أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد الإحسايني - بودلير لوركا في شعر صلاح عبد الصبور















المزيد.....

بودلير لوركا في شعر صلاح عبد الصبور


محمد الإحسايني

الحوار المتمدن-العدد: 1850 - 2007 / 3 / 10 - 05:30
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تجربة الألم والملل والنفاق : مقابل العودة إلى الصفاء
يمتلك صلاح عبد الصبور، الشاعر المصري الكبير، الراحل،بجانب المقومات الشعرية، عدة مرجعيات في تأسيس هرمه الشعري، بدءا من التراث الأدبي والديني إلى التأثر بشعراء الحداثة الأوروبيين. ومن الذين لم يخف إعجابه بهم، ويلتصق بهم في حميمية ” لوركا “، و ” بودلير “: في قصيدة بهذا العنوان، يخاطب بها ” بودلير “:
أنت لما عشقت الرحيل
لم تجد موطنا
يا حبيب الفضاء الذي لم تجسه قدم
يا عشيق البحار وخدن القمم
يا أسير الفؤاد الملول
وغريب المنى
يا صديقي أنا
Hypocrite lecteur
Mon semblable, mon frère ” أحلام الفارس القديم “.
في هذه الأشطر، ذات الكثافة الشعرية، يلمح صلاح عبد الصبور، إلى نوع الرحيل الرمزي الذي مارسه ” بودلير ” بدلا من إخفاقه أو بالأحرى، عدم امتثاله لزوج أمه الذي سفره إلى الهند، عبر إحدى السفن، ثم قفل راجعا أثناء توقف السفينة في جزيرة ” لاريونيون “. فالفضاءات التي يحلم بها ” بودلير “، لا تخضع للأبعاد الثلاثة التي تحد بها الأمكنة، بطريقة كلاسيكية، فالفضاء الذي لم تجسه قدم، هي تلك الأمكنة التي يصورها خياله: بحاره هو، وسماؤه، ولا زورده وخفايا موجه، في سكون الليل، في تباشير الصباح، وفي شفق الأصيل، في تناسق الصور وتقاطعها، في رمزية الأشياء، في تجسيد إحساسات الملل، والسأم، والضجر والكآبة: هذه المعاني المترادفة والمتقاربة، هي التي سوف تجعل القيمة الأدبية لقصائد النثر البودليرية في Le Spleen de Paris .
يفتتح ” بودلير ” ” أزهار شره ” بقصيدة ” إلى القارئ ” ونقطف منها ” بيت القصيد “، من ترجمتنا للقصيدة:
” العنف، والسم، والخنجر، والحريق، إذا هي،
مازالت لم تنمق برسوماتها السارة،
اللوحة التطريزية المبتذلة لمصائرنا المرثى لها،
فلأن نفسنا، واحسرتاه ! ليست جريئة بما فيه الكفاية.
لكن، من بين الذئاب، والفهود، وكلاب الصيد،
والقرود، والعقارب، والنسور، والحيات
والأغوال الزاعقة، العاوية، المدمدمة،
في معرض وحوش رذائلنا الكريه.
ليس أبشع منه وأشرس، ولا أكثر دناسة
فهو؛ وإن لم يقم لا بحركة هامة، ولم يصرخ صرخة عظيمة،
سوف يجعل من الأرض حطاما
وسوف يبتلع العالم في تثاؤب؛
إنه الملل ! – العين محملة بدمع غير إرادي،
يحلم بالثروات مدخنا ” الهوكا “،
تعرفه أيها القارئ، يا هذا المخيف المرهف،
-أيها القارئ المنافق – يا شبيهي – يا أخي ”
(بودليز) – ” أزهار الشر ”
التماهي بين ” الشاعر ” و “القارئ “، هو قوام هذا التواصل بين المبدع والملتقي، وضمنه لا يصعب تحديد علاقة الطرفين معا في خضم ” الملل “، ملل الإنسان الحالم، المشتاق إلى مغامرات الثروة، حبيس دمع فرحته. ” بودلير ” كان يحلم بالثروة.
أستغفر الله ! أي ثروة ؟ ثروة خزائن الهند والسند، وفارس ؟ ثروة ممالك الأفيون والأثير ؟
كلا ! … بل تركة أبيه من الثروة.
ارتبط الشاعر ب ” جان دوفال”؛ وهي فنانة خلاسية. وبالرغم من الشقاقات المتكررة والعديد من المغامرات، فقد ظل حياته، عشيقا وسندا لها، بجانب حبه الانغماس في حياة التأنق والشياكة، مخلفا وراءه ثقلا من الديون.
ومن ثم، تذرعت أمه وزوجها الفريق ” أوبيك ” بغرائبه الشاذة، فحصلا من المحكمة سنة 1844 على إخضاعه إلى مجلس قضائي. انظر (مقدمة ” أزهار الشر “) بروفرانس ماكسي ليفر
” لبودلير ” إذن، عالمه الخاص، إن لم نقل عوالمه، وإن كان يقول: ” أعرف ما كتبه، ولا أحكي إلا ما رايته “.
لم يخف صلاح عبد الصبور إعجابه ب ” بودلير ” – صنوه – فعبقريته الفطرية، كرجل خلق شاعرا، إزاء العالم الخارجي، تحتم عليه تنظيم هذا الكون المنثور – أو ربما هكذا يبدو أمام خيال الشعراء – فنيا وإعادة صياغته، للتفريق بين المبتذل من الأشياء المألوفة، وليتمتع بصفة شعرية أخرى، يميزها الفرق بين “الكون الشعري” صنيعة الإنسان وبين الطبيعة بكل حدافيرها المعروفة للعيان.
ومن هنا، يحق لبودلير أن ” يعرف ما يكتب، ولا يحكي إلا ما رأى”:
شاعر أنت والكون نثر
والنفاق ارتدى أجنحة
وتزيا بزي ملاك جميل
والطريق طويل
والتغني اجتراء على كشف سر
في عيون النساء طفت، لما تجد
في السماء التي أطرقت معجبة
فوق بحر سجا كالزجاج الرهيف
لم تجد، لم تجد
في الدخان الذي ينعقد
ثم يهوي أمام العيون كثوب شفيف
لم تجد، لم تجد
فعشقت الرحيل
في بحار المنى
يا فؤادا ملول
يا صديقي أنا
صلاح عبد الصبور ” أحلام الفارس القديم ” ص.ص 231، 232.
الشاعر صلاح عبد الصبور يكاد يعطينا ” أوتوبيوغرافيا ” شعرية عن ” ش. بودلير” صاحب ” الغرفة المزدوجة ” والجنان الاصطناعية “، ” وكل إنسان وخيمره “، ” ونصف الكون في جديلتك ” إلخ …في بضعة أشطر من هذه القصيدة التفعيلية (من تفعيلة المتدارك). وقد أعجب بهذا الشاعر وشعره، ولكنه إعجاب لا يستغرق كل مشاغل الشاعر وتطلعاته الأدبية بحكم عدة عوامل تاريخية، وثقافية، واجتماعية، ونفسية.
فهو ينظر إليه بإعجاب، عن كتب، ويستقطبه ملله، إزاء تساؤلات فنان خبير بدروب الأدب، ومسالكه الوعرة والحذرة، وفنونه.
الفرق إذن، هو أن الشاعر ” بودلير “، استحوذ عليه خيال الشر، في حين يحتاط عبد الصبور، بحكم ثقافته الخاصة، وإطاره الإنساني، وهو يتخطى مربد الحيوانات – الإنسان، باحثا عن الإنسان الصافي الخالص، لكن بدون جدوى، فيترك هذا الأمل معلقا ومفتوحا إلى حين:
ونزلنا نحو السوق أنا والشيخ (الشيخ بسام الدين)
كان الإنسان الأفعى يجهد أن يلتف على الإنسان الكركي
فمشى من بينها الإنسان الثعلب
عجبا …
زور الإنسان الكركي في فك الإنسان الثعلب
نزل السوق الإنسان الكلب
كي يفقأعين الإنسان الأفعى
واهتز السوق بخطوات الإنسان الفهد
قد جاء ليبقر الإنسان الكلب
ويمص نخاع الإنسان الثعلب
وفي هذا التدرج من ” الكائن الأضعف ” إلى الكائن الأقوى ” كان الشاعر، يبحث عبثا عن ” الإنسان الإنسان” بفطرته البكر المحب للخير بشدة، غير الكنود، ويصوغ كل ذلك بتماه مع مذكرات الصوفي بشر الحافي ” وشيخه؛ حيث يسأل بشر شيخه:
قل لي أين ” الإنسان، الإنسان ”
شيخي بسام الدين يقول:
اصبر … سيجيء ……..
الإنسان الإنسان عبر
ومضى لم يعرفه بشر.
ما دمنا في عالم، أسبوعه ثمانية أيام، وسنته ثلاثة عشر شهرا على حد تعبير صلاح عبد الصبور، الذي لجأ إلى المراوغة ليوهمنا في الأول بأمل مفتوح، ثم يسد أمامنا الآفاق ربما لنرتمي في الملل. فها هو إذن ” يجرأ ” ليعلنها حقيقة مرة. وها هو بدوره يعرض حيواناته الشرسة والوديعة معا في السوق، سوق الرذائل البشعة، بلا شك.
ومع ذلك، لقد ظل الأمل، معلقا في خاطره نحو البحث عن ” الإنسان الإنسان ” الفطري الصافي، الخالي من كل إثم؛ وبعد أن يستعرض عددا من ” لو ” المستحيلة شرطا (لو أننا / لو أننا، وآه من قسوة لو) ، يتذكر أيام الطيبوبة والصفاء:
قد كنت فيما فات من الأيام
يا فتنتي محاربا صلبا، وفارسا همام
من قبل أن تدوس في فؤادي الأقدام
من قبل أن تجلدني الشموس والصقيع
لكي تذل كبريائي الرفيع
كنت أعيش في ربيع خالد، أي ربيع
وكنت إن بكيت هزني البكاء
ثم يشتد حنوه إلى الفطرة والوداعة اللتين أفقدته إياهما، الأيام:
ماذا جرى للفارس الهمام ؟
انخلع القلب، وولى هاربا بلا زمام
وانكسرت قوادم الأحلام
يا من يدل خطوتي على طريق الدمعة البريئة
يا من يدل خطوتي على طريق الضحكة البريئة
لك السلام / لك السلام
أعطيك ما أعطتني الدنيا من التجريب والمهارة
لقاء يوم واحد من البكاره
لا، ليس غير ” أنت ” من يعيدني للفارس القديم
دون ثمن
دون حساب الريح والخساره
بهذا يفتح صلاح عبد الصبور نافذة الأمل في العودة يوما إلى الطيبوبة عن طريق الحب، ونسيان حوادث الأيام والأزمان.
أو كما قال المتنبي:
ليت الحوادث باعتني الذي أخذت
مني بحلمي الذي أعطت وتجريبي.
عندئذ، سوف نكون بعيدين عن ” أجنحة النفاق “، ” والملل ” لكن هيهات!



#محمد_الإحسايني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لعبة الطفل الفقير
- إشراقات بعد الطوفان-لآرتور رانبو *
- عناصر منفصمة...14
- عناصر منفصمة...13
- عناصر منفصمة...12
- نصف كرة في خصلة شعر
- خمرة العشاق
- عناصر منفصمة..11
- الإنسان والبحر
- عناصر منفصمة...10
- عناصر منفصمة...9
- عناصر منفصمة...8
- عناصر منفصمة...7
- عناصر منفصمة...5
- عناصر منفصمة...4
- عناصر منفصمة...3
- عناصر منفصمة...2
- عناصر منفصمة
- مفاكه
- إحساس


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد الإحسايني - بودلير لوركا في شعر صلاح عبد الصبور