أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسين النجم - محاولة تذكر(*)















المزيد.....

محاولة تذكر(*)


محمد حسين النجم
استاذ جامعي / باحث اكاديمي

(Mohammed H. Alnajim)


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 01:21
المحور: سيرة ذاتية
    


يوم كنا في المدرسة الابتدائية رسمنا اول مرة خارطة العراق , بعد ان كنا نراها على اطلس الخرائط . كان معلم الابتدائية وواصل بعد ذلك المدرس , حين انتقلنا الى المتوسطة , يحاسبنا اشد الحساب حين نخطأ باسماء جوار العراق .كان من المجاورين اسم لانفهمه ولكن يجب علينا عدم اهماله .كان شكله معينيا جميلا سهل الرسم مثله مثل حدودنا مع الشقيقة الاردن , يسير القلم في رسم حدوده بسرعة كونه بلا تعرجات خلافا لباقي الحدود التي تمتاز بتعرجات الجبال , كان اسمه ( منطقة الحياد ) , وهي منطقة محايدة بين العراق والسعودية والكويت لكل منهم حصة فيها حين تقسم . لم ننسها فقد حفظنا الخارطة عن ظهر قلب , بل في سويداء القلب .
وكبرنا , وغزا الشيب راسنا مثلما غزانا الاصدقاء والاشقاء كما غزيناهم , واشتعلت الخارطة , واشتعل القلب من اوار اشتعالها , ومرت ثمان عجاف .واستيقظنا على خطاب القائد وهو يعلن لمن حاربهم ثمان سنين ( وهكذا تحصلون على مااردتم ) . وعم الفرح والسرور في بلد غامر بشبابه تحت امرة ارعن دفاعا عن ( الجبهة الشرقية ) لما كان يسمى الوطن العربي . ( تحصلون على ما اردتم ) خطاب يتعلق باصل النزاع على شط العرب الذي , منذ ان كنا صغارا , نرسمه بتباهي , على الخارطة , ومنذ ان افنينا مراهقتنا الى جواره . لم نجد في شط العرب الا فاصلا يفصل منطقتين , كلاهما عربي يتحدث بلهجتنا وليس فقط لغتنا , لم نكن نعرف ( خط التايلوك ) , ولا اتفاقيات ارضروم او ماشابهها , كنا نعرف شط العرب بصفته ( الطاش )(1) الذي يحتظننا , وتشاركنا امواجه احاديثنا وضحكاتنا , بل وشجاراتنا , مثلما نعرفه بما يجود لنا من ( الصبور ) (2)ايام ( الزرة )(3) , او ما يغذي شاطئه ( حلالنا )(4) من ( الچولان ) (5)كان حنونا ونحن نمتطيه في رحلتنا الى ( التايه )(6) ومعنا ( المسنون )(7) ( نهرگ )(8) به اعالي ( الچولان ) المرتفعة عن الماء في راس البيشة التي عرفنا لاحقا انه اسم ( التايه ) الرسمي , لم تهمنا التسميات مادمنا نستحم كل يوم ب ( دهلة )(8) شط العرب , نشكل بها تسريحات شعرنا على وفق مانرى من افلام الغرب في سينما ( الميناء ) (9) مثلما نسد جوعنا ب ( خلال ) (10) و ( رطب ) البساتين المنتشرة على سفحه وسفوح مايتفرع منه من انهار .
كنا ننتظر الصباح لنعود مع المد(11) محملة (ا بلامنا )(12) ب (چولان ) التايه .كان رفيقا بنا لا يكلفنا الكثير من مشقة التجديف , كان المسير ( سربان )(13) مع (الجزر)(14) الهابط اليوم و( المد )الصاعدبالغد . حين انتهت الحرب كان شط العرب ينتظرنا , واذ تفرقت بنا السبل طوال السنين الثمانية الا انه لازال ينتظرنا , يفرح بلقائنا كما نفرح برؤياه . لقد عاد شطنا .
كبر اطفالنا , ودخلوا المدارس , واذ اعتدنا ان نعينهم بواجباتهم المدرسية ونعلمهم كيفية رسم الخارطة , اصبحنا اضحوكة لهم . نعم سخروا منا واتهمونا باننا لا نعرف رسم خارطة العراق . حين تباهيت امام ابني , لاثبت له حب العراق المطبوع في قلبي, بطباعة خارطته التي سرعان ما رسمتها له عن ظهر قلب , واجهني بقسوة الانكار : لقد اخطأت الرسم ياابي !!!!!
وهل يخطأ القلب شريانه !!؟
وحين شرع هويرسم الخارطة , وجدت نزيفا في اجزاء خارطة القلب . لم يعد مااراه امامي , من ما رسمه ابني , خارطة وطني . لم تعد الاستقامة في حدوده مع ( الشقيقة ) (15) الاردن , عليه الان ان يتعرج معها ليزداد رهقا , ولم تعد منطقة ( الحياد ) مطلوب رسمها ويحاسب عليها المعلم او المدرس بعد ان تناهبها ( الاشقاء ) . وسواء تعرجت الى الداخل او الخارج فالصحراء مترامية وحين كنا اطفالا لم يكن لدينا مايمكننا ان نحدد به ماتم سرقته مما بقي من قبل اشقائنا , واذا كانت الرعونة الثانية انتهت بتقرير السرقة رسميا باسم السارق وبمباركة دولية حين ذابت سواحلنا وانضمت الى سواحل ( اشقائنا ) , فان ماهو قادم اشد مادمنا نمتلك هذا الكم من ( الاشقاء ) الذين يدفعوننا لافناء شبابنا دفاعا عنهم و ( يُوَتُون )(16) ليلا ليسرقوا مابقي .
-------------------
(*) توظف الحكاية بعض المفردات التي كانت متداولة في مدينة ( الفاو ) اقصى جنوب العراق قبل ان يتم تدميرها ومسحها اثناء الحرب واعادة تخطيطها وبناء مركزها الرسمي وعودة البعض من سكانها وعزوف الكثيرين لكونها باتت غريبة على ذاكرتهم .
(1) المقصود بالطاش في اللهجة الفاوية ساحل شط العرب
(2) نوع من انواع السمك مشهور بالمدينة وفي العراق عامة .
(3) فترة صيد الاسماك حيث تمتاز بالكثرة .
4) الحلال يعني الدواب في اللهجة العراقية .)
(5) الچولان نوع من انواع الحشائش التي تظهر على الساحل ( الطاش ) بدون تدخل بشري
(6) كان ملاك الاراضي يعتبرون جزء ساحل الشط الذي تطل عليه بساتينهم ملكا لهم يمنعون الاخرين من الاقتراب منه والاستفادة من حشائشه اما.جنوب الفاو في المنطقة المطلة على الخليج العربي جنوبا يكون الجزء المطل على شط العرب شرقا غير مملوك لاحد ( تايه )
(7) المسنون اداة قطع شبيهة بالسيف او ( القامة ) كما يطلق عليها العراقيون تستعمل لقطع ( الچولان )
(8) يهرگ المقصود بها عملية قطع الحشيش او ( الچولان ) واليتها انتظار صعود المياه الى مستوى عالي على الچولان ويقوم الفاعل بضرب الحشيش من اسفله حيث يساعد الماء المرتفع على الحفاظ على استقامة الجولان ليسهل قطعه بدلا من مسك طرفهالاعلى باليد والقطع باليد الاخرى , العملية هنا تسهّل على الفاعل استخدام كلا يديه بتحريك الة القطع ( المسنون ) لقطع اكبر كمية منها في كل حركة .
(9) كان في الفاو دارا سينما احداهما مملوكة لشركة نفط البصرة ( سينما الميناء ) والاخرى لشركة النفط الوطنية ( سينما الشركة ) وكلاهما بالاصل مجانا للمنتسبين الا انهما كانتا متاحتان لغيرهم بمقابل .
(10) الخلال يطلق على ثمر النخيل سواء كان اخضرا او اصفرا قبل نضوجه ( قبل ان يصبح رطبا )
(11) يمتاز شط العرب بظاهرتي المد والجزر المعروفة , حيث يتحرك الجزر نزولا الى الجنوب والمد صعودا الى الشمال .
(12) جمع ( بلم ) وهوالقارب الصغير الذي يتم دفعه بالمجاديف .
(13) حركة سير القارب الهادئة المتوسلة حركة الجزر والمد , حيث كان اصحاب القوارب ينتظرون الجزر لكي يعينهم على دفع القارب حين الهبوط الى ( التايه ) جنوبا , او العودة شمالا عند صعود المد .
(14) انظر ( 11 ) .
(15) نتيجة ضروف الحرب وحاجة النظام السابق لتوريد الاسلحة والسلع عن طريق الاردن بعد ان اغلق مجاله البحري , تم اقتطاع الجزء الغني من حدوده لصالح الاردن في مقابل جزء فقير من ارض ( الشقيقة ) لصالح العراق حيث تظهر الخارطة تعرجا قبيحا بديلا عن الاستقامة السابقة .
(16) يوتون بمعنى يسطون تعبير يستخدمه الاهالي للصوص .



#محمد_حسين_النجم (هاشتاغ)       Mohammed_H._Alnajim#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب ( اعترافات الغزالي )
- شلونك انت ؟ قصيدة تنزف وجعا
- لماذا لم يكن كامو وجوديا ؟
- البدء الفلسفي وحكم القطيع
- مكانة اللغة والاسطورة في نمط الثقافة الإنسانية
- ايروس او دافع الحب في محاورة ( المأدبة ) لافلاطون
- قراءة في كتاب علي حرب ( ثورات القوة الناعمة في العالم العربي ...
- وقفة مع الفلم الاسباني ( الحفرة )
- خبز العباس
- العشق ........والتاريخ


المزيد.....




- إسرائيل.. غارة على صور وتوصية بحرب على لبنان
- إسرائيل تقتل مسؤولا في حزب الله جنوب لبنان
- سوريا.. الكشف عن موعد محاكمة المتهمين في -انتهاكات الساحل-
- مقاتلات إف35 للسعودية: صفقة خلافية بين ترامب وإسرائيل
- شاهد..كيف لحقت الكونغو الديمقراطية بالملحق العالمي على حساب ...
- سوريا.. اشتباكات بين القوات الحكومية وقسد في ريف الرقة
- اليمن.. إحباط مخطط حوثي لتنفيذ اغتيالات في عدن
- واشنطن تحشد قرب فنزويلا.. أحدث حاملة طائرات تصل الكاريبي
- إيران تلجأ إلى تلقيح السحب وسط جفاف تاريخي لم تشهده البلاد م ...
- بعد 800 إفادة.. لجنة التحقيق الحكومية عاجزة عن دخول السويداء ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد حسين النجم - محاولة تذكر(*)