|
|
الشَّكّ.. في الثُّرات الإسْلامي
سمير عزو
الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 20:54
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تَتابُعاً للرّسالة التي وجّهتُها للدّكتورة نبيلة مُنيب في 2019، و بعد تعْقيب بعض المثقّفين بفِكْرة "الإرْث المُشترك"؛ التي مَفاذُها أنّ "اليسار مِن حقِّه هو الآخر؛ تضْمِين آي الذِّكْر الحكيم في خِطاباتِه الموجّهة للجُمهور..". قلتُ حينئذٍ؛ "جَمِيل أن تسْتشْهدَ الدّكتورة بـِكارْل مارْكس و طوماس بِيكيتي؛ كيْ تتْرُك "الإرْث المُشْترك" في سَلام.. لأنّ الذي يَعيبُ على الإسْلام السّياسي؛ ٱسْتِعمالَه المُؤَدْلَج لِلدّينِ في السّياسة؛ لا يسُوغُ له أنْ يأْتِيَ السّلوكَ نفْسَه" (1). بعد سِتّ سنوات؛ و ردًّا على عرْض وزير الدّاخلية عبد الوافي لفْتيت، لِمشْروع القانون التّنظيمي رقم 53.25، المتعلِّق بتعْديل؛ القانون المنظِّم لمجْلس النّواب، إنْتقدت النّائبة مُنيب في مُداخلتِها بداية نوفمبر 2025؛ المُقْتضيات الرّامية إلى تجْريم "التّشكيك في نزاهة الإنْتخابات"؛ و ٱعْتبرتْها مُتعارضة مع "حُرّية التّعبير و الحقّ في النّقد السّياسي" (2)؛ مُسْترْسِلةً في ذلك بقوْلها : "التّشْكيك في الإْتخابات سيُؤدّي إلى الحبْس و الغرامة، بيْنما مُوسى شكّكَ في الله و لم يقَع له شيء". في البدْء لم تتّضِح الرّؤية؛ و لمْ نكُن لِنعْرف أيَّ رفيقٍ تقْصدُ الدّكتورة؛ حتّى جاء ردُّ الشّيْخ الفيزازي؛ الذي دعَاها مِن خارج قُبّة البرْلَمان؛ لِلتّمْييزِ بيْن مُوسى حارسِ السّيّارات؛ و النّبيِّ مُوسى و ذلك بِقَوْلِها : "عليْه السّلام". لقَد كان الشّيخ الفيزازي بدَوْرِه لَبِقاً؛ ا إذ نزّهَ السّيدة نبيلة؛ عن "قَصْدِ الإساءَة لِسيّدنا موسى عليه السّلام"، لكنْ في الآن ذاتِه؛ أوْردَ ما قِيل قديماً : "مَن تكلَّمَ في غيْرِ فنِّهِ جاءَ بالعَجائِب"(3). فالشّكُّ في الله؛ كما يقول؛ "مُخْرِجٌ عنِ المِلّة؛ و اليَقين شرْطٌ في الإِيمان"؛ ثمّ ٱسْترْسل يتكلَّم في فَنِّه (الفقْه الكلاسيكي)؛ و يشْرحُ بصَنْعَتِه "ذلِك الشّوْق و الحُبّ؛ الذي غَمَر سيّدَنا مُوسى عليه السّلام؛ حتّى طَمَعَ في رُؤْية اللهِ تعالى". فإن كانت دكتورة البيُولوجْيا؛ قَد ٱشْتبَهت بيْن النَّبيّيْن إبراهيم و مُوسى عليْهما السّلام؛ فإنّ شيْخَنا المُتكلِّم في فَنِّه؛ ٱنْساقَ بدَوْره معَ ما تضَمّنت مُداخَلة السّيّدة مُنيب؛ و و بَدَل التّصْوِيب مِن جِهَتِه كمُتخصِّص؛ إشْتَبَه عليه لِلأسف "طَمَعُ سيّدِنا مُوسى عليه السّلام"؛ بِالشَّكٍّ المُفْترَض الوارِد في حديث أبي هريرة؛ و الذي يُنَزّهُ عنْه كُلُّ الأنْبِياء طبْعاً. النّبيُّ المقْصُود بالشّكّ هُنا؛ كما وردَ في ثُرات أهْلِ السُّنّة و الجمَاعة؛ هو سيّدُنا إبراهيم عليْه السّلام؛ حيث قال تعالى على لِسانِه : "وَ إِذۡ قَالَ إِبۡرَٰاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيۡفَ تُحۡييِ ٱلۡمَوۡتَىٰ قَالَ أَوَلَمۡ تُؤۡمِن قَالَ بَلَىٰ وَ لَٰكِن لِّيَطۡمَئِنَّ قَلۡبِي" سورة البقرة 260؛ و كما ورد في الحديث الصّحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آلهِ و سلّم قَالَ : "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ"(4). في شرْحِ هذا الحدِيث؛ قال السّيُوطي "نحْن أحقُّ بالشّكِّ مِن إبراهيم"؛ معْناه أنّ الشّكّ يسْتحِيل في حقّ إبْراهيم؛ لأن الشّكّ في إِحْياء الموْتى لوْ كان مُتَطرِّقاً إلى الأنْبياء؛ لكنْتُ أنا أحقُّ بهِ مِن إبراهيم، و قدْ عَلِمْتُم أنِّي لمْ أشُكّ؛ فٱعْلَموا أنّ إبراهيم لمْ يشُكّ؛ و إنّما خصَّ إبراهيم؛ لِكوْن الآية قد يسْبِق منْها إلى بعْض الأذْهان الفاسِدة؛ ٱحْتِمال الشّكِّ، و إنّما رجّحَ إبراهيم على نفْسِه تواضُعاً و أدباً؛ أو قبْلَ أنْ يعْلمَ أنّه خيْرُ وُلْدِ آدم. و أوْردَ ٱبْنُ حجَر؛ ٱخْتِلاف الأقْوال في مَعْنى قوْلِه صلّى الله عليه و آلِه و سلّم ذلِك؛ ما مُلخَّصُه "نَفْيُ الشّكِّ عنْ إبراهيم عليْه السّلام؛ إِمامُ الحُنَفاءِ، فالشّكُّ لا يقَع مِمّن رَسَخَ الإِيمانُ في قلْبِه؛ فكيْف بِمَن بلَغ رُتْبة النُّبوَّة ؟" (5). لِذلك فإنَّ طلَب سيّدِنا إبراهيم؛ كَأبٍ لِلأنْبياء و هُو مِن أولِي العَزْم؛ رُؤْية اللهِ عزّ و جلّ؛ رُبّما "أرادَ بهِ زيادَةَ الإيمانِ و الانْتِقال؛ مِنْ عِلْم اليَقين إلى عَيْنِ اليقِين؛ و طُمأْنِينةً القلْب بقوْلِه : "لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي"؛ كما قال الأقْدمُون، لكنْ حقُّ اليَقينِ؛ أنّ قوْلَ النّبي إبْراهيم عليْه السّلام؛ لا ذنْبَ فِيه و بِعبارة أخْرى؛ كان على سبِيل المُزاحَمة و الإضْطِرَار؛ لأنّ الأنْبياء و المُرْسَلين عليْهم السّلام؛ مَعْصُومُون جُمْلةً و تفْصيلاً (6). إنّنا نَقولُ ذلك؛ مِن مُنْطلَق أنّه؛ لا ينْبغي الإنْحِصار في اللَّفْظ بِذاتِه؛ مِن أجْل تكْييفِ طَلَب سيّدِنا مُوسى؛ رُؤْيةَ اللهِ تعالى؛ على أنّه "طمَعٌ و ٱشْتياق"؛ و هو مِن أولي العَزْم؛ يعْلمُ أنّ اللهَ تعالى "لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ" سورررة الأنْعام 103، كما أنّ سُؤال سيّدِنا إبراهيم عليه السّلام؛ جاء على سبيلِ الْإطْمِئْنان؛ بأنّه هو مَن سيتّخِذُه الله تعالى خليلاً و ليْس غيْرُه. و عليه؛ بدَلَ أنْ نُجْهِد أنْفسَنا؛ في شرْحِ حديثٍ وردَ فيه إسْم إبْراهيم (حرْفِيّة)؛ على حدِّ قوْل الشّيخ الفيزازي؛ الأوْلَى لنا أنْ نشُكَّ؛ و هذا محَلُّ الشّكِّ؛ فنتَسائَل : أليْست عِباراتُ حديثِ "نحْن أحقُّ بالشّكِّ مِن إبراهيم"؛ تُطابِقُ حديثََ صوْمِ عاشوراء الذي يقول"نحنُ أحقُّ بِمُوسى"؛ خُصوصاً و أنّ نفْسَ المَضامِين واردَةٌ في التّوْراة، ألاَ يكونُ هذا الحديث مِن الإسْرائيليات؛ التي تسرَّبَت إلى ثُراتِنا عبْر كعْبِ الأحْبار؛ الذي تتَلْمذَ لَديْه أبو هُريْرة (7) ؟ يبْدو أنّ الشّكّ الدِّيكارتي عادَ مِنْ جَديد؛ بَعْدما عَرفْناه آنِفاً معَ طهَ حسِين؛ لكنْ هذه المرّة في الثُّرات الإسْلامي. د. سمير عزو هامش (1) أنظر مقالَنا تحت عنوان "جدَلِيّة الإرْث المُشترك"، منشور في الجريدة الإلكترونية هسبريس، الأحد 23 يونيو 2019. (2) ينصّ المشْروع على معاقبة كل من يروّج إشاعات أو أخبارًا زائفة بقصد التّشكيك في نزاهة الإنتخابات، بعقوبة حبْسية تتراوح بين سنتين وخمس سنوات، وغرامة مالية بين 50 ألف و100 ألف درهم. (3) فيديو منشور في 14 نوفمبر 2025 تحت عنوان "نبيلة منيب : موسى شكّك في الله و لم يقع له شيء. أما التشكيك في الانتخابات فخمس سنوات سجنا". (4) أخرجه مسلم حديث رقم 151، و أخرجه البخاري في "كتاب التّفسير"؛ باب "وَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ" سورة البقرة 260؛ حديث رقم 4537، وأخرجه ٱبن ماجه في "كتاب الفِتن"؛ باب الصّبر على البلاء؛ حديث رقم 6094. (5) قال بعضهم معنى الحديث؛ "نحن أشدّ ٱشْتياقاً إلى رؤية ذلك من إبراهيم عليه السلام، كما قيل : معناه "إذا لم نشكّ نحن فإبراهيم أولى بالشّكّ، أي لو كان الشّك مُتطرِّقاً إلى الأنبياء عليهم السلام؛ لكنتُ أنا أحقَّ به منْهم؛ و قد علمتم أنِّي لم أشكّ، فٱعلموا أنّه لم يشكّ، و إنّما قال ذلك تواضعاً مِنه، أو من قِبل أن يعلّمه الله بأنه أفضل من إبراهيم، و هو كقوله في حديث أنس عند مسلم"أنّ رجلاً قال للنبي صلى الله عليه و آله و سلّم : يا خيْر البريّة، قال صلى الله عليه و آله و سلّم : "ذاك إبراهيم". و يُرْجِع البعض سبَب هذا الحديث إلى أنّه لمّا نزلت الآية؛ قال بعض الناس شكّ إبراهيم و لم يشكّ نبيُّنا، فبلغه ذلك فقال : "نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ"؛ و أراد ما جرت به العادة من المُخاطبة لمن أراد أن يدْفع عن آخر شيئاً، قال مهما أردت أن تقوله لفلان فقله لي، و مقْصودُه (لا تقل ذلك). كما ذهب البعض إلى أنّه أراد بقوله : "نحن أمَّته الذين يجوز عليهم الشّك؛ و إخراجه منه بدلالة العصمة، و قيل : معناه هذا الذي تروْن أنه شكّ؛ أنا أوْلى به لأنّه ليس بِشكّ؛ إنّما هو طلب لِمزيد البيان" ( كتاب فتح الباري بشرح البخاري؛ إبن حجر العسقلاني؛ الجزء السادس الصفحة 412. (6) يتّفق علماء المسلمين على أنّ الأنبياء جميعهم معصومون عن الشِّرك و الكفْر، و لا يرتكبون الخطأ و المعصية في تلقّي الوحي، و ٱختلفوا في عصمتهم عن الخطايا في شؤونهم اليومية. و قد يكون سسب هذا الإخثلاف؛ هو عدم التّصريح بعصمة الأنبياء في القرآن الكريم، لكنّ المفسرين إستندوا على ذلك بآيات قرآنية منها "وَ مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ مَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" سورة الحشر 7. بينما المنكرون لعصمة الأنبياء استندوا على جملة من الآيات التي تنفي عصمة الجميع أو البعض منهم. وفي جوابهم قالوا إنّ الآيات التي استندتم إليها من المتشابهات ويجب عرضها على الآيات المحكمات لأنّها بحاجة إلى التأويل و التّفسير. (7) أبو هريرة روى خمسة آلاف و ثلثمائة و أربعة و سبعين حديثًا(5374)؛ فهو أكثر الصّحابة رِواية عن النّبي صلى الله عليه و آلِه و سلّم؛ بينما صُحْبَته للنبي كانت فقط ثلات سنوات؛ غير أنّ البعض الآخر يرى أنّ ملازمَتَه كانت تامّة في أكثر من (1050) يوماً.
#سمير_عزو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مشْروع -الوَطن المَهْدوي-
-
حرّيّة الإعْتقاد في خَطر...
-
لقد تشابَهت علينا الخِلافة...
المزيد.....
-
رابطة الدفاع اليهودي.. منظمة وُلدت من رحم التطرف
-
الأحزاب العربية في إسرائيل غاضبة لتلميح نتنياهو بحظر الحركة
...
-
الإخوان في عمق المجتمع الأميركي.. شبكات نفوذ تمتد لـ6 عقود
-
اللجنة الرئاسية لشؤون الكنائس تلتقي كهنة محافظة رام الله وال
...
-
في أول جولة خارجية له.. بابا الفاتيكان يزور تركيا ولبنان
-
الأحزاب العربية غاضبة لتلميح نتنياهو بحظر الحركة الإسلامية
-
البرهان و-فزاعة الإخوان-.. هل يتحدى خط ترامب الأحمر؟
-
كيف ينعكس تصنيف الإخوان إرهابيين على السودان؟
-
تدنيس يتكرر بشكل شبه يومي.. عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد
...
-
122 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال
المزيد.....
-
رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي
...
/ سامي الذيب
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
المزيد.....
|