سعيد علم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 1840 - 2007 / 2 / 28 - 12:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لا تُعوِّلوا كثيرا على رئيس حركة "أمل" نبيه بري وحواراته واستشاراته ومبادراته ومساوماته وطبخاته وبهاراته. وتهديده بالقول" إذا لم تسوَّ الأمور فسأفضح كل شيء قبل نهاية شباط الجاري". لماذا؟
لأن قراره ليس ملك يديه وليس من رأسه نابع، بل هو متلقٍ فقط للأوامر من خامنئي وبشار ومنفذٌ لمشاريعهم وخططهم "حربوقٌ" في ذلك ذكيٌّ وشاطر.
وبما أنه سياسيٌّ مخضرمٌ عتيقٌ مجربٌ فاعل، ومحامي محنكٌ لبقٌ بارع، فهو على قلبِ الحقائق بسهولةٍ ماهر، وعلى تزييف الوقائع بجرأةٍ قادر.
وبما أنه لم يتغير عن سابق عهد الوصاية البائر، وكأن رستم غزالي القاتل، مزرعة عنجر لتربية وذبح الدواجن البشرية لم يغادر، وكأن النظام السوري الجائر، لم يخرج قط من لبنان عبر المعابر.
ولهذا فهو ما زال لبشار خانعا أكثر منه وفيا، وبه لصيقا أكثر منه حليفا، وعلى مصالحه ساهرا وبمصالح الشعب اللبناني كالسمسارِ يتاجر. وهو على حساب مستقبل الوطن والحق والحقيقة والصدق والصداقة والمحكمة والعدالة ولمصلحة المجرم الفاجر، يساوم في السعودية ويناور، ولا يهمه بعد إن ارتكب الصغائر وبعضا من الكبائر،
ولهذا وتأكيدا لما أسلفنا ولكي نقرن القول بالحجة فهو:
- لا يمكن أن يقول لا، للمرشد خامنئي. فمثلا عند هروب وزراء "حزب الله" وأتباعهم من الحكومة لارتعابهم من التصديق على مشروع المحكمة الدولية وقبل الاجتماع بخامنئي قال "حكومة السنيورة دستورية" خرج من الاجتماع ليقول "الحكومة فاقدة الشرعية وغير دستورية".
- ولا يمكن أن يقول لا، لبشار وهو ينفذ سياسته بحذافيرها ولا يحيد عنها قيد أنملة حتى ولو كانت ضد مصلحة شعبه. ولهذا فقد شل المجلس التشريعي خدمة لبشار. وكل محاولاته المكشوفة في السعودية هي لإخراج الأخير من عزلته القاتلة على حساب المحكمة والحقيقة ودماء شهداء أحرار لبنان.
- ولأنه لا يمكن أن يقول لا، لحسن نصر الله حتى ولو أخذ الشيخ حسن لبنان إلى كارثة تموزية أخرى وعصيان وربما كوارث وفتن وحروب لن تنتهي إلا بانتصار لبنان الحضاري السيد الحر الديمقراطي المستقل على عصابات القتلة ومشاريع الأشرار.
هو أي نبيه بري يقول ببساطة: لا وألف لا للشعب اللبناني الذي انتخب نوابه ليمثلوه ويعبروا عن إرادته الحرة في صرح المجلس النيابي وليس عبر الإعلام وفي الشارع وفي مهزلة الاعتصام.
وقال بري عن الأكثرية النيابية متهكما " الأكثريون"، ووصفهم بشار حاقدا ب"العابرون"، وقال عنهم نصر الله ساخراً "الوهميون"، وأما لحود فقد اعتبرهم "مزيفون"، وأما بالنسبة لميشال عون فكلهم "مزورون" إلا نوابه بالطبع فهم مع نواب "حزب الله" وبري من الصدقين أي "الشرعيون المقدسون المصانون من الاغتيال البشاري وكأس المنون".
لقد كانت نتيجة انتخابات عام 2005 النزيهة الديمقراطية وحكومة السنيورة الحرة "صنع في لبنان" التي انبثقت عنها علقما في حلق بشار الأسد. لماذا ؟
لأن حكومة السنيورة وضعت نصب أعينها في بيانها الوزاري مساعدة الشعب اللبناني بالتعاون الكامل مع لجنة التحقيق الدولية ومجلس الأمن للقضاء على الاغتيال السياسي الحاقد البشع من خلال تشكيل محكمة ذات طابع الدولي، وذلك لعجز القضاء اللبناني ولاعتبارات كثيرة لها علاقة بالنظام السوري عن القيام بهذه المهمة. تصميم الحكومة ومجلس النواب بأكثريته على تحقيق هذا الهدف الضروري جداً لخلاص لبنان من التهديد الإرهابي المستمر، أقض مضجع بشار الأسد الذي أصابه الأرق وأعلن صراحة وعبر ممثليه رفض المحكمة الدولية بحجج واهية.
هدف بشار الأساسي هنا هو التأخير والعرقلة واللعب بالوقت ومضيعته إلى أبعد الحدود وإلى أن تتغير بعض الظروف السياسية الدولية: كانتهاء ولاية شيراك في فرنسا صديق الحريري مثلا. ولتحقيق هذا الهدف كانت مختلف العراقيل الشرعية والإرهابية مطلوبة. لا ننسى هنا دور رجال المخابرات السورية: هسام هسام ووئام وهاب، لؤي السقا وناصر قنديل، ميشال جرجورة وسليمان فرنجية وقصص كثيرة أخرى وتدخلات ورسائل في كل الاتجاهات لبنانيا وعربيا ودوليا عبر روسيا مثلا. بالإضافة بالطبع إلى الاغتيالات والتفجيرات المتكررة ومحاولاتها المتواصلة يوميا وما يكتشف كل لحظة.
وبما ان كل هذا لم يثمر ولم يزد مجلس الأمن والعالم والعرب والشعب اللبناني وأحراره في 14 آذار والأكثرية والحكومة، إلا إصراراً على معرفة الحقيقة من خلال المحكمة، كان لا بد من ضرب الحكومة وشل مجلس النواب. وكان أن استقال الوزراء الخمسة بسبب مشروع المحكمة بالذات واشتعلت حملة الحلف الإلهي دواليبَ وقطع طرق على عدم دستوريتها. أما شل المجلس فلقد تحقق قبل ذلك بكثير على يد رئيسه نبيه بري وبسهولة من خلال طاولة الحوار.
فالدعوة إلى طاولة الحوار هدفها الأساسي كان شل مجلس النواب وإنهاء دوره. وهكذا بدل أن يكون الحوار الوطني والنقاش وتبادل الحجج في الموقع الصحيح تحت قبة البرلمان صار تحت وفوق الطاولة. حتى أنه اشترك زعماء على طاولة الحوار لم ينتخبهم الشعب أصلا. لقد فرضت طاولة الحوار على نواب الشعب أن يصبحوا متفرجين ومتتبعين للأخبار كباقي الناس وكأن دورهم التشريعي والدستوري انتهى.
وماذا حققت طاولة الحوار؟ بعض البديهيات التي اتفق عليها اللبنانيون ولم تطبق واحدة منها. بل وتحارب اليوم كالمحكمة الدولية من قبل الحلف الإيراني السوري وأتباعه في لبنان. والأدهى من ذلك أن الوعد الصادق انطلق خداعا من طاولة الحوار ليوصلنا إلى حرب تموز الكارثية وتدمير البنية التحتية وكل المرافق.
وهل نسيتم عيدية بري المشهورة إلى أين أوصلتنا؟
إلى طاولة التشاور التي أوصلتنا بدورها إلى الاعتصام وخراب بيوت الناس بإفلاس أصحاب المحلات، والاضطراب بحرق الدواليب وقطع الطرق والاعتداء على الأبرياء يوم الثلاثاء الأسود وخميس الفتنة. ويهدد اليوم حزب الله والتوابع في العصيان وإعلان الثورة الإلهية الكبرى على حكومة لبنان الشرعية الدستورية.
كل ما يقوله بري هو لتخدير المجتمع بآمال لا تتحقق، وكل ما يقوم به هو لتضييع الوقت لمصلحة النظام السوري ولتأخير تشكيل المحكمة ولو حتى عشر ثوان. ولهذا يجب عدم التعويل والتهليل والتطبيل كثيراً للقاء محتمل بين الزعيم الوطني سعد الحريري ورئيس "أمل" نبيه بري.
مشكلة النظام البشاري الأساسية مع أحرار لبنان لم تكن خروجه بهذه الطريقة المذلة، ولم تكن صرخة اللبنانيين في وجهه بإنهاء عهد الوصاية البغيض، ولم تكن مطالبتهم بالسيادة الكاملة والاستقلال الناجز والقرار الحر، ولم يكن تطبيق القرار1559 الذي أخرجه من لبنان دوليا قبل أن يخرج عمليا فهو يعرف انه موجود من خلال طوابيره الخامسة. وما اكثرها!
مشكلة النظام البشاري الأساسية مع لبنان كانت وما زالت إنشاء المحكمة الدولية، وكل من يطالب بها دستوريا في لبنان كحكومة السنيورة والأكثرية النيابية أي قوى 14 آذار.
وهنا نفهم دور حزب الله الهجومي الكاسر المعلن والعدواني الشرس والفاشل حتى اليوم لفرط الحكومة وإعلانه التكراري عدم دستوريتها. ودور نبيه بري الغير معلن والسلس والسياسي البارع والذي نجح من خلاله في شل مجلس النواب حتى اليوم ويبيعنا مؤتمرات وتصاريح.
برلين 07.02.23
#سعيد_علم_الدين (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟