آدم دانيال هومه
الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 13:24
المحور:
الادب والفن
أضواءعلى المجموعة القصصية (حبّة الرمان) للشاعر والأديب عادل دنّو
بقلم: آدم دانيال هومه.
نشر الشاعر والأديب الأستاذ (عادل دنّو) مجموعة قصص بعنوان (حبّة الرمان) باللغة السريانية [الآشورية] وقامت بترجمتها إلى العربية (أماني كمال) من مصر.
تتألف المجموعة من ست قصص قصيرة، أو قل تحتوي على ست قضايا من قضايا الحياة والناس والمجتمع صاغها الكاتب بلغة سلسة لا إسفاف فيها ولا تقعّر. وقد اجتهد الكاتب، في هذه القصص، أن يحشد لنا من حقائق الحياة وغرائبها ومفارقاتها في قطعة فسيفساء ندرك من خلالها رقصة الزخرف كلها بألوانها البهية والزاهية، وإطارها المزوّق الجميل.
ففي القصة الأولى بعنوان (بقوة صلواتك) التي يقوم بإهدائها إلى كل أساقفة المشرق. وهي عبارة عن قصة مأساوية بما تحمل بين طياتها من معاناة الشعب الآشوري على امتداد دهور وقد لخّص تلك المعاناة في حادثتين أليمتين قصمت ظهر الشعب والأمة الآشورية قاطبة، وقضت كليّاً على كل أمل لهم في الحياة الحرّة الكريمة على أرض آبائهم وأجدادهم بيت نهرين (العراق). والحادثان التراجيديتان هما: اغتيال البطريرك الشهيد الخالد مار بنيامين شمعون على يد الخائن الغدار الكردي [سمكو الشيكاك] عام 1918 حيث استضافه في منزله ثم أمر باغتياله بكل خسّة ودناءة. والحادثة الثانية أشد إيلاما من الأولى هي [مذبحة سيميل] التي اقترفها الجيش العراقي، وشاركت فيها معظم العشائر العربية والكردية حيث راح ضحيتها خمسة آلام آشوري مسالم وأعزل من كل سلاح.
القصة الثانية بعنوان (الزقاق العتيق) يهديها إلى الكاتب الراحل [جميل روفائيل] حيث تدور القصة حول الهجرة من الوطن الأم الذي استشرى الفساد والمحسوبية في كل مفاصل الدولة بحيث لم يبقَ على المواطن سوى الاحتفاظ بهويته الشخصية والرحيل إلى أبعد نقظة في العالم من أجل الحفاظ على كرامته وإنسانيته. فيضطر رجال الأعمال على مغادرة الوطن إلى البلاد القريبة كتركيا وسوريا والأردن. أما أولئك الشباب الذين سُدّت في وجوههم جميع أبواب العيش الكريم في الوطن بحيث كانوا عاطلين بطالين لا وظيفة ولا عمل لديهم ليسدوا بها رمقهم فاضطروا إلى هجرة الوطن إلى جيمع أصقاع الأرض كالسويد، أمريكا، المانيا، واستراليا بحيث صاروا أصحاب أموال وأملاك، ورجال أعمال ناجحين جدا حيث تبوأ بعض منهم مناصب في أوطانهم الجديدة التي فتحت لهم جميع أبواب الحرية والكرامة الإنسانية على مصاريعها ليتمكنوا من بناء مستقبل رغيد لهم ولأبنائهم. حيت يكرر الكاتب مراراً وتكرارا [إنه زمن الغربة حتى وإن كنا داخل بيتنا).
القصة الثالثة بعنوان (الأحد الدامي) وتتحدث عن الحرب التي تطحن في طريقها كل شيء فلا تُبقي ولا تذر. وفي أيام الحروب تزداد الإشاعات حيث يجعل الناس من الحبة قبة كما يُقال. وتنتشر الفوضى، ويُسمع صوت دوي الانفجارات في كل مكان، ويبدأ التزمت الديني يتوغل بين أفراد المجتمع البسيط حيث يتمخض عنه الحقد والكراهية تجاه المسيحيين المسالمين الذين هم في طليعة الأوفياء الذين يحملون الوطن الجريح في القلب والذاكرة أينما حلوا وارتحلوا.
القصة الرابعة بعنوان (دخان إلى السماء). تتحدث عن عاصفة الصحراء التي شنتها القوات الأمريكية والحليفة على العراق، وخاصة مدينة بغداد التي تركز عليها القصف الذي كان أشبه بنيران جهنم تلتهم في طريقها كل شيء، وتذيب حتى الصخور العاتية، حتى يظن الناظر إليها كأنها تحترق في أتون من النار الأزلية لتصبح أشبه بمدينة أشباح مخيفة. فاضطر بطل القصة وأهله مرغمين على ترك بغداد فراراً من جحيم البراكين مخلفين وراءهم عموداً من الدخان يتصاعد إلى عنان السماء.
القصة الرابعة بعنوان (ترنيمة المهد). وهي قصة مأساوية بكل المقاييس حيث يضطر بطل القصة مرغماً على مغادرة بغداد إلى العاصمة السورية دمشق بعد انتهاء حرب عاصفة الصحراء وبروز التيارات الدينية المتطرفة حيث لم يعد هناك مجال للعيش الكريم في العراق. وفي دمشق حلّ في منطقة [جرمانا] الملجأ والملاذ لكل العراقيين من كل الجنسيات والقوميات. وهناك، عن طريق المصادفة، تعرف على بعض الشباب العراقيين المزمعين على السفر إلى أي بلد غربي يوافق على طلبات لجوئهم. وفي إحدى سهراتهم بدأوا يشربون المسكر، ولما لعبت الخمرة في تلافيف رؤوسهم، واستبد الحماس القومي ببطل القصة حيث رفع الكأس عاليا وقال بكل انفعال وبصوت جهوري: (نخب آغا بطرس).
فسرت، آنذاك، في أجساد الجميع قشعريرة العزة والفخار. لأنه منذ عام 1977 بدأ العراق يعاني محنة جديدة في مختلف ألوان حريته، ولا سيما حريته الفكرية، وإن المرء ليقف مذهولا أمام تلك المرحلة من الإرهاب الفكري الذي يُغرق فيه النظام البعثي الشوفيني الشعب العراقي بشكل عام، وخاصة المسيحيون وفي طليعتهم الآشوريون الذين أُرغموا أن يدونوا أسماءهم في قوائم الإحصاء إما عربي أو كردي ولا ثالث لهما، وكثيراً ما أسقطت عنهم الجنسية العراقية لأن آباءهم وأجدادهم من مواليد تركيا أو ايران. ومما زاد الطين بلّة حين تم إلقاء القبض على عشرين شاباً آشوريا بتهمة الخيانة العظمى، وتم الحكم على ثلاثة منهم بالإعدام شنقاً حتى الموت، وهم المناضلون الأشاوس (يوسف توما، يوبرت بنيان-مين، ويوخنا إيشو). ثم تحدث أحدهم عن طفولته حين كان والده يسافر به وبأشقائه من بغداد إلى مسقط رأسه في قرية في شمال العراق حيث الأشجار الباسقة المثمرة الحافلة بكل صنف ولون من الفواكه والثمار، والحدائق الغنّاء والكروم الشاسعة التي كانت تمدهم بكل أنواع العنب الذي يحولونه إلى الزبيب والدبس والنبيذ. ولكن حين دارت رحى الحرب العراقية-الإيرانية وبدأت قوافل الشهداء تتوالى يومياً حيث بدأ ذلك الوحش الأسطوري الرهيب يمتص دماء البشر وخاصة الشباب منهم لم يبق بدّ من الرحيل حاملين وطنهم في قلوبهم على أمل الحصول على تأشيرة دخول إلى إحدى دول العالم المتمدن.
أما القصة السادسة والأخيرة هي (حبة الرمان) حيث تدور أحداثها في أزقة قرية [تل كيف] إحدى قرى شمال العراق حيث التقى بطل القصة بفتاة تدعى [هيلاني] التي استطاعت أن تتوغل في شغاف قلبه من أول نظرة. ولكن حين حاول الحديث معها تكابرت شموخاً وتركته ومضت غير آبهة ولا مبالية.
وبمرور السنين تغيرت كل معالم تل كيف باسثناء سمائها والغيوم الداكنة المتلاطمة التي كانت تتلبد في آفاقها في فصل الشتاء. ومع مرور الأيام أصبح يدعو حبيبته تدللا باسم [هيلو] مع أنه لم يكن يعلم من أين جاءت هيلو إلى تل كيف التي كانت تضم مسيحيين من كل المذاهب، مع أنه كان يعلم يقيناً بأنها قدمت من شمال العراق ككل العائلات الآشورية التي تركت قراها فراراً من الظلم الذي كانت تتعرض له على أيدي الغرباء. وعلى الرغم من أن بطل القصة صار يلتقي بحبيبته [هيلو] بين الحين والآخر ولكنه في المرة الأخيرة التي التقاها وسارا معا يد بيد في شوارع وأزقة القرية وعلى حين غرّة تركت يده ومضت ولكنه بدأ يلاحقها من زقاق إلى آخر بدون جدوى لأنها اختفت كليا ولم يجد لها أي أثر.
في هذه المجموعة يكشف الكاتب عن موهبة غنية مع فن التعبير عن الحياة بحماسة وصدق. فالحياة لديه سلسلة من العناء والبؤس. حلقاتها الثابتة جوع، قلق، خوف، ضياع، ألم ودموع. وكل حلقة لها وجهان: وجه اجتماعي ووجه نفسي، وفي أغلب الأحيان يندمج الوجهان في انسجام بائس. وأغلب الظن أن أقاصيص [عادل دنّو] تريد أن تقول: إن البؤس هابط من السماء، مجبول بدم الحياة. إنه قدر لايد لأحد فيه، والناس ضحايا دائمة، لا لأنهم أبناء نظام اجتماعي معين، أو بقعة جغرافية مجدبة، بل لأنهم أبناء الحياة المجبولة دائما بالخيبة والقنوط. هكذا هي قصص [عادل] مجموعة من اللمسات الصادقة العفوية التي تكتفي بملامسة الهدف.
فهو يتتبع سير الأفراد في القرية، ويلاحظ أساليب سكانها في الحياة، وطرائقهم في اجتماعاتهم وسهراتهم وحفلاتهم، وتبادل الزيارات بينهم، ويقيّم موقف كل منهم حيال الأحداث الهامة في القرية من عرس إلى مأتم إلى قدوم زائر غريب، إلى ولادة طفل، فنجد أن الأذكياء من أبناء القرية يفكرون في هذه الأحداث تفكيراً خاصاً ومغايرا كليا عن الآخرين، وكثيرا ما ينتقدون ردود الفعل لدى أقرانهم من أهل القرية، ومنهم من يحاول تبديل الأوضاع وتغيير العادات البالية، وتحسن الجو العام الذي يهيمن على أبناء قريته، وما ذاك إلا لأنه يفكر.
ويؤكد الأستاذ عادل دنو بأنه كلما سار العالم قدماً في التطور الاجتماعي والإنساني زالت العصبية فيه لتحل محلها الذاتية الإنسانية. ومن الأدلة المحسوسة على ذلك ما نراه في الشعوب التي لا تزال تقيم للعصبية الوزن الأكبر في حياتها، كما هي الحال في الشعوب الشرقية حيث تقف العصبية حاجزاً بوجه الانطلاق الاجتماعي. فالمرء، في هذه الشعوب، مقيد بعادات وتقاليد أنسابه البالية، وأبناء عشيرته ودينه وظروف معيشتهم ومفاهيمهم المغلوطة لقيم الحياة.
والحق أن فن القصة يبلغ لدى المؤلف درجة عالية، وهو واع أشد الوعي بمقومات هذا الفن. إنه يدرك جيداً أن تفصيلا واحداً غير محتمل الوقوع أو لهجة غير صادقة جديران بهدم أركان القصة كلها، وهذا ما يدفعه أن يوفر لقصته الطبيعة والرقة في آن واحد. فالتوفيق والنظام يمتزجان فيها امتزاجاً تاماً فيسبغان عليها السحر كله. ولا تقتصر أقاصيص المؤلف على عرض حكاية أو حادث ولكنها إذ تُروى القصة تمنحها كثيراً من الضوء والوضوح والسطوع. فليست الحادثة هي الهامة وإنما جمال القصة ناتج عن أنها ليست مؤلفة إلا من لحظة أو حركة أو إشعاع تعزله وتكشفه وتملأه برصيد غني من الإحساس وطاقة كبيرة من التأثير. والحق أن المؤلف يعرف كيف يجذب قائه منذ اللحظة الأولى، ويحبس عليه أنفاسه. من جهة أخرى يثير المؤلف، ضمن إطار متماسك، سلسلة من القضايا الاجتماعية والإنسانية التي تشغل بال أكثرية لأبناء هذا الجيل. فهو يعالج القضية القومية والوطنية المعالجة التي يكاد يتناها، اليوم، الجيل الواعي الذي هو مناط الأمل في نهضتنا الجديدة.
لست أبالغ إذا قلت: أكثر ما عجبني في هذه المجموعة هو انتقاء الموضوعات، ذلك الانتقاء الذي تم بعفوية صادقة، فهو يدور بعينيه البريئتين الساطعتين في الأوساط الشعبية المظلومة الصابرةلالتقاط كل شاردة وواردة.
#آدم_دانيال_هومه (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟