أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - الموتى.. يهاجرون أيضا















المزيد.....

الموتى.. يهاجرون أيضا


الطيب طهوري

الحوار المتمدن-العدد: 1845 - 2007 / 3 / 5 - 06:06
المحور: الادب والفن
    


الأرض جرداء قاحلة والحرارة في أوج ارتفاعها، والريح جنوبية تهب.. وكان الطفلان قد ابتعدا واقتربا كثيرا من القبور التي كانت تمتد أمامنا ..
خلفي وعلى الجانبين رجال يغذون السير مثلي، أطفالهم يسبقونهم أيضا..
صاح الأطفال باكين وهم يسرعون السير عائدين إلينا ..
ما الذي جرى؟! تساءل البعض باندهاش..
ربما وجدوا بعض الثعابين..أجاب آخرون..
و.. فوجئنا حين رأينا الجثث تتحرك من أمام المقابر.. هياكل عظمية تتحرك، وأخرى ماتزال بلحمها..
كانت الجثث تجري وراء الأطفال ، والأطفال هلعا يسرعون الجري نحونا..
أخذنا بأيدي أطفالنا وجرينا..
كنا ندرك أن الجثث تكون أكثر سرعة وهي بالقرب من مقابرها، وتخف سرعتها كلما ابتعدت أكثر..
كنا نسرع ونسرع.. والجثث تقترب أكثر..
أحاطتنا الجثث من كل جانب.. وقفنا..
كان الرعب يملأ قلوبنا ونحن نقف مشدوهين ..
كان الأطفال يشهقون ويغطون رؤوسهم بأحضاننا
وقفت الجثث فارعة الطول..
تكلم أطولها: لقد أفسد أطفالكم اجتماعنا..
قلت في سري: يجتمعون؟!.. لماذا يجتمعون؟!
استدارت عظام رأس جثة كانت في مؤخرة الجثث: اجتمعنا من أجل البحث في كيفية نقل قبورنا إلى مكان آخر..
أضافت جثة أخرى: لا أمطار تغسل عظامنا، ولا نسائم شمالية تنعش أرواحنا، لا أشجار تظللنا ولا عشب يمتع أبصارنا .. فكيف لانرحل إذن؟!..
همس الذي كان يقف بجانبي: عجيب ما أرى.. حتى الموتى يهاجرون؟!
مدت جثة عظام ذراعها مشيرة إليه: إننا مثلكم يا ولدي..نحس ونتألم ، نفرح ونحزن ( ونطق الراء غينا)..
إنه أبي فعلا.. نفس صوته..هكذا كان ينطق الراء.. قال مندهشا..
نعم.. أنا أبوك يا ولدي.. قالت الجثة..
عادت أطول الجثث إلى الكلام: أمامكم خياران لاثالث لهما..
همهم البعض منا: ماهما..ماهما..
إما أن تموتوا.. وسكت..
نظرنا إلى بعضنا مرتعشين..
وإما أن تعاهدونا على عدم المرور بمقبرتنا..
صحنا جميعا: نعاهدكم.. نعاهدكم..
مدت الجثة الأطول عظام يدها اليمنى..
ومد البعض منا أكفهم..
لامست العظام أكفنا المرتعشة..
نعاهدكم على عدم المرور بمقبرتكم أبدا ..أبدا.. قلنا..
استدارت الجثث إلى الخلف عائدة إلى مقابرها..
واستدرنا نحن أيضا إلى الخلف..
مشينا قليلا.. ثم توقفنا..
طريق المقبرة أقرب طريق إلى المدينة .. قال أحدنا..
قال آخر مشيرا بأصابعه : هذا الاتجاه يوصلنا..
هيا إذن .. قال آخرون..
أخذنا نغذ السير..
الأرض جرداء قاحلة أمامنا..
والريح جنوبية تهب..
والحرارة المرتفعة تلفح وجوهنا..
وحين لاح سور المدينة المنخفض أمامنا، كان العطش قد جفف حلوقنا..
وقفنا أمام السور..
أشرنا بأصابعنا إلى حلوقنا الجافة..
رفع الرجال الذين كانوا خلف

السور قارورات الماء.. صبوا قطرات قليلة في الكؤوس ووزعوها علينا..
شربنا القطرات ، وأشرنا بأصابعنا إلى الحلوق مرة أخرى..
صبوا قطرات أكثر.. شربناها.. وأشرنا إلى حلوقنا..
صبوا قطرات أكثر من التي قبلها.. وشربناها..
وهكذا حتى امتلأت الكؤوس ..
أشار الذي كان في البوابة إلى البعيد.. نظرنا..
تفرجوا على السباق.. قال..
كانت الخيول داخل السور تتقدم بسرعة مذهلة.. وتوقفت حين وصولها..
قال الرجل: يتوقف السباق الآن للاستراحة..
أصابتنا الدهشة ونحن نرى الفرسان ينزلون من على ظهور أحصنتهم.. كانوا عراة تماما..
وخجلنا أكثر ونحن نرى الفارسات تنزلن ..
كن عاريات أيضا.. تنتصب نهودهن نافرة ملساء، وتنسدل شعورهن على الأكتاف التي كانت بلون قشر البرتقال..
كانت فروجهن بين الحليقة تماما والتي يغطيها الزغب الأحمر المائل إلى الصفرة..
انتبهنا إلى أن الرجل الذي يقف في البوابة كان عاريا تماما أيضا.. يلمس ذكره بين الحين والآخر بكل عفوية.. ويضربه إلى فخذيه من حين إلى آخر بكل عفوية
أيضا..
رفعنا أبصارنا إلى البعيد.. كانت العمارات شاهقة، والقصور فخمة، والخضرة تمتد أمامنا في كل مكان..
كان الرجال الذين أشربونا الماء عراة أيضا..
مد طفلاي أصابعهما إلى الحصان الذي كان يقف أمامهما داخل السور.. مسحا على رأسه..
صاحت شابة عارية فيهما بلغة لم أفهمها.. لكنني أدركت قصدها..
أبعدا أيديكما عن الحصان .. قلت بحدة..
أبعد الطفلان أيديهما وهما ينظران إلي خائفين..
أحسست بالشهوة تملأني.. أدركت ذلك من انتصاب ذكري..
وامتدت إلى الجميع من حولي أيضا.. عرفت ذلك من حركات أرجلهم وعضهم على الشفاه السفلى..
كنا نتظاهر برفع عيوننا إلى الأعلى حتى نتحاشى النظر إلى العري الذي كان يزهو أمامنا..ولكننا.. ننظر.. كنا..
قال الواقف أمام البوابة:تريدون دخول المدينة إذن..؟!
نعم.. قلنا دفعة واحدة..
جئنا نبحث عن عمل .. أضفنا..
أهلا وسهلا بكم.. قال..
نحتاج إلى الكثير من العمال..أضاف.. لكن.. انظروا..وأشار إلى الرجال الذين كانوا مايزالون يجلسون على طاولاتهم ، ثم إلى الفارسات والفرسان الذين كانوا قد بدأوا ركوب أحصنتهم متهيئين لمواصلة السباق..
لم نفهم.. قلنا..
عليكم بنزع ثيابكم.. قال..
فوجئنا بطلبه ، ونحن الذين لم نتعود على نزعها حتى أمام نسائنا..
هذا شرطنا.. قال مؤكدا..
نظرنا إلى بعضنا البعض..كانت حيرة المفاجأة تملأ عيوننا..
أخذ بعض الشباب ينزعون ثيابهم البالية الممزقة..
صاح بعضنا معترضين : ألا تخجلون من أنفسكم؟!.. كيف تتعرون أمامنا..؟!
قالوا دفعة واحدة: كيف نترك كل هذا السحر ..؟!.. وأشاروا إلى الفتيات الفارسات..
وإلى ثيابنا الممزقة.. باستهجان
أشاروا
كبف نترك هذا السحر ونعود إلى قراكم القاحلة.. كرروا..
قراكم قالوا.. ولم يقولوا قرانا..
فتح الرجل العاري الباب.. دخلوا..
وداعا..وداعا أخيرا.. وإلى الأبد.. قالوا..
أغلق الرجل الباب..
نظرنا إلى بعضنا مندهشين والحيرة تملأ عيوننا أكثر..
استدرنا.. وقفلنا راجعين إلى قرانا..
الأرض جرداء قاحلة..
والريح جنوبية تهب..
والحرارة المرتفعة تلهب وجوهنا..
كنا حفاة نمشي..
الثياب بالية ممزقة..
والرؤوس يملأها الغبار..
والفتيات يبللن خيالاتنا ببعض قطرات ماء عريهن الجميل.



#الطيب_طهوري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحيق الأفعى
- الأصولية،الاستبداد والغرب الرأسمالي
- الطريق
- نهايات طللية
- مهاباد مهداة إلى عبد الله أوجلان
- العرب بيت الديكتاتورية والفهم المتخلف للدين


المزيد.....




- جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202 ...
- -الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق ...
- هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل ...
- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...
- عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا ...
- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...
- الدويري: هذه أدلة صدق الرواية الإيرانية بشأن قصف مستشفى سورو ...
- برقم الجلوس.. نتيجة الدبلومات الفنية 2025 لجميع التخصصات عبر ...
- دورة استثنائية لمشروع سينما الشارع لأطفال غزة


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الطيب طهوري - الموتى.. يهاجرون أيضا