أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير عزو - حرّيّة الإعْتقاد في خَطر...















المزيد.....

حرّيّة الإعْتقاد في خَطر...


سمير عزو

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 23:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أقْدَمت حكومة قطَر مؤخّرا؛ على الحُكم بالسِّجن ثلاث سنوات؛ في حقّ الدّكتور السّوداني المَدْعو عبد الرحمن محمّد يدي النّور، صاحب كِتاب "مِن ظلام ضَلال السّقيفة إلى نُور هِداية السّفينة"(1)؛ حيث تمّ ٱتّهامُه بـ "التّشْكيك في أُسُس و تعالِيم الدّين الإسلامي؛ و إِثارة النّعَرات الطّائِفيّة و الدّينيّة؛ و المَساس بالنّظام العامّ للدّولة".
في كتابِه هذا؛ تناول الدّكتور يدي النّور؛ قصّة ٱنْتِقالِه إلى التّشيُّع لِأهل البيت؛ و "رفْضه مُوالاةَ أعْدائِهم"؛ مُسْتعرضاً في ذلك؛ أسباب هذا الإنتقال، بعدَ إنْجذابُه في البدْء؛ كما يقول؛ إلى مدْرسة أهلِ البيْت؛ "لكن لم يكُن ذلك كافِياً لإحْداث النّقْلة المطْلوبة، لأنّ الحقيقة التي كانت تُقدِّمها؛ شخصياتٌ و وسائلُ إعلامٍ معيّنة؛ كانت منْقوصةً ومبْتورة؛ يشوبُها كثيرٌ من التّحفُظ و التّقيّة".
التحفُّظ و التّقيّة؛ الذي قد ينْفع الفرْد الشّيعِي؛ كما يرى نفس المُؤلِّف دائما؛ "لأنّه يعْرِف الحقيقة؛ بطُرق مُختلفة منذ صِغَره، إلاّ أنّ هذا التّحفّظ؛ قد لا ينْفع الفرْد المُنْتمي لِمذاهب أخْرى؛ و بالتّالي لا يخْلُق فيه النّقْلة المطْلوبة؛ التي لا تنْحصِر في مُوالاةِ أهْل بيْتِ رسولِ اللّه فقط؛ بلْ تتعدّاه لِلبَراءة مِن أعدائِهم".
ثُمّ يسْترْسِل في نفْسِ الكِتاب : ".. لقد شَعرْتُ أنّ هناك شيئاً ما؛ يُخْفِيه عنّا حتى بعض العلماء؛ الّذين يزعُمون إنْتسابَهم إلى مدْرسة آل البيْت، الذين هُم بِطريقةٍ أو أخرى؛ واقِعُون تحْت تأثير المنْظومة السّقيفِيّة النّاصبية(2)".
لكن رغْم كلِّ ذلك، واصل الدّكتور البحْث داخل الإرْثِ القديم، الذي قد لا يكون في مُتناول الجميع، الشّيء الذي أوْصلَه إلى إلى تحْقيق معْرفَتِه؛ و "إدْراك التَّزْييف التَّاريخي؛ الذي كان يقْبَع في مَتاهاتِه..".
و عليه؛ إذا كان بعض الخُبراء القانونيّين؛ يُؤكِّدون ٱنْتِفاء السّنَد القانوني؛ لتَجْريم الدّكتور يدي النّور؛ طِبْقا للقوانين القطَرية، فما هي إذاً مُرْتكزات هذا القرار ؟
أليْست الحُرّية أصْلاً مِن أصولِ الدّين ؟ أليس الحقّ نفْسُه يُعْرَف بِحُرّيّة ؟
هل يُمكن تكْييفُ الإنْتقالِ من مذهب إلى آخر؛ على أنّه تشْكيك في الدّين ؟
منِ الذي يُلْزم النّاس؛ على البَقاء في نَسَق واحد ؟ أليس الإخْتلاف نامُوساً كونيّاً ؟
و بالتّالي؛ هل تحْقيق التّاريخ الأوّل للإسلام؛ يُعدُّ مَسّاً بِأُسُسِه ؟ لما الخوْف على "بَيْضةِ الإسلام" ؟
في مُحاولة الإجابة عن هذه التّساؤلات؛ نسُوق نصًّا تاريخيًّا؛ يُوضِّح العلاقة الكامِنة؛ بيْن ٱسْتِعمال فَهْمٍ معيّن للدّين؛ و تكْريس الوَلاء الدّائِم للسُّلْطان، حيْث قال اللّورْد سْتراتفورْد؛ في سنة 1844؛ لِلوزير العثْماني رِفاعة باشا : "إنّكم إذا أردْتُم البقاء في أوروبا، فذلك مَشْروط بِوقْف إِراقَة الدّماء؛ لِسبَب دِيني". فكان ردُّ الوزير العثماني : "في السِّياسة، سنكونُ دائما في ٱخْتلافٍ مع نَصائِح أوروبا، بينما في مادّة الدّين فنحن مُحْتاجون؛ لِلْحِفاظ على ٱسْتِقْلاليّتِنا، لأنّ الدّين قاعدةُ قوانِينِنا؛ و مبْدأ حُكمِنا... إنّنا نَعِدُكم سِرًّا بأنّنا سنعْمل؛ على منْع الأفعال؛ التي تمُسّ مُعْتقداتِكم، لكنّ طلبُكم لَنا بٱسْتِصْدار مشْروع قانون؛ يُوقِف نظريًّا أحدَ ركائِز قوانِينِنا، هو ضَرْبٌ في عُمْقِ سُلْطتِنا؛ و هَدْمٌ لشُّعور الطّاعة لدَى رعايَانا؛ و إثارةٌ لعَدم الإسْتقرار في الإمْبراطوريّة".
هذا النّصّ يُلخِّص لنا؛ كيْفيّة شَرْعنة الأنظمة السّياسية لقوانِينِها؛ عنْ طريق إلْباسِها لَبُوساً دينيّاً، الشّيء الذي يُوحي في الظّاهر و كأنّ؛ مَنْع بعض الحرّيّات الفرْدية و الجماعية؛ هو مِن صَميمِ الدّين. بيْنما تراتُبِيّة التّشريع الإسلامي؛ تقْتضي بِدايةَ التّأصيلِ بالقرآن الكريم، إذ أنّه يُفسِّر بعْضُه بعْضا، بِخلاف التّأْصيل بِالأقْوال الشّخْصيّة و الوقائِع التّاريخية؛ التي كثيرا ما قد تنْحرِف عن رُوحِ الدّين.
لقد روى لنا القرآن الحكيم؛ مُحاورة الخالِق تعالى لِإِبْليس؛ و مُناظرةَ سيّدنا إبراهيم لِقوْمِه؛ و مُحاجَجة سيّدنا موسى لِفرْعون و سَحَرَتِه..؛ و ترك لنا بابَ الإختيارِ مفْتوحا؛ فقال تعالى "و قُلِ الحقُّ من ربّكم فمن شاء فلْيؤمن و من شاء فلْيكفر" سورة الكهف 29، بل و في حالِ الإيمان ثمّ الإرْتداد؛ بيّن لنا أنّه تعالى في غِنىً عنِ العِباد؛ فقال : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ" سورة المائدة 54، كما قال على لِسان سيّدنا موسى "وَ قَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُواْ أَنتُمْ وَ مَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ" سورة إبراهيم 8.
تبقى بذلك الحُجّة المُحْكَمة؛ و الحُكْم الفَصْل بالعقْل، بين "الحَديثِيّين" أو الإسلام السّياسي مِن جهة؛ و "القُرآنيِّين من جهة أخرى، لإنّ غالب الأنْظمة العربية الإسلامية؛ لاتزال تسْتمدُّ "قُدْسِيّةَ" أحكامِ قوانينِها؛ من خلال الدّين البشري أو بالتّحْديد الفهْم الدّيني، الذي يفْعم بِتفاسير و آراء مُتعدِّدة للنّصّ الواحد، و كثيرٍ مِن الإخْتلافِ؛ بِمَساحيقَ مِن "سِحْرِ البَيان"؛ مُتناثرةً هُنا و هناك؛ نكادُ لا نصِل معها؛ إلى نتيجة علميّة؛ و بالتّالي يبْقى الطّريق السّهل أمام الحُكومات؛ هو التّحْريم و التّجْريم ثم المنْع.
إنّ مِن مُعْضِلات ٱنْتهاك "حقوق الإنسان"، هو ذلك الفَهْم السّلْطوِي للدّين، حيث يتمُّ المزْج عُنْوَةً؛ بيْن الجَبْرِ و التّسلِيم للدّين، فالإنْتقال من مذهبٍ إلى آخر؛ أو مُناقشة أحداث تاريخيّة وقعَت في صدْرِ الإسلام؛ أو حتّى إبْداء الرّأْي في الصّحابة؛ الّذين يرْبو عدَدُهم عنْ 120 ألْف صَحابي؛ لا يُمْكن ٱعْتبارُه تشْكيكاً في الدّين، خُصوصاً و أنّ الصّحابة؛ ليْسوا أصْلاً مِن أصُول الدّين.
أمّا الإنْتِماء لِطائفةٍ دينيّة مُعيّنة؛ فذاك نامُوسٌ كَوْنِيٌّ؛ على ٱعْتبار قوْلِه تعالى "إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ" سورة المزمِّل 20؛ تُؤَطِّرُه مَقُولة الإمام علي ٱبن أبي طاب؛ "النّاس قِسْمان : أخٌ لكَ في الدّين؛ أو شَقيقٌ لكَ في الخَلْق"؛ حتّى لا يكون هذا الإنْتماءُ طائفيّةً مَقِيتَة.
أمّا النّظام السّياسيُّ؛ الذي يخْشى تَرَهُّلَ نَسَقِه العامّ؛ فما عليْه إلا أن يرْفعَ؛ مِن مَنْسوبِ وَعْيِ "رعايَاه" أو مُواظِنيه؛ عنْ طريق رفْع جَوْدة التّعليم؛ و إِتاحة آليات البحْث العلْمي؛ بدَلَ مُمارسة الوِصاية على الرّاشِدين.
إنّ لُجوءَ الحُكومات؛ إلى قمْع أصْحاب الرأي و الحَجْر على حُرّيّة التّعْبير؛ لَن يَحْجُب النّاس عن معْرفة الحَقِّ؛ الذي لا يكونُ إلاّ واحِداً؛ خُصوصاً في زَمَن ثوْرة السّماوات المفْتوحة.
مِن جديد؛ و مِن مُحمّد محْمود طه في السُّودان؛ إلى الدكتور السُّوداني محمّد عبد الرّحمن يدي النّور؛ مسْألة حرّيّة الإعْتقاد تُعاني؛ و تعودُ للنِّقاش في قَطر...
د. سمير عزو
هامش
(1) صدرللدكتور يدي النور في 700 صفحة؛ عن مؤسّسة البلاغ اللّبنانية.
(2) قولُه "السّقِيفيّة النّاصِبيّة" يقصد به منْظومة ما تمّ تأسيسه في سقيفة بني ساعدة عقِب ٱرْتقاء النّبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم في 11 هجريّة؛ أمّا النّاصِبيّة فهي من نُصْب العَداء لأهل بيت رسول الله.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقد تشابَهت علينا الخِلافة...


المزيد.....




- ترامب يصف يهود نيويورك ممن يصوتون لممداني بـ-الأغبياء-.. وال ...
- لماذا يخشى الإسلاميون الفراعنة؟
- هل سيضرب ترامب نيجيريا لـ-حماية- المسيحيين؟
- كيف واصل الإخوان توجيه بوصلة علاقات السودان الخارجية؟
- اعتداء رجل أمن على معتمرين في المسجد الحرام
- كيف تبدو أوضاع المسيحيين في نيجيريا ولماذا يهدد ترامب بالتدخ ...
- لعبة الكونغرس الأميركي الخطِرة على المسجد الأقصى
- -الزراعة- توقع اتفاقيات منح تمويلية من الاتحاد الأوروبي في ر ...
- الجامعة الإسلامية بغزة ترمم بقايا مبانيها للعودة إلى التعليم ...
- ترامب يهدد بشن عملية عسكرية في نيجيريا -دفاعا عن المسيحيين- ...


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير عزو - حرّيّة الإعْتقاد في خَطر...