أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار أحمد - سنوات البياض














المزيد.....

سنوات البياض


أزهار أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 1928 - 2007 / 5 / 27 - 08:09
المحور: الادب والفن
    


إلى أمي

كلُّ شيء حوله أبيض .. حتى قلبه أبيض.
الجدران بيضاء، السرير أبيض، الأبواب بيضاء، الأرضية بيضاء، هو والبياض فقط يسودان الكون في هذه اللحظة. كيف اتحد هذا البياض كله؟
لا يدري.
تتوالى عليه الغرف البيضاء وهو لا يدري .. الكون ضيق، وهذا البياض عالمٌ واسع.

السنة الأولى من البياض ...
حمَّى، وقوع، جروح، مسكنات، ضمادات، ولكن أربعةَ عشرَ عاماً لا تدرك أنَّ أول الغيث قطرة. الحمَّى تسكنه دائماً، ولكن روحه تنتزع الألم في كل مرة، وتحلق مع حماماته البيضاء الثلاثين، فيعود إليها بعد يوم أو اثنين.

السنة الثانية ...
يتسع البياض أكثر، تتعدد الغرف والشرائط، يزيد الوهن، تطول الأيام وتكثر الأدوية ويطول انتظار الحمَامَات، يتساءل: ما الذي يحل بي؟
الأم: إنه فقر دم شديد يا حبيبي، تَحَمَّلْ الألم وواصلْ العلاج كي تعود لنا.
طبعا سأتحمل. مازالت قيادة السيارات حلمي المنتظر. وأبي وعدني بسيارة فيتارا بعد نجاحي في الثانوية.
تبكي الأم، يطفئ دموعها ويتجهان نحو البياض من جديد.
شعره يتساقط، العلاج يتغير، لم يفهم معنى العلاج الكيماوي، فيبتسم كعادته وتبكي الأم. الأطباء غير أكفَّاء هنا، يجب البحث عن الأفضل. في ألمانيا أفضل مستشفى لعلاج ...؟
سافر وسافرتْ معه.

السنة الثالثة من البياض ...
عاد بعد أربعة أشهر، يحمل شوقاً لحماماته، ظن أنَّ رحلته مع البياض انتهت. عاد شعره ينمو، الكل يبتسم، إلا هي. لم تغفل ولم تتأخر دقيقة عن أدويته، لا ليلاً ولا نهاراً.
يقضي أياماً طويلة في المستشفى، يعود إلى البيت، تقضه الحمَّى من جديد. الجو ملبَّد وكل شيء يُفقده المناعة ويعود إلى البياض.
الزيارة ممنوعة إلا بالاحتياط التام.
الجميع يتبادل الإقامة معه. والكل مهمومٌ وحزين، وهو يبتسم وينتظر الخروج ليتفقد حماماته.

السنة الرابعة ...
تساءل: لماذا طال المرض؟
كيف مضت ثلاث سنوات وأنا ما بين البياض والبياض؟ أدرس بالمدرسة يوماً وأنام بالمستشفى يومين؟ لماذا يسقط شعري مرةً بعد مرة؟ لماذا أسافر إلى ألمانيا؟ ماذا تعنون بنقص المناعة؟ لماذا لا يستقر دمي؟ لماذا لا يتحمل جسدي الحمَّى؟
بدأت الثامنة عشرة تزحف إلى جسده، تعلم بين البياض والبياض كيف يقود السيارة، وأخيراً حصل على رخصة القيادة، وقريبا ستأتي الفيتارا.
قال له الطبيب: هناك جديد.
ـ ماذا؟
المرض انتشر إلى كبدك.
ـ أي مرض؟
مرضك.
ـ وما هو مرضي؟
لا تعلم؟
ـ لا ...
أربع سنوات ولا تعلم؟
ـ فقر دم ونقص مناعة.
ألا تعلم معنى هذا؟
لا ...
ـ أنت مصاب بسرطان الدم .. اللوكيميا.
يصيبه الوجوم لأول مرة. لقد عرف سبب البياض، استولى المرض على الكبد .. وتوجب السفر مرة أخرى.
والامتحانات؟
ستؤديها حين تعود، طلبنا لك إذناً. وستجد الفيتارا بانتظارك.

اجتمع بها ذات صباح.
ـ علمتُ مرضي يا أمي، ولا أخشاه.
أحبك ...
تنهمر الدموع.
ـ يكفي بكاء .. سأعود، سأنتصر.
ذهب معه أخوه هذه المرة ليتبرع له بالنخاع. بعد أسبوعين وذات ليلة رن الهاتف:
نجحت العملية، انتصرنا.
... ... اختلطت الدموع.
سنعود بعد يومين بالضبط.
أختك أنجبت.
ـ ماذا أسميتم الطفلة؟
مي.
ـ اسم جميل.
ـ أمي هل رأيت جنازة الأميرة ديانا على التلفزيون؟
نعم، لماذا تسأل؟
ـ تذكرتك وأنا أشاهدها عرفت أنك ستبكين كثيراً لو شاهدتِها.
أنتظرك يا حبيبي .. أحبك.

صباح اليوم التالي، رن هاتفٌ آخر.
ـ انفجر المخ. العملية ناجحة ولكن المخ انفجر، لم يحتمل.
لم يحتمل ماذا؟
ـ العملية.
مات، ماااات ؟؟؟؟؟؟
أحضروه يوم الثلاثاء. وطلبت رؤيته، صرخت، هذا ليس ابني، ليس هو، وجهه منتفخ، شفتاه متقرحتان، قتلتموه، شوهتموه، قم، انهض، الفيتارا بالخارج. الكون ضيق يا عيوني، عيونها على جسده، وعيناه نحو السماء.
مات .. طارت الحمَامَات.
لُفَّ بالبياض .. حتى النهاية بيضاء، ولا رائحة للألوان الأخرى.
كلُّ شيء حوله وبداخلهِ أبيض .. حتى قلبه أبيض.

قصة سنوات البياض من كتاب يصدر قريباً للمؤلفة بعنوان "المُمَثِّل"



#أزهار_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فضيحة بطاقة الأعمال
- أحداث ما بعد نداء أنسي الحاج
- هل كنتَ أنتَ .. يا أنسي الحاج؟
- موظفٌ عادي يموتُ في الاجتماع
- سرينادا
- يومٌ ليس كمثلهِ يوم
- قانصاتُ اللحظة، مُباغتاتُ المنازل، واهياتُ القلوب
- إمَّا أنا أو أنتِ .. تلك هي المهمة
- سائق النساء
- أنا ويوكي في يورك
- صخب الصور
- أنا والبقرة والتلفزيون
- حَدَّقتُ في الظلام فرأيتُك .. وحَدَّقتُ فيك فرأيتني
- طلبنا طعاماً صينياً
- يوكي والجمل
- غادة وابن جني
- العدُّ حتى تسع جَميلامات
- نبيُ قلبي
- كائنٌ كائنْ .. يا أنت


المزيد.....




- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...
- مصر.. وفاة المخرج والسيناريست القدير عصام الشماع
- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أزهار أحمد - سنوات البياض