أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مصطفى عنترة - فعاليات مدنية وسياسية تؤسس مبادرة الاختيار الأمازيغي















المزيد.....



فعاليات مدنية وسياسية تؤسس مبادرة الاختيار الأمازيغي


مصطفى عنترة

الحوار المتمدن-العدد: 1919 - 2007 / 5 / 18 - 12:40
المحور: المجتمع المدني
    


أقدمت مجموعة من الفعاليات المعروفة داخل الساحة الأمازيغية على مبادرة تأسيس "اختيار الأمازيغي" كمشروع للتفكير الثقافي والسياسي طرحته على مختلق مكونات المجتمع المغربي عموما والحركة الأمازيغية بمختلف فصائلها على وجه الخصوص، وفي ما يلي النص الكامل لأرضية "الاختيار الأمازيغية".

تقديم :
عقدت مجموعة "الاختيار الأمازيغي" جلسات منتظمة، تناولت خلالها حالة الأمازيغية في علاقتها بالمجتمع والدولة. وقد توقفت عند التناقض، بين الخطاب والممارسة، الذي يطبع سلوك الدولة تجاه الأمازيغية، فلاحظت أن أثر ذلك ينعكس سلبا على المجتمع، ويبقي على العلاقة متوترة بين الحركة الأمازيغية، المتشبثة بحقوقها الهوياتية، والدولة التي لا تعترف مؤسساتها بالوجود القانوني لتلك الحقوق. وقد حاولت المجموعة أن تحلل طبيعة هذا الإقصاء، ثم تتبع الميكانزمات التي هيأت له، وما تزال، على مراحل، لما يقرب من قرن. لقد بينت كيف كانت معاهدة الحماية لسنة 1912 غطاءا شرعيا لتدمير البنيات الأمازيغية، وفي سنة 1934 حمل نظام الحماية إلى الواجهة السياسية نخبة اختارها من الفئات الاجتماعية المؤيدة للمعاهدة. وفي سنة 1955 اتخذها محاورا لوضع ترتيبات إنهاء نظام الحماية ليسلمها سنة 1956 مغربا مستقلا يضمن للطرفين مصالحهما. وقد تمخضت أشغال المجوعة عن هذه الخلاصة، في صيغة "أرضية الاختيار الأمازيغي". وهي تعرضها على مكونات المجتمع المغربي ،عموما، والحركة الأمازيغية بمختلف فصائلها، خصوصا، قصد الاطلاع عليها ومناقشتها، كما تدعوها للتأمل في قرن من معاناة الأمازيغية مع نظام الحماية، من سنة 1912 إلى 1956، ثم طيلة خمسين سنة (1956-2006) من عهد الاستقلال، الذي كرس نتائج نظام الحماية كما أقامه اليوطي.
النتيجة أنه، بعد إفقار الأمازيغيين، بتجريدهم، في ظل نظام الحماية، من السيادة على ممتلكاتهم الجماعية، جاء دور الأمازيغية كهوية ولغة وثقافة، لتؤدي في عهد الاستقلال، بالإضافة لما سبق، ثمن ضياعها للحرية في تقرير مصيرها. ورغم ما يتكرر من خطب تزرع الأوهام، فها هي الحصيلة، على لسان المؤسسات الرسمية نفسها، تعلن الواقع.
لقد سجل الإحصاء الرسمي الأخير للسكان، مع كل التحفظات التي تثيرها مصداقية الأرقام الرسمية، أن 28 في المائة من المغاربة، فقط، يستعملون اللغة الأمازيغية في حياتهم اليومية، بعد أن كانوا 34 في المائة قبل عشر سنوات. إن هذا التآكل، الذي ينخر جسم الأمازيغية بانتظام، لم يأت نتيجة تطور طبيعي، بل هو تدبير سياسي، وضعت أسسه الفكرية رموز معروفة باحتقارها المعلن لكل ما هو أمازيغي، كما يشهد بذلك خطابها ألإقصائي الذي نسرد منه، على سبيل المثال، نماذج معبرة.
فعن سؤال للصحفي الفرنسي جان لاكوتور، حول "حقيقة المشكلة البربرية" بالمغرب ، على خلفية انتفاضة الريف لسنة 1958 وأحداث الجنوب الشرقي في مطلع سنة 1957، ضد استبداد حزب الاستقلال، أجاب المهدي بنبركة: "إن المشكلة البربرية المزعومة ليست سوى أحد رواسب السياسة الثقافية التي سلكتها الحماية. فهي ثمرة مدارس الأعيان المخصصة لأبناء

الطبقة الأرستقراطية المدينية التي كانت تدرك أهميتها بالنسبة لتكوين ناشئتها... إن الرجل البربري هو، بكل بساطة، شخص لم يسبق له أن ذهب إلى المدرسة."
وعن الكيفية التي سيتم بها "تخليص البربر من بربريتهم" بصفة جذرية، اهتدى عابد الجابري، المعتز بأصله العربي القرشي ونسبه الشريف " المثبت ، على حد تعبيره ،بشجرة نسب موثقة"، في كتابه "أضواء على مشكل التعليم بالمغرب" إلى الوصفة الفعالة لتعريب البربر. ففي لهجة ذات نزعة فاشستية قال: "إن عملية التعريب الشاملة، يجب أن تستهدف ليس فقط تصفية اللغة الفرنسية كلغة حضارة وثقافة وتخاطب وتعامل، بل أيضا- وهذا من الأهمية بمكان – العمل على إماتة اللهجات المحلية البربرية."
وبعد أن بدا أن المهمة ليست من السهل بمكان، تدخل علال الفاسي سنة1965، في النقاش الدائر، آنذاك، حول تعثر التعريب. وقد كتب في مجلة، كان يصدرها مكتب تنسيق التعريب بالرباط: "إنني أوجه، قبل كل شيء، اللوم على أجدادنا، من رجال العرب، الذين حملوا رسالة الإسلام والعروبة إلى هذا الوطن، فإنهم، عوضا عن أن ينكبوا على العمل لإكمال مهمتهم التاريخية المقدسة، شغلوا أنفسهم بالتطاحن على الغنائم وعلى مقاعد الحكم، وخلفوا في وطننا مشاكل اجتماعية لا يمكن أن نتجاهل مصدرها ، إذا كنا نريد أن نبحث عن الداء ونلتمس له الدواء."
وفي غمرة الانتشاء بالنصر، بعد عودة حفدة كتلة 1934، المعادين التاريخيين لأمازيغية المغرب، للمشاركة في ممارسة الحكم، بشر عبد الهادي التازي إخوانه العرب المشارقة، بمناسبة انعقاد "ندوة اتحاد المجامع اللغوية العربية" في الرباط في نونبر 1984، قائلا: "إذا كان لي ما ألخص به نجاح حركة التعريب طيلة ربع القرن الأخير من حياة المغرب المعاصر، فبهذه الكلمة القصيرة: إن ما حققته المملكة المغربية، بعد عودة محمد الخامس من منفاه، يفوق ما حققه المغرب عبر أحقابه التاريخية الطويلة، منذ أن فتحه عقبة بن نافع."
إنها مواقف صريحة تعلن، وباستخفاف قل نظيره، عن عدائها للوجود الأمازيغي في عقر داره، صادرة عن شخصيات تعد مرجعا في رسم معالم الهوية الوطنية للمغرب الرسمي وتحديد توجهات الدولة في السياسة والثقافة والتربية. لقد تحدثت عن المغرب، وكأنه مستعمرة عربية وغنيمة حرب، قررت إلحاقها بالمشرق العربي، بعد انتزاعها من الاستعمار الفرنسي. وها هم، اليوم، أنصارهم المشاركون في الحكم، يستحوذون على مؤسسات الدولة، بإمكاناتها البشرية والمادية والقانونية والسياسية، ويتخذونها، باسم الفكر العروبي، أداة لمحو ما تبقى من معالم الهوية الأمازيغية للمغرب. لقد أصبحت هيمنتهم على قطاعات التربية والثقافة والإعلام استعمارا ثقافيا مشرقيا مفروضا على المغرب.
وأمام هذه الحقائق التي تستفز مشاعر، بل وذكاء، ملايين المواطنين في أرضهم، لهم، هم أيضا، لغة وهوية وأرض وأجداد، تطرح المسؤولية التاريخية للحركة الأمازيغية. فليس لها من خيار سوى التعبئة والنضال من أجل معالجة ملف الأمازيغية سياسيا، في إطار تعاقد اجتماعي جديد، يعيد ربط خيوط التاريخ، فيستعيد الحاضر عمقه الأصيل. إن الخلفية التاريخية للمغرب تشهد، في ضوء قرون من الحياة المشتركة بين مختلف مكوناته، بقدرة المقومات الأمازيغية، وحدها، على ضمان الاندماج الاجتماعي للجميع، على قدم المساواة وبقطع النظر عن الخصوصيات العرقية أو اللغوية أو الدينية للمواطنين.
01 يناير 2957 / 13 يناير2007.

I - الديباجة:
1- الجذور التاريخية للهوية المغربية.( repères )

المغرب جزء من فضاء جغرافي واسع على امتداد شمال إفريقيا، عرف
في التاريخ بأسماء مختلفة نذكر منها: ليبيا، نوميديا، موريتانيا، بلاد البربر، تامزغا...
ولقد أهله موقعه الجغرافي، هذا، للتفاعل المنتج مع الحضارات الإنسانية المجاورة، وهو ما أفرز في النهاية شخصية متوازنة هي نسيج وحدها، تمارس التعددية والتنوع والاختلاف والتسامح والتضامن، وترفض، بالطبيعة، الأحادية والإقصاء والميز العنصري، لأن الانتماء إلى الوطن، في قناعتها، يقوم على الولاء للأرض وليس للدم أو العرق.
لقد ترسخت هذه القيم في واقعنا المغربي، لأنها تقوم على ثوابت متلازمة هي الأرض، مهد الحضارة الأمازيغية، والتاريخ، سجل ذاكرة التضحيات في سبيل استقلالها، واللغة، أداة التواصل في ربوعها، ثم الحرية التي تغذي باستمرار نزعة التحرر من كل ما هو مفروض. إنها ثوابت توفر، من جهة، للقيم الديمقراطية أرضية خصبة تضمن لها الانسجام والاستمرار وتشكل، من جهة أخرى، صخرة صلبة تتكسر عليها أحلام الغزاة الطامعين.
2- المؤامرة على الهوية الأمازيغية.
تعود أخطر حادثة مسار، تعرضت لها الهوية المغربية في العصر الحديث، إلى مطلع القرن العشرين، حيث توافقت فيه لأول مرة، منذ القرن الثامن الميلادي، مصالح المشرق العربي وأطماع الغرب اللاتيني، على تدمير العناد الأمازيغي الغيور على استقلاليته تجاه مختلف الغزاة، عبر التاريخ.
ولقد تجسد ذلك التوافق في التراضي على توقيع معاهدة الحماية الفرنسية لسنة 1912، أكسبت الاحتلال الاستعماري الفرنسي والإسباني للمغرب الشرعية الدولية، مقابل توليه تدمير المعارضة الشعبية للسياسة المخزنية الجشعة.
إن نتائج التوافق الاستراتيجي، بين المشرق العربي والغرب اللاتيني، هي التي تفسر، اليوم، عمق الجذور السياسية لإقصاء الأمازيغية من المؤسسات الرسمية. فالتدمير العسكري العنيف الذي تعرضت له القبائل الأمازيغية ما بين 1912 و1933، وصنع، سنة 1934، لنخبة سياسية من المدن التي أيدت معاهدة الحماية، والتوافق على أسس الاستقلال بإيكس ليبان في صيف 1955، ثم الإبقاء على المنظومة القانونية والإدارية والتربوية لنظام الحماية في ظل الاستقلال، كلها حلقات لسياسة واحدة، الهدف منها فصل الأمازيغية عن المجتمع، تمهيدا لقطع روابط الإنسان المغربي بهويته الأصلية.
II- المحطات التاريخية للإقصاء السياسي للأمازيغية.
إن الغربة الداخلية التي تعاني منها الأمازيغية، اليوم في أرضها، ليست نتيجة تطور ذاتي، بل هي تدبير سياسي مخطط له، تكاملت عناصره عبر محطات، مختلفة في سياقاتها التاريخية، لكنها متحدة في دوافعها وغاياتها.
1 ـ 1912-1933: التدمير العسكري الاستعماري للنظام الأمازيغي.
تمتد هذه المحطة من 1912 ، تاريخ توقيع معاهدة الحماية، إلى 1933 ، تاريخ سقوط آخر معاقل المقاومة الشعبية المسلحة ببوكافر وبادو وغرب الأطلس الصغير.
وتتميز هذه المرحلة بالتدمير العسكري للبنيات السوسيوثقافية والاقتصادية والسياسية للقبائل الأمازيغية، بالشمال والجنوب والوسط، بدون استثناء، لأنها، ولا واحدة منها أقبلت على سلطات الحماية أو استسلمت للاحتلال ما لم تهزم عسكريا.
وبينما هذه القبائل، المنهكة عسكريا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا، تتشبث بمقوماتها الحضارية العريقة من أجل الحياة، أدركت نخب من أبناء الأسر الأرستقراطية المدينية أهمية المرحلة التاريخية لانتزاع مكاسب سياسية ذات البعد الاستراتيجي. وبدعم من شخصيات سياسية أجنبية من سوريا ومصر، اغتنمت ظروف إصدار الظهير الشريف ل 16 ماي 1930، المنظم لسير العدالة بالقبائل ذات الأعراف الأمازيغية، لتلفيق تهم وهمية به، الغاية منها الإقصاء التام لتيموزغا من الحقل السياسي، وتكريس عزلتها عن الانخراط في دينامكية العالم المتحرك. لقد تعمدت، عن وعي، أن تقدم "البربر" في صورة المرتدين عن الإسلام لاعتناق المسيحية. ترددت أصداء تلك الحملة المضللة في أرجاء العالم الإسلامي، المحسوب عليه المغرب آنذاك، من الناحية الجيوستراتيجية، فلم يتأثر أحد لما كان يتعرض له "البربر" من التدمير والإبادة (ستمائة ألف شهيد). اشتد الحصار على القبائل الأمازيغية وانطوى الناس على أنفسهم، لا يجدون سندا يعولون عليه لفضح جرائم الاستعمار أمام الرأي العام الدولي.
ولتعميق عزلة القبائل الأمازيغية والنيل من هيبتها في أعين المخزن، تنازلت الدولة الفرنسية لإسبانيا عن منطقتي الريف والصحراء الغربية الإستراتيجيتين. أما في باقي المناطق الداخلية، فقد تعمدت سلطات الحماية عزل النخب السياسية الأمازيغية عن الاندماج في الدينامكية الجديدة التي ولدها نظام الحماية، وحرمان أبنائها من منافع التعليم العصري لإعداد نخب المستقبل وقادة الفكر.
وفي سياق الحديث عن نوايا السياسة الاستعمارية بخصوص تعليم "البربر"، أصدر روني أولوج، وهو واحد من منظري "ا لسياسة البربرية الفرنسية"، في كتاب له بعنوان "آخر أبناء الظل"، "حذر فيه فرنسا، في معرض حديثه عن سكان الأطلس الكبير، من ارتكاب خطأ فادح إن هي حاولت تثقيف أبناء تلك المناطق، ناصحا إياها بالاكتفاء بمدهم بالنعال والمحاريث بدل منحهم الشهادات، معتبرا أن البربري بدائي وينبغي التعامل معه على أساس هذه الحقيقة والتحدث معه عن الغنم والشعير والسكر والشاي بدل التعليم، لأنه إذا تثقف سيصبح من الصعب إرجاعه إلى الأشغال الفلاحية أو حانوت أبيه."
وتطبيقا لهذه السياسة العنصرية الإقصائية إزاء الأمازيغ، خصصت سلطات الحماية، في الثلاثينيات، إعدادية واحدة (un collège unique) بآزرو لكل الأطفال الأمازيغيين، بينما بذلت، مند البداية، جهودا جادة لإقامة ثانويات (Lycées) في عدد من المدن المغربية التي لم يكن عدد سكانها، آنذاك، يتجاوز 10% من مجموع سكان المغرب. وعن النتائج الملموسة لهذه السياسة التمييزية، القائمة على أساس الموقف من معاهدة الحماية، فقد كان أول فوج اجتاز البكالوريا في فاس سنة 1926، بينما كان أول تلميذ أمازيغي وحيد، حصل على البكالوريا سنة 1949، بفاس، بعد طرده من إعدادية آزرو، عقابا له على التحريض على إضراب التلاميذ سنة 1944. وقد تأكدت نتائج هذه السياسة العنصرية سنة 1956 ، حيث تم إحصاء 500 (خمسمائة) خريج من الجامعة بالمدن، مقابل 6 (ستة) أمازيغيين فقط.
إلى جانب حرمان الأمازيغيين من الاستفادة من المعرفة العلمية، كانت حصيلة 22 سنة من حرب التدمير العسكري الاستعماري للمقدرات الاقتصادية والمؤهلات البشرية للقبائل الأمازيغية، تتمثل في تجريدها من السيادة على مواردها الطبيعية، من أراض ومياه وغابات ومعادن وبحر، ثم التخطيط لها للانغلاق داخل بنيات عتيقة في ربوع المناطق المهمشة، من جبال وصحراء، المصطلح عليها بالمغرب غير النافع.
وبهذه النتيجة المأساوية التي كانت هدف حملة التدمير العسكرية، أصبحت الظروف مهيأة لإقامة نظام جديد (Ordre Un Nouvel)، يتجاذبه خطابان: أحدهما أوروبي حداثي، يتذرع بترقية البربر حضاريا، والثاني عروبي مشرقي، يدعي تخليص عقيدة البربر من بقايا الوثنية وحمايتها من التبشير المسيحي. أما الهدف فواحد: إنه السعي إلى اجتثاث جذور الأمازيغية المنغرسة في ضمير أبنائها، المنقوش عليه قولة ماسينيسا الشهيرة: "إفريقيا للأفارقة". إنه أصل الفوبيا التي ترعب الغزاة. وللتخلص من هاجسها، يضمرون الشر للأمازيغية ويعتبرون أرضها مستعمرة تابعة للموطن الأسطوري الذي هاجر منه الآباء العظام، مؤسسو الإمبراطوريات على أراضي الآخرين. لقد كانت، تحت الاستعمار، جزءا من "إفريقيا الفرنسية " وقد أصبحت، اليوم، في عهد الاستقلال، "مغربا عربيا" تابعا للإثنية العربية، بشبه الجزيرة العربية.
2 ـ 1934 إلى 1954: التوافق السياسي حول أسس النظام البديل.
ما كاد دوي القنابل والمدافع يهدأ في الجبال، حتى هب أبناء الأسر الأرستقراطية المخزنية، من مدن فاس وسلا والرباط وتطوان، لخدمة الأهداف السياسية لمعاهدة الحماية. عرضوا أنفسهم على حلفائهم في نظام الحماية لملء الفراغ السياسي الذي خلفه تدمير القبائل الأمازيغية وتنحيتها من الحياة السياسية. وفي أجواء الظروف الدولية غير المستقرة في أوروبا، سمحت لهم سلطات الحماية، سنة 1934، بتأسيس أول حزب مغربي يحمل اسم: "كتلة العمل المغربي" ( Le Comité d’Action Marocaine). وبصفتهم مؤيدين لمعاهدة الحماية، وضعوا، تحت إشراف وبمساعدة شخصيات فرنسية نافذة من اليمين واليسار، ما يسمى "بمطالب الشعب المغربي"، موجهة إلى سلطات الحماية بخصوص إصلاحات، في المجال الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والإداري والثقافي، كما تنص عليه معاهدة الحماية.
ففي المجال الثقافي الذي يهمنا هنا، أكد أصحاب المشروع، الذين يدعون أنهم يتكلمون باسم الشعب المغربي، عن "إلحاحهم على ضرورة احترام الوحدة الوطنية المغربية التي لا تقوم إلا على الهوية الثقافية العربية الإسلامية"، حسب تعبيرهم. وهو ما يعني بالملموس إقصاء الأمازيغية.
وبرفقة أعضاء من لجنة الإشراف الفرنسية (Le comité de patronage) تم تسليم دفتر المطالب إلى كل من السلطان المغربي محمد بن يوسف، والمقيم العام الفرنسي بالرباط، ووزير الخارجية الفرنسي بباريس. غير أن ظروف الحرب العالمية الثانية وآثارها على فرنسا من جهة، ثم انقسام أنصار نظام الحماية في المغرب، بين مؤيد للاستعمار ومعارض له، من جهة أخرى، أججت الصراع بين الطرفين، انتهى إلى نفي السلطان محمد بن يوسف سنة 1953، الأمر الذي سحب غطاء الشرعية عن نظام الحماية وفتح باب المقاومة المسلحة من جديد أمام الشعب المغربي.
3 ـ صيف 1955: إيكس ليبان وترسيم النظام البديل.
مع مطلع سنة 1955، كانت تقارير الاستخبارات الفرنسية التي ترد على الإقامة العامة، تفيد أن القبائل الأمازيغية تستعد لرفع سلاح المقاومة من جديد. ولمواجهة المأزق فتحت الدولة الفرنسية، ما بين 22 و27 غشت 1955 بإيكس ليبان، مفاوضات مع ممثلي حزب كتلة العمل المغربي، الذي انقسم إلى حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال.
وأثناء تلك المفاوضات التي أشرف عليها رئيس الحكومة الفرنسية Edgar Faure صحبة خمسة من وزرائه الأساسيين، تم رسم المستقبل السياسي للمغرب. توصل الطرفان إلى توافق يحفظ للدولة الفرنسية مصالحها في المغرب، مقابل اعتراف هذه الأخيرة لأحزاب الكتلة، بصفة المتحدث الرسمي، باسم الشعب المغربي، في المحافل الدولية، ثم تولي مراكز القرار في المغرب المستقل. وللتذكير، فهذه المفاوضات، وما نتج عنها من ترتيبات، كانت تتم في غيبة ملك المغرب الذي كان ما يزال في منفاه.
إن ترتيب الأوضاع على هذا الشكل، يعني بالملموس، على مستوى المقومات الهوياتية، الانتقال من نظام كانت تسود فيه، رسميا، اللغة الفرنسية وثقافتها، إلى نظام يقر أن الوحدة الوطنية المغربية، تتأسس على الهوية الثقافية العربية الإسلامية، كما جاءت به "وثيقة المطالبة بالإصلاحات"، لسنة 1934 ، التي ظلت تشكل مرجعية الأحزاب المتولدة عن "كتلة العمل المغربي". لنلاحظ الإقصاء الرسمي للأمازيغية، في ديارها، من الاهتمامات السياسية المؤسسة للمغرب المستقل، لأنها، حسب زعم أعدائها، عامل تفرقة.
4 ـ من 1956 إلى 1959: ردع الطموحات السياسية الأمازيغية.
إن الشروط السياسية التي تم فيها استقلال المغرب من جهة، وجاهزية النخب المدينية التي تلقت تكوينا عصريا مبكرا وراكمت، في ظل نظام الحماية، تجربة نسبية في مجالات التدبير السياسي والإداري والاقتصادي من جهة أخرى، أهلت تلك النخب ( 500 مجاز من المدينة مقابل 6 أمازيغيين سنة 1956) لتتولى مراكز القرار وتتحكم، بذلك، في تدبير الثروات الاقتصادية المسترجعة وتوزيعها، باسم الدولة، لصالح الأغنياء وأصحاب النفوذ. تخلت عن المغرب غير النافع ليواصل العيش في قرونه الوسطى، في مجالات التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعية .
وبهذا الإهمال، وجدت المناطق المهمشة طيلة عهد الحماية، نفسها، مرة أخرى، خارج اهتمام سادة المغرب الجدد. وفي خضم أجواء الصراع على السلطة، لما توفره لأصحابها من امتيازات ونفوذ، سادت الخيبة، في السنوات الأولى للاستقلال، وسط الفئات الشعبية. تحولت مناطق الأطلس والجنوب الشرقي والريف إلى بؤر للمقاومة السياسية، ضد هيمنة حزب الاستقلال على الحياة العامة، تطالب بحقها في تدبير شؤونها بنفسها. وعوضا عن مواجهة أسباب الخلل في سياسة الدولة، انطلقت حملة مضللة جديدة تستهدف الهوية الأمازيغية لتلك المناطق، متهمة إياها بالعمل على تقسيم الوحدة الوطنية. اتخذت أحداث الاحتجاج، ضد استبداد الحزب الوحيد، ذريعة لإطلاق سلسلة من الاعتقالات والمحاكمات في الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي، خلال سنوات 1957 و1958 و1959، ثم حملة عسكرية دامية بالريف سنة 1958.
انطوت هذه المناطق، مرة أخرى، على نفسها، مستسلمة مرعوبة، تتردى في الفقر والجهل، وينخر جسمها مختلف الأمراض الاجتماعية. كانت مجبرة على تأييد سياسة الحكومات المتعاقبة التي اتخذت مواردها الطبيعية، من أراض وغابات ومياه ومقالع ومناجم وبحر، وسيلة لإغناء النخب السياسية والإدارية، لا تجرؤ على معارضة ذلك النهب الممنهج، خوفا من أن تتهم بالعصيان ضد الدولة.
وبموازاة مع سياسة الإقصاء هذه، أعدت الدولة، ابتداء من سنة 1959، مخططات لتعريب التعليم والإدارة والحياة العامة. جاهرت الأحزاب التي نشأت في ظل الحماية الفرنسية، على أساس أرضية 1934، بعدائها للأمازيغية وتنافست في الدعوة إلى إبادة "اللهجات البربرية"، لأنها شاهد حي على أن المغرب ليس عربيا. تعمقت الجراح وساد الشعور بالخيبة من حصيلة الاستقلال الرسمي الذي دفعت من أجله، الثمن باهظا، المناطق الأمازيغية التي عانت، طيلة مرحلة الاحتلال، من ظلم الإدارة العسكرية الاستعمارية وقوانينها القمعية الجائرة. إنها نهاية الأوهام وبداية عهد الكتمان والتقيات.
5 ـ 1971-1972-1973: الأمازيغية تتحمل وزر أحداث سياسية دامية.
لقد أصبحت المناطق الأمازيغية، منذ السنوات الأولى من الاستقلال، خاضعة لحالة استثنائية واقعية (Etat d’exception de fait) . ولما حاولت الدولة تطبيع الأوضاع الداخلية، سنة 1970، وجدت نفسها مثقلة بآثار سنوات من السلوكات السياسية الشاذة، تناسل في ظلها الفساد الإداري بما ولده من استغلال النفوذ والمحسوبية والرشوة والتعطش إلى الثروة والسلطة. وفي خضم الصراعات التي أججتها مختلف تناقضات النظام (le système)، تدخل الجيش سنة1971 وسنة 1972 في محاولتين انقلابيتين فاشلتين للاستيلاء على السلطة. وفي سنة 1973، استغل التيار العروبي المدعوم من قبل أنظمة بعثية وقومية عربية، تذمر الشعب المغربي من سوء أوضاعه الاجتماعية فخطط "لانتفاضة شعبية مسلحة "، تفجرت شرارتها في الأطلس المتوسط والجنوب الشرقي.
ولأن جل قادة المحاولتين الانقلابيتين من أصول أمازيغية، كما أن مسرح أحداث 1973 مناطق أمازيغية، لم يكن من الصعب، على أعداء الهوية الأمازيغية للمغرب، تحديد مصدر الخطر على استقرار النظام. أبعدت الأطر الأمازيغية من المناصب الحساسة في الأمن والخارجية والمال والدوائر المحيطة بالملك. أحاطت الشكوك بكل ما هو أمازيغي طيلة ما تبقى من حكم الملك الحسن الثاني الذي دخل، بدوره، في تنافس مع التيار العروبي في الدفاع عن قضايا المشرق العربي بمشاكله المعقدة. تحولت الهوية الأمازيغية، خاصة في المدن، إلى تهمة بالتفرقة، والدعوة لها محاولة لإحياء "الظهير البربري" وعمالة للصهيونية والإمبريالية وغيرها من الشتائم التي أبدعها الإرهاب الفكري العروبي. أما النخب السياسية الأمازيغية، فلا يتم تقريبها إلا بقدر ما تبرهن عليه من فعالية في القدرة على حشد الدعم الشعبي، خاصة في المناطق الأمازيغية، لمخططات الطبقات الحاكمة.
على خلفية أحداث 1971 و1972 و1973 ، انتهى كل من القصر والتيار العروبي، بعد تحليلهما لنتائج هذه المرحلة ، إلى تسجيل تطور نوعي في التعبير عن الوعي الهوياتي بين النخب المثقفة الأمازيغية. استشعرا الخوف من هذه الظاهرة الجديدة فتوافقا، لأول مرة منذ الاستقلال، على تمهيد السبيل لإقامة مؤسسات دستورية، تتولى تأطير المجتمع ضمن إستراتيجية الأمة العربية، لأنها الكفيلة بتحويل "البربر" إلى أقلية، يتسنى تذويبها وسط وطن عربي، يمتد من الخليج إلى المحيط، ويمثل فيه المغرب "الموحد"، على أساس العروبة والإسلام، بوابته الغربية، يقف أمامها المغاربة "على أهبة للتضحية بالنفس والنفيس، خدمة للمصالح العليا للأمة العربية وقضاياها المقدسة."
وكخلاصة للمحطات السابقة ، يتبين أن إقصاء الأمازيغية، من فضاء المؤسسات الرسمية للدولة، تدبير سياسي هادف، تم التخطيط له وتنفيذه بوعي على مراحل، منذ توقيع معاهدة الحماية سنة 1912. وفي عهد الاستقلال، توسعت آثاره لتشمل المقومات الهوياتية، كان ثمن مواجهتها باهظا، خاصة في ظل الظروف الاستثنائية السائدة، آ نداك، في عالم مقسم بين الشرق والغرب، لا يعير اهتماما لقضايا الشعوب، إلا بقدر ما تخدم مصالحه الإستراتيجية. وهو ما لا ينطبق على الأمازيغية التي لم تكن تسعى إلا للتحرر من كل وصاية.
III– المعركة الديمقراطية للنخب المثقفة الأمازيغية.
1- المغرب وسؤال الهوية.
برزت على الساحة العمومية، مع أواخر الستينيات، الطلائع الأولى من النخب الأمازيغية المثقفة. ومع احتكاكها بالواقع السائد، اصطدمت بحقيقة الفوارق الصارخة التي تفصل بين المغرب النافع والمغرب غير النافع، من حيث التجهيزات الأساسية في المجالات المرتبطة بالتنمية. لاحظت أن جهات المغرب غير النافع الذي تنحدر منه، لا تحظى، رغم أوضاعها الاجتماعية المتدنية، باهتمام مخططات الدولة، إلا من حيث هي مصدر لليد العاملة والموارد الطبيعية من أراض خصبة ومعادن ومياه وغابات، أحاطتها بسياج من القوانين، تحرم ذوي الحقوق الأصليين من الاستفادة من عائداتها.
وعلى الواجهة الثقافية، تسارعت مع منتصف السبعينيات، وتيرة التعريب في التعليم والإدارة ووسائل الاتصال السمعي البصري، يدعمها خطاب رسمي يجعل من الثقافة المغربية جزءا من المنظومة الثقافية العربية المشرقية. وعلى الصعيد الدبلوماسي، ارتبطت السياسة الخارجية للدولة بمشاكل الشرق الأوسط، غنم المغرب منها، في نهاية المطاف، ولادة "جمهورية عربية" على أراضيه الأمازيغية، ردا على تورط دبلوماسيته، دولة وأحزابا، في حمئة الخصومات العربية/ العربية. وبسبب هذه التبعية تبنى المغرب الرسمي، تجاه محيطه الإفريقي والأوربي والأمريكي، دبلوماسية، تطبعها التناقضات، أضرت في النهاية بمصالحه البعيدة المدى.
انعكست الآثار الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية لهذه الوقائع على فكر الفعاليات الأمازيغية المثقفة، بشكل خاص، فكان عليها أن تجيب على الأسئلة المتصلة بالهوية والتعدد والاختلاف. وفي هذا السياق، وجدت مع مطلع الثمانينيات، في الجامعة الصيفية لأكاد ير، خير فضاء لانطلاق حركة فكرية وفنية أمازيغية، وضع أسسها رواد الحركة الأمازيغية.
2- بناء الخطاب الأمازيغي.
وجد رواد الحركة الأمازيغية، من فعاليات جمعوية وباحثين وفنانين، أنفسهم، من جهة، في ظروف سياسية هامش الحرية فيها محدود، ومن جهة أخرى، أمام هيمنة خطاب القومية العربية بشقيه العلماني والسلفي. آمن أولئك الرواد بأن خوض المعارك الديمقراطية يقتضي التوفر على خطاب، يتوجهون به إلى الرأي العام في الداخل والخارج، تظهر من خلاله عدالة القضية، وما ستضيفه من قيم إنسانية لتعزيز الروح الديمقراطية والسلم في العالم. وضعوا معالم مشروع فكري، يستقي مقوماته من مختلف مصادر العلوم الإنسانية والاجتماعية، من أدب ولسانيات وتاريخ وجغرافيا وأنتروبولوجيا وسياسة.
فعلى سبيل المثال، عمل اللسانيون الأمازيغيون، وعلى رأسهم بوجمعة هباز، على تأكيد وحدة اللغة الأمازيغية، وفق قواعد العلوم اللسانية. و بهذا، كانوا يتصدون للإيديولوجية الاستعمارية التي تقسم هذه اللغة إلى لهجات متعددة، تتخذها ذريعة لتزكية تقسيم السكان إلى اتحادات وقبائل وعشائر، يحتل كل منها مجالا لغويا واقتصاديا محددا، تحت وصاية الإدارة الاستعمارية.
وإلى جانب اللسانيات، حظي التاريخ باهتمام خاص، جعلوا منه مفتاحا للتعريف بالقضية الأمازيغية، التي تمتد جذورها من العصور القديمة إلى تجلياتها اللغوية والثقافية الحاضرة، حتى اليوم، في الحياة اليومية للمغاربة. غير أن جل ما كتب عن المغرب كان من عمل الباحثين الأجانب، نادرا ما كانوا يدخلون الخصوصية الأمازيغية في تحليلهم لتاريخه، عذرهم في ذلك، أنهم في دراساتهم يعتمدون على مصادر، يقرها التاريخ الرسمي، كما كتبه الغزاة لتبرير انتصاراتهم، تارة، على البربرية والتوحش، وتارة أخرى، على الوثنية والكفر.
ولتدارك ذلك الفراغ، أسس الباحثون الأمازيغيون، وعلى رأسهم صدقي علي أزايكو، لمقاربة جديدة تتحرى الموضوعية في تحليل تاريخ المغرب. كانت تعتمد مختلف المصادر والوثائق التي يقرها المنهج العلمي، لإبراز حقيقة العديد من الوقائع والأحداث التاريخية، بعد تخليصها من الأساطير والتأويلات الإيديولوجية.
3- الوعي بأهمية التنظيم.
مع مطلع التسعينيات، وتحت تأثير الحركة الفكرية، تحددت معالم إستراتيجية أمازيغية، تقوم على وحدة الثوابت من أرض وتاريخ ولغة ثم القيم الديمقراطية، كمنطلقات لبناء أدوات النضال في عصر يرفض الانغلاق والانعزال مهما كانت الدوافع.
من هذا المنظور الاستراتيجي، أصدرت ست جمعيات أمازيغية، من جنوب المغرب ووسطه وشماله "ميثاق أكادير" في غشت 1991، تطالب فيه الدولة بالاعتراف بالحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية والعمل على النهوض بها. شكل ذلك الميثاق أرضية، توحدت حولها الجمعيات الأمازيغية التي تزايد عددها عبر مختلف المناطق المغربية من مدن وقرى، كما شمل الجامعات حيث ظهر فصيل أمازيغي داخل الحركة الطلابية. أما على الواجهة الإعلامية فقد ظهرت جرائد ومجلات، يتحدث فيها الأمازيغيون عن أنفسهم بكل اللغات ومن بينها الأمازيغية التي اكتسبت، بالمناسبة، وضع اللغة المكتوبة.
أما على المستوى تطوير التنظيم، فقد التأمت كل الجمعيات في إطار المجلس الوطني للتنسيق تولت تسييره قيادة وطنية منتخبة. وعلى امتداد عقد التسعينيات التي يشكل فيها "ميثاق أكادير" (1991) أهم حدث من حيث التنظيم، سيعمل هذا المجلس على التأسيس لبناء إستراتيجية لتفعيل التنسيق بين مكوناته، التي لم تتوقف عن التوسع في التنظيم، والتنوع في الأهداف والوسائل، بحسب نضج التجربة بين الفاعلين. كانت الغاية من تلك الإستراتيجية، هي الضغط على الدولة لتطوير موقفها من الأمازيغية وفق الأهداف المرحلية والتوجهات التي توافقت حولها الجمعيات في إطار التنسيق الوطني.
4- البحث عن الامتداد السياسي للمطالب الثقافية.
وبسبب ردود الفعل المناوئة للتعبير عن تلك الحقوق المشروعة، تولد، داخل الحركة الأمازيغية، شعور قوي بإدانة النخب الحاكمة وأحزابها، لتخليها عن واجبها تجاه الأمازيغية التي احتضنتهم لقرون، بل الأدهى أنها، من مواقعها الرسمية في الدولة، تخطط لتصفيتها من الوجود. ومن هذا الشعور تدفقت إرادة النضال من أجل تدارك الزمن الضائع. تزايد الاحتجاج وتوسع، أمام تنكر الدولة للحقوق اللغوية والثقافية. وفي فاتح ماي 1994، بمناسبة اليوم العالمي للعمال، رفعت جمعية تيللي لافتات تطالب بالاعتراف الرسمي بالأمازيغية. ردت عليها الدولة بالاعتقال والمحاكمة. ومع هذا الحدث، كانت الحركة تواجه أول اختبار سياسي لها، خرجت منه بمكاسب سياسية أكدت شرعية مطالبها. تم إطلاق سراح معتقلي تيللي وتخصيص حصة محدودة للأخبار، في التلفزة، بما يسمى "نشرة اللهجات"، ثم وعد من الملك الحسن الثاني، في خطاب رسمي، بتدريس "اللهجات البربرية".
من تجربة تفاعل الحركة الثقافية الأمازيغية مع المواقف الرسمية للدولة، تولدت لدى نشطائها قناعة، مفادها أن الطرح السياسي للقضية بات السبيل الذي تبقى أمامهم، للدفع بالقضية إلى واجهة الساحة العمومية، لإثارة اهتمام الرأي العام الوطني والدولي، إلى سياسة الدولة المبرمجة لمحو الأمازيغية وإحلال العروبة محلها. ومع ذلك ظل المناضلون الأمازيغيون يعملون على إشعار مختلف الدوائر السياسية، بجدية القضية وخطورة تجاهلها، إرضاء للسياسة الجارية داخل الحلقات الحزبية الضيقة.
وفي هذا السياق، تعددت محاولات المجلس الوطني للتنسيق في إصدار البيانات ورفع المذكرات إلى الجهات الرسمية. كان أهمها مذكرة إلى القصر الملكي سنة 1996 للمطالبة بدسترة الأمازيغية. غير أن عدم تجاوب مؤسسات الدولة مع مبادرات الحركة، سيجعل هذه الأخيرة تدخل، بعد صدمتين تلقتهما سنة 1997، مرحلة من التأمل وإعادة التفكير في أساليب عملها، باحثة عن صيغ جديدة تتناسب مع طموحاتها في التنظيم وتدقيق أهداف المرحلة.
ومن قلب هذه الفترة التأملية، وبعد حوالي سنتين من نقاش داخلي، انصب على تحليل ونقد التجربة السابقة، صدر في مارس 2000 البيان الأمازيغي الذي يحمل توقيع 229 شخصية أمازيغية من المجتمع المدني. شكل صدوره حدثا هاما في الظروف السياسية القائمة آنذاك في المغرب، كما أثار ردود فعل في مستوى أهميته. رأى فيه المتتبعون للشأن الأمازيغي أرضية لحركة سياسية أمازيغية ناشئة. لقد قدم قراءة جديدة للتاريخ المغربي، تصور معاناة الأمازيغية مع الدوائر المخزنية التقليدية ثم مع الاستعمارين الفرنسي والاسباني. وللخروج من سلبيات الماضي الأليم، دعا في مطلبه الأول إلى جعل الأمازيغية، في مظاهرها المختلفة، موضوع حوار وطني، نتوصل من خلاله نحن المغاربة، وعلى أسس المنهج الديمقراطي، إلى حلول للمطالب الثمانية الأخرى. ولتحضير آليات هذا الحوار الوطني، عن الجانب الأمازيغي، عقد الموقعون مؤتمرا تنظيميا لانتخاب لجنة البيان الأمازيغي، تضمنت تمثيلية متساوية للكتل الأمازيغية الثلاث. ومباشرة بعد هيكلتها، تنقل أعضاؤها في ربوع المغرب لشرح أبعاد المبادرة وحشد الدعم الشعبي لها.
لقد كانت تنقلات اللجنة وغيرها من اللقاءات الوطنية والجهوية، مناسبة لطرح مسألة التنظيم السياسي، كأداة، لتحقيق المطالب التي من أجلها، قدمت الحركة الكثير من التضحيات، لم تنل من عزيمتها، بل على العكس زادتها صلابة وإصرارا، لأن القضية عادلة، وقد أصبحت تحظى بتفهم المنظمات العالمية المهتمة بحقوق الإنسان والشعوب.
5-الوعي الأمازيغي وتجاوز حدود الوطنية.
Conscience Amazighe et Transnationalité
لقد أدى تنامي الوعي بالهوية والمطالب الأمازيغية في كثير من دول تامازغا (شمال إفريقيا)، خصوصا المغرب والجزائر وليبيا، وبلاد الطوارق، بالإضافة إلى جزر الكناري وبلدان المهجر، أدى إلى ظهور تنسيق بين الفاعلين الأمازيغيين بهذه البلدان، لتوحيد الجهود من أجل تحقيق المطالب الأمازيغية كهدف موحد ومشترك. وقد تحول هذا التنسيق، ابتداء من صيف 1995، إلى منظمة عالمية تتحدث باسم الأمازيغيين، وتدافع عن حقوقهم وتعرف بقضيتهم على الصعيد الدولي. هذه المنظمة هي "الكنكريس العالمي الأمازيغي" الذي تأسس في سبتمبر 1995 بفرنسا. وقد استطاعت هذه المنظمة أن توصل صوت الأمازيغيين إلى المحافل الدولية كالاتحاد الأوربي والأمم المتحدة التي طالبت لجنتها الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المغرب، بالاعتراف الدستوري الرسمي باللغة والهوية الأمازيغيتين، كما جاء في تقريرها للدورة 36 المنعقدة في ماي 2006 بقصر الأمم المتحدة بجنيف. كما بعث الكنكريس في يونيو 2006، ولأول مرة كذلك، رسالة إلى ملك المغرب محمد السادس يطالبه فيها بالترسيم الدستوري للغة والهوية الأمازيغيتين في التعديلات الدستورية القادمة.
إن الكنكريس يجسد تجاوز الوعي الأمازيغي للحدود القطرية، وتحوله إلى وعي هوياتي أمازيغي أكثر عمقا وشمولا، عموديا وأفقيا، مرتبط ومنطلق من وجود شعب أمازيغي وأمة أمازيغية، توحدها الهوية واللغة والتاريخ والجغرافيا، رغم توزعها على عدة أقطار، صنعها الاستعمار القديم والجديد. وما انعقاد هذا الكنكريس بالناضور سنة 2005، إلا مكسب تاريخي للحركة الأمازيغية.
6-فشل السياسة العروبية للدولة في احتواء مسيرة الأمازيغية.
Echec de la politique arabe de l’Etat pour endiguer la marche de l’amazighité
تأكدت، مع مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ولادة وعي هوياتي أمازيغي منظم، استشعرت معه السلطة السياسية جدية تلك الحركة الناشئة. فكان عليها أن تفكر في طريقة تتظاهر فيها بالاستجابة للمطالب الأمازيغية، مع الحرص على ألا يصل انفتاحها إلى حد المس بجوهر أهدافها الإستراتيجية في تعريب الإنسان والأرض. فهي تنطلق من أن التعامل الرسمي مع الأمازيغية يجب أن يقوم على اعتبارها تراثا عريقا لكنه قديم، يتم التعبير عنه من خلال تظاهرات فنية فلكلورية لا صلة لها بحياة الناس اليومية. وهو بالضبط التوجه الذي يعارضه الأمازيغيون،لأن الحضارة الأمازيغية واقع معيش في الحياة اليومية، أدى الثمن، من أجل تأكيده، الكثير من المناضلين نذكر من بينهم قادة جمعية تيللي يوم فاتح ماي 1994.
ولمواجهة تنامي الاحتجاج، أعلن الملك الحسن الثاني، في خطابه بمناسبة 20غشت 1994، عن قرار تدريس ما أسماه "باللهجات البربرية". كان الإعلان في حد ذاته حدثا تاريخيا، شكل هزة في الأوساط العروبية المستفيدة من إقصاء الأمازيغية، كما نجح سياسيا في خلق نوع من "التهدئة" والترقب وسط الحركة الأمازيغية، نتيجة الآمال التي بعثها في نفوس الكثيرين الذين رأوا، في مستوى صاحب القرار ومناسبة الإعلان عنه، بداية القطيعة مع سياسة الإقصاء الذي اتخذ، خاصة مند أحداث السبعينيات الدامية ، شكلا ممنهجا ، تحملت الأمازيغية، كهوية، آثارها السياسية. ولم يمض وقت طويل ، حتى تيقن الأمازيغيون أنه القرار الملكي الوحيد الذي ظل حبرا على ورق، دون أن يعرف طريقه إلى التنفيذ.
وفي مارس 2000 ، صدر"البيان الأمازيغي" الذي دعا إلى "ضرورة الاعتراف الرسمي بأمازيغية المغرب". لقد كان مناسبة لإثارة نقاش واسع ، في الساحة الوطنية، حول الخلفية السياسية والتاريخية لموقف المؤسسات الرسمية من الأمازيغية، كما أبان عن حس سياسي بطرحه ملف الأمازيغية في ظروف أعلن فيها العهد الجديد عن إرادته في إقامة المجتمع الديمقراطي الحداثي. ولم يتأخر الجواب.
وفعلا، اعترف الملك محمد السادس، في خطاب العرش بتاريخ 30 يوليز2001 بالطابع المتعدد للمكونات المندمجة في الهوية المغربية، مركزا على الأمازيغية كأهم عنصر فيها. وفي خطاب رسمي "بأجدير" بتاريخ 17 أكتوبر2001 ، أعلن، بحضور كبار رجالات الدولة وقادة الأحزاب السياسية والنقابات والعلماء وممثلي المجتمع المدني، عن صدور ظهير يحدث بموجبه معهد، يتولى الحفاظ على الأمازيغية والنهوض بها وتعزيز مكانتها في المجال التربوي والاجتماعي والثقافي والإعلامي. كان إصدار ذلك الظهير، في تلك الظروف، تعبيرا عن موقف ايجابي من الأمازيغية، خاصة وأنه كان أول نص قانوني مكتوب يحدد، ولو بشكل مجمل، الالتزامات والأهداف والأدوات والوسائل المادية والبشرية اللازمة للقيام بالمهام المسندة للمعهد. وبالرغم من تحفظات جزء من الحركة الأمازيغية، إزاء فعالية هذه المؤسسة، ذات الطبيعة الاستثنائية، إلا أن النخبة الطلائعية للحركة، عموما، رحبت بها واعتبرتها اعترافا رسميا بالأمازيغية من أعلى سلطة في البلاد. وبخصوص عامة الأمازيغيين، فقد لمسوا من خلالها بداية مصالحة وطنية مع الثقافة واللغة والهوية الأمازيغية.
ولم يمض أكثر من سنة على انطلاق أشغال مجلس إدارة المعهد، حتى بدأت تظهر قرائن قوية تشير إلى صلابة الإرادة السياسة المضادة والمصممة على عرقلة كل مبادرة رسمية، تهدف إلى إدراج الأمازيغية في المدرسة والجامعة، وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني.
فعلى مستوى وزارة التربية الوطنية، لم يتعبأ المسئولون لوضع إستراتيجية وطنية تحدد الحاجيات التي يتطلبها إدماج الأمازيغية وحضارتها في المنظومة التربوية، وهو ما يعني بالضرورة، قبل كل شيء، تطهير البرامج المدرسية من الأكاذيب التي تمس بالشخصية الأمازيغية، ثم رصد الوسائل القانونية والتربوية والبشرية والمادية التي يتطلبها إنجاح المشروع. إن تسييس قطاع التربية الوطنية، وفق المنظور العروبي المتعصب والمفروض بأساليب الإرهاب الفكري، منذ السنوات الأولى للاستقلال، يقف سدا منيعا في وجه كل محاولة للإصلاح من أجل دمقرطة التعليم وتحديثه. فعلى سبيل المثال، ما أن انطلقت مبادرة تدريس الأمازيغية، حتى تحولت إلى عبث واستخفاف على مستويات مختلفة من المسئولية. بل، إن الكثير من المسئولين لا يخفون تساؤلهم عن جدوى العملية برمتها، معتبرين إياها ضياعا للوقت.
أما بخصوص وزارة الاتصال، فهي تتعامل مع الأمازيغية من زاوية إثنوغرافية، كما كانت الإثنوغرافية الاستعمارية تفعل مع الخصوصية " البربرية " بهدف ترويض الأهالي. إن المنظرين الإثنوغرافيين الجدد يحرصون على تمييز أنفسهم عن البيئة الثقافية المغربية الأصلية. فهم يسخرون وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية لتقديم الأمازيغية، انطلاقا من المنظور الفلكلوري، كثقافة بدائية جامدة تنتمي إلى عالم قروي يعيش على هامش التحولات التي يعرفها المجتمع في اتجاه الحداثة والانفتاح. وعندما تضطر إلى إظهار اهتمامها بالأمازيغية العميقة، تنتقي نماذجها من الفلاحين والرعاة والصناع والنساء والفنانين والشعراء... تضطرهم إلى التعبير باللغة العربية التي يجهلون قواعدها والغريبة عن مجالات اهتماماتهم، فيظهرون بالمظهر الركيك الذي يثير السخرية لدى المشاهد والمستمع. إنه أسلوب مغرض، يهدف إلى ترسيخ دونية الثقافة الأمازيغية في ذهن المتلقي ، الأمر الذي يبرر موقف وزارة الاتصال من جدوى الإنفاق على إنتاجات تصفها بالهزيلة. وفي المقابل، تضاعف من جهودها في الزيادة من عدد القنوات التلفزية بالعربية، لمواجهة تنامي حاجة المجتمع إلى التعبير وحقه في الخبر والترفيه والتثقيف. إن معيار نجاح وزارة الاتصال، في عرف خصوم الأمازيغية، يتحدد في قدرتها على تأطير وسائل الإعلام السمعية البصرية العمومية لخدمة أهداف سياسة التعريب، ولا شيء غير ذلك.
وعلى صعيد الفضاء الاجتماعي والحريات العامة، يعتبر التصريح بممارسة أنشطة ثقافية أو سياسية في إطار أمازيغي، واستعمال تيفيناغ في واجهات المحلات التجارية وفي المراسلات البريدية والوثائق الرسمية، وتوسيع استعمال اللغة إلى مختلف الإدارات التي يحتاجها العموم، كلها أفعال تصنفها السلطات العمومية ضمن الدعوة إلى التمييز، فتقابلها بالرفض والإلغاء. والأدهى أنه حتى الحق الطبيعي في تسمية الأبناء، خاضع لرقابة وزارة الداخلية.
شلت أعمال المعهد بسبب قصور وسائله القانونية على إنجاز المهام الموكولة إليه، خاصة منها تلك المتعلقة بالحفاظ على التوازن الثقافي واللغوي للمجتمع الذي يشهد خللا ممنهجا، على حساب الأمازيغية، كما رتبته سياسة التعريب.
كلها وقائع من الممارسة الفعلية، تشهد بأن الدولة، في توجهاتها الجديدة بخصوص الأمازيغية، لا تستند إلى سياسة واضحة وصارمة، بشأن تدبير التعدد اللغوي والتنوع الثقافي. فهي تفتقر بالأساس إلى منظومة قانونية، تحمي الأمازيغية وتعيد لها الاعتبار وتحدد المسؤوليات ثم تلزم مختلف الأجهزة التنفيذية بالقيام بواجباتها، تجاهها، تحت طائلة المحاسبة والجزاء عند الاقتضاء.
على خلفية هذا المناخ المتأزم، يكتسي قرار الانسحاب الجماعي، لسبعة أعضاء، من مجلس إدارة المعهد أهميته السياسية. لقد كان مناسبة لانطلاق نقاش علني، على الساحة العمومية، حول الأمازيغية في علاقتها بمراكز النفوذ في الدولة، سواء منها تلك التي ينص عليها الدستور أو تلك التي توجد في الظل، لكنها تمارس التأثير الحاسم في تحريك خيوط الشأن العام. وقد تمخض النقاش حول الحدث عن ثلاث حقائق ، تشكل في تقاطعاتها أصل الأزمة التي تواجهها الأمازيغية في علاقتها بالمؤسسات الرسمية.. أولها تسليط الضوء، أمام الرأي العام، على دور القوى المعادية بالتقليد للأمازيغية والمندسة في ثنايا الدوائر المخزنية ومراكز القرار في الدولة والتي تستغل مواقعها لعرقلة أي قرار رسمي يسمح بتحرير الأمازيغية وتوحيدها. أما الحقيقة الثانية، فهي وجود، في المقابل، قوى اجتماعية مصممة، تتشبث بحقوقها الهوياتية وتساهم ، بمواقفها الثابتة، في توثيق العلاقة بين الوعي الديمقراطي والأمازيغية. وفي الأخير، قدم الانسحاب، بصرامته وهدوئه أمام الحملة التي رافقته، دليلا على عدم جدوى الأساليب التقليدية للدولة، لاحتواء المد التحرري الأمازيغي، لكونه أصيلا في ولادته، يحمل هموم المجتمع وتطلعاته.
وباستعراض المحطات الأساسية التي رافقت مسيرة الحركة الأمازيغية، منذ أحداث 1994، يتبين أن المقاربة الرسمية لملف الأمازيغية كانت، وما تزال ، تمثل نوعا من "السياسة البربرية الجديدة"، غايتها تهدئة الحركة الأمازيغية واحتواؤها، ريثما تتحقق الأهداف الإستراتيجية لسياسة التعريب، على مستوى الحياة العامة والاجتماعية، التي أصبحت شاملة، ثم الخاصة. إنه الواقع الذي يعيشه الأمازيغ بالملموس. أما الخطاب عن النهوض بالأمازيغية، فهو من قبيل الأوهام التي تغذي الانتظارية. إن السلطات الحاكمة حريصة على جعل المطالب الأمازيغية مطالب ثقافية، ضمن المنظومة الثقافية العربية، لا تجد حرجا في الاستجابة لكل ما لا يمس، منها، بأسس التبعية إلى المشرق العربي، المفروضة على المغرب. إنه التوجه الذي ترفضه الحركة الأمازيغية في مجمل مكوناتها وتقاطع التعامل معه، لاقتناعها أن الدولة إنما تعالج ملف الأمازيغية من منطلق أمني، بينما هي قضية سياسية تتطلب معالجتها إرادة سياسية صارمة، تقوم على التشاور مع هذه الحركة، وفق المنهجية الديمقراطية السليمة وليس بفرض الحلول الجاهزة.
IVََ- المضمون السياسي للهوية الأمازيغية.
1-تمهيد.
إن تنامي الوعي الديمقراطي بين النخب الأمازيغية، من جهة، وتمادي الدولة، من جهة أخرى، في التنكر للحقوق الأمازيغية، ساهم، بفعل الاحتكاك المتوتر مع المؤسسات الرسمية، في إنتاج خطاب تعبوي، يتميز بطغيان الطابع المطلبي عليه، كما تشهد بذلك مختلف الوثائق والبيانات الصادرة عن الحركة الأمازيغية من ميثاق أكادير(1991) إلى البيان الأمازيغي (2000) مرورا بمذكرات المجلس الوطني للتنسيق وبيانات الحركة الطلابية.
وقد يبدو الأمر طبيعيا إذا استحضرنا أن تغييب الحقوق، يستدعي المطالبة باستردادها والاعتراف بها. غير أن استمرار الطابع المطلبي في خطاب الحركة الأمازيغية منذ ظهورها، يدعو، في ضوء حصيلة سنوات من الممارسة النضالية، إلى التساؤل حول مدى فعالية ذلك النهج في تحقيق النتائج المرجوة، لما يثيره من ملاحظات أهمها:
أ-أن المطالب الأمازيغية، بتعددها وتنوعها، تبدو وكأنها لا حد لها تنتهي عنده، ولا سقف تقف عنده، يشكل هدفها النهائي.
ب-أن تقديم المطالب في شكلها المتعدد والمتشعب، لا يساعد على التأثير في ميزان القوى لصالح الهوية الأمازيغية للمغرب والمغاربة. فعلى فرض أنه تم إقرار الأمازيغية لغة رسمية في الدستور، وهو أقصى مطلب تدافع عنه الحركة الأمازيغية، فإن ذلك لن يغير شيئا من الانتماء الهوياتي السياسي والإيديولوجي للمغرب، كدولة عربية إسلامية، جزء من المغرب العربي وعضو في جامعة الدول العربية.
ج- أن الاستجابة الجزئية لبعض المطالب الأمازيغية، لا تحدث أثرا ملموسا في الحياة المدنية ولا الرسمية للمجتمع ، تسمح بالتفاعل الإيجابي بين المغاربة، من حيث التعبير اللغوي والحضاري عن الهوية الأمازيغية للمغرب. فتخصيص حصة محدودة للأخبار بالأمازيغية في التلفزة، وإقرار تيفيناغ، ثم ادعاء تدريس الأمازيغية،على سبيل المثال، كلها إجراءات تبدو وكأنها جزر معزولة في محيط من التعريب، لا رابط بينها، منعدمة الأثر في الواقع.
غير أنها، بالنسبة للسلطة الحاكمة، تؤدي وظيفة سياسية، إذ يتم تقديمها إعلاميا على أنها تنازل من الدولة لتلبية مطالب الحركة، فتنطوي هده الأخيرة على نفسها، في نقاش داخلي، لتقييم الحدث. تتعطل طاقتها النضالية إلى حين إعادة تنظيم صفوفها، فيبدأ شوط جديد من المطالبة بما يتناسب مع الظرف القائم والفاعلين الجدد.
د ـ في ضوء الملاحظات السابقة نخلص، إلى أن تعدد المطالب وتشعبها يكشفان عن حقيقة، مفادها أن الحركة الأمازيغية لم تطرح، بوضوح وبشكل فعال، قضية الهوية الأمازيغية في علاقتها بالسلطة السياسية؛ وهو ما سوف يميز المطالب الإستراتيجية الأساسية عن المطالب العرضية الظرفية. كما أنه، من شأن هذا الطرح، أن يمنح تلك المطالب المعقولية والانسجام، ويؤطر مسارها نحو غاية معلومة، لا تحتمل التأويل، مصدر التوترات والاختلافات غير المنتجة.
والأخذ بهذا الطرح، يقتضي تحديد موقف الحركة الأمازيغية من الانتماء الهوياتي للدولة المغربية، والارتباط الصريح للسلطات الرسمية على مختلف مستوياتها بالهوية الأمازيغية، ثم استقلالية الإسلام عن العروبة.
إن تحديد موقف الحركة بوضوح من هذه القضايا، هو أساس بناء أرضية عامة، تشكل الإطار المرجعي لمطالبها.
2-الثوابت المرجعية الإستراتيجية للمطالب الأمازيغية.
أ- مسألة الإنتماء الهوياتي للدولة المغربية.
يبرر الخطاب الأمازيغي المطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية بتوفير الحماية القانونية لها، مما يسمح باستعمالها في الإدارات والوثائق الرسمية، لكنه يقف مضطربا لتفسير السبب المعقول الداعي لذلك الاستعمال في الإدارات والوثائق الرسمية. ولمزيد من التوضيح، نتخذ أمثلة غيرنا، يبدو فيها السبب بسيطا وبديهيا. فعلى سبيل المثال، نعلم أن اللغات الفرنسية واليابانية والعربية لغات رسمية بكل من فرنسا واليابان والمملكة السعودية، والسبب في ذلك أن الأولى بلد فرنسي والثاني بلد ياباني والثالثة بلد عربي. وقياسا على هذه الأمثلة، تصبح المطالبة بترسيم اللغة الأمازيغية بديهية إذا اعتبرنا، كمرجعية مسلم بها، أن المغرب بلد أمازيغي.
وللحسم في هذه المسلمة، سنحاول تخليص مفهوم "الهوية" مما لحق به، منذ ظهور المطالب الأمازيغية، من أخطاء وما علق به من مغالطات وما لفه من لبس وغموض.
في البداية، نبادر إلى التأكيد على أن الهوية لا تتأسس على الدم والأصل العرقي للإنسان، بل يكتسبها من الموطن الذي يقيم فيه على وجه الدوام والاستقرار، ويتخذه وطنا له، ولو كان ينحدر من غير عرق السكان الأصليين لذلك الموطن. ولنا في فرنسا واسبانيا خير مثال. إن فرنسي الهوية اليوم، هو كل من اتخذ الأرض الفرنسية وطنا له، بقطع النظر عن أصله العرقي. كما أن كل اسباني يعتز بهويته الإيبيرية، رغم أن الكثير منهم تجري في عروقهم الدماء الأمازيغية والعربية نتيجة قرون من تواجد الأمازيغ والعرب بهذا البلد.
وبهذا الصدد، نذكر بأن هناك دولا تتعدد فيها الهويات (بالجمع)، وهي ظاهرة طبيعية تجد تفسيرها في كون الوطن الواحد يتألف من أقاليم متعددة، تتميز أساسا بحدودها الجغرافية واللسانية. ولنا مثال لذلك في كندا بهوياتها الأصلية والأنجلوسكسونية والفرانكفونية، كما في بلجيكا بهوياتها الوالونية والفلامانية والجرمانية. إنها صور لهويات متعددة داخل وطن واحد، تتطابق مع فضاءات جغرافية محددة وخصائص لسانية وثقافية متميزة.
لكن هذا التعدد لا ينطبق على الهوية (بالمفرد) الواحدة. فمن المغالطات المرتبطة بمفهوم الهوية بالمغرب، القول بأن هذه الأخيرة متعددة بتعدد الأصول العرقية للمغاربة: فهناك، على هذا الأساس، الهوية الأمازيغية والهوية العربية والهوية الإفريقية والهوية الأندلسية، واللائحة قد تطول، يستغلها كل من يرغب في التميز عن الآخرين بخاصية، قد تكون بيولوجية أو عقائدية أو أسطورية.
إن العبرة في النهاية وفي جميع الحالات، تكون بالموطن الذي يكسب المواطنين هويتهم وليس أصلهم العرقي.
ب ـ مسألة الارتباط الصريح للسلطات الرسمية المغربية، على مختلف مستوياتها، بالهوية الأمازيغية.
سبق أن وضحنا أن معاهدة الحماية (1912) وفرت الشرعية القانونية للحملة العسكرية الاستعمارية لتوجيه الضربة القاضية للنظام الأمازيغي الذي ظل، بفضل مقوماته الحضارية، يشكل حصنا منيعا ضد الأطماع الأجنبية، بقطع النظر عن الأصل العرقي للأسر والنخب الحاكمة، التي تقدمها مختلف الوثائق الدولية كممثلة لبلاد البربر (la Berbérie) التي تعتبر إلى جانب الإمبراطورية العثمانية (L Empire Ottoman) وبلاد الفرس (La Perse) الأطراف الأساسية للعالم الإسلامي، مقابل ما كان يعرف بالعالم المسيحي. إلى جانب هذه المصطلحات، اعتمدت وثائق أخرى مصطلح المشرق (Le Levant) فضاء لساكنته من العرب والترك والفرس، لتمييزه عن بلاد البربر (La Berbérie) بساكنتها التي تنعتها، تارة بالبربر وتارة أخرى بالأهالي (les indigènes) .
كما أن الاعتماد على القانون الدستوري الحديث، يطلعنا على أن العناصر الأساسية للدولة تتحدد في الأرض والسكان والسلطة الحاكمة. فإذا كانت الأرض أمازيغية والساكنة أمازيغية استخلصنا بالبداهة أن السلطة، على مختلف مستوياتها، عندما تكون وطنية، يتوجب أن تنسجم مع الأرض وساكنتها. وهو ما يعني أن تعلن أمازيغيتها لتكريس قيمتها الرمزية داخل الوطن وخارجه، أسوة بأمم الأرض التي تعتز بإعلان هويتها المميزة لها، نذكر منها على سبيل المثال: الهوية الأمريكية والصينية والكورية والألمانية والروسية...الخ والتي تترجم، على أرض الواقع، حقائق جغرافية وليس إثنية.
ج ـ مسألة استقلالية الإسلام عن العروبة.
الإسلام كغيره من الديانات السماوية الأخرى، رسالة روحية موجهة إلى العالمين كافة، بمختلف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، تستهدف القلوب. إنه ليس مطية سياسية لاحتلال مواقع النفوذ السياسي.
أما العروبة، فهي صفة إثنية تخص مجموعة بشرية محددة، تقوم على وحدة اللغة والثقافة والوعي المشترك بالانتماء إلى تلك المقومات، في نطاق حدودها الجغرافية الأصلية (الجزيرة العربية).
غير أن النظام الجديد (le nouvel ordre)ذا النزعة العروبية الذي أقامته النخب المدينية (Les élites urbaines)سنة 1934 ،على أنقاض النظام الأمازيغي بدعم فرنسي ومشرقي ، عمل على إدماج الإسلام والعروبة، قصد بناء مفهوم جديد للهوية الوطنية، تمت مأسستها رسميا بمجرد ما تمكنت تلك النخب من السلطة، في المغرب المستقل، بمقتضى اتفاقية ايكس ليبان لصيف 1955 ( ( Aix-Les-Bains.
لقد استخدم ذلك النظام، ولا يزال، الإسلام أداة إيديولوجية لإقصاء الأمازيغية لحساب العروبة. والالتزام، اليوم، ببناء المجتمع الديمقراطي الحداثي، يقتضي رفض الخلط (L amalgame) الذي يقدم العروبة ملازمة للإسلام، في حين أن الوعي العروبي ما هو، في الحقيقة، إلا تعبير عن بقايا غرائز الجاهلية، التي ترفض التعايش مع كل ما ليس عربيا. فهي تتخذ الإسلام أداة، تسخرها لبناء مجد الأنظمة الاستبدادية ونصرتها على الحرية السياسية التي تؤسس للديمقراطية المؤمنة بالاختلاف والتنوع في ظل التسامح. وما شعار "كلنا أمازيغيون لكن الإسلام عربنا" إلا تأكيد على تلك الغريزة المتأصلة والتي تحدد رسالة الإسلام في تعريب كل من يعتنقه، فردا كان أو جماعة، على حساب هويته اللغوية والثقافية والحضارية.
إن الإرادة في تصحيح أوضاع الأمازيغية اليوم، وإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي، يمر عبر التحييد السياسي الإيجابي للدين، الذي يجد ترجمته على مستويين: الأول في استقلالية الإسلام عن العروبة، حفاظا على عالمية الدعوة التي تتعارض مع الاستغلال الإيديولوجي للعقيدة الدينية لنصرة عرق على آخر؛ والثاني في الفصل بين الدين والدولة التي تستغل مؤسساتها، بثقلها السياسي، في ابتزاز الأمازيغية وحرمانها من أن تأخذ مكانتها المشروعة كأساس لهوية الدولة المغربية ومؤسساتها.
وفي هذا السياق، تثير الدعوة إلى استقلالية الإسلام عن العروبة أسئلة، بخصوص وضع اللغة العربية ومكانة العرب بالمغرب.
إن التاريخ القريب يشهد أن الدولة المغربية المستقلة (1956) بالغت، منذ البداية، في استعمال اللغة العربية المحدودة الانتشار آنذاك استعمالا سياسيا، اعتمد ميكانزمات تخدم أهدافا سياسية غير معلنة، يدعمها، في بداية الاستقلال، الشعور الوطني ضد الاستعمار، كما عملت في مرحلة ثانية على ترسيخها بالوسائل التحفيزية، التي تربط القوت اليومي للنخبة المتعلمة بمعرفة اللغة العربية. وبهذه السياسة فتحت النخبة الحاكمة، العروبية النزعة، الطريق أمام مسلسل التعريب الذي جعل من هدفه النهائي خلق واقع اجتماعي لا رجعة فيه(un fait social irréversible)، يتحول فيه الأمازيغ إلى عرب والمغرب الأمازيغي إلى دولة عربية كما حدث لمصر والمصريين.
إنه مسلسل تعي به، في أبعاده السياسية، الحركة الأمازيغية وترفض به جملة وتفصيلا. فالعربية، من الوجهة التاريخية والجغرافية، تظل لغة دخيلة، إنما نقدر وظيفتها بالنسبة للشعور الديني للمؤمنين. غير أن هذا لا يعفينا من تسجيل حقائق ملموسة، نعيشها أو نتلقاها في الواقع اليومي. منها، أن أغلب المثقفين الأمازيغيين، حتى لا نقول كلهم، يعرفون ويتكلمون ويكتبون العربية، وهو واقع يشكل القاعدة. بينما لا نظن العكس صحيحا بين من يدعي العروبة. وإن وجد، فهو استثناء يؤكد القاعدة، التي تشهد بأن الحملة ضد الأمازيغية، لغة وثقافة وهوية، متواصلة في عقر دارها منذ 1930 إلى اليوم. وقمة النفاق والاستخفاف بذكاء الناس، أن قادة الدفاع عن اللغة العربية وعروبة المغرب، لم يكونوا إلا مخادعين. لقد كانت ادعاءاتهم تغطية لتمكين أبنائهم، داخل المغرب وخارجه، من الاستئثار باكتساب العلوم والتكنولوجيا الحديثة، بواسطة اللغات السائدة في العالم. فحصولهم على الخبرة، يؤهلهم لقيادة البلاد، عن جدارة،، بالقياس إلى أجيال من نفايات سياسة التعريب، المنحدرة من عامة الشعب.
وبخصوص المغاربة الذين يعتبرون أنفسهم عربا، فما عليهم إلا أن يأخذوا العبرة من تاريخ المغرب، منذ الغزو العربي لتامازغا. فما ثبت، في مرحلة من مراحل هذا التاريخ الطويل، أن استعملت الأمازيغية للإقصاء السياسي للعرب والعربية أو معاداة العروبة كجنس وهوية. إن ما تعاديه الحركة الأمازيغية، اليوم، هم أولئك (عرب وأشباه الأمازيغ) الذين يتعمدون تزييف حقائق التاريخ ونشر الخرافات والأساطير الإديولوجية، ليجعلوا من الأمازيغ عربا على الرغم منهم. ونذكر مرة أخرى، أن الانتماء إلى الوطن لا يقوم على العرق والدم، بل على الارتباط بالأرض التي ولدوا بها، بما تحمله من رموز هوياتية، تتأسس عليها خصوصيتها بين الأمم.
إنه موقف نابع من مبادئ العدالة التي تؤيدها الشرائع الإنسانية، كما صقلتها القيم الديمقراطية، بعيدا عن الرواسب الإيديولوجية التي تعتمد حجة القوة والخداع. وعلى نطاق أوسع، ستساهم آثار هذا التوجه في قيام علاقة عقلانية، على أساس المصالح الموضوعية المشتركة، بين المغرب الأمازيغي والدول العربية المشرقية. وبعد أن تكون هذه العلاقة قد تخلصت مما علق بها من الأوهام، فلا شيء يمنع من قيام اتحادات إقليمية سيادية، تؤيدها الاعتبارات الجيوسياسية التي تفرضها الضغوط الإستراتيجية الاقتصادية العالمية، خدمة لشعوب المنطقة بالأساس ( أوروبا نموذجا).
الخاتمة.
إن العناصر التي تتضمنها هذه الأرضية، هي بمثابة ثوابت إستراتيجية تشكل مرجعية سياسية وإيديولوجية للنضال الأمازيغي. وهي تستمد شرعيتها من دعوتها إلى العودة إلى المنطلقات الهوياتية الأمازيغية التي دمرها الاحتلال الاستعماري بالعنف العسكري، ما بين 1912 و1933، وتم تعويضها بمقومات دخيلة، وضعت أسسها نخبة عروبية، سنة 1934 ، بدعم من شخصيات سياسية فرنسية وتوجيه نخب مشرقية، لإقامة نظــــام جـديد، ينسجم مع مقتضيات معاهدة الحماية لسنة 1912.
إن مرجعيتنا هذه، لا تقدم عناصر جديدة وغريبة عن أمازيغية المغرب التي تمتد جذورها في أعماق التاريخ ، بل تسعى إلى استعادة هوية أقصيت ولغة حوربت وثقافة همشت وحقوق هضمت.
وبالمناسبة، نؤكد على أننا عندما ندعو إلى العودة إلى النظام الأمازيغي (l’ordre amazigh) لما قبل 1912، إنما نعني به العودة بشكل جدلي، على اعتبار أن ما قبل 1912 يشكل الواقع الأمازيغي الأصلي، وما بعد 1912 إلى اليوم، هو نفي لذلك الواقع الأصلي ونقيض له. أما ما تقترحه هذه المرجعية، فيمثل تجاوزا لحالة النفي والإقصاء، نحو نفس الواقع الأصلي، لكنه أكثر تقدما وتطورا وانسجاما مع قيم الديموقراطية والحداثة، تسترجع فيه الأمازيغية مواطنتها المفقودة منذ 1912.
V. من أجل مشروع مجتمعي جديد.
على مستوى التفكير، تشكل الأرضية مرجعية، تمنح الرؤية الأمازيغية الانسجام في مقاربتها للجوانب السياسية والإيديولوجية المتصلة بالقضية الأمازيغية، كما ترسم لها الأفق الاستراتيجي الموحد. غير أنه، من الناحية العملية والميدانية، تلح الحاجة إلى وضع مشروع مجتمعي، يقطع مع عوامل التهميش والإقصاء ثم الاستراتيجيات السياسية التي أوجدتهما. لقد قدم النموذج الأمازيغي، على مختلف المستويات وعبر التاريخ الطويل للمغرب، الدليل على فعالية القيم الاجتماعية الأمازيغية في تنمية روح التضامن بين الأفراد والجماعات.
وللانسجام مع الأرضية الفكرية، يقتضي إنجاز ذلك المشروع المجتمعي، التفكير، على أوسع نطاق، في قضايا نعتبرها أساسية. ومما يبعث على الاطمئنان أن الحركة الأمازيغية، التي تضم بين صفوفها طاقات فكرية متخصصة في مختلف المجالات العلمية، مؤهلة لوضع مثل هذا المشروع المجتمعي، الذي نوجزه، على سبيل الاقتراح، في المحاور التالية:
1ـ المسألة الديمقراطية والحكامة.
2 ـ مسألة إعداد التراب والبناء الاقتصادي.
3 ـ قضايا المجتمع الكبرى.
4 ـ مسألة الثقافة والمنظومة التربوية وتحصين النسيج الاجتماعي.
5ـ مكانة المغرب الدولية وعلاقاته الخارجية.


مجموعة الاختيار الأمازيغي:
- - د.الحسين عبد الملك أسادن. - علي خداوي - - محمد بودهان - محمد أودادس.
- - حسن بنعقية - محمد الكبيري.
- محمد أجعجاع - د.يوسف عكوري
- ميمون إغراز - ابراهيم فوكيك
- علي بوكرين - محمد مونب



#مصطفى_عنترة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحمد الدغرني الأمين العام للحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي ...
- الناشط المدني محمد المساوي يتحدث عن شروط المشاركة في المجلس ...
- المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ومطلب احترام المعايير الملكية
- المدافعون عن الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية يردون على ا ...
- تأسيس لجنة دولية لمساندة أمازيغ ليبيا والصحراء الكبرى
- -حميد باجو عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي يتحدث عن تيار ...
- موريتانيا تدخل نادي الدول الديمقراطية
- حث والصحفي مصطفى عنترة يتحدث في حوار لأسبوعية -المشعل- عن ال ...
- القذافي يهدد الوجود الأمازيغي بشمال إفريقيا ويبعث برسائل مشف ...
- الناشط السياسي جوزيف ليفي يتحدث عن المشاركة السياسية، أحداث ...
- أحمد الحارثي باحث جامعي يتحدث عن الحل الديمقراطي والوطني لقض ...
- الإشتراكيون الجدد بالمغرب أمام تحدي انتزاع الشرعية
- الدكتور محمد كلاوي يتحدث عن كتابه -المغرب السياسي على مشارف ...
- القوى المحافظة بالمغرب تنجح مرحليا في تشديد الخناق على الصحا ...
- محمد زياد، المنسق العام لمؤسسة 12 مارس بهولندا يتحدث عن الره ...
- التجاني بولعوالي فاعل مدني بهولندا يتحدث عن واقع الحركة الأم ...
- متى تعتذر الدولة للفنان الساخر أحمد السنوسي ؟
- سعيد باجي يكشف عن أسباب صدور كتاب-مختطف بدون عنوان- حول بوجم ...
- الناشط السياسي عبد الواحد درويش يتحدث عن أزمة الحركة الشعبية ...
- محمد حاتمي أستاذ جامعي متخصص في تاريخ الجماعات اليهودية المغ ...


المزيد.....




-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - مصطفى عنترة - فعاليات مدنية وسياسية تؤسس مبادرة الاختيار الأمازيغي