أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - حسين محمود التلاوي - حكايات إفريقية: الرجل الذي جعل بلاده أرض النُّزَهاء..














المزيد.....

حكايات إفريقية: الرجل الذي جعل بلاده أرض النُّزَهاء..


حسين محمود التلاوي
(Hussein Mahmoud Talawy)


الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 16:13
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


من بين الحكايات الإفريقية المنسية أو ربما غير المعلومة، تبرز حكاية توماس سانكارا؛ توماس إيزيدور سانكارا.
كان توماس سانكارا رائدًا في جيش بوركينا فاسو، وكانت توجهاته شيوعية. وفي عام 1983، نفذ انقلابًا كان هدفه الأساسي التخلص من نفوذ فرنسا؛ المستعمِر السابق لبوركينا فاسو، التي استقلت عام 1960. كانت بوركينا فاسو، بعد استقلالها، خاضعة لسيطرة فرنسا من خلال مجموعة من أصحاب المصالح والنفوذ، لا سيما العائلات الكبيرة التي كانت مسيطرة على اقتصاد البلاد.
عندما نفذ سانكارا انقلابه، كان هدفه التخلص من كل النفوذ الفرنسي، والعمل على تهيئة البلاد لاستغلال مواردها الطبيعية الوفيرة - بالمناسبة - بحيث تستطيع الاعتماد على نفسها دون الحاجة إلى فرنسا، وكذلك تأهيل المواطنين ليُعتمد عليهم في برنامجه الإصلاحي.
كان سانكارا يسعى لتحرير بلاده من الاستعمار الفرنسي بصيغته الجديدة؛ وهي التبعية الاقتصادية بدلاً من الاحتلال العسكري، التي تلعب فيها الشركات دور الدبابة، ورجال الأعمال دور القادة العسكريين، وأصحاب المصالح من أبناء البلد دور أعوان الاستعمار من رجال السياسة والشرطة.
وفي دلالة على رغبته في قطع العلاقات مع كل ما يرتبط بالمرحلة الاستعمارية، غيَّر اسم بلاده من "فولتا العليا" إلى بوركينا فاسو، ويعني "أرض النزهاء"؛ وهو مسمى مأخوذ من عدد من اللهجات المحلية لتعزيز التضامن الداخلي في البلاد. كان اسمها السابق "فولتا العليا"، من اختيار فرنسا، ويرجع إلى نهر فولتا في البلاد؛ وهو اسم استعماري بامتياز يختزل البلد إلى مجرد مكان جغرافي يقع في الجزء العلوي من نهر فولتا فحسب. كان اسمًا يهدف إلى تحديد ممتلكات، ولا علاقة له بهوية المنطقة ولا ثقافتها.
بدأ سانكارا بوضع برامج للرعاية الصحية، ومحو الأمية، والاكتفاء الذاتي الزراعي للقضاء على المجاعة، وأطلق برامج استصلاح الأراضي. وبالطبع، ترافق ذلك مع سياسة مناهضة لبرامج التمويل الخارجية مثل قروض صندوق النقد والبنك الدولي. وقد نجح فعلًا في تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأسس مدارس في العديد من مناطق بلاده، واهتم بالمرأة، وعيّن الكفاءات النسائية في مناصب مهمة.
باختصار، عمل توماس سانكارا كل ما يلزم لتقف بلاده على قدميها، ولتصبح دولة ذات شأن واستقلالية، في محيط إفريقي كله تابع للاستعمار الفرنسي بصيغته الاقتصادية الجديدة. لقد فعل كل ما يزعج فرنسا!
تجربة سانكارا جعلت فرنسا تخشى على نفوذها الآخذ في التآكل في إفريقيا؛ وبوجه خاص في منطقة مهمة مثل منطقة الساحل والصحراء، التي تُعَدُّ بوركينا فاسو دولة مهمة فيها. هذه المنطقة غنية بثروات معدنية هائلة وإمكانيات زراعية كبيرة. لذلك خشيت فرنسا من عدوى الانقلابات في مستعمراتها السابقة، وبدأت مخطط الإطاحة بسانكارا، الذي كان لقبه "جيفارا إفريقيا".
ولما كانت بوركينا فاسو دولة إفريقية في نهاية المطاف، كانت نهاية توماس سانكارا إفريقية بامتياز؛ فقد نفذ زميله في الكفاح بليز كومباوري انقلابًا ضده، بدعم من فرنسا وأصحاب المصالح داخل البلاد. أغتيل سانكارا في 15 أكتوبر 1987 على يد مجموعة من رجال الجيش. وبعدها اتخذ كومباوري، الذي أصبح رئيسًا للبلاد، إجراءات لتعديل سياسات سانكارا سماها "سياسات التصحيح"!
مات سانكارا، لكن لم تنتهِ حكايته مع بوركينا فاسو؛ ففي عام 2021، قاد إبراهيم تراوري انقلابًا أطاح بما تبقى من نفوذ فرنسا، وطرد الوجود العسكري الفرنسي، وأعاد محاكمة بليز كومباوري، الذي هرب إلى ساحل العاج بعد انقلاب ضده عام 2014، إثر سقوط نظام العقيد معمر القذافي في ليبيا وانقطاع دعمه؛ لأن نظام القذافي كان من أكبر الداعمين لنظم الحكم في دول الساحل والصحراء. حُوكم كومباوري غيابيًّا، وحُكم عليه بالمؤبد بتهمة اغتيال سانكارا.
وعلى الرغم من مرور أكثر من 40 عاماً على اغتيال سانكارا، وقِصَر فترة حكمه، لا تزال بوركينا فاسو ترى نفسها "ابنة توماس سانكارا"، في تأكيد واضح على صحة مقولته قبل اغتياله بأسبوعين: "يمكن اغتيال الثوار، لكن لا يمكن اغتيال أفكارهم".



#حسين_محمود_التلاوي (هاشتاغ)       Hussein_Mahmoud_Talawy#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حكايات إفريقية: لوران كابيلا.. الموت يأتي من قمم الأشجار
- هل من جديد؟!
- قراءة سريعة في خطاب الحزب الشيوعي الأمريكي إلى الحزب الشيوعي ...
- هاري بوتر... ما لم تقلْ رولينج في قصصها
- إيلا المسحورة.. بحث عن الذات وإثبات الهوية
- الاشتراكية الديمقراطية في مصر.. أبرز النقاط
- مخيم النصيرات: نظرة في عدوان أعمى
- نفسي الأمارة بك.. بطاقة تعريف أدبية
- دون جوان موليير.. خواطر سريعة عن تحفة إبداعية
- غزة والسيناريوهات اللبنانية
- لسان الدين بن الخطيب
- أدب أفريقيا السوداء.. تتبع وآفاق
- شجاعة (قصة قصيرة)..
- مستقبل الوضع الفلسطيني من وجهة نظر تناقض ماو
- في علم اللغة: على سبيل التقديم المبسَّط
- علم اللغة: على سبيل المقدمة المبسّطة
- وضع متجمد، وآفاق ضبابية وتساؤلات الممكن والمستحيل.
- سباعية الفَقْدِ والحنين
- إلى ما بعد الأبد
- قبل أن يتلاشى الدخان (قصة قصيرة)


المزيد.....




- مستشار خامنئي: إيران ستدعم حزب الله بحزم
- الكافيين يطارد المراهقين في موسم الامتحانات.. انتباه لحظي وم ...
- فيديو متداول لـ-احتفال مؤيدي الحكومة السورية- بهجوم تدمر.. ه ...
- وسط تقدم المفاوضات.. أوكرانيا تتخلى عن طموح الانضمام للناتو ...
- اكتشاف لوحة فسيفساء ضخمة شمال غربي دمشق أثناء أعمال زراعية
- مؤتمر الجزيرة للدراسات يدعو إلى رؤية أفريقية لتجاوز التبعية ...
- مصرع 14 شخصا في فيضانات مفاجئة بالمغرب
- أستراليا تكشف مفاجأة عن مطلقي النار في سيدني: أب وابنه
- المغرب.. 21 وفاة من جراء سيول آسفي
- -أب وابنه-.. أستراليا تعلن تفاصيل جديدة عن مشتبه بهما والسلا ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - حسين محمود التلاوي - حكايات إفريقية: الرجل الذي جعل بلاده أرض النُّزَهاء..