ابراهيم حجازين
الحوار المتمدن-العدد: 1868 - 2007 / 3 / 28 - 11:57
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يطرح أصحابنا الليبراليون في توصيفهم لملامح النظام السياسي المرغوب فيه قائلين أنه سيتأتى من خلال إيجاد آلية جديدة لتشكيل الحكومات على أسس برلمانية منتخبة في ظل قانون انتخاب جديد تتم صياغته على أساس المواطنة أولا بغض النظر عن الأصل والفصل والعرق وقائم على أساس التمثيل النسبي للقوائم السياسية المتنافسة .ويرفد ذلك بقانون أحزاب حديث يساعد على الوصول إلى بناء قوائم تنافس على صعيد الوطن . ويستكملون توصيفهم أنه في ظل هذه المعادلة ستتحمل أي حكومة مستقبلية المسؤولية عن القرارات السياسية وتعفي رأس الدولة من تحمل إرهاصات عدم نجاعة سياسات الحكومات في حل المشاكل التي تشكل أولويات المواطنين .
لا يوجد ديمقراطي حقيقي يختلف مع هذا الطرح ويمكن القول أن ذلك كان دائما يشكل مطلبا لليسار الأردني والقوى التقدمية والديمقراطية ، وقد عوقب العديد منهم على هذه المطالب لسنوات ، وهذه المطالب كانت تقع ضمن الأسباب التي أدت بالبعض عام 1997 لمقاطعة الانتخابات بغض النظر عن رأينا بتكتيك المقاطعة . لكن النقد لا يكمن في الطرح نفسه بقدر ما هو بمدى المصداقية وبالسلوك السياسي لأصحابه والذي نبينه كما يأتي :
أن المسؤولين الذين يتبنون هذه المواقف عندما كانوا أصحاب قرار وأعضاء في عدد من الحكومات السابقة ،كانوا معنيين بتمرير سياسات اقتصادية دون الاهتمام بمصالح السكان المعيشية والمصالح الوطنية ، بقدر اهتمامهم بتطبيق أجندة خارجية لتنفيذ وصفات المراكز النقدية الدولية وسياسات الليبرالية الجديدة ، ودون الإلتفات أيضا لضرورة أخذ رأي "المواطنين" بهذه السياسات حسب ما تقتضي الأصول الديمقراطية ، لا بل كان لليبراليين الجدد وجود قوي في حكومات ساهمت بأساليب قمعية ومعادية للديمقراطية في حل العديد من المشكلات وحل مجلس النواب وإصدار كم هائل من القوانين المؤقتة بغيابه . فكيف سنتعامل بثقة مع هذا الطرح الصحيح في ظل عدم الارتياح لسلوك أصحابه السياسي ؟
لذا فإن التوصيف الصحيح للنظام الديمقراطي المرغوب به لا يعتبر كافيا بحد ذاته طالما لا يوجد تحديد موضوعي للقوى الاجتماعية المنوط بها تبني هذا المشروع والعمل على تطبيقه ، فمثلا هم يشيرون في معرض تحديدهم للقوى التي لها مصلحة بمثل هذا الإصلاح " فلا بد من بروز قادة في القطاع الاقتصادي ورجال أعمال إصلاحيين يؤمنون بالديمقراطية قولا وفعلا ويرون من خلال ذلك ضمانة أكيدة لاستمرارهم بدلا من الارتكاز إلى سلطة الدولة لتحقيق ثرواتهم وطموحاتهم الاقتصادية والاجتماعية ". بهذا الطرح يؤكدون لنا بما لا يدعو للشك أن أصحاب الرأسمال المحليون نشأوا وراكموا ثرواتهم في ظل سلطة الدولة وحمايتها بدلا من الاعتماد على إبداعاتهم وصراعهم مع كل ما هو قديم ومعيق من اجل التطوير والارتقاء،كما فعلت الليبرالية الأصيلة التي ظهرت في أوروبا إبان عصر النهضة . فالأفضل إذا للقطاع المقصود أن تستمر الأوضاع كما هي طالما أنه يراكم المزيد من الثروات دون رقابة ومسائلة ولا يهم هذا القطاع أيضا إن كان النظام السياسي الأردني نظاما شموليا بما انه يحمي مصالح الأقلية الاقتصادية السياسية كما يحذر أصحاب هذا الرأي في طروحاتهم التي أشرنا إليها اعلاه .
لعبت البرجوازية الصاعدة دورا مقررا في التطور التاريخي في الدول الأوروبية عندما جعلت من العلم قوة منتجة وخاضت المعركة ضد كل ما يعيق التقدم على جبهة العقل والحداثة واستحقت بذلك أن تشكل هذه الطبقة القوة الاجتماعية القائدة للديمقراطية والتقدم والحضارة على الصعيد الغربي ، لا بل فعلت أكثر من ذلمك عندما وحدت الأمة في حدود دولتها القومية وبالتالي خلقت دولة الجماعة والفرد المتساوي مع باقي المواطنين تحت سيادة القانون دون امتيازات أو فروق .
فهل تتمتع الفئات الاقتصادية من "رجال أعمال" في بلادنا بنفس الصفات والسمات التقدمية التي تمتعت بها البرجوازية الحادثة في أوروبا أثناء مرحلة النهضة والثورة الصناعية ؟ وهل تسنطيع هذه الجماعات أن تلعب نفس الدور لا بل قل هل لها مصلحة في ذلك ؟ نحن نجيب بلا فالقطاع الخاص وبالتحديد أصحاب رؤوس الأموال في نشاطهم لا يعدوا من المنتجين الصناعيين المعنيين بتطوير قوى الإنتاج بما فيه دعم الأبحاث العلمية والتكنولوجيا لاستخدامها في زيادة وتحسين جودة المنتج لغاية التصدير والمنافسة ولا يهتمون بالتنوير والنهضة الفكرية والعلمية فضلا أنهم غير معنيين بتوحيد السوق العربية من اجل تنمية استثماراتهم وبالتالي توحيد الأمة كما فعلت البرجوازية الأصيلة ، فمعظم نشاطهم كمبرادوري أو طفيلي وفي أحسن الأحوال تجميع منتج مستورد شبه جاهز يقوم به في كثير من الأحيان عمال وافدون ، وهم بذلك يحققون الربح السريع .فكيف يمكن لمثل هذه القوى الاجتماعية أن تلعب نفس الدور التاريخي الذي لعبته القوى الاجتماعية الأوروبية كقوى رائدة وقائدة للتطور الديمقراطي والاجتماعي كما يعتقد الليبراليون الجدد ؟
لم تغب هذه السمات الجوهرية للرأسمالية الأردنية عن الليبراليين الجدد وهم الذين يحملون أرفع الشهادات العلمية وقادرون على قراءة الواقع بكل تفاصيله وليس لديهم أية أوهام حول قدرات القطاع الخاص وممثليه ورغبته بالاصلاح ، وإلا لماذا التمنيات التي يزخر خطابهم للقطاع الخاص والنخب الاقتصادية ضرورة أن تعلن أنها لا تريد تفكيك القطاع العام الإنتاجي والخدمي لكي يطمئن لها الجمهور، هذا في خطابهم لكن في الواقع يعملون بشكل حثيث لإلغاء قطاع الخدمات الحكومي وخاصة الصحة والتعليم ، وغيرها من الإجراءات الكفيلة بتحقيق برامجهم التي يبشرون بها لكن خطابهم المشار إليه سببه في الواقع أنهم يبحثون عن حلفاء من أجل بناء قاعدة اجتماعية لاستكمال تنفيذ أجندتهم بوتيرة أسرع مما يتم حتى الآن خاصة وأنهم يفتقرون لأية قاعدة اجتماعية يعتمدون عليها أو تقبل برامجهم وحتى السياسيين القدامى الذين مهدوا الطريق أمام وصول الليبراليون إلى مراكزهم الحالية يعارضون السير على هذا المنوال ، لذا نراهم حريصون على تحيد أو كسب الفئات الوسطىحتى لا تقاوم مشروعهم ، لأن هذه الفئات لا ترى حلا لأزمات الاقتصاد والمجتمع إلا بتطبيق الديمقراطية واتخاذ مواقف واضحة من العدوان الأمريكي على المنطقة وسياساته المختلفة وأهمها العدوان المستمر على الأمة في فلسطين والعراق ولبنان والسودان وغيره ..
بينما نحن نرى أن العمل والسياسة التي يتبناها ممثلو الاتجاه الليبرالي تستهدف تفكيك أهم القطاعات الخدمية الحكومية مثل الصحة والتعليم تماما كما فعلوا عندما خصخصوا القطاعات المنتجة والتي كانت تدر دخلا لخزينة الدولة واصبح الآن من حق شركات اجنبية سميت شريكا اقتصاديا استراتيجيا مهما ، بينما بالنسبة للأوضاع الخارجية هم حريصون في المقابل على السكوت وتبرير العدوان الأمريكي على المنطقة . لكننا نراهم يشربون حليب السباع عندما يتعلق الأمر بإيران مثلا نراهم وقد تحولوا إلى قوميين صناديد يستنكرون بشدة إعدام صدام حسين رغم أنهم لم ينبسوا ببنت شفة عندما احتل الأمريكيون العراق وعاثوا فسادا به لا بل سهل البعض منهم العدوان عليه .
ان السياسة والنشاط الإيرانيين في العراق والمنطقة مدان ومرفوض نظرا لموقفها الداعم لاحتلال العراق وتمزيقه مذهبيا لكن العدو الرئيس حتى هذه اللحظة لشعوبنا وقضايانا تبقي الإدارات الأمريكية وإسرائيل والسياسات التي تتبعانها. و يبقى في نفس الوقت من حق الشعب العراقي أن تحدد إلى من ستوجه فوهات بنادقها في كل لحظة لمنع تقسيم العراق والمحافظة على وحدته وتحريره من العدو الأمريكي الغاشم ورسم مستقبله الديمقراطي .
إن ليبراليي بلادنا ليسوا على استعداد أن يتبنوا المطالب القومية والاجتماعية والديمقراطية التي هي تعبير عن مطالب كل الأردنيين الذين ينعتون بالأغلبية الصامتة . وهم غير مستعدين إن يدينوا التدخل الأمريكي العدواني في المنطقة وأن يطالبوا بوقف الحروب فيها . وغير معنيين أن يشاركوا في دحر الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين وأن يحافظوا على وحدة لبنان ويتصدوا للعدوان الإسرائيلي عليه .نسوق هذه المواقف على خلفية قرارات مجلسي الأمة من قانون المطبوعات وقانون الأحزاب التي تعد تراجعا عما كان قد وعد به الأردنيين من إصلاحات ديمقراطية ، حيث اتفق الليبراليون والمحافظون على التراجع عن الاصلاحات وبالتالي واخطأ من راهن على خلافهم .
#ابراهيم_حجازين (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟