أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - علي ماضي - ساعة الأرض المناخية: بين إيقاع ميلانكوفيتش والعبث البشري















المزيد.....

ساعة الأرض المناخية: بين إيقاع ميلانكوفيتش والعبث البشري


علي ماضي

الحوار المتمدن-العدد: 8530 - 2025 / 11 / 18 - 20:16
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


في سعينا لفهم مناخ الأرض، كثيراً ما نقع في فخ قصر النظر، فننظر إلى الطقس اليومي كحقيقة مطلقة، متناسين أن كوكبنا يعيش ضمن أنظمة كونية دقيقة وإيقاعات زمنية لا تكترث بحياتنا العابرة. في حواره ضمن إحدى حلقات (StarTalk)، يقدم العالم ستيفن سوتر، مؤلف كتاب
"Four Billion Years of ClimateChange: What the Past Tells Us About Global Warming".
، تشريحاً دقيقاً لسجل 4 ملاين من تاريخ الارض المناخي لهذه الأنظمة، كاشفاً عن دورتين مهمتين تتناوب عليهما الأرض: (كرة الثلج/العصر الجليدي – والكرة الزرقاء الدافئة). هذا التناوب يحدث وفقاً لآلية دقيقة كشف عنها العالم الصربي ميلانكوفيتش، وسُميت باسمه "ساعة ميلانكوفيتش".
فما هي ساعة ميلانكوفيتش؟ وما هي تروسها؟
يرى ميلانكوفيتش أن العصور الجليدية، تلك الكوارث المناخية التي شكلت وجه كوكبنا، ليست أحداثاً عشوائية، بل هي نتيجة حتمية لنظام فلكي دقيق شبّهه بالساعة. وتعمل هذه الساعة بثلاثة تروس رئيسية:
1. الانحراف المحوري (Obliquity): وهو الزاوية المحصورة بين محور دوران الأرض ومدارها. هذه الزاوية تتذبذب ببطء ما بين (22.1 – 24.5) درجة، وهي مستقرة حالياً عند 23.5 درجة. هذا الميل هو المسؤول عن وجود الفصول وشدتها، وتستغرق دورته الكاملة 41,000 سنة.
2. الترنح المحوري (Precession): هو تذبذب دوران الأرض حول محورها الناتج عن شكل الأرض غير الكروي تماماً (المفلطح). هذا الترنح يشبه حركة لعبة الاطفال "الدوامة" أو "البلبل" ( Spinning Top)عندما توشك على التوقف عن الدوران ثم السقوط. وتكمل الأرض دورة ترنح كاملة كل 26,000 سنة.
3. الانحراف المركزي (Eccentricity): هو التغير في شكل مدار الأرض حول الشمس (من شبه دائري إلى بيضاوي/إهليلجي) بسبب "لعبة شد الحبل" الناتجة عن جاذبية الكواكب العملاقة، وخصوصاً المشتري والزهرة. هذا التغير بطيء جداً؛ حيث يحدث الانحراف القليل في دورة مدتها 100,000 سنة، والانحراف الشديد كل 400,000 سنة. والملاحظ أن العصور الجليدية العشرة الأخيرة تزامنت مع دورة الـ 100,000 سنة.
ما هو الضبط المناسب لساعة ميلانكوفيتش ليحدث العصر الجليدي؟
للدخول في عصر جليدي، يجب ضبط عقارب الساعة كالتالي:
1. الانحراف المركزي (شكل المدار):
o الضبط: أقصى حد للبيضوية (Most Elliptical).
o السبب: عندما يكون المدار بيضاوياً جداً، تتغير المسافة بين الأرض والشمس بشكل كبير خلال العام، مما يجعل الأرض "بعيدة جداً" عن الشمس في نقطة تسمى (الأوج).
2. الترنح المحوري (توقيت الفصول):
o الضبط: أن يتزامن فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي مع وجود الأرض في أبعد نقطة لها عن الشمس (الأوج).
o السبب: هذا هو العامل الحاسم؛ فحدوث الصيف والأرض بعيدة عن مصدر حرارتها يجعله صيفاً بارداً وقصيراً، مما لا يسمح بإذابة ثلوج الشتاء.
3. الميل المحوري (درجة الميل):
o الضبط: أقل درجة ميل (حوالي 22.1 درجة).
o السبب: الميل القليل يعني أن أشعة الشمس تكون أقل حدة ومباشرة على المناطق القطبية الشمالية خلال الصيف، مما يقلل من ذوبان الجليد.
العامل المساعد الحاسم (خارج الساعة):
هذا الضبط الفلكي وحده قد لا يكون كافياً، بل يحتاج إلى عامل مساعد على الأرض نفسها، وهو:
• انخفاض مستويات ثاني أكسيد الكربون (CO2): يجب أن تكون نسبة هذا الغاز منخفضة جداً، بحيث يضعف "تأثير الاحتباس"، مما يسمح للكوكب بفقدان المزيد من الحرارة إلى الفضاء وتعزيز التبريد الذي بدأته الساعة.
كيف تخرج الأرض من العصر الجليدي؟
حين تتحول الأرض إلى كرة ثلج، تبقى البراكين مستعرة وتستمر في ضخ ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي. ولأن المحيطات متجمدة، تتوقف عملية امتصاص الكربون (التي تقوم بها المحيطات عادة)، مما يؤدي إلى تراكمه في الجو. تتشكل طبقة عازلة تحبس حرارة الشمس (احتباس حراري)، فترتفع درجة حرارة الأرض، ويبدأ الجليد بالذوبان، وتعود الأرض "كرة زرقاء" مرة أخرى.
التدخل البشري والكارثة القادمة
وفقاً للسجلات الجيولوجية، شهدت الأرض في المليون سنة الأخيرة حوالي عشر دورات جليدية رئيسية. وكان آخر عصر جليدي قبل 20,000 سنة، ونحن نعيش الآن في "فترة بين جليدية" (Interglacial). كان من المفترض، وفقاً لساعة ميلانكوفيتش، أن يبدأ العصر الجليدي القادم بعد حوالي 8,000 سنة.
ولكن، بسبب الثورة الصناعية، أطلق البشر كميات من غاز (CO2) تفوق ما تطلقه الطبيعة بـ 40 ضعفاً. هذا التدخل أدى إلى:
1. تأخير أو إلغاء العصر الجليدي القادم (تعطيل ساعة ميلانكوفيتش).
2. احتباس حراري: تسببت هذه الكميات في رفع حرارة الأرض إلى معدلات تنبئ بكارثة جديدة لا تقل خطورة عن التجمد، وهي ذوبان الجليد في القطبين، وارتفاع منسوب المياه (قد يصل إلى 120 متراً)، مما سيغرق جميع المدن الساحلية ويحول الكوكب إلى "عالم مائي".
ما الدليل على أننا الفاعلون؟
قد يتساءل سائل: ما الدليل العلمي على أن ارتفاع (CO2) سببه النشاط الصناعي وليس الطبيعي؟ الجواب يكمن في دليلين قاطعين:
1. البصمة النظائرية (The Isotopic Finger-print-): الكربون في الطبيعة له أنواع (نظائر)، أهمها كربون-12 وكربون-13. انبعاثات البراكين لها نسبة معينة من كربون-13، بينما الوقود الأحفوري (فحم حجري و النفط و الغاز) يمتلك نسبة أقل بكثير. عند قياس الزيادة في الجو، نجد أنها تحمل "بصمة" الوقود الأحفوري لا البراكين.
تطابق الحسابات: نحن نعلم كمية الوقود التي نحرقها، وبالتالي نعرف كم طناً من الكربون نضخ. وعند قياس الزيادة الفعلية في الجو، نجد الرقمين متطابقين.
خلاصة القول:
إن تاريخ مناخ الأرض ليس عشوائياً، بل يتبع إيقاعاً كونياً دقيقاً تضبطه "ساعة ميلانكوفيتش"، التي تعمل عبر تروس فلكية ثلاثة (الميل، والترنح، وشكل المدار) لتحديد مواعيد العصور الجليدية وفترات الدفء. هذه الآلية الفلكية كانت تعمل بتناغم مع دورة الكربون الطبيعية للحفاظ على توازن الكوكب.
لكن التدخل البشري العنيف، الذي أثبت العلم مسؤوليته عبر "البصمة النظائرية"، قد كسر هذا التوازن. فبضخنا لكميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، لم ننجح فقط في تأخير العصر الجليدي الذي كان مقرراً فلكياً، بل ارتكبنا خطأ "الإفراط"؛ حيث دفعنا مناخ الأرض بقوة نحو نقيض متطرف (احتباس حراري) يهدد بإذابة أقطاب الكوكب وإغراق سواحله، عابثين بذلك بنظام بيئي استغرق ملايين السنين ليستقر.



#علي_ماضي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعجزة أم المحاولة: لماذا نفضل الوهم المريح على الحقيقة الم ...
- عاشوراء من احياء الذكرى الى احياء الامة
- هذا المساء
- نبوءة
- ارصفة الغربة
- انا وسيزيف ورجاء النقاش
- مخاوف بشان الديمقراطية في العراق
- قراءة في الانتخابات التمهيدية للتيار الصدري
- هوامش اجتماعية
- هوامش في التربية
- لا اريد ان اكون ملاكا
- وجهة نظر في جدل مظاهرة يوم الجمعة
- ملاحظات في مأزق تشكيل الحكومةالعراقية
- هم يبدعون ونحن نتعجب
- المنطق الثنائي وحملات الانتخابات الاعلامية.
- التاثيرات المحتملة لنتائج انتخابات مجالس المحافظات السابقة ع ...
- قراءة في خلاف مجلس النواب حول قانون الخدمة والتقاعد للعسكريي ...
- هل نجح المجتمع العراقي في تشكيل راي عام فاعل وموضوعي؟
- قراءة لدور المدرسة في منظومة التربية العراقية(1)
- رأي في جاهزية القوات العراقية بعد انسحاب القوات الامريكية ال ...


المزيد.....




- محامية ناجيات عن أحدث ملفات إبستين: -يتحدث من قبره ويوجه الا ...
- إلغاء انتخابات 19 دائرة لمجلس النواب في مصر.. ماذا قال سياسي ...
- أرملة خاشقجي: أشعر بألم شديد لرؤية بن سلمان في واشنطن
- بعد تلقي العلاج في ألمانيا… بوعلام صنصال يصل إلى فرنسا
- أوراق ميرتس للحد من هجرة الشبان الأوكرانيين إلى ألمانيا
- ولي العهد السعودي في واشنطن لـ -تعزيز التعاون الأمني والدفاع ...
- اتهامات ضد نستله ببيعها منتجات بنسبة سكر أعلى في أفريقيا من ...
- قرار مجلس الأمن.. لماذا رحبت به فلسطين في حين تنتقده فصائل و ...
- سودانيات فقدن كل شيء يروين للجزيرة معاناتهن بمخيم القوز في ا ...
- -لماذا يُحرَّم على إيران؟-.. المنصات تستنكر الاتفاق النووي ب ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - علي ماضي - ساعة الأرض المناخية: بين إيقاع ميلانكوفيتش والعبث البشري