أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جبار قادر - من بناء الأمة الی تمزیقها: الإعلام الکردي بین مهامە القومیة وتحزبە المدمر.














المزيد.....

من بناء الأمة الی تمزیقها: الإعلام الکردي بین مهامە القومیة وتحزبە المدمر.


جبار قادر

الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 16:17
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من بناء الأمة إلى تمزيقها: الإعلام الكردي بين مهامە القومية وتحزّبه المدمّر!
جبار قادر
يمثّل الإعلام في التجارب الحديثة أحد الركائز الأساسية في بناء الأمم وصياغة الهويات الجماعية، إذ من خلاله تُصاغ اللغة المشتركة وتُنتج السرديات الوطنية ويُبنى الفضاء العام. وتزداد أهمية هذا الدور حين تكون الأمة بلا دولة، كما هو الحال لدى الكرد الذين يمتلكون مقومات هوية قومية مكتملة من لغة وثقافة وتاريخ ووطن ووعي مشترك، لكنهم يفتقرون إلى كيان سياسي موحّد يجمع هذه العناصر في إطار مؤسساتي واضح. وفي ظل هذا الغياب، وجد الإعلام الكردي نفسه أمام مهمة مضاعفة، تتمثل في سدّ الفراغ الذي خلّفته الدولة الغائبة، عبر حفظ اللغة وإحياء الرموز الثقافية وصياغة شعور قومي مشترك يتجاوز الحدود السياسية المفروضة على كردستان.
لقد أسهم الإعلام الكردي، منذ بداياته عبر الصحف والمجلات ثم عبر الإذاعات والقنوات الفضائية، في حماية اللغة الكردية وتطويرها، ولا سيما مع توسّع الإعلام الرقمي الذي أتاح انتشارًا أوسع للهجات المختلفة وتداولًا حرًّا للغة بعيدًا عن القيود التي فرضتها الدول المحتلة لکردستان. كما أدّى الإعلام دورًا مهمًا في إحياء التراث الثقافي؛ فالأغاني والأفلام الوثائقية والحكايات الشعبية تحولت من مواد تراثية مجرّدة إلى عناصر فاعلة في تشكيل الوعي القومي وتعزيز الشعور بالانتماء. وفي مواجهة محاولات محو الهوية الكردية التي مارستها الدول المسيطرة على كردستان، لعب الإعلام دورًا في بناء سردية تاريخية مضادة، ولاسيما عبر توثيق حملات الإبادة الجماعیة التي تعرّض لها الكرد کالأنفال وقصف کردستان بالأسلحة الکیمیاویة وإبادة الکرد الإيزيديین وأحداث كوباني والانتهاكات المستمرة بحق اللغة والثقافة الکردیتین. بهذا المعنى يمكن النظر إلى الإعلام الكردي بوصفه أداة لتعويض وظيفة الدولة، إذ جمع الكرد في فضاء رمزي واحد وبنى تصورًا عامًا لوطن مشترك يتجاوز الحدود المفروضة.
غير أنّ هذا الدور، على أهميته، لم يتطوّر بالاتجاه المطلوب، خصوصًا بعد 1991 ثم بعد 2003 حين شهد إقليم كردستان انفجارًا إعلاميًا غير مسبوق. فقد أتاح وجود كيان شبه دولتي في الإقليم مناخًا ملائمًا لنشوء مئات القنوات التلفزیونیة المحلیة والفضائية والصحف والمواقع الإلكترونية، وهو ما مثّل فرصة تاريخية لبناء فضاء إعلامي قومي واسع قادر على ربط أجزاء كردستان وتعزيز الخطاب الوطني. لكن هذه الفرصة تحوّلت سريعًا إلى أزمة هيكلية تمثّلت في تحزّب الإعلام وتحوّل معظم مؤسساته إلى أدوات حزبية لا تختلف كثيرًا عن أجهزة الدعاية التقليدية للأحزاب والأنظمة القائمة في المنطقة. ومع هذا التحوّل، تراجع الخطاب القومي الشامل لصالح خطاب جهوي وفئوي محدود، وغابت الصحافة الاستقصائية، وفقد الإعلام وظيفته الرقابية، وأصبح جزءًا من منظومة الصراع الحزبي بدل أن يكون منصة لتوجيهه وضبطه. ونتيجة لذلك تحوّلت الخلافات السياسية إلى خصومات اجتماعية غذّاها الإعلام الحزبي بخطاب حاد ومشحون، الأمر الذي أضعف أسس الوحدة القومية وشتّت الجهود الرامية إلى بناء وعي كردي موحّد. ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بدا المشهد أكثر تعقيدًا؛ فهذه المنصات وفرت فرصة مهمة لتجاوز احتكار الإعلام الحزبي ومنحت الأفراد العاديين القدرة على التعبير وكسر الرقابة، لكنها في الوقت ذاته أسهمت في إنتاج فضاء فوضوي مسموم تنتشر فيه المعلومات المضللة والخطابات الحزبية المتطرفة والجيوش الإلكترونية التي صنعت مستوى جديدًا من الانقسام. وباتت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة للصراع نفسه الذي كان يفترض بها أن تتجاوزه، مما زاد من تآكل الثقة المجتمعية وأضعف إمكانية إنتاج خطاب قومي رصين.
إن التحدي الأكبر الذي يواجه الإعلام الكردي اليوم لا يكمن في نقص الإمكانات ولا في غياب الجمهور ولا في محدودية الفضاء الرقمي، بل في غياب استقلاليته وضعف مهنتيه نتيجة تبعيته المباشرة للأحزاب والقوى السياسية. وهذا الواقع جعل الإعلام عاجزًا عن أداء دوره الطبيعي في مساءلة السلطة وفي إنتاج رؤية قومية مشتركة، وأفقده القدرة على صياغة سردية وطنية جامعة تكون أساسًا لمشروع بناء الأمة الكردية. ومع ذلك، تكشف التجربة أن الإعلام الكردي يمتلك إمكانات حقيقية تؤهله لملء هذا الدور إذا أُعيد تنظيمه على أسس مهنية واستقلالية، وإذا تحرّر من هيمنة القوى الحزبية وتحول إلى مؤسسات عامة تخدم المصلحة العليا للشعب لا مصالح الفئات الضيقة.
وعليه، فإن بناء إعلام وطني حر واحترافي ليس خيارًا ثقافيًا أو سياسيًا فحسب، بل شرط أساسي لنجاح مشروع بناء الأمة الكردية. فالأمم الحديثة لم تُبنَ فقط عبر الجغرافيا والمؤسسات، بل عبر اللغة المشتركة، والسرديات الوطنية، والوعي الجمعي، وكل ذلك يتطلب إعلامًا مستقلاً قادرًا على العمل بوصفه فضاءً عامًا مشتركًا لجميع الكرد. وإذا لم يتحقق هذا الشرط، فإن مشروع بناء الأمة سيظل معلّقًا، وستظل الانقسامات السياسية والاجتماعية عائقًا أمام تشكّل وعي قومي موحّد يمكن أن يصنع الإطار الرمزي لكيان كردستاني مستقبلي. بهذا المعنى، يمكن القول إن مستقبل المشروع القومي الكردي مرهون إلى حد كبير بمدى قدرة الإعلام على التحول من ساحة للصراع الحزبي إلى جسر لوحدة وطنية شاملة.



#جبار_قادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة لتفسیر قرارات حزب العمال الکردستاني
- ما لم یقلە المتهم نزار الخزرجي في روایت ...
- أردوغان وحکایة إنتهاء مدة صلاحیة معاهدة لوزان!
- کتاب مختلق لمؤلف زائف عن الکرد قبل قرن !
- زهیر عبدالملك: حیاتە ونتاجە الفکري و ...
- الإرهاب والکباب في کرکوك
- القرارات السریة لمجلس قیادة الثورة المنحل
- هل یحق للمحکمة الإتحادیة العلیا العراق ...
- هاهم یتذکرون أن الکردیة لغة رسمیة في العرا ...
- هل أصبح العراق محمیة دولیة لإیران وترک ...
- التهدیدات الترکیة الإیرانیة ضد کوردس ...
- بالإستفتاء أو من دونە ... إصطدام الکرد بالحشد في حکم ا ...
- أین الکرد من دولة المراجع والمیلیشیا ...
- کرکوک من جدید
- هل تریدونها إسرائیل ثانیة ام دولة صدی ...
- محنة اردوغان في اقناع العالم بتقلباتە السیاس ...
- الجزيرة والقضية الكردية
- وثائق جديدة تدين صدام واعوانه بضرب الكرد بالأسلحة الكيمياوية ...
- وثائق جديدة تدين صدام واعوانه بضرب الكرد بالأسلحة الكيمياوية ...
- ضرب كوردستان بالأسلحة الكيمياوية عام 1987 كما ترويه الوثائق ...


المزيد.....




- ساعة جيب ذهبية لأحد ضحايا سفينة -تيتانيك- تُباع بسعر قياسي ف ...
- كيف يشكل التنوع الطائفي والعرقي الهوية السورية؟
- من يحمي الأطفال من الاعتداء الجنسي في المدارس بمصر؟
- ترامب يحول تقليد العفو عن الديوك الرومية إلى هجوم سياسي على ...
- بوعلام صنصال يقول إن التوصل إلى مصالحة بين الجزائر وفرنسا مم ...
- ترامب يأمل بالتوصل قريبا إلى اتفاق لإتهاء الحرب في أوكرانيا ...
- تصاعد الخطاب الذكوري: تفنيد تسع أطروحات دعائية معادية للنساء ...
- لوموند: أجانب أوقفوا خلال قطف الزيتون ينددون بإستراتيجية تره ...
- تلغراف: مكالمة مسربة تكشف افتقار مبعوث ترامب الخاص للخبرة
- تطبيقات الصحة تشجع الأطفال والمراهقين على الحفاظ على وزن صحي ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جبار قادر - من بناء الأمة الی تمزیقها: الإعلام الکردي بین مهامە القومیة وتحزبە المدمر.