أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - سينما الغجر: حين يتحوّل الهامش إلى سردٍ إنساني متمرّد














المزيد.....

سينما الغجر: حين يتحوّل الهامش إلى سردٍ إنساني متمرّد


محمد عبيدو

الحوار المتمدن-العدد: 8567 - 2025 / 12 / 25 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


لم تكن سينما الغجر مجرّد توثيق لحياة فئة اجتماعية هامشية، بل شكّلت عبر تاريخها الطويل فعلاً إبداعياً مقاوماً، وسرداً إنسانياً كاشفاً لوجعٍ ممتد منذ قرون. فالغجر، الذين ارتبط اسمهم بالتشرّد والحرمان والتمييز، عاشوا تاريخاً مثقلاً بالملاحقة والإقصاء، بلغ ذروته في الحقبة النازية حين قُتل ما يقارب نصف مليون غجري، في إبادة لم تنل ما تستحقه من اهتمام إعلامي أو اعتراف عالمي. وإلى اليوم، ما زال التمييز ضدهم قائماً في مجالات التعليم والعمل والصحة، وصولاً إلى العنف والقتل والترحيل القسري.
أمام هذا الواقع القاسي، جاءت السينما بوصفها مساحة لإعادة الاعتبار، وكشف المخفي، وتفكيك الصور النمطية التي طالما أحاطت بالغجر. فقد أغرت حياتهم القائمة على الحرية والترحال والتمرّد عدداً كبيراً من الأدباء والشعراء والموسيقيين وصنّاع السينما، منذ ميغيل دي سرفانتيس الذي مجّد حياة الغجر في «لا جيتانيلا»، مروراً بجورج بيزيه في أوبرا «كارمن»، وصولاً إلى عشرات الأفلام التي جعلت من الغجر أبطالاً لسرديات إنسانية عميقة.
في السينما الأوروبية، شكّل فيلم «الغجر يصعدون إلى السماء» لإميل لوتيانو علامة فارقة، ليس فقط لجماليته الشعرية، بل لاحتفائه النادر بالغجر كذوات حرة، تعيش تناقض الحب والكبرياء والموت. قصة زوبار ورادا لم تكن حكاية عاطفية فحسب، بل مرآة لصراع الإنسان الغجري مع السلطة والمجتمع، حيث تتقاطع الموسيقى بالغناء، والأسطورة بالواقع، في خاتمة مأساوية تعكس قوانين الحياة القاسية داخل الهامش.
أما فيلم «قابلت غجراً سعداء» لأليكساندر بيتروفيتش، فقد استخدم السخرية عنواناً ليكشف بؤس حياة الغجر في يوغسلافيا، مقدّماً صورة واقعية لاقتصادهم الهش ومعاناتهم اليومية. وفي السياق نفسه، يذهب المخرج الهنغاري بنس فليغوف في «الهواء فقط» إلى فضح المجازر العنصرية التي تعرّض لها الغجر في هنغاريا، في عمل صادم يكشف تواطؤ السلطات وصمت المجتمع.
ويبرز اسم أمير كوستوريكا بوصفه أحد أبرز من اشتغلوا على الموضوع الغجري، خصوصاً في «زمن الغجر» و«قط أبيض قط أسود»، حيث يمزج الواقعي بالغرائبي، والبؤس بالشعر، ليقدّم عالماً تتساوى فيه الأشياء جميعاً: الإنسان والحيوان والجماد. سينما كوستوريكا لا تروي قصة الغجر فقط، بل تنغمس في روحهم، في موسيقاهم، في أحلامهم الجماعية، وفي عنفهم وقهرهم اليومي.
في رومانيا، أعاد رادو جود في فيلم «عفارم!» فتح ملف مسكوت عنه، كاشفاً ماضي الغجر كعبيد في القرن التاسع عشر، ومعرّياً بنية العبودية والعنصرية التي أسّست للتهميش المستمر. كما قدّم مارتن سوليك في فيلم «الغجر» مقاربة شبه وثائقية، استعان فيها بممثلين غجر حقيقيين، بهدف كسر الصورة الإعلامية النمطية، وتصوير حياة الغجر كما هي، بلا تزييف.
ولم تغب صورة الغجر عن السينما العربية، وإن جاءت غالباً محمّلة بالتصورات الشعبية، كما في السينما المصرية واللبنانية والسورية، حيث ظهروا في أدوار الغوازي والراقصات والمتشردين، أو ضمن حبكات درامية تكرّس تهميشهم الاجتماعي، مع محاولات محدودة لتقديمهم بوصفهم شخصيات إنسانية معقّدة. ففي السينما المصرية، حملت بعض الأفلام الغجر في عناوينها، من بينها فيلم «الغجرية» (1960) من سيناريو وحوار وإخراج السيد زيادة، وبطولة هدى سلطان وشكري سرحان، حيث تُقدَّم جماعة الغجر في سياق مأساوي يرتبط بتجارة الأطفال والاختطاف، عبر شخصية «أبو دومة» الذي يسرق الرضّع لإعادتهم مقابل الفدية أو بيعهم، قبل أن تتشابك المصائر بين طفل يُربّى خارج نسبه الحقيقي وفتاة تنشأ داخل الوسط الغجري، في حبكة تعكس قسوة الواقع والتباس الهوية. ويواصل السيد زيادة الاشتغال على الصورة ذاتها في فيلم «غازية من سنباط» (1967)، بطولة شريفة فاضل ومحمد عوض، حيث تظهر الراقصة الغجرية بوصفها رمزاً للإغواء الاجتماعي والاختلاف الثقافي. وفي لبنان، قدّم فيلم «الغجرية والأبطال» (1984) لسمير الغصيني صورة درامية للغجر بوصفهم طبقة مهمّشة، وهو المنحى نفسه الذي نجده في الفيلم المشترك السوري–اللبناني–المصري «الغجرية العاشقة» بإخراج رضا ميسر وبطولة سميرة توفيق، الذي يروي قصة حب بين فتاة غجرية وشاب من المدينة، تصطدم برفض القبيلة، فتتحول الحكاية إلى سلسلة من المغامرات والمفارقات التي تكشف صدام القيم بين الهامش والمركز. وفي سياق أكثر واقعية وإنسانية، يقدّم فيلم «خمسة» للمخرج الفرنسي من أصل تونسي كريم دريدي صورة مؤثرة عن الحياة الغجرية المعاصرة، من خلال قصة طفل يتيم من أصول غجرية وعربية مختلطة يهرب من عائلة تبنّته ليعود إلى المخيم الغجري في أحد أحياء مارسيليا الشعبية، حيث تتقاطع صداقة الطفولة وصراع البقاء، وتُرسم ملامح عالم هامشي قاسٍ، لكنه مشبع بالحميمية والتضامن الإنساني.
في المقابل، يُعدّ المخرج الفرنسي من أصل جزائري توني غاتليف أحد أهم الأصوات السينمائية المدافعة عن القضية الغجرية. فقد كرّس معظم أفلامه لموسيقى الغجر وحياتهم ومعاناتهم، محارباً الصور النمطية الهوليوودية. من «الأمراء» إلى «رحلة آمنة»، ومن «الغريب المجنون» إلى «حرية»، قدّم غاتليف مشروعاً سينمائياً متكاملاً يجعل من الموسيقى لغة هوية، ومن الترحال فلسفة وجود، ومن السينما أداة مقاومة.
في المحصلة، لا يمكن النظر إلى سينما الغجر بوصفها تياراً هامشياً، بل هي سينما ذاكرة واحتجاج، تعيد كتابة تاريخ المنسيّين، وتمنحهم صوتاً وصورة في عالم طالما أنكر وجودهم. إنها سينما تضع الإنسان في مواجهة القهر، وتؤكد أن الفن، حين ينحاز للهامش، يصبح فعلاً أخلاقياً بقدر ما هو جماليات بصرية.



#محمد_عبيدو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -واتو ووتي / جميعنا-… حين تنتصر الإنسانية على الخوف
- مدائح لروحك الغريبة
- -بين أو بين-... حين يلتقي الخيال بالواقع على الحدود الجزائري ...
- سينما كيبيك في بجاية: تنوّع الرؤى وتقاطعات الهوية
- الشحوب والظلال
- السينما الإفريقية تفقد المخرج المالي سليمان سيسي(1941-2025)
- معرض الفنان -ميزو- بدار نحلة بقصبة الجزائر .. رؤية تشكيلية ب ...
- «السرديات البيئية.. نحو نقد بيئي للرواية العربية» كتاب جديد ...
- المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي طبعة ناجحة تحت شعار -الكوميدي ...
- المؤرخة والكاتبة الأمريكية أليس كابلان تقدم روايتها عن الفنا ...
- غياب الفنان التشكيلي والسينوغراف والسينمائي أرزقي العربي
- أميرة الراي الشابة -نورية-
- رغبة غامضة ****!
- وفاة المخرجة شيرين غيث
- تسرب عبر الشجن مصيرك
- مارك غارانغر غياب مصور كبير وموثق وجوه جزائرية
- -إيدير - وداعا
- حزن الثقافة العربية بفقدان مبدعين
- المخرج والمنتج العراقي - قاسم عبد -: المنفى تجربة اشكالية ام ...
- د مباركة بلحسن : المرأة الحسّانية وثقافة الجسد : مقاربة أنثر ...


المزيد.....




- وفاة الممثل الفلسطيني المعروف محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- قرار ترامب باستدعاء سفراء واشنطن يفاقم أزمة التمثيل الدبلوما ...
- عرض فيلم وثائقي يكشف تفاصيل 11 يوما من معركة تحرير سوريا
- وفاة الممثل والمخرج الفلسطيني محمد بكري عن عمر يناهز 72 عاما ...
- رحيل محمد بكري.. سينمائي حمل فلسطين إلى الشاشة وواجه الملاحق ...
- اللغة البرتغالية.. أداة لتنظيم الأداء الكروي في كأس أمم أفري ...
- بعد توقف قلبه أكثر من مرة.. وفاة الفنان المصري طارق الأمير ع ...
- نجوم يدعمون الممثل الأميركي تايلور تشيس بعد انتشار مقاطع فيد ...
- إقبال متزايد على تعلم اللغة التركية بموريتانيا يعكس متانة ال ...
- غزة غراد للجزيرة الوثائقية يفوز بجائزة أفضل فيلم حقوقي


المزيد.....

- دراسة تفكيك العوالم الدرامية في ثلاثية نواف يونس / السيد حافظ
- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - سينما الغجر: حين يتحوّل الهامش إلى سردٍ إنساني متمرّد