أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد السيد علي - تطور المحرم بين الدين والمصالح الطبقية















المزيد.....

تطور المحرم بين الدين والمصالح الطبقية


أحمد السيد علي

الحوار المتمدن-العدد: 1874 - 2007 / 4 / 3 - 11:31
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من البديهي أن هناك علاقة بين تطور المجتمعات البشرية وتغير أشكال المحرم " Taboo " والذي يعبر بالأساس عن كسر المنظومة الاجتماعية التي فرضتها طبقة مسيطرة .
في المجتمعات القبلية الأولى حيث كان هناك توحد كامل بين الإله والقبيلة بصفته الجد الأول لها، كان المحرم يرتبط بالعادات التي تناقلتها الأجيال الأحدث عن الأسلاف والتي يتم تفسيرها عبر الزعامات القبلية " الرئيس / الكاهن " بما يخدم زعامتهم .
ومع تطور المجتمعات البشرية وظهور الديانات التوحيدية وقيام إمبراطوريات إقطاعية ضخمة تحوي تنوعاً من الشعوب في إطار دين واحد بعد أن تمت إعادة صياغته بما يناسب مصالحها؛ فإن النظرة للمحرم شهدت تغيرات أخرى .
لقد أصبح هناك وجهان للمحرم الأول يرتبط بالدين المُنزَّل، أما الثاني فهو المحرم الاجتماعي الذي سعى الإقطاع المسيطر لفرضه وربطه بالدين سواء بشكل كامل عن طريق إقحامه كنص في الكتب المقدسة، أو النصف مقدسة (التي لم تنزل من السماء وإن حوت وصايا الأنبياء المؤسسين)، أو بشكل جزئي عبر الاعتياد وتحوله إلى قانون عرفي .
ومن الملاحظ أن المحرم الاجتماعي ربما يحمل قدسية أكبر من المحرم الديني نظراً لتركيز إعلاميات الطبقة المسيطرة عليه بشكل دائم، فالمؤرخين المسلمين يتعاملون مع واقع إدمان معظم الخلفاء الأمويين والعباسيين للخمر بلا مبالاة رغم كون الفعل محرم ديني حقيقي، إلا أن نشر مثقف أو فقيه لرؤية مذهبية مغايرة قد تؤدي إلى استهلاك صفحات في توجيه السباب والاتهامات بالتآمر على الدين، وليس من المصادفة أن كل سلطة قامت بناء على تبنيها لمعتقد دينياً، كما أن كل حركات المعارضة كان لها مذهباً مغايراً أو رؤية مخالفة للدين قامت بترويجها .
إن هذا الحضور القوي للدين، حتى في صورة الاستغلال، لم يستمر في التطور البورجوازي الذي شهدته أوروبا عقب عصر النهضة، حيث سعت الطبقة الحاكمة الجديدة لتهميش الدين كمقدس في أثناء تقليمها وقضاءها على كل الأسلحة الإقطاعية، والتأسيس لمقدسات أخرى بديلة تتجاوز كثيراً الدين في أهميتها .
وبالتالي فقد ارتبط المحرم " Taboo " بقضايا عنصرية أو قومية تمثل بالأساس مصالح البورجوازية المسيطرة التي سعت لترويج كل هذه التنوعات الفكرية المؤدية بشكل أساسي للمحاجزة واصطناع الفواصل بين الشعوب بما يحمي ما تتصور أنه حق لها في ثروات مناطقها، ويسمح لها باستخدام مجموعة بشرية بشكل عدائي للاستيلاء على ثروات تقع في مناطق مجموعة أخرى واحتكار أسواقها .
ولم يكن من الغريب إذن أن تصطدم بريطانيا وألمانيا البروتستانتيتان، أو أن تتحد النمسا الكاثوليكية مع ألمانيا البروتستانتية رغم ما بين الطائفتين من ذكريات مريرة تحت شعار الوحدة الألمانية .
إن الشكل الأخير للرأسمالية والذي وصل إلى درجة قيام الكارتلات متعددة الجنسيات والأنشطة أحدث تطوراً آخر في المحرم تسعى هذه الرأسماليات الجديدة لفرضه على العالم، وهو يعتمد بشكل أساسي على إضعاف المقدس الديني الخاص بكل دين أو طائفة أو المقدس القومي في سبيل الانتقال إلى المقدس العالمي الواحد الذي سيرتبط بمصالحها وبالتالي فإن المُحرم الوحيد هو كسر هذه الصياغة الجديدة والتي سيتم التعبير عنها في شكل قضايا كبرى تخدم السعي الرأسمالي للسيطرة على الثروات في العالم .
وبالتالي فإن إهانة النبي محمد (ص) عن طريق رسوم كاريكاتورية كمقدس إسلامي، أو تناول السيد المسيح (ع) بشكل مذري كمقدس مسيحي عملية لا تستحق الاهتمام وتدخل في نطاق حرية الرأي والتعبير حيث أنها لا تمس مصالح الرأسمال في أي شيء بشكله الجديد، وربما تسمح له باستغلالها تجارياً، في حين يعد تناول قضية الهولوكوست أو النازية جريمة تقتضي عقاباً قانونياً رادعاً .
إن الطبيعة الأساسية لهذه الصياغات الأخيرة للمحرم " Taboo " تبدو في وعيها الواضح بخطورة تعددية الرؤى التاريخية لمثل هذه القضايا بما قد يفشل مشروعاتها وهو ما يبرر اعتبارها للتاريخ كمجرد وسيلة أو ذريعة إعلامية في مواجهتها للآخر، حيث يتم إخضاعه لسيطرة الطبقة الحاكمة بما تملكه من إمكانيات مالية إعلامية قادرة على محاصرة الجماهير – بشكل محكم – بآرائها التي ستتحول إلى مسلمة يقينية بمرور الأيام يُجرم من ينكرها اجتماعياً وينبذ بما يسمح بتجريمه قضائياً في مرحلة تالية دون أن يعد ذلك إطلاقاً هدراً لإنسانيته أو حقه في التفكير بحرية؛ فحتى هذه المثل وضعتها البورجوازية أثناء ثورتها ضد الإقطاع وسعيها للسيطرة على السلطة وصياغة القوانين بما يخدم مصالحها، وهي بالتالي تخضع في تفسيراتها لما تفرضه إعلامياتها على الجمهور بحسب مصالحها.
وعلى الرغم من أن المجتمع الإقطاعي الإسلامي – على سبيل المثال – لم يشهد سجن مؤرخ بسبب قبوله أو رفضه لقضية تاريخية، فإن صناديق الاقتراع منحت السلطة الفرنسية الحق في إصدار قانون يجرم من ينكر مذابح الأرمن في العهد التركي مهما كانت أدلته التاريخية، حيث أن الحقيقة التاريخية هنا لا تحمل قيمة مقارنة بالمكاسب الاقتصادية والاجتماعية التي يسعى الحاكمون في فرنسا لتحقيقها من وراء هذا الإجراء .
لقد أصبح من الشائع لدى بعض العلمانيين العرب في مواجهتهم لدعاة الدولة الدينية حول ما ارتكبته الدول العلمانية من ممارسات استعمارية وقتل باسم الديمقراطية التشدق بمقولة أن القتل باسم الديمقراطية يختلف عن القتل باسم الدين، لأن الأخير يحمل قدسية إلهية موجبة للمؤمنين، في حين لا تحمل الديمقراطية أي قدسية في هذا المجال؛ والواقع أن هذا الاحتجاج لا يعدو أن يكون دجلاً إعلامياً يسعى للحفاظ على شرعية النقاء التي يتصور العلمانيين أنهم يمسكون بها في مواجهة ما ارتكبته بعض الجماعات الدينية الإسلامية من ممارسات واضحة في مخالفتها للتراث والتشريع الإسلامي، في حين لا يجيب العلمانيون أبداً عن الأسئلة التي تثار حول مشروعهم الأخلاقي والتي يمكن لأي إنسان محاسبتهم من خلاله ؟!! وبالتأكيد فإن المقدس لدى العلماني ليس الله كي يمتلك مشروعاً أخلاقياً، وإنما المقدس الأساسي لدى البرجوازية والرأسمال الممول للعلمانية هو الثروة، والدفاع عن الثروة باسم الديمقراطية يمثل شرعية غير مقيدة بالتزامات في هجومها، وهذا ما قد يفسر إبادة الأمريكيون لمدينتين يابانيتين في الحرب العالمية الثانية بهدف تحقيق انتصار عسكري، وهو أيضاً ما يفسر تهديد الرئيس الفرنسي باستخدام القنابل النووية ضد أي دولة تهدد أمن فرنسا، وهذا الدم البارد في الإبادة الشاملة التي لم يرها العالم سوى على يد العلمانيين إنما يشير إلى هذا التحول في المحرم، وإذا كان الهدف في نشر النفوذ عبر نشر الدين أو المذهب الديني في العصور الإقطاعية يلزم الإقطاعي ألا يسرف في القتل، أو على الأقل لم يكن مجبر للإقطاعيين على إيجاد سباق تسلح عسكري، فإن الرغبة في الإبادة بأقصى قدر ممكن هي ما أجبر المتنازعين الرأسماليين في هذا التطوير المذهل والمخيف للسلاح .
إن قضية المُحرّم لن ترتبط بالدين أبداً في المستقبل، ولو بشكل ظاهري، إذا ما تمكنت الكارتلات من تطبيق مشروعاتها في السيطرة على العالم وثرواته، كما ستسقط كذلك كل المحرمات الوطنية والقومية لصالح تحويل العالم إلى قرية صغيرة عبر تقدم تكنولوجيا الاتصالات في الفترة الأخيرة، ولن يبقى سوى المحرم الطبقي المصاغ بكل صراحة بواسطة أسواق المال والذي سيخضع كل المنجزات البورجوازية الحضارية لسيطرة تفسيراته الخاصة .



#أحمد_السيد_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوقفوالموت المجاني في العراق
- ما بين الغطرسة والعجز والتزييف هذا هو تحالف العداء للسيد حسن ...
- حديث الموتورون
- بعد قسم هوجو شافيز أن يكون اشتراكياً كالمسيح ع ماذا عن الشيو ...
- عبدالله شهوازابوسعيد احد رموز الهور وداعا
- أشيعية مدينتي بعقوبة أم سنية؟
- العلمانيون الجدد .. هؤلاء البؤساء
- الكارما .. فكرة الجزاء في الفلسفة الهندية
- علمنا العراقي لا يقره القتلة
- نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النج ...
- نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة - تعقيباً على ردود كامل النج ...
- نقد الأديان بين الرؤية والمخيلة
- مشاهدات من كتاب حسن العلوي العراق الامريكي
- مشاهدات من كتاب العلوي حسن (العراق الامريكي الشيعي بعد العرا ...
- مشاهدات من كتاب العلوي حسن
- خليل المعاضيدي شاعر غادر قبل الاوان
- lمدينتي بعقوبة والارهاب
- أصول الكيسانية .. دراسة في النشأة
- ثقب
- النيرفانا الغربية التي لا يستحقها المسلمون


المزيد.....




- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...
- ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
- بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و- ...
- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد السيد علي - تطور المحرم بين الدين والمصالح الطبقية