أحمد محمد هاشم
باحث في اللسانيات.
(Ahmed M. Hashim)
الحوار المتمدن-العدد: 8566 - 2025 / 12 / 24 - 15:08
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
في ضل الاعتداءات الصارخة التي يقوم بها الكيان الصهيوني ضد شعوب فلسطين ولبنان وسوريا وإدانة الكثير من المنظمات الدولية[1] لتلك الجرائم والفظائع من قتل وتجويع وسلب وتشريد تبقى الدول العربية الغنية بالنفط والطاقة خاضعة وصامتة لا تفعل أي شيء سوى الإدانة الخجولة جدا وربما الخائفة من ان توصف كدول مارقة او مساندة للإرهاب من قبل الإدارة الامريكية الحالية.
عند متابعة الاحداث الجارية ومنذ السابع من أكتوبر 2023, عملية طوفان الأقصى، وما تلاها من اعتداءات وجرائم وفظائع وقتل وتشريد يندى له جبين الإنسانية لسكان قطاع غزة، والضفة الغربية، ولبنان، وسوريا يبقى السؤال بلا إجابة شافية، كيف نهزم إسرائيل؟ كيف نردعها من ارتكاب المزيد من الجرائم والمذابح بحق البشر؟
تختلف الإجابة عن هذا السؤال البسيط باختلاف المنابع والمشارب. فالبعض يجيب عنه بالتطبيع وتقبيل اقدام الصهاينة ومحاباتهم وغض الطرف عن تلك الجرائم المهولة، والبعض الاخر يجيب عنه بالمقاومة، بانتهاج نظرية المقاومة التي تقوم على تسليح وتدريب الجماعات المسلحة حتى تكون رادعاً في وجه اسرائيل مثل حزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي والفصائل المسلحة الأخرى في فلسطين والدول الاخرى. بالنظر القراءات والاحداث الجارية الحالية يكون من الخطأ الإجابة على هذا السؤال بالمقاومة وحدها وذلك لعدة أسباب.
السبب الأول يعود الى التسليح. يعتمد تسليح الجماعات المسلحة والمنتهجة لنظرية المقاومة على أسلحة شرقية الصنع وربما تكون قديمة نسبياً ولا تكون مناسبة الا في حالة المواجهة وجهاً لوجه او في قتال الشوارع مع العدو الصهيوني والذي يملك ترسانة عظيمة من الأسلحة الامريكية والغربية المتطورة التي تعمل بمساعدة الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي والتي لا يمكن ايقافها او تعطيلها باستخدام الأسلحة الروسية التقليدية!
ان هذا التسليح المتطور يمنح إسرائيل تفوقاً عسكريا كبيرا جداً في المعارك التي تخوضها كما ان لديها القدرة التدميرية التي من الممكن ان تشل الفصائل المسلحة او تنهي وجودها بشكل كامل ولا يمكن اذن ردع الكيان الصهيوني او هزيمته باستخدام الترسانة التسليحية الحالية والتي تكون غالبيتها من الأسلحة الروسية التقليدية [2] اذ لا يمكننا اسقاط طائرة اف-35 باستخدام كلاشنكوف!
السبب الاخر يعود الى مصادر التمويل. ليس من الخفي على أحد ان مصادر تمويل الفصائل المسلحة في لبنان وفلسطين يعتمد اعتماداً كبيرا على إيران والتي تعاني بالفعل من ضغوطات وعقوبات مالية خانقة مما يؤثر على مصادر تمويل تلك الجماعات والتي قد تكون في بعض الأحيان بحاجة الى الكثير الكثير من الأموال لأعداد التدريب والتسليح اللازم لعناصرها. في المقابل على الجانب الصهيوني نرى ان مصادر التمويل الرئيسية تأتي من الولايات المتحدة الامريكية، والتي تسيطر على الاقتصاد العالمي بالدولار والدول الاوربية الغنية. اذ حسب صحيفة بلومبرغ [3]، دعمت الولايات المتحدة الكيان الصهيوني بأكثر من 21 مليار دولار منذ اندلاع احداث السابع من أكتوبر. يساعد هذا التمويل الأمريكي الضخم المتمثل بالتمويل المالي والمعنوي إسرائيل على اعداد برامج تدريب مكثفة تكنولوجية وعسكرية وعلى شراء ذمم بعض الجماعات والمتنفذين في كل من ايران ولبنان وفلسطين وسوريا مستغلة بذلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها شعوب تلك البلدان والتي ترجع بالأساس الى العقوبات الامريكية المجحفة التي تحارب المدنيين في ارزاقهم وقوت يومهم.
ساعد هذا التمويل الأمريكي الضخم اسرائيل على ضرب الصفوف الأولى في حزب الله اللبناني والقيادات الإيرانية والفلسطينية اذ بحسب التقارير [4] تمكنت إسرائيل من استهداف تلك القيادات بمساعدة عملاء لها على الأرض تمكنت من شراء ذممهم عن طريق الدولار الأمريكي مستغلة بالدرجة الأولى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.
السبب الثالث والأخير يعود الى دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي لإسرائيل. اذ لا يمكن ان تسمح الولايات المتحدة وباختلاف اداراتها الرئاسية ديمقراطية كانت ام جمهورية بهزيمة إسرائيل. اذ تعدها بوابتها الرئيسية للتدخل في شؤون الشرق الأوسط والسيطرة الكاملة عليه وعلى جمهوريات الموز العربية وضمان تدفق النفط العربي بأسعار زهيدة وبخسة.
ونظراً لتلك الأسباب الثلاثة التي حاولت ان اوجزها ولا ازعم انها الوحيدة فيمكننا القول انه من الخطأ الاعتقاد ان نظرية المقاومة وحدها قادرة على هزيمة إسرائيل او حتى ردعها عن ارتكاب المزيد من الجرائم طالما تتمتع بدعم امريكي واوروبي من شأنه اسكات أي منظمة دولية تحاول التنديد بتلك الجرائم او حتى محاسبة من يرتكبها واتهامها بمعاداة السامية!
اذن، كيف نردع إسرائيل؟ كيف نهزمها؟ كيف نوقف تلك المجازر المروعة التي تدعمها دول لطالما تغنت بحقوق الانسان والديمقراطية وحرية التعبير وقدسية الحياة البشرية؟!
قد يكون الجواب عن هذا السؤال سخيفا من الوهلة الأولى لكن لو تفحصناه بدقة يمكننا عند ذلك ان نصل الى القناعة التامة بنجاعته.
الجواب يكون بالعلم وإصلاح الجامعات. بالعلم والتعلم يمكننا بالفعل هزيمة ذلك الكيان الدموي البائس. اذ تنفق إسرائيل من ميزانيتها على البحث العلمي ما يساوي ما تنفقه الدول العربية مجتمعة [5].
ان السياسات الدكتاتورية والرجعية التي انهجتها الدول العربية كافة والتي كانت وما تزال تحت الحكم الشمولي المطلق والاسر الملكية وقادة الانقلابات العسكرية وتدخلها في الجامعات والتعليم العالي وفرض اجنداتها وافكارها على طلبة تلك المؤسسات وغياب أي ميزانية او تمويل مالي للبحث العلمي والتطوير يعد من اهم العوامل على تراجع المستوى العلمي والابداعي مما جعل جامعاتنا اليوم عبارة عن مؤسسات تستهلك الأفكار المنتقاة المقدمة اليها من الخارج والتي تطابق اجندات الدولة من دون ان تضيف أي شيء للمعرفة البشرية العامة وبذلك تصبح الجامعات ومؤسسات التعليم العالي مؤسسات تلقينية تلقن روادها الأفكار والنظريات التي تطابق اجندات الحاكم المطلق ولا تشكك بشرعية حكمه من دون أي فرصة للتفكير العلمي والنقد الموضوعي.
ان انتهاج الحكومات العربية لهذه السياسات إثر تأثيراً كبيراً على النخبة المتعلمة، اذ يتخرج الفرد من تلك الجامعات ربما بتفوق من دون ان تكون لديه أي قدرة على الابداع او التفكير العلمي الصحيح. اذ يتحول الى مجرد مستهلك لا مساهم لنظريات وأفكار الاخرين.
هذا النهج من التلقين والحفظ والاسترجاع لا يمكن ان يطور الأمم او يقود شعلة المعرفة الى الامام ولهذا السبب تبقى الحكومات العربية خاضعة ومستسلمة الى القرارات الامريكية والإسرائيلية اذ انها لا تملك أي من التكنولوجيا الحديثة التي هيمنت بها أمريكا على العالم ولا بإمكانها ابتكار او ابداع أي تكنولوجيا تمكنها من ان تتخذ قرارات حرة بدون أي تدخل خارجي او حتى من الدفاع في أوقات الحروب، اذ ان طريقة التلقين لا يمكن لها ان تخرج مبدعين ومبتكرين ومخترعين ابداً.
ولهذا السبب ولغياب الابتكار والابداع، يبقى الفرد العربي اسيرا ومستهلكاً للتكنولوجيا الامريكية-الإسرائيلية والتي تستهدف معلوماته وبياناته بالتفصيل وتحاول بكل ما تستطيع من خوارزميات التجسس على كل كلمة يقولها. (جرب ان تقول "اريد شراء قلم" وانت تتصفح الفيسبوك او الانستغرام على هاتفك. ستجد ان الإعلانات المعروضة على حسابك ستكون اغلبيتها عن الأقلام الجميلة والفاخرة والغالية!)
ان عملاقة التكنولوجيا الحالية، مثل جوجل وميتا (التي تملك فيسبوك، واتساب، وانستغرام) وانفيديا (المسؤولة عن تصنيع وتطوير أنظمة الكرافكس والذكاء الاصطناعي) ومايكروسوفت وانتل (المسؤولة عن تصنيع معالجات الحواسيب) وخرائط جوجل وخرائط ويز وأنظمة تشغيل الحواسيب ويندوز وماك وأنظمة تشغيل الهواتف المحمولة اندرويد واي او اس وأنظمة الذكاء الاصطناعي، كلها تقوم بخدمة إسرائيل منذ زمن بعيد للتجسس وجمع المعلومات واستهداف مستخدمين تلك الخدمات واتضح دورها الفعلي منذ احداث السابع من أكتوبر. وهذا ما جعل الأمين العام لحزب الله يدعو افراد حزبه لتجنب استخدام الهواتف المحمولة والتكنولوجيا الغربية لأنها تعد من أدوات التجسس الإسرائيلية [6]. اذ لا يخفى على أحد كيف صرح رئيس وزراء الكيان الصهيوني ان إسرائيل في كل مكان وهي التي وحدها تقدم العلم والتكنولوجيا للعرب [7]!
حدى هذا الامر وبعد اتضاح تلك الفضائح المخزية ببعض المنظمات الغير حكومية الى الدعوة الى مقاطعة تلك الشركات ومنتوجاتها ولكن من غير إيجاد البديل. اذ يضطر الفرد وربما حتى المتنفذين في الحكومات الى استخدام تلك الخدمات في حياتهم اليومية وفي اتخاذ القرارات (مثال عن الحكومة العراقية وكيف تدار باستخدام تطبيق الواتساب! [8]) واثراء الصهاينة بالمعلومات الشهية والقيمة والتي قد تستخدم لاحقاً لأحداث اضطرابات وثورات او حتى التدخل في الانتخابات (لا ننسى المزاعم الامريكية بتدخل روسيا بانتخابات 2016 ودور شركة كيمبردج انالاتيكا)
اذن ما الحل؟ هل نستسلم للأمر الواقع ونغض الطرف عن جرائم الكيان البشعة بحق الإنسانية؟ هل نقبل إجابة التطبيع؟ تقبيل ارجل الصهاينة والادعاء باننا نعيش في عالم وردي خالي من الجرائم والقتل والفظائع؟!
الحل يكمن حسب نظري في الجامعات وفي إقرار ميزانيات ضخمة تكون خاصة للبحث العلمي وتطوير المناهج والجامعات والكفاءات البشرية ونبذ سياسات التلقين. اذ اننا نحتاج الى اصلاح وثورة علمية عظيمة في جامعاتنا حتى نخرج افراد قادرين على الابداع والابتكار والتفكير النقدي والعلمي السليم الذي بإمكانه ابتكار تكنولوجيا حرة وإيجاد البدائل لكل الخدمات التي تخدم الكيان الصهيوني. الحل يكمن في تثقيف الناس عن الهدف الحقيقي من تلك الخدمات "المجانية" التي تقدمها شركات لا يهمها سوى الربح. فكيف تربح هذه الشركات بلايين الدولارات من تلك الخدمات المجانية؟! الجواب معلوماتك هي السعر!
ان انهاء تدخل الدولة في الجامعات وإقرار ميزانيات جيدة للبحث العلمي والتطوير لمن شأنه خلق جيل متعلم ومثقف ومبدع قادرعلى ابتكار وتطوير تكنولوجيا حرة لا تستهدف معلومات المستخدمين ولا التجسس عليهم ولا تكون أداة في يد الأنظمة القمعية والدكتاتورية وتكون البديل لردع الكيان الصهيوني وتجويعه ومنعه من التجسس والحصول على المعلومات الكافية التي تمكنه من استهداف الشعوب وهذا بدوره سيؤدي الى ردع ذلك الكيان وعدم المقامرة بالهجوم على الدول كيفما شاء واينما شاء. اذ ان الابداع والابتكار والتكنولوجيا ستخلق ثقلاً كبيرا في المعادلة السياسية فنحن في عصر تقاس قوة الدول لا بعدد افراد جيوشها ولا بكثرة أسلحتها التقليدية وانما بما تملكه من تكنولوجيا وطائرات مسيرة وذكاء اصطناعي!
انتهى.
المصادر
1. https://www.aljazeera.net/politics/2025/6/10/%D9%85%D8%AE%D8%B2%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D9%81%D8%A7%D8%B6%D8%AD%D8%A9-%D9%88%D9%85%D8%B1%D9%88%D8%B9%D8%A9-%D8%A3%D8%A8%D8%B1%D8%B2-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%AF%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA
2. https://www.aljazeera.net/politics/2024/5/19/%D8%A3%D9%8A%D9%87-%D9%83%D9%8A%D9%87-47-%D8%A8%D9%86%D8%AF%D9%82%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%88%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%B6%D9%84%D8%A9-%D9%84%D8%B6%D8%B1%D8%A8
3. https://asharqbusiness.com/economics/101762/%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D8%A8-21-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D9%86%D8%B0-%D8%A7%D9%86%D8%AF%D9%84%D8%A7%D8%B9-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%BA%D8%B2%D8%A9/
4. https://www.aljazeera.net/opinions/2025/7/9/15-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B3%D9%84%D9%84-%D8%A3%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D9%85%D9%86-%D9%86%D8%B4%D8%A7%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B3%D8%A7%D8%AF
5. https://d.docs.live.net/2cc4cfe27e51b2dd/Desktop/almasryalyoum.com/news/details/136226#:~:text=ووضع%20«%20كامل»،%20خلال%20الصالون,الطلاب%20فى%20منظومة%20البحث%20العلمى.
6. https://www.youtube.com/watch?v=f8G2cIniYII
7. https://www.tiktok.com/@aljazeera/video/7554403241606319378
8. https://baghdadtoday.news/91871-.html
#أحمد_محمد_هاشم (هاشتاغ)
Ahmed_M._Hashim#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟