أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل خليل - إشكالية التمثيل في المسرح العربي















المزيد.....


إشكالية التمثيل في المسرح العربي


فاضل خليل

الحوار المتمدن-العدد: 1893 - 2007 / 4 / 22 - 12:09
المحور: الادب والفن
    


[ المتفرج ] هو الثابت الوحيد في المسرح ، بالمعنى النسبي الإيجابي الحرفي للكلمة . الذي لا يبرح مكانه في الصالة ، وفي الكثير من الاحيان لايقنع بما يقدم اليه من الافكار خصوصا اذا كانت تلك الافكار مكررة ، او سبق له وان اختبرها فيصر على استقبال الجديد فقط خصوصا اذا كان من النوع الذكي الذي يساهم في تطوير الحركة . لكنه يظل ديناميكيا في التلقي . يساهم في الكثير من الأحيان بآرائه وملاحظاته بما يطور الظاهرة المسرحية ويغنيها .
أما [ الممثل ] فيبقى المتحرك الأهم في المسرح ، وهذا الذي يتفق عليه الجميع من أصحاب الشأن المسرحي . من هذا المعنى ننطلق نحو ما تشكله مكانة الممثل في المسرح . ما دام هو المتحرك الأهم فيه ، بمعنى آخر حين يكون هو من يمنح الحياة على الخشبة ويحرك كل ما عليها . وهو كما يرى توفستونوكوف " المؤلف لقرارات المخرج "(1) بلغته الخاصة التي يمتلكها من الصوت والجسد وفي مقدار تحكمه بهما وكيفية إمكانيته في التحدث بهما بعيدا عن كونه يستطيع : الحكي ، والسير ، فهاتان الصفتان إنسانيتان يتفق عليها كل الناس ممثلين وغير ممثلين . لا يمتلكهما إلا من تعوق أو أصابته عاهة في واحدة منهما أو كلاهما . فمهمة الممثل حين يتمكن من نعمة الكلام بابجدية الجسد وهي قمة الفضائل ، أما حين يصر على النطق بلغة الكلام [الحوار] والصوت فعليه ان يستخدمهما بطريقة لا يجيدهما أحد غيره ، أو آخر من الأحياء ممثل كان او انسان عادي . نقول ذلك الممثلين لكي نلمس الفرق بين الممثلين ايضا ، فلكل ممثل طريقته الخاصة ، وكما يختلف التوأمان في بصمة الاصابع كذلك الممثلين يجب ان يختلف احدهم عن الاخر – وارجو ان لايكون في كلامي مبالغة ، ولو انه كذلك - ، لكنها ليست بالمهمة العسيرة على قدرات إنسان يمتلك العقل والارادة .
قالوا وبالغوا فيما قالوا حول طغيان ، أو سيادة سلطة(*) على أخرى . فمرة غلبوا سلطة المؤلف على بقية الأهميات في المسرح ، حين أماتوا البقية . وأخرى قالوا إنها سلطة المخرج التي لا تجارى وما عداها ميت . وقد نتفق في أن لكل من هؤلاء وغيره سلطته أو مكانته – إن صح التعبير - في المسرحي وبدونها يصعب قيام المسرح . ولكن لو شاكسنا الجميع وقلنا : لو أن الجميع حضروا وغاب الممثل أي [مات] كما يذهبون ؟ هل سيتحقق عرض ؟ وهل سيقوم مسرح ؟ أنا واثق من أن الجواب الواحد لدى الجميع هو : لا ، لن يقوم العرض وسيتلاشى المسرح بغياب الممثل ، وهي حقيقة . فالحياة إذن تفارق المسرح عندما يفارقها الممثل . يموت المسرح بموت الممثل ، ولو تهيأت كل مكونات العرض لن تكون مسرحية في حالة غياب الممثل . لأن الارتباط الوثيق بين الممثل والحياة ، كعلاقة النبتة بنسغها الغذائي . و " إن تطور الفرد مشروط بتطور باقي الأفراد ، الذين يختلط بهم اختلاطا مباشرا "(2) وهو اختلاط يتنوع بين اختلاط الممثل – الإنسان ، بالناس والمجتمع الذي يحيط به . وبين الممثل الفنان الذي يختلط بمجتمع المسرح في محيطه الفني . وبالمحصلة فكلا العلاقتين مهمتان ويحدوهما فعل الامتزاج ومقدار الفائدة التي يجنيها الممثل [ الفنان والإنسان ] من كلا الاختلاطين وما يدعمانه به من خبرة مضافة ترتقي به إبداعيا في تأدية عمله على المسرح . فهاتين العلاقتين تعوضانه عن مجمل العلاقات الأخرى المتنوعة التي يعيشها مثل علاقته بكل ما يحيطه من القيم والقوانين وتطورها بفعل تطور الحياة والمجتمع . وكما نعرف فأن المسرح يتغير كما كل الكائنات الحية بفعل التغير والتطور الطبيعي كذلك يتغير الممثل ويتطور إبداعه إيجابا أو سلبا تبعا لذلك ، وما يحصل له أيضا بفعل التغيرات الجغرافية التي تطرأ نتيجة لذلك مما يؤثر هذا التغير تلقائيا على إبداعه . ومع كل تغير في المكان والبيئة يحصل التصاق اكبر فيها من قبل مجتمع العرض وصولا إلى ما نطلق عليه مسرحيا [ بالمواطنة في الفن ] التي تعني ، الوطن المقترح لحياة المسرحية ومجتمعها على الخشبة . ويعني التعود على كل ما هو موجود على المسرح [ الخشبة ] وما هو خارجها يعود إلى ما يدور عليها وفي المكان كما لو كان هو [ المكان – البيئة ] التي يحيا فيها [ الإنسان – الممثل ] في الواقع . ومهما كان انتماء المسرحية مذهبيا يمكننا جدا أن نسلك ذات الطريق الذي حدده ستانسلافسكي في العمل على الدور ، والعمل على الشخصية في التقمص لأغراض المعايشة والتجسيد . باستخدام كافة الخطوات التي أكد على اتباعها من [ خيال ، وظروف معطاة وغير معطاة ، في لو [إذا السحرية] ، في ضرورة التعرف على تاريخ الشخصية في حاضرها واستقراء مستقبلها …] ومن كل الذي يساعدنا على العمل في التجسيد والمعايشة . ويمثل ستانسلافسكي بعملية الطيران حين يقول " كيف تبدأ الطائرة في التحليق : إنها تجري على الأرض مدة طويلة حتى تكتسب قوة استمرارية ريثما تكون حركة الهواء قادرة على حمل جناحها والتحليق بها إلى أعلى " (3) . والتمرين المتواصل كفيل بجعل المستحيل ممكنا ، ان عملنا على إعداد الدور هو الذي يحقق إعمال الفكر وتحريك الخيال فيمنحان القوة والزخم للنهوض بعملية تجسيد الشخصية والتحليق بها وبالدور . يقسم ستانسلافسكي مراحل العمل على الدور بالأدوار الأربعة التالية :
1] المعرفة : لتفاصيل الدور .
2] المعايشة : لتلك التفاصيل .
3] التجسيد لها : ( التفاصيل ) .
4] التأثير : على الممثل والمتفرج معا كل من مكانه .
ولأن الحياة واقعية فكل ما حولنا واقعي . وفي ضوء ذلك تخلق وشائج الاقتراب والابتعاد من الناس والأشياء – في التجسيد والمعايشة - وفق نسب المحبة والكراهية والقبول والرفض والتقبل والامتناع عن كل ما يرغب به الإنسان وما لا يرغب . أي أننا نعيش الحياة في المسرح بشرا وادوار حد المواطنة فيها . وليس للإنسان إن يعي ذاكرته كفرد متميز عن الآخرين [ كشخصية ] إلا حين يلعب دورا معينا في المجتمع و بين الجماعة collective و في النشاط المشترك الذي يحكم الحياة والناس . أما طبقيا وحسب ماركس : فان تقسيم العمل الذي يجعل الإنسان أحادى الجانب مما يجعل الإنسان والمجتمع ضدان (3) . وانطلاقا من مفهوم الضدين هذا ينبثق الصراع – الذي هو روح المسرح . سواء في الأفكار المطروحة [ فكرة المسرحية ] وهو صراع الضدين : الخير والشر ، أو النقيض ونقيضه ، كأن يكون الفنان – والإنسان ، أو القاعة – والمتفرجون وهو صراع الأفكار في قبولها أو نفيها . إن دور المسرح في الحياة يدعونا لان ننظر إلى فخامة الدور الذي يلعبه في الحياة . مثلما يجب " أن نشعر أن لغة المسرحية تكاد هي نفسها أن تتفجر تحت وطأة الصراع والتوتر منها بينما يتفجر الواقع تحت وطأة أسئلتها "(4) . وفي كيفية وصوله إلى الناس من غير تعقيد ، وانما من خلال الوضوح التام والبساطة في الطرح . وعندما تكون وسيلة التعبير عند الممثل – الكلام فقط – من دون المشاعر ولغة الجسد . يكون الأداء ناقصا لا يؤدي أغراضه .
ان معرفة الدور هو بداية اللقاء بين الممثل ، والدور . وهي لحظة [ الاكتشاف ] التي يمثلها ستانسلافسكي بلحظة اللقاء بين عاشقين : فبعد [ الانطباع الأول ] وهي اللحظة التي تسبق التآلف والمحبة ، هذا اللقاء بين الممثل والدور ، وما يتركه من انطباعات قادمة تتفق او تختلف عن الانطباع الأول لحظة النظرة الأولى للشخصية . وهذه ستشكل الحوافز للإعداد الإبداعي للدور ، ومنها تنطلق إلى المرحلة التالية أي :
المعايشة / فالممثل حين يتعرف على الدور ويستنبط الانطباعات الأولية له ، ويكتشف الحوافز ، ونقاط الالتقاء والافتراق التي سيعمل عليها قوة وضعفا . أي : لحظات التآلف والمحبة التي تخلق [ المواطنة – العشرة ] بينهما .
إن فهم تلك التفاصيل والأجزاء الدقيقة وإدراك مسالكها سيمكن الممثل من تجسيدها وبمعرفة كاملة . ومن الثبات الحتمي للمتفرج في القاعة وحركة أفكاره وتفاعلها مع ما يدور أمامه من أحداث ، فأن حركة الممثل محكومة بما يجعلها سليمة ومقبولة وفق مايلي :
1] أن تكون مبررة تحمل أسبابها ودوافع القيام بها .
2] أن تكون منطقية غير مفتعله ولا تدخل ضمن الحركة من اجل
الحركة .
3] أن تكون ذات أهداف ، ولا تقوم إلا لإشباع رغبة .
ان الهدف هو الضوء الذي يهدي إلى الطريق الصحيح . ومن الخطأ ان نفكر في النتائج بدلا من التفكير في الأفعال الموصلة إلى تلك النتائج . فإذا تجنبنا الفعل واتجهنا إلى النتيجة مباشرة حصلنا على ثمرة مفتعلة غير ناضجة ، أي أنها بلغة المسرح تجعل من التمثيل زائفا مصطنعا .
هناك ما لانهاية من الأهداف على خشبة المسرح ولكن ليست كلها أهدافا ضرورية ، بل إن الكثير منها ضار علينا تجنبه واختيار الأهداف الصحيحة حقا . فالأهداف الضرورية :
1] المرتبطة بالممثلين لا بالمتفرجين .
2] النابعة من شخص الممثل .
3] أن تكون أهدافا فنية وخلاقة .
4] أن تكون حقيقية وحية وإنسانية .
5] صادقة ، يتفق على صدقها الممثلون والمتفرجون معا .
6] تتسم بالقدرة على اجتذاب وتحريك المشاعر .
7] واضحة ، مستوحاة من طبيعة الدور .
8] أن تكون لها قيمة ومضمون يتناسبان مع الحقيقة الداخلية للدور .
9] أن تكون فعالة تدفع الدور إلى الأمام ولا تدعه يتوقف عن الحركة فيركد .
من هذا المنطق وذلك التحليل يمكننا السيطرة على الشخصية التي نؤديها ، وسنتمكن من الوصول إلى التأثير الإيجابي على المتفرجين من خلال المعايشة ، وما تشمله من جوانب نفسية وعاطفية . وما ينشأ نتيجتها من أفعال فسلجية لحركة حياة الدور النفسية . وهي التي تبعث فيه إمكانية استنفار مشاعر الشخصية والدور .
ومن القرون الوسطى وعندما كانت العروض المسرحية تقدم في أروقة الكنائس وفي ساحات المدن ، وعندما كان الممثل في حينه اقرب إلى الكاهن منه إلى الممثل . واما لغته فكانت اللغة السائدة الأقرب إلى اللغة الخطابية القريبة من اللغة الوعظية الأقرب إلى لغة التعليم ، طالما كان ممثلها ينتمي إلى صنف من الناس هم اقرب إلى الكهنة منهم إلى الممثلين . لكنها كانت غالبا لغة أيديولوجية ابنة زمنها ولم تكن لغة المسرح التي سادت فيما بعد ، عندما تغير شكل المسرح ومكانه .
و كما أسلفنا ، عندما تغير مكان التمثيل من أماكن العبادة إلى المسارح الاعتيادية بعد ثلاثمائة أو أربعمائة سنة ، تغير حينها وصف الممثل ، من الكاهن الذي يقدم عروضا وعظية إلى الممثل الذي يقدم عروضا فنية حياتية تتفق وطبيعة المجتمع الذي يقدم تلك العروض . ومثلما تنوع مكان التقديم تغير معه موقع المتفرجين في تلقي العرض فأصبحوا يتحلقون حول المنصة STAGE أو على جوانبها وأمامها بدلا من الموقع في المحفل الكنسي الذي يقترب من تلقي القداس منه إلى التلقي المسرحي . الأمر الذي جعل خطاب المسرح يتغير بتغير المكان ، فانتقلت من لغة التوافق في الوعظ إلى لغة التناقض المحتدم باختلاف الآراء وتنوعها ، فشاعت لغة الحوار المشحون بالتوتر والصراع الذي فرضته المواضيع المطروحة مع حميمية المكان الجديد . ومن تغير المكان وتنوعه أصبح من المؤكد إن يختلف وقت العرض وزمنه ونتيجة له تغير مواضيع النص واعداده ، وما يتبع ذلك من أمور فنية جميعها تغيرت بفعل تغير المكان والزمان . وبتغيرهما تغير نوع التمثيل وحتى الممثل في تطور إمكاناته تبعا لذلك .
غالبا ما يوجهون السؤال إلى البعض من المخرجين عن الأسباب التي جعلت عروضهم تتسم بالنجاح ؟؟ فأوعز [جيورجي توفستونوكوف] ذلك إلى الاستقلالية التي كان يمنحها للممثل . وهي صفة نادرا ما يتفق حولها المخرجون جميعا . لكن هل هي تعني [ ديكتاتورية الممثل ] في التصرف الكيفي وإهمال ملاحظات المخرج ؟ أو أن المخرج بعد أن يمنح الاستقلالية إلى الممثل ، يتركه لتصرفه الخاص ؟ من غير أي تدخل يذكر ؟ من المؤكد ان هذا الظن يدخل في حكم المستحيل في تأليف العرض إخراجيا . وكذلك لايمكن حصوله وفق المعني الكبير في عمل المخرج : كونه هو الذي يحقق الوحدة الأسلوبية والفنية في العرض أي هو [ الفلتر ] الذي تمر منه كل الأساليب المخلفة لكامل فريق العمل ليحقق فيها الأسلوب الواحد ، وإلا كان العمل المسرحي عبارة عن كشكول غير متجانس بالتالي هيمنة سلطة الممثل على بقية السلطات ؟؟؟ أنا أقول إن العرض عندما يكون أمام الناس فهو بالتالي يكون بيد الممثل
اختلف المختصون حول هيمنة سلطة ما وغياب أخرى . ومدى تأثير تلك الهيمنة وذلك الغياب – إيجابا أو سلبا - على سير العملية الإبداعية في المسرح حتى وصفوا الغياب [ موتا ] والحضور [ تسلطا ] . فقالوا سلطة أو موت المؤلف ، وسلطة أو موت المخرج ، وما إلى ذلك من التسلط و الميتات وما يتبع ذلك من تأثيرات على سير العملية الإبداعية في المسرح . لكنهم نادرا ما ناقشوا ماذا يحصل عند غياب الممثل ، الذي لا يعادله غياب إذا ما كان وحصل ، فكل تلك الميتات هامشية إذا ما قيست بذلك الغياب لأنه بالمحصلة يشكل توقف المسرح . إذن فالموت الحقيقي الذي يؤثر سلبا على قيام المسرح لكي نقول توقف المسرح هو موت الممثل . الذي يشكل
السبب في فشل أو موت الكثير من العروض حين لا يكون فيها الممثل فاعلا ، أو كونه كان افتعاليا بعيدا عن الصدق في الأداء الذي لايمت إلى الحياة بصلة ، ويعزو ستانسلافسكي تلك المبالغات إلى طموح الممثل إلى الوصول إلى الطبيعية التي يفهمها خطأ وهي :
1) لاتعني خلق حياة حقيقية لأنه ليس من أهداف المسرح ذلك ، بل الهدف الأسمى هو خلق الحياة بصيغة فنية .
2) أن لا نقدم أحداثا جسدية منفصلة عن رغبة الممثل .
3) أن تكون الافعال المسرحية مقنعة من غير الإيمان بحقيقة أو صدق وجودها .
4) فالحياة هذا النظام الكبير ، الواسع ، والمعقد لابد له من أن يصل – كما الحياة - بسهولة عبر الفن .
5) إن يتم ذلك بالتركيز على كامل السينوغرافيا [فن تشكيل الفضاء] وعلى ما هو جسماني وصوتي في التمثيل معا .
إنها ليست مشكلة معقدة كما يقول انطوان تشيخوف : [ فأنا أستطيع أن أتحدث باختصار عن الأمور الطويلة ] . وقد حقق ذلك فعلا عندما تطلب الأمر الاختصار في أمور الحياة الطويلة ، وفي الأمور ذات الإشكاليات المعقدة حين أجاب عن تساؤلاتها بعد فهم وأدراك لارادة الحياة . وفي المكان الذي كان يتطلب الإسهاب في الحديث عن معنى الزوجة في حياة الرجل والأسرة كمثل جعله الاختصار يستعيض عن كل الأشياء بجملة واحدة أدت ما كان يريد الوصول إليه فاختصر كل المعاني بجملة واحدة هي :
[ الزوجة تبقى الزوجة ] .
إن وضوح الشكل وبساطته في الفن متلازمان ، ويشكلان القوة في التأثير على المشاهد من خلال البساطة وكما يذهب اغلب المنظرين الكبار في كتاباتهم التي افردوا فيها فصلا في موضوع الحث على البساطة ، وان الإبداع أو العبقرية صنو البساطة . فالبساطة وما تحمله من عمق ووضوح لا ينفصلان ، يكاد ينطبق المقياس على عموم الأنواع الثقافية ، أدبية كانت أم فنية . فعندما سئل المثال الكبير [ رودان ] عن سر نجاحه ، أجاب :
[ أنا و ببساطة آخذ كتلة المرمر ، وأزيل منها كل ما هو زائد ليظهر فيها الشكل الذي أريد ] .
إن الإيجاز في إظهار الوضوح في العمل الفني يجعله يتناسق بل ويتكامل عند إزالة الزيادات التي تكتنف طريقة استقباله والوصول إلى معانيه . وهو ما يجعل الشكل والمضمون فيه يتماسكان ، يقول الرسام الروسي الشهير تشيستياكوف الذي يقول :
[ أحب الرسم بالحذف ، لا بالتعقيد ] .
كذلك تقضي قوانين المسرح :
[ أن يحذف من المسرحية كل ما هو زائد وعفوي ]
، تماما كما في قطعة المرمر عند رودان ، أو في الحذف وإزالة التعقيد عند تشيستياكوف . وهذا لن يتم بمعزل عن الدراسة والتحليل . فالتحليل الذي نتفق على تعريفه بأنه :
[ معرفة الشيء ] .
وكما يقول (كانت) :
[ إن التحليل يرشدني إلى ما ينبغي أن اصنع ] .
وعندها أي بعد أن نمتلك معرفة الأشياء يحق لنا التعامل مع الكتل - والنص كتلة - نعرف ما يجب أن نصنع فيها من خلال الإيجاز فيه ، حين نشرع بتأليف العرض الخالي من الزيادات عبر الصورة التي نقترح .
إن معرفة الفرق بين النص والعرض تكمن في صيغة التعبير التي نقترحها . وكما نعرف فأن ما هو أساسي في المسرح هو الحكاية . إن النص [مثير] لانساق منظومة العرض التي تطرأ على النص قبل أن يتشكل في فضاء المسرح . و " كل شئ أساسه الحكاية ، إنها قلب الإعداد المسرحي ، فعن طريق ما يجري بين الناس ، يأتينا كل ما هو قابل للنقاش ، وللنقد ، وللتغير "(5) . ولا يستطيع الممثل إقناعنا بما يقدم دون التفاعل الداخلي الذي تعكسه وسائل التعبير، تلك التي يجب أن تصل إلى المشاهد بسهولة لا بالتعقيد . فعين المشاهد – المخرج غالبا صانع العرض المجسد ، والعرض المجسد – مدرك جمالي إضافة إلى كونه مدرك فني من صنع الإنسان . فأنت حين لاترى من الممثل غير جسمه ولاتسمع منه إلا صوته ، أما أفكاره ومشاعره وأحلامه ورغباته . فالمشاهد يتفاعل مع الحياة الحقيقية ، أما الحياة المصطنعة – مايدور على المسرح – فيتفاعل معها فقط عندما يكون التعبير الانساني عنها مقنعا . ومثلما نعرف فان الافعال الداخلية متعددة ومتنوعة مع كل فعل ، ورد فعل . إنها سلسلة من الأحداث تتلون حسب نوع الحدث . ومن خلال الإيقاعات المتنوعة في العرض من إيقاع الكلمة إلى إيقاع الجملة والحدث والمشهد والفصل وغيرها من الإيقاعات المتنوعة نصل إلى إيقاع المسرحية . فالإيجاز إذن يتطلب معرفة موقع نقطة الانطلاق في الحركة [ نقطة الصفر ] ، أي من أين ننطلق علميا . لامن حيث يشاء من يريد بعشوائية ، تخلو من المنطق والتبرير والهدف . إن لكل فعل مبتدأه يحدده ما قبله ويحكمه ما بعده من أفعال وحركات تحمل منطقها وتبريرها وأهدافها التي تصب في الأهداف المتسلسلة وصولا إلى الهدف الأعلى .
* الحركة في المسرح
حركة الممثل في المسرح : هي المظهر الخارجي الملموس للشخصية . من خلالها نتعرف على كامل خفاياها ، دواخلها ، دوافعها ، أهدافها ، حالاتها [ الاجتماعية ، الطبيعية ، والنفسية ] .
الحركة : هي صورة الميزانسين في حالة الفعل . أي أنها صورة التشكيل في الحركة على المسرح في حالة نشاطها . والميزانسين [التشكيل الحركي] : الذي يعني التوزيع الرشيد والمنسجم harmony ، والترتيب المتناسق ، والنظام في الحركة واللون لكل خطوط الرؤيا من [ لون ، منظر ، ملابس ، ضوء ، عتمة ، صوت ، صمت ، مع الممثل – المحرك الأساسي لها ولكل مكونات العرض المسرحي ] . والتشكيل الحركي يتشكل استنادا إلى الحالة القائمة بين الأشكال والأشياء + قيم الجو العام المطلوب اعتمادا على قواعد التكوين في :
*] التناسب
*] القوة والضعف
*] التركيز
*] التوزيع الرشيد ، المستند
إلى قوة العلاقات العاطفية والعقلية بين الشخصيات
فالحركة التي هي " أكثر دلائل الحياة وضوحا "(6) تساهم في خلق تشكيلات متعددة ، معبرة عن التبدل الحاصل في العلاقات القائمة بين الشخصيات وانفعالاتها وعواطفها وكامل تفكيرها . إنها – الحركة – مهما كان فعلها ونوعها إنما هي : رد فعل لمثير ، خارجي كان أم داخليا عملا في استحضار عنصر الإقناع . وبعكسه تدخل الحركة في الفعل العشوائي الذي لا يؤدي أغراضه . و[ المثير ] هو الذي يشحن الشخصية ب [ الطاقة ] التي تتولد من داخلها أي قوة مادية من الاستجابة أو الرفض ، ومنها يتولد فعل الشخصية الحركي طبقا لذلك المثير . والمثير أما أن يكون :
1] مثير مادي : يخلق حافزا يثير الشخصية فيحركها ، ولايهم نوع المحفز هذا من حيث القبح والجمال ، أو الخطورة وعدمها .
2] مثير معنوي : وهو حافز غير مباشر ، يتم نتيجة لاسترجاع ما تخزنه الذاكرة من انفعالات ومن مخزون تاريخي للشخصية ، هو يرتبط بكيان الشخصية ، من الأفكار ، والذكريات ، أو أية انفعالات نفسية وغيرها.
وهذا يرتبط كليا بقدرة الممثل عند أداء دوره – والمخرج عند عمله مع الممثل وبقية مكونات العرض إثناء التمرين – وفاعلية مخيلته في النظر إلى تطور القصة – الحكاية – عاطفيا وفكريا . ونقصد بالفاعلية : هي التي يمكن من خلالها التعبير عن العلاقات المتنوعة والمتغيرة بفعل الأحداث . ومنها استخدام الأفعال الفيزيكية ووضعيان الجسم المختلفة الاتجاهات والمعاني ، " الصورة لاتبقى ثابتة خلال الفصل الكامل ، لكنها تتغير قليلا بتغير الانعكاسات العاطفية للشخصيات الرئيسية .. وقد يتغير معنى المشهد نتيجة لتغير طفيف في الصور "(7) .
* * * * * * * * * *
الهوامش :
1) أناتولي التشولير : جيورجي توفستونوكوف .. مخرجا ومنظرا ، مجلة [ مسرح ] البلغارية ، العدد 5 ، السنة 1984 ، ص 46 .
*) من المصطلحات النقدية المتكررة في استراتيجية التفكيك هناك كلمة : سلطة أو سلطوي authority , authoritative وهما لا تعنيان سلطة سياسية أو قوة خارجية خارج النظام الأدبي نفسه ، ولكنها تعني ما هو [موثوق به] إلى درجة يصبح فيها الشيء ، [ذا سلطة] أو [ثقل] ، ويمكن ترجمتها إلى [نص موثوق] أو [مخرج موثوق] أو [ممثل موثوق] .. الخ .
2) ماركس و انجلس : المجلد الثالث ، ص 440 .
3) ستانسلافسكي : إعداد الممثل [ في التجسيد ]
4) ماركس و انجلس : نفس المصدر السابق .
5) أدونيس : خواطر ، نقائض في المسرح العربي ، مجلة [الحياة المسرحية]، دمشق 1977 ، العدد 2 ، ص 10 .
6) برتولد بريخت : مسرح التغير – مقالات في منهج بريخت الفني ، تر : قيس الزبيدي ، إصدارات [دار ابن رشد] ، بيروت 1978 ، ص 137 .
7) ماريان جالاوي : ص 184
8) الكسندر دين : ص 220 .



#فاضل_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في التأليف ... الادب احتياطي المسرح
- إشكالية النقد في المسرح العربي
- أنا والمسرح والتجربة
- مائة عام من المحبة .. أنموذج لمسرحية الحرب
- صدمة مسرح .. الكارثة
- سامي عبد الحميد
- النشأة والتطور في المسرح العربي
- يوسف العاني - كا تبا ، وممثلا ، ودراما تورجيا
- سعد الله ونوس -الملك هو الملك - أنموذجا
- جعفر السعدي .. أب المسرح العراقي
- فرقة المسرح الفني الحديث
- أسباب غياب الخصوصية في المسرح العربي
- المسرح الشعبي العربي
- الهيمنة والحداثة - ومشكلة غياب الهوية العربية في المسرح
- إشكالية محنة الوحدانية في المونودراما
- تاريخ فن الدمى في العراق
- تأريخ المسرح العربي


المزيد.....




- فيلم سعودي يحصد جائزة -هرمس- الدولية البلاتينية
- “مين بيقول الطبخ للجميع” أحدث تردد قناة بطوط الجديد للأطفال ...
- اللبنانية نادين لبكي والفرنسي عمر سي ضمن لجنة تحكيم مهرجان ك ...
- أفلام كرتون طول اليوم مش هتقدر تغمض عنيك..  تردد قناة توم وج ...
- بدور القاسمي توقع اتفاقية لدعم المرأة في قطاع النشر وريادة ا ...
- الممثل الفرنسي دوبارديو رهن التحقيق في مقر الشرطة القضائية ب ...
- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل خليل - إشكالية التمثيل في المسرح العربي