أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - العمدة















المزيد.....

العمدة


الطيب طهوري

الحوار المتمدن-العدد: 1924 - 2007 / 5 / 23 - 04:06
المحور: الادب والفن
    


أيام حميمية من سنوات العمر الهاربه
إلى الصديق الشاعر عبد الحميد شبيح بمناسبة تقاعده المسبق


كنتُ مع بعض الزملاء، وكنتَ أنت مع زملاء آخرين..سمعتُ صوتك، وسمعتَ صوتي.. وقال كل واحد منا عن صوت الآخر: إنه صوت أعرفه..
ومشيتُ..ومشيت أنت..تذكرت أنني رأيت خطاك في حصائد العناصر..وتذكرتَ أنك قابلت خطاي في مروج المالحه..
صحت: يا الطيب..
وصحتُ: يا عبد الحميد..
وسرنا في اتجاه بعضنا
.. مددتَ يدك.. ومددتُ يدي..كانت حرارة يدك تشبه حرارة الأهل الذين تركتهم في سطيف وعين الخضراء..
وكانت حرارة يدي تشبه حرارة الأهل الذين تركتَهم في بوحمادو والمسيله..
ومنذ تلك اللحظة كنتَ صديقي الأول..
وكنتُ ضديقك الأول أيضا..
وسكنا معا.. غرفة واحده..
وأكلنا معا حمص سيرتا..
ومعا.. فرح الخطوات شربنا..
وفي الغرفة التي جمعتنا كنتَ تنهض ليلا لتكتب أشعارك..
وكنت أنهض أيضا..
ومرات كنا ننهض معا..
كان الشعر صديقنا.. والخيام التي ألفت صوتنا منطلق الكلمات..
لكنه العمر يجري..
فرت السنوات السعيدة منا..
مرت الأرض في جرحنا..
والسماء التي غمرتنا بغيمتها رحلتْ..
وافترقنا..
عدتَ إلى المسيلة..وعدتُ إلى سطيف..
ولم نكن ندري بأن الخطى ستقربنا من بعضنا..مرة..ثانيه..
وكان هذه المرة ابن رشيق..
كان يسير في أزقة لندريولي..يتفقد بعض أهله هناك..
رآني.. ورأيته.. ورأى ألم الصمت في..و.. عرف السر..
طار إليك..وبسرعة البرق كان ـ هناك ـ يحضنك.. طائرا فوق سهول الحضنة وشعابها وجبالها..متجها إلى سطيف..
لكنه العمر أيضا..
أتعبه السفر من رحلة الذهاب والإياب، فألقى بك في رأس الوادي..
أوصاك بأن تشرب من ماء نبعه..ثم تسير إليه في مقره .. هنا.. في سطيف..
وسرتَ..وتعانقنا هنا في شهر أكتوبر من عام 1981 ..
ووجدنا نقسينا في مهنة (( لا يمون فيها ولا يحيا ..ولم ننتبه..
كنا نشيطين إلى أقصى الحدود .. غرسنا ورد المعرفة في الأقسام، في الشوارع والمقاهي، في المحاضرات والأمسيات ..هنا.. في الثانوية، في مجلتها.. وفي مراكز ودور الثقافة المختلفه..و..
كنا نمارس لعبة العمدة.. كنت تتغلغل داخل كلمات كتاب العمدة..تتسلق حروفه.. تنكِّت.. وتنام..
وكنت حين أرفع الكلمات لأعرف البعض من أسرارهاأجدك.. ومترددا ـ دائما ـ كنت أوقظك..
وكنت توقظني أيضا ـ وبتردد ـ حين تلقاني نائما بين حروفه..
وكان يحلو لك النوم..وكان يحلو لي أيضا .. في دفء تلك الكلمات..
يا للأيام.. ويا للكلمات..! هل تذكرها؟
هل تذكر ذلك الصباح الذي رفعت فيه كلمة العمدة ذاتها..وإذا هي ثقيلة ..جدا..؟!
لقد احترت في الأمر ..و..
شرعت ـ مندهشا ـ أقلب الحروف، وإذا بي أفاجأ بك، وأنت تمسك ـ وبشدة ـ بالألف واللام، وتصيح: عمي..عمي..
لقد أيقظتك، وسألتك متعجبا: ما الأمر؟.. وأجبتني خجِلا: اللعنة..لقد اعتقدت أن كلمة العمده.. هي العم ذا..
وضحكنا كما لم نضحك أبدا..!
آه ، ياصديقي..كانت السعادة تغمرنا..
كنا كل مساء أربعاء نذهب إلى بائع الدجاج المحمر، نقف أمام الواجهة..
تقول لي: لابد أن نملأ عيوننا قبل أن نملأ أفواهنا..
وأقول لك: لابد..
ننادي على البائع..نختار الأجمل والأحلى..وندخل..
نأكل بغبطة الذين يرون مستقبل الوطن أمامهم عشبا أخضر ، تمرح فيه الغزلان.. ويمتد إلى اللاحد..
كانت أجرة الواحد منا تكفي لشراء 60 دجاجة محمرة شهية، وعشرات الكتب والمجلات ..
كنا كل مساء نتسلل إلى المكتبات لنرى الجديد، كتبا ومجلات..وسعداء مستبشرين كنا نشتري ما نستطيع..
كانت أحلامنا أن نرى البسطاء محترمين..يعملون وينتجون.. ويساهمون بفرح في بناء مستقبل بلادنا الجزائر ..
كنا نتألم ونحن نرى بدء برجزة بعض الفئات الاجتماعية، وبدء انتشار ثقافة الاستهلاك..
وكان 05 أكتوبر.. في مثل هذا اليوم تماما.. وكانت غربتك وغربتي.. كانت حيرتنا الكبيرة..!
أهذا هو الوطن الذي كنا نتطوع في عطلنا الصيفية لنبنيه مع الفلاحين في مزارع الثورة الاشتراكية وقراها الجميله؟!
أهذا هو الوطن الذي بكينا بدم القلب يوم مات فارسه الهواري..حزنا عليه، وخوفا من تربص الأعداء به..؟!
لقد كنا ياصديقي اشتراكيين.. وما زلنا.. وحتما سنبقى..في بساطة أحلامنا..في أشيائنا..وفي الأصدقاء الذين نختارهم ونتبادل رغيف الخبز معهم.. ولن أنسى..
كنت تقول: هل تعرف ماحلمي الأكبريا صديقي ؟
وأسألك بدوري: ماحلمك؟.. وأضيف: لاشك أنه حلمي أيضا..
وتجيب ببراءة الأطفال الطيبين: أن أعيش محترما.. ومحترما فقط..
أسألك: وكيف يكون ذلك؟.. فتقول ببساطة الإنسان المتواضع الذي لايعرف الطمع إلى قلبه طريقا، ولا الجشع إلى نفسه سبيلا: أن يكون لي بيت بسيط في أرض صغيرة، أغرس حوله بعض الشجيرات، وأربي تحت تلك الشجيرات دجاجات قليلة، وبعض النعاج.. وأزور المدينة كل أسبوع، أجمع ما جادت به مكاتبها من جرائد ومجلات وكتب..ثم أعود إلى خلوتي لألتهم ما في تلك التي اشتريت..
نعم ، ياصديقي..أشهد أنك لم تحلم كالآخرين بالقصور الضخمة، والسيارات الفخمة، والأرصدة البنكية..
كنت بسيطا بساطة الأطفال.. وبريئا براءة الأرض التي احتضنت خطواتك..
لم يعرف قلبك الحقد..لم تعرف نفسك الطمع رغم تشريد السنوات لك..ولم تلوث يديك بأية رذيلة من رذائل هذا الزمن الكثيرة..
وأشهد أنك تكره الظلم والحقرة، وأنك تتألم كثيرا حين ترى تلميذا جاء من بعيد، طلبا للعلم ، يأكل خبزا جافا وحافيا، لأنه لم يقبل في الداخلي أو نصفه..لسبب ما..وتتألم أكثر حين ترى لا مبالاة المواطنين بما يجري في واقعهم ، ولا شعورهم بالمسؤولية تجاه وطنهم ومستقبله، وتتألم أكثر فأكثر وأنت ترى بعض الأساتذة يتقاعسون عن احترام الوقت، أو يتركون أضواء الأقسام مشتعلة ونور الشمس يسطع، أو يرمون الطبشور..
لقد كانت تلك الممارسات السلبية تبدو لهم أمورا بسيطة ..لكنك بوعيك و بحسك المرهف وإنسانيتك الكبيرة، كنت تدرك مدى خطورتها وخطورة انتشارها ..وكنت تعرف أنها ممارسات تعكس جبن الذين يمارسونها، وشدة انحطاط إنسانيتهم..
وأشهد أنك كنت وطنيا أكثر من كل الذين يتبجحون بالوطنية، وحسَن المعاملة أكثر من كل الذين يتكلمون باسم القيم..وأنك كنت اشتراكيا حقيقيا..لم تعرف عنقك ربطة .. الأعناق، لم يعرف جسمك البذلات الرسمية ..ولم تعرف أصابعك الخواتم كنت بسيطا كالنسمة.. وكريما.. كالماء..
آه يارفيقي.. وها أنت ذا تتركني وحدي أتسلق جدران كهف العزلة .. على كتفيَّ الضخرة، وفي الرجلين سلاسل الطبشور القاسيه..
والأساتذة المنتمون إلى الصمت.. ناموا..
ضمائرهم في الحرير الملوثِ..
أبصارهم في الحشيشِ..
وأنت الوحيد الكلام..
فعليك السلام..
وعليَّ السلام..
وعلى المنتمين إلى جرح هذي البلاد السلام..
ولهمْ.. الذين إلى الصمتِ ..
في الخوف ناموا..
رمله..ذاك النعام.



#الطيب_طهوري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوتار للفرح الصعب
- أحزان المربي الذي..كان سعيدا
- لقاء مع الشاعر والقاص الجزائري الطيب طهوري
- الأصوليات الإسلامية وادعاءها تقليدنا الغرب
- !أيها الغرب، أنقذنا من تقليدك
- الموتى.. يهاجرون أيضا
- رحيق الأفعى
- الأصولية،الاستبداد والغرب الرأسمالي
- الطريق
- نهايات طللية
- مهاباد مهداة إلى عبد الله أوجلان
- العرب بيت الديكتاتورية والفهم المتخلف للدين


المزيد.....




- تاريخ اليهود والمسيحيين في مكة والمدينة حتى ظهور الإسلام
- رابط نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لكل التخصصات “تجاري، زراعي، ...
- بسبب شعارات مؤيدة لفلسطين خلال مهرجان -غلاستونبري-.. الشرطة ...
- العمارة العسكرية المغربية جماليات ضاربة في التاريخ ومهدها مد ...
- الجيوبولتكس: من نظريات -قلب الأرض- إلى مبادرات -الحزام والطر ...
- فيديو.. الفنانة الشهيرة بيونسيه تتعرض لموقف مرعب في الهواء
- بالأسم ورقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 الدور الأول ...
- “استعلم عبر بوابة التعليم الفني” نتيجة الدبلومات الفنية برقم ...
- “صناعي – تجاري – زراعي – فندقي” رابط نتيجة الدبلومات الفنية ...
- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...


المزيد.....

- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - العمدة