أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - -واتو ووتي / جميعنا-… حين تنتصر الإنسانية على الخوف














المزيد.....

-واتو ووتي / جميعنا-… حين تنتصر الإنسانية على الخوف


محمد عبيدو

الحوار المتمدن-العدد: 8563 - 2025 / 12 / 21 - 16:13
المحور: الادب والفن
    


برمج مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي في دورته الـ13 ضمن تظاهرة أفلام افريقية، الفيلم الكيني "واتو ووتي / جميعنا".. في زمنٍ يزداد فيه الاستقطاب، وتتحول الهويات الدينية والعرقية إلى أسلحة في أيدي المتطرفين، يطلّ علينا الفيلم الكيني "واتو ووتي" (Watu Wote) للمخرجة الألمانية كاتيا بنراث كقصيدةٍ بصريةٍ بليغة في معنى التعايش الإنساني، ومرافعةٍ صادقةٍ ضد ثقافة الكراهية. إنه عملٌ سينمائي قصير في مدته (22 دقيقة)، لكنه بالغ العمق في أثره، يستعيد حادثةً حقيقية وقعت عام 2015 على الحدود الكينية الصومالية، حين اختار ركاب مسلمون المخاطرة بحياتهم لحماية ركاب مسيحيين من مسلحي حركة الشباب الإرهابية.

بين الوثيقة والدراما: سينما تُعيد الاعتبار للواقع

يمتلك الفيلم من اللحظة الأولى حسًّا وثائقيًّا دون أن يفقد طاقته الدرامية. فالسيناريو الذي كتبته جوليا دراتش يقوم على بناءٍ سردي مكثّف، يختزل الزمن دون أن يختزل المعنى. نحن أمام سينما تنطلق من واقعة موثقة، لكنها لا تُقدَّم بروح التقرير الإخباري، بل بعينٍ إنسانية تنبض بالحياة.
يُحسن الفيلم إدارة التوازن بين الواقعي والدرامي؛ إذ يتجنب المباشرة والتلقين، ويترك للمتفرّج مساحةً واسعة للتأمل في خيارات الشخصيات وحدود شجاعتها.
تركز المخرجة على شخصيتين محوريتين: جوا، المرأة المسيحية التي فقدت زوجها وطفلها على يد متطرفين، وصلاح فرح، المعلّم المسلم الذي يُجسد جوهر البطولة اليومية الهادئة.
من خلالهما، يرسم الفيلم مشهدًا مصغرًا لكينيا المقسومة بين خوفين، ولكنه ينجح في تجاوز الانقسام نحو مساحةٍ من التضامن النادر. فعندما تُهاجم الحافلة، لا يتحول الركاب إلى ضحايا سلبيين، بل إلى شهودٍ على لحظةٍ نادرةٍ من انتصار الضمير الإنساني.
الممثلون، من أديلين وايريمو إلى عبد الولي فرح، يقدمون أداءً واقعيًا حدَّ التماهي، دون أي انفعال مسرحي. حتى العنف يُقدَّم بواقعيةٍ باردة، بلا مؤثرات أو خطب، ليبقى وقعه أشدّ على النفس.
تصوير فيليكس ستريغل يلتقط حرارة الأرض الكينية كما يلتقط حرارة الموقف الأخلاقي. تحت الشمس القاسية، تتصبب الشخصيات عرقًا، وكأن الجسد هنا شاهدٌ على الخوف والرجاء معًا. أما المشاهد الليلية، فتكتسب طابعًا شبه شعري، حيث يتقاطع ضوء القمر مع ظلال الخطر، في تباينٍ بصريٍّ يجعل من كل لقطة لوحةً حية.
تحمل الكاميرا توتر اللحظة دون مبالغة، فتتحرك أحيانًا كأنها تلهث مع الركاب، وأحيانًا تسكن في صمتٍ مهيبٍ لتدع الصورة تقول ما تعجز عنه الكلمات.
رغم قصر مدته، يُمسك الفيلم بإيقاعه بدقةٍ تُحسد. فلا مشهد زائد، ولا حوار عبثي. الموسيقى التصويرية تأتي كمرافقة وجدانية تُعزز إحساس التوتر والرجاء في آنٍ واحد، وتتحول لحظات الصمت الطويلة إلى لغةٍ قائمةٍ بذاتها.
إنها سينما تُراهن على الإحساس لا على الإبهار، وعلى صدق الموقف أكثر من زخرفة الشكل.
ما يجعل "واتو ووتي" فيلمًا خالدًا ليس فقط قصته المؤثرة، بل طريقته في تفكيك ثنائية “نحن/هم” التي غذّتها السياسة والدين. فالعنوان ذاته، "جميعنا"، يقدّم خلاصة فلسفية للفيلم: نحن جميعًا في الحافلة ذاتها، مهددون بالمصير نفسه، ولا نجاة لأحدٍ دون الآخر.
يُقدّم صلاح فرح، الذي استشهد لاحقًا متأثرًا بجراحه، نموذجًا للبطولة الأخلاقية التي لا تُنشد المجد، بل تفعله من دون وعيٍ ببطولتها. بهذا المعنى، يتحول الفيلم من سردٍ لواقعةٍ محلية إلى تأملٍ كوني في معنى الشجاعة والإنسانية في مواجهة التطرف.
في نهاية الفيلم، لا نشهد نصرًا ولا هزيمة، بل لحظةَ إنسانيةٍ خالصةٍ تذكّرنا بأن الأمل ممكن حتى وسط العنف.
"واتو ووتي" ليس فيلمًا عن الإرهاب، بل عن مقاومة الإرهاب بالحبّ، عن الإنسان حين يختار التضامن بدل النجاة الفردية، وعن الحافلة التي تحولت، ولو لدقائق، إلى وطنٍ صغيرٍ يجمع المختلفين على قاسمٍ مشتركٍ هو الحياة.
بهذه اللغة الصافية والبنية المحكمة، يثبت الفيلم أن السينما القصيرة قادرة على أن تكون أعظم أثرًا من أفلامٍ طويلة تتكئ على الضجيج، وأن الإنسانية ما تزال قادرة على النجاة في زمنٍ يزداد فيه القبح. الفيلم كدعوةٍ إلى استعادة الثقة بالإنسان.

كاتيا بنراث: من المسرح إلى السينما الإنسانية

تنتمي بنراث إلى جيلٍ من المخرجات الأوروبيات اللواتي اخترن الانفتاح على قضايا الجنوب العالمي. خلفيتها في المسرح والرقص والغناء أكسبتها حسًا تعبيريًا عاليًا، يتجلى في الاقتصاد البصري، وفي قدرتها على جعل الجسد لغةً دلالية. "واتو ووتي" مشروع تخرجها من كلية هامبورغ للإعلام، لكنه بدا ناضجًا ومُتحكمًا في أدواته إلى حدٍّ يُدهش النقاد.
ولعل فوز الفيلم بأكثر من خمسةٍ وثلاثين جائزة دولية، من بينها الأوسكار الطلابي، لم يكن مصادفةً بقدر ما كان تتويجًا لسينما تصنع من البساطة سلاحًا للتأثير.



#محمد_عبيدو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مدائح لروحك الغريبة
- -بين أو بين-... حين يلتقي الخيال بالواقع على الحدود الجزائري ...
- سينما كيبيك في بجاية: تنوّع الرؤى وتقاطعات الهوية
- الشحوب والظلال
- السينما الإفريقية تفقد المخرج المالي سليمان سيسي(1941-2025)
- معرض الفنان -ميزو- بدار نحلة بقصبة الجزائر .. رؤية تشكيلية ب ...
- «السرديات البيئية.. نحو نقد بيئي للرواية العربية» كتاب جديد ...
- المهرجان الوطني للمسرح الفكاهي طبعة ناجحة تحت شعار -الكوميدي ...
- المؤرخة والكاتبة الأمريكية أليس كابلان تقدم روايتها عن الفنا ...
- غياب الفنان التشكيلي والسينوغراف والسينمائي أرزقي العربي
- أميرة الراي الشابة -نورية-
- رغبة غامضة ****!
- وفاة المخرجة شيرين غيث
- تسرب عبر الشجن مصيرك
- مارك غارانغر غياب مصور كبير وموثق وجوه جزائرية
- -إيدير - وداعا
- حزن الثقافة العربية بفقدان مبدعين
- المخرج والمنتج العراقي - قاسم عبد -: المنفى تجربة اشكالية ام ...
- د مباركة بلحسن : المرأة الحسّانية وثقافة الجسد : مقاربة أنثر ...
- المخرجة عطيات الابنودي بذكرى وفاتها الاولى


المزيد.....




- مصطفى محمد غريب: هواجس معبأة بالأسى
- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...
- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...
- رغم الحرب والدمار.. رسائل أمل في ختام مهرجان غزة السينمائي ل ...
- سمية الألفي: من -رحلة المليون- إلى ذاكرة الشاشة، وفاة الفنان ...
- جنازة الفنانة المصرية سمية الألفي.. حضور فني وإعلامي ورسائل ...
- من بينها السعودية ومصر.. فيلم -صوت هند رجب- يُعرض في عدة دول ...
- وفاة الفنان وليد العلايلي.. لبنان يفقد أحد أبرز وجوهه الدرام ...
- وفاق الممثلة سمية الألفي عن عمر ناهز 72 عاما


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد عبيدو - -واتو ووتي / جميعنا-… حين تنتصر الإنسانية على الخوف