أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الرحيم التوراني - صدمة المهنة وسقوط الأقنعة














المزيد.....

صدمة المهنة وسقوط الأقنعة


عبد الرحيم التوراني
صحفي وكاتب

(Abderrahim Tourani)


الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 16:11
المحور: الصحافة والاعلام
    


شاهدتُ هذا الصباح الفيديو الذي نشره حميد المهداوي...
ووالله لقد كان مظلمًا مخيفًا ورهيبًا.. وأكثر مما يمكن أن تختزنه هذه العبارات..
لم يكن مجرد بضعة مقاطع عابرة، بل كان نافذة مفتوحة قسرا على سراديب السلطة المعتمة، على تلك الدهاليز التي تُصنع وتُحاك فيها المؤامرات الدنيئة للسيطرة والهيمنة على العقول والضمائر...
إنه مشهد أفظع وأعمق مما استطاع جورج أورويل أن يصفه في روايته المرعبة "1984".. لأن أورويل كتب خيالاً، ونحن هنا أمام واقع، أمام حقيقة يتم تفصيلها أمام أعيننا.

ما رأيته ليس تفصيلاً صغيرًا يمكن تجاهله.. إنه بركان يتفجر، يكشف عن حجم الكارثة الحقيقية...
هذا الفيديو ليس مجرد تسريب، إنه لا يهم المجال الصحفي في بلادنا السعيدة فحسب، بل هو يكشف ويفضح - وهذا هو الأفظع والأخطر- يبين ما عليه الحال والأحوال في أكثر من قطاع ومجال حيوي يمس حياة المواطن وكرامته..
إنها عصابة منظمة، لا تستهدف الإعلام بذاته، بل تستهدف الحقيقة، تستهدف الوعي، تستهدف آخر معقل للدفاع عن الحق العام.. والعياذ بالله من هذا الانحدار الذي لم يعد له قاع.

لقد فسدت شهيتي لتناول وجبة الفطور بعد أن رأيتُ تلك المشاهد القذرة.. ارتفع ضغط دمي أكثر بسبب هذ الصدمة الأخلاقية التي لا تحتمل.. ولعنتُ في سري وعلني انتمائي لمهنة شريفة اخترتها عن إيمان وقناعة وحب.. مهنة كان لي فيها رموز ورواد حقيقيون ومناضلون وكُتاب عظماء رسخوا بداخلي هذا الحب وعلّموني أن الكلمة رسالة وليست سلعة...
لكن بعد هذا الفيديو-الفضيحة، الذي يجفف آخر قطرة ماء من نهر الشرف في هذا البلد، أرى أنه علي إعلان استقالتي من مهنة الصحافة. لم تعد هذه مهنة شريفة تحت هذا السقف، لا حرية ولا مسؤولية حقيقية تطوقها وتكلل جبين أهلها.. لقد هزلت حتى بانت كُلاها.. ولم يبق لنا إلا هيكلها العظمي الهزيل الذي يتوسل الشفقة.

إذا لم تتحرك السلطات المعنية عقب نشر هذه المهازل التي تدمر البنية التحتية للأخلاق والقانون.. وإذا لم تبادر إلى ما يُفترض منها للحفاظ على الحق والقانون... فأي زعم بعد ذلك للمنابر الرسمية، وفي ذيلها مواقع مكبرات الصوت شبه العمومية؟
هل ستبقون تدّعون النزاهة والعدالة والشفافية وأنتم صامتون إزاء هذه الجرائم الموثقة؟
إن صمتكم هو إدانة لكم، واعتراف ضمني بأنكم جزء من اللعبة.. جزء من المؤامرة.

هذه "فضيحة بجلاجل" كما يقول إخوتنا المصريون، ليست اكتشافًا جديدًا، بل هي وقائع كان الكثيرون يعرفونها همسًا وخلف الأبواب المغلقة. لكن لحسن الحظ، ولنقل لحسن حظ الحقيقة، فإن التقنيات الحديثة والدقيقة تولت الفضح التام على قارعة المشهد العام، لتجعل إنكارها مستحيلاً. لقد أزالت التكنولوجيا غطاء النفاق عن وجوهنا القبيحة.
لقد رأينا بأم أعيننا من يتم تعيينهم وتنصيبهم لتسيير القطاع الصحافي...
التعيين لم يكن استحقاقًا لكفاءات علمية أو خبرات مهنية يتحلون بها، بل لصفات أخرى و"سير ذاتية" قذرة تطلبها الأجهزة القابضة على مقدرات البلاد، وتُدرك جيدًا توفرهم عليها: الولاء الأعمى والخضوع المطلق والاستعداد لبيع الضمير...
هؤلاء هم حراس المعبد الجديد، حراس الظلام..
لو اضطررنا لسرد السير الذاتية لهذه العصابة تفصيليًا، لَوَلَّيتُم منهم هربًا...

لا يمكنني، ولا يجب علينا جميعًا، السكوت.
أترحَّم على الموتى من روادنا العظماء في الصحافة، وأتساءل بمرارة وشيء من الدموع..
هل أخبرهم بأن الضربة القاتلة والمميتة أصابت مهنتهم النبيلة في هذا البلد وتم إقبارها على أيدي هذه الزمرة الفاسدة؟
هل أقول لهم إنهم رحلوا وشاهدوا فقط مقدمات الكارثة، أما نهايتها فكانت أفظع مما توقعوا؟
إن على كل من يعتقد بكونه صحفيًا حقيقيًا ومواطنًا حقيقيًا في هذا البلد ويؤمن بأنه يمتلك ذرة كرامة وشرف، أن يتخذ موقفاً تاريخياً الآن...
عليه أن يتحرك حركة حقيقية، وليس فقط أن يتململ ويتفرج من مكانه...
عليه أن ينتفض.. وألا يكتفي بأضعف الإيمان...
عليه أن يرفض هذا التهميش وهذا العبث... أن لا يصمت...
لأن الصمت لم يعد ممكنًا.. لأن الصمت الآن هو مشاركة في الجريمة، هو إعلان رسمي لقبولنا بالذل والفساد...
فليكن صوتنا أعلى من صدى دهاليزهم المعتمة...
إن الحقيقة ليست سلعة تباع في أسواق العار...
لقد انتهى زمن الصمت والمواربة!
إن المشاهد التي كشفها الفيديو الذي نشر بعض مقاطعه حميد المهداوي ليست مجرد خرق للقانون، بل هي إعلان حرب على شرف هذه المهنة وكرامة هذا الوطن...
ما رأيناه هو قمة جبل الجليد لـ "عصابة" منظمة احتلت المواقع الحساسة – مواقع يفترض أن تكون قلاعاً للكفاءة والنزاهة – وتم تنصيبها عبر سير ذاتية يطلبها الفساد، لا الكفاءة.

لقد أصابنا هذا الفيديو في مقتل.. فلتسقط كل الشعارات الرنانة عن "حرية الصحافة" و"مسؤولية الكلمة"...
إن ما نشهده هو إقبار ممنهج للمهنة، ولم يعد أمامنا سوى خيار واحد.. أن نرفض هذه الميتة بكرامة.. لا يمكن لصحفي حقيقي أن ينام بعد أن رأى كيف تُدار دنيانا بظلام الدهاليز...
إنها حقائق تبعث على الغثيان وعلى القيء.. هي أعراض لمرض عام اسمه "الفساد المتغلغل"، الذي ترفضه كيمياء الشرف في أجسادنا.
إن تضامني هنا ليس تضامنًا شخصيًا مع حميد المهداوي كفرد، فربما أختلف معه في الأسلوب أو الطريقة، لكنه تضامن مبدئي مع الحق الذي كشفه، ومع حرية التعبير، ومع الناقل الذي فضح الفساد، بغض النظر عن هويته أو أسلوبه. وضد المهانة والمنع والقهر الذي يتعرض له كل من يرفع صوته ضد دهاليز الظلام.
الجمعة 21 نوفمبر 2025



#عبد_الرحيم_التوراني (هاشتاغ)       Abderrahim_Tourani#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فشل محاولة قتل رجل بسكين تعيد إليه ألقه وشبابه الأول!
- من يتحكم في الخريطة السياسية بالمغرب؟
- انتخابات المغرب: محرقة -إسلاميي المخزن- ب-نيران صديقة-
- أمواج الجحيم
- ضحك ملون بالبكاء
- باهي وزمن القتلة!
- عن اليوسفي مرة أخرى.. أصبع ديناميت في برميل بارود.. أخمد آلا ...
- عن رحيل عبد الرحمان اليوسفي.. فلتتحقق الحقيقة حتى لو فني الع ...
- عبد الله العروي الآخر: المرشح البرلماني، المتسامح مع التطبيع ...
- فو-كورونا-يا وبداية التريخ...
- كارل ماركس يصافح كورونا...!
- سأخجل من موتي إذا حدث على يد كورونا... !!
- رسالة إلى صديقي الكاتب إدريس الخوري في زمن الكورونا
- ثرثرة فوق جسر نهر الكورونا
- كورونا تجهل موقع العالم!
- روح إيفانكا تنبح في البيت الأبيض
- من قتل عمر بنجلون؟!
- ألا لا يجهلن أحد علينا..!
- قصة قصيرة: على حافة موال تيزي نتيشكة*
- جمهور الكرة لا يقرأ جورج أوريول بل يشرب -الروم- ولا يقرب الأ ...


المزيد.....




- تكريم تشادويك بوسمان بطل -Black Panther- بنجمة في ممشى مشاهي ...
- زوج يعترف بالذنب في التخلص من جثة زوجته.. وليس قتلها
- تحطم طائرة خلال معرض دبي للطيران 2025
- مركز أمريكي دولي في إسرائيل يعمل استخباراتيا ومدنيا لتطبيق ا ...
- بوتين يلتقي بكبار ضباطه في دونيتسك ويطلع على التطورات الميدا ...
- بن سلمان يختتم زيارة محورية لواشنطن.. ما المكاسب التي حققها ...
- فنزويلا تنشر أسلحة ثقيلة في سواحلها على الكاريبي
- تقدم للجيش السوداني بكردفان ونزوح نحو 100 ألف شخص من الفاشر ...
- القوى السياسية العراقية تبدأ مشاوراتها لتشكيل الحكومة
- مستوطنة جديدة لربط تكتل -غوش عتصيون- الاستيطاني بالقدس


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - عبد الرحيم التوراني - صدمة المهنة وسقوط الأقنعة