تفسير غير تآمري للتعديلات الدستورية المصرية
-
إضراب عن الماء
-
الإخوان -المسلمين- وغيرهم ثقافة مُحاصَرة ومحاصِرة
-
* المدربون
-
*قصيدة الكمائن
-
مصر وثقافة الحصار
المزيد.....
-
مصدر يوضح لـCNN موقف إسرائيل بشأن الرد الإيراني المحتمل
-
من 7 دولارات إلى قبعة موقّعة.. حرب الرسائل النصية تستعر بين
...
-
بلينكن يتحدث عن تقدم في كيفية تنفيذ القرار 1701
-
بيان مصري ثالث للرد على مزاعم التعاون مع الجيش الإسرائيلي..
...
-
داعية مصري يتحدث حول فريضة يعتقد أنها غائبة عن معظم المسلمين
...
-
الهجوم السابع.. -المقاومة في العراق- تعلن ضرب هدف حيوي جنوب
...
-
استنفار واسع بعد حريق هائل في كسب السورية (فيديو)
-
لامي: ما يحدث في غزة ليس إبادة جماعية
-
روسيا تطور طائرة مسيّرة حاملة للدرونات
-
-حزب الله- يكشف خسائر الجيش الإسرائيلي منذ بداية -المناورة ا
...
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|