أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد حسين النجم - قراءة في كتاب علي حرب ( ثورات القوة الناعمة في العالم العربي )















المزيد.....


قراءة في كتاب علي حرب ( ثورات القوة الناعمة في العالم العربي )


محمد حسين النجم
استاذ جامعي / باحث اكاديمي

(Mohammed H. Alnajim)


الحوار المتمدن-العدد: 6657 - 2020 / 8 / 25 - 11:26
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


تغلب على الكتاب الصفة الحماسية، فثورات الربيع العربي، لا شك نكئت جرحا غائرا في النفس العربية التي عاشت الذل والخذلان تحت تسلط دكتاتوريات اذاقتها العذاب والحرمان مما دفع بها الى الاحتفاء باي عمل يمكن ان يؤدي الى ثأرها المقموع. وعلي حرب مثله مثل أي عربي عاش الحقب السوداء التي رانت على الشعب العربي من المحيط الى الخليج، وهو ما يعد عذرا لاحتفائيته وحماسته. الا ان المأمول بحسابات المفكر ان لا تكون كحسابات سواه ممن لا يملك ما ينبغي ان يملكه علي حرب بصفته قامة فكرية يحسب لها حساب، الا ان عذره كذلك، كما يشبر في مقدمته الى ان كتابه هو مجموع مقالات نشرها بفترات وارتأى جمعها بكتاب. الا ان ما يلفت الانتباه ان يسارع مفكر بحجم علي حرب للقفز الى نتائج لم يحن الوقت بعد للتحقق من مصداقيتها , مثلما ان الوسائل والأساليب التي يتم اعتمادها ليست هي الأهداف والغايات المأمول الوصول اليها , فالديمقراطية , مثلا , التي يشيد بها حرب ويعدها المفتاح لكل هموم العربي , جعلته يتناسى بان هذه الديمقراطية تحدث في اطار الحرب الناعمة التي تشنها القوة الناعمة , وان على المفكر ان يكون اكثر استبصارا بالاسباب والنتائج , ففي الشأن الإنساني يصعب الايمان بخطية الأسباب والنتائج في عالم معولم تقوده المصالح والقوى وينقسم الى قوى كبرى ذات باع راسخ في تطوير مصالحها وبين قوى ضعيفة ليس لديها سوى اجسادها تحاول تفجيرها للتعبير عن غضبها وذلها إزاء دكتاتوريات جعلتها بالحضيض , مثلما تفتقر رؤياه الى محاولة العودة الى بدايات تشكل الدول الوطنية العربية ومدى حظها من سلامة التاسيس . فثورات الربيع العربي عند حرب تشكل انتصارا لبصيرة فوكوياما على هنتنغتون , حيث انتصرت الديمقراطية في مقابل هزيمة هنتنغتون ومفاهيم الصراع . ولست هنا اريد مناقشة الغايات المطروحة في استراتيجية كلا المفكرين الأمريكيين التي تبدو مختلفة , والتي هي , كما لا يخفى على حرب , تصب في غاية واحدة هي المصلحة الامريكية العليا وكيفية إدارة الشأن الدولي للوصول الى عالم واحد تحت قيادة الولايات المتحدة . ويبدو ان هذا لم يكن خافيا على حرب , ولكن مع التفاف , عبر عنه بالقول بان ما يحدث يعبر عن وحدة المصير البشري الذي يسجل نهاية نظرية المؤامرة والاجندات الخارجية , وهي قضية يصعب الاتفاق عليها في عالم يشهد انغماسا بحرب باردة ربما يحمى وطيسها لاجل المصالح , ولكن ما نتفق معه عليه هو ان ما يحدث يعبر عن ( نهاية سيادة الدول واستقلال الأوطان بالمعنى المطلق والمقدس )(ص35 ) بغض النظر عن تبرير الامر بذريعة ( عندما يتحول الحكام الى جزارين يسفكون دماء شعوبهم ) , والذي يؤسس فيه حرب لتبرير التدخل باسقاط الأنظمة تحت غلاف شفاف هو الأمم المتحدة التي نعلم ويعلم هو من يسوقها . وبذا فان انتصار فوكوياما المحتفى به يصبح احتفاءا بطموحات حرب ذاته .
وعلى الرغم من ان الديمقراطية , بالصورة التي تم تزيينها للشعوب المقهورة ابان الحرب الباردة بين المعسكرين السابقين , ليست الا اطار عمل وليس محتوى , فان الاحتفاء بانتصارها هو احتفاء بالاطارالذي سرعان ما يستوعب المحتوى المخطط , الا ان هذا المحتوى , حين ينتصر الاطار ربما لا يمكن التخطيط له بالدقة المامولة , فهو ربما يستوعب
المخيال الجمعي الاجتماعي , بكل ما يعتمل في هذا المخيال من تصورات وطموحات ورغبات . واذا كانت العولمة , ولاشك ان الديمقراطية لا تختلف عنها , (كاي شيء اخر , يمكن ان تستخدم بصورة فاحشة او وحشية كما يستخدمها النموذج الارهابي او من يمارس النهب المنظم )() والذي يبني عليه ان الانتفاضات الجارية تعطي مصداقية لفوكوياما وليس لهنتنغتون ) وبالتالي ( نحن ازاء انتفاضات تطرح عناوين ملموسة , تتصل بهموم الناس وحاجاتها التي تبتلعها الشعارات الكبيرة والقضايا المقدسة التي هي مصدر الحجب والتضليل او الاستعباد والارهاب ) مما يدفعه للامل (فالمنتظر ان تكون متواضعة بلغتها ومفرداتها واساليبها ) , فان هذا المنتظر يبقى رهين المحتوى , ولعله, لا يتفق مع متبنياته , فهل تعد هذه نكسة للعولمة او للديمقراطية ام انها افراز لها ؟ ان الديمقراطية استطاعت ان توصل الاخوان المسلمين في مصر الى سدة الرئاسة، وهو ما لم تكن تحلم به يوما، فهل هذا هو انتصار العولمة التي منحتنا الديمقراطية؟ نعم انه انتصار الإطار الذي سرعان ما تم ملئه بطموحات ورغبات وامال شعب، وإذا كانت العولمة هي، كاي شيء اخر، يمكن ان تستخدم بصورة فاحشة او وحشية، فما الذي يميز او يقيم المنجز بصفته نموذج ارهابي او من يمارس النهب المنظم عن من يجعلها تمارس بصورة ايجابية وبناءة؟ وإذا كانت الشعارات الكبيرة والقضايا المقدسة هي مصدر الحجب والتضليل والاستعباد والارهاب، فمن يضمن لنا ان لا تكون الديمقراطية ذاتها كشعار مصدر الحجب والتضليل او الاستعباد والارهاب. وإذا كان علي حرب يدين المثقف الذي يعيش الازدواجية حين يناصر الشعوب المضطهدة ويشجب الاستبداد في مكان ويتغاضى عنه في مكان اخر كما حصل مع افعال القاعدة في العراق، فان علي حرب يتناسى ان الثورة الناعمة التي يمدحها هي ذاتها ما تم تسميته بحروب الجيل الخامس، وهو ما يتبين من خلال هذا الاصرار العجيب على فرض اليات محددة تنتهي الى فرض ظروف تشكل القاعدة الرئيسية لإشعال هذه الحرب الناعمة. ان حرب يتناسى بان العالم يحكمه مصدر القوة والمصالح لدول استعمارية كبرى، كل منها يحاول ان يوظف العولمة لصالحه كسبيل لفتح البلدان وان ما يتباهى به من شبكات تواصل لا يمكن الحصول على ثمراتها لاولئك الا ان تستثمر الاستلاب والقهر والتجويع الذي فرضته هذه القوى ذاتها من وراء ستار، لكي تجعل من (الحرب الناعمة) تحقق اهدافها. فهذه الدول لا يهمها فرض الاطار الا اذا كان يستجيب لمصالحها، فالثورة الناعمة التي حققت الطموح المامول بانتصار الديمقراطية، سرعان ما باتت هدفا لسهام من باركها. ان التجربة المصرية تفرز صورا عبثية تكشف حقيقة ما يمتدحه حرب , فالثورة الناعمة التي قادت الى اسقاط دكتاتورية امدها اربعين عاما واستطاعت حشد الجماهير المليونية في الميادين المصرية , انتهت الى تحقيق الاطار الذي ملئه الاخوان المسلمون , وهو ما كشف عن حقيقة الفاعل , فالجماهير التي كان يقودها اعلام مسنود بقوة الدولة البوليسية والتي تخرج الجماهير على اثرها للتصفيق والهتاف باسم القائد , تحولت الى العوبة تقودها الحرب الناعمة , ليس لتحقيق طموحات هذه الجماهير , بل لتحقيق طموحات اخرين يلعبون من وراء الستار , بل ان الحرب الناعمة التي عادت لتشتعل , بعد سنة واحدة من تولي الاخوان المسلمين للسلطة , لانها لم تستطع تحقيق الاهداف التي كان يرجوها اللاعب الاكبر , وهكذا تمت العودة الى النهج القديم , زال العسكر ليحل محلهم عسكر , بل ماهو اسوء ان العسكر الذي حل , بمساحيق ديمقراطية , هو من نصبه راس السلطة المخلوع الذي اطاحت به الثورة الناعمة !!!
ان مشكلة العقل الليبرالي هي انه مؤدلج يتستر خلف هذه الواجهة، مثله مثل تستر الثورة الناعمة خلف مطالب الجماهير. وعلى الرغم من تباهي حرب بالثورة الناعمة بانها ليست اشتراكية ولا ناصرية ولا جهادية، كما يتمنى او يحن او يحلم ديناصورات العقيدة والفلسفة والسياسة والثقافة، لانها ابنة العولمة، فهو يغالط نفسه سريعا حين يعود الى المربع الاول بان العولمة ليست الا وسيلة ومثلها مثل الديمقراطية إطار، يمكن ان تملاه بما تشاء خيرا او شرا، وهو ما انتهت اليه الثورة المصرية من تسلم ديناصورات العقيدة اياهم للسلطة. وهو ما كشف عنه حرب بالقول (لا اريد ان احلم او ابالغ، لكن ما يؤمل من الانتفاضات الجارية، او التي يمكن ان تجري، ان تنجح في امتحانات الديمقراطية والتنمية والعدالة والكرامة)، وهذه هي المفارقة التي غابت عن حرب، فالديمقراطية بصفتها إطار لابد من ملئه، ولكن بماذا؟ بالتنمية، ولندع العدالة والكرامة، فهي شعارات مثلها مثل ما لاكه الذين من قبل، ولكن ماهي التنمية المنشودة؟ ان الانظمة ( الليبرالية ) التي يهيم بها حرب كانت وراء كل ما جرى في مصر من تخريب وتدهور اقتصادي وشلل تنموي , فرائدة الديمقراطية , التي يطمح فوكوياما ان تكون الرجل الاخير , والتي يرى حرب في ثورة مصر اعلان انتصار له على هنتنغتون في صدامه الحضاري , كانت السبب في كل ماجرى في مصر منذ الانفتاح الاقتصادي بعد اتفاقيات كامب ديفيد , فالتنمية المامولة تم تنحيتها لصالح اغراق السوق المصرية بكل شيء من رائدة الديمقراطية ( الولايات المتحدة ) لتنهار اركان التنمية الوطنية فيها , وتصبح مصر على شفا الهاوية او سقطت فيها لتشتعل ثورة الفقراء , والغريب ان من يقف معهم ويسندهم في ثورتهم الناعمة هو ذاته المسبب الرئيس في افقارهم وتدمير اقتصادهم وانزالهم دون مستوى خط الفقر , الم تكن وعود السلام مع إسرائيل , آنئذ , هي التنمية مثلما هي الان كما يبشر بها حرب ؟ ان الدعم الدولي المزعوم لشعب مصر في ثورته اشبه بحديث العاهرة عن الشرف، واستاذن حرب في ذكر العاهرة، فانا لا اقصد الإساءة لها، فهي تمارس حريتها وديمقراطيتها وفق طريقتها الخاصة مثلها مثل رائدة الديمقراطية.
لقد أخفق حرب في قراءة مستقبل الثورة الناعمة ثانية حين انحاز لتكلسه الايديولوجي بالزعم ان الثورة او الاحداث كشفت مدى المبالغة والتهويل، في القول بان سقوط الدكتاتوريات سوف يفضي الى مجيء الاصوليات، وهل أكثر مما انتهت اليه الثورة المصرية وهي تمارس حقها الديمقراطي؟ ان قيمة المفكر ان يقرأ الواقع بعمق لا ان يمتح من خزين استيهاماته ورغباته , فهذه تشكل كبوة المفكر التي لا يمكن غفرانها , فنحن امام واقع محتدم , الاصولية تمد جذورها عميقا في تاريخ الشعب المصري , لان ما شهدته الساحة المصرية طيلة تاريخها لم يكن الا تصارع وتجاذب قوى لم تستطع ان تنفذ الى اعماق النفس المصرية , بل عرضته لصدمات تمس جوهر ما يعتقد , فالقوى ( الفكرية ) كانت تفكر بطرفين متباعدين , ( الاسلام هو الحل ) و ( الليبرالية هي الحل ) , وفي الوقت الذي كان الطرف الاول قادر على ان يغازل العواطف والمشاعر الشعبية , وتشويقه الى ماض رسالي جعل من نفسه السادن لاعادته , نجد اصحاب الشعار الثاني يصدمون هذه العواطف والمشاعر , حين يتحول التقابل الى شتم الدين باسم الديمقراطية وحرية الراي , بكل ما يبعد الشقة بين الطرفين . ان القوى الليبرالية والعلمانية المصرية التي كانت تنادي بالديمقراطية، كان يعز عليها ان تجد في ديمقراطيتها مكانا لاستيعاب الشعب المتدين مما خلق اصولية متطرفة جعلت من الشعب لا يرى فيها ونجاحها الا اقصاء لما تعتقد وما تؤمن وهو ما كشف عن نفسه سريعا حين انتصرت الديمقراطية وحددت صناديق الاقتراع حقيقة توجه الشعب. كانت القوى اليسارية تحديدا في مصر لاتجد في سواها اهلا لان يشاركها السلطة، ولست هنا اقصد الاخوان المسلمين، بل جعلت من نفسها الطرف المقابل لمشاعر وعواطف الشعب مما سهل على القوى الأخرى (والاخوان المسلمين وحزب النور الأكثر سلفية) بان تنجح في استدراجه ودفعه لانتخابها واصعادها الى راس السلطة.
ان ما كان يسميه مالك بن نبي محور طنجة- جاكارتا، والذي يشغله العالم الإسلامي على امتداد هذه الرقعة، كان ينبغي ان تكون تجاربه خزينا يستثمره المفكرون بالمراجعة والنقد والاستلهام كذلك، الا ان المضحك حقا هو تلك المقارنة التي يجريها حرب بين موقف اوباما وموقف الرئيس الإيراني احمدي نجاد، وهو ما يكشف عقدة المفكر. ان الثورة الايرانية , بعيدا عن المئالات التي لا يودها حرب , تشكل اول ثورة شعبية يشهدها العالم بعد الثورة الفرنسية , وهو امر شهد به الكثير من المفكرين والفلاسفة عند اشتعالها وتحقيق اهدافها , ولا حاجة بنا الى راي موتور كراي حرب , فحرب يهيم كثيرا بما يطرحه اوباما الذي يرى انه اعتراف بعالمية الثورة حين يقول ( أي أوباما ) ( لقد الهمنا المصريون ) , فهو اعتراف بانهم عبروا بثورتهم عن روحهم الخلاقة واستطاعوا تغيير بلدهم والعالم , وهو خطاب نعرف جميعا انه يسعى لركوب الموجة وتوجيهها بشكل لا يختلف عن موقف احمدي نجاد , فالثورة المصرية وقبلها التونسية تنتمي الى الثورة الايرانية باسلوبها الجماهيري وصمودها ومطاولتها اكثر مما تنتمي الى الغزل الامريكي الذي سرعان ما قلب لها الظهر حين افرزت الانتخابات ما اعتقدته بانه في غير صالحها , بل انها دعمت احد اركان النظام السابق للعودة ممتطيا ديمقراطية تحفها الكثير من الشبهات . ان الالهام الذي يتحدث عنه اوباما، هو شعوره بان لعبة الديمقراطية، التي طالما سوقتها أمريكا، قد تم فهمها من قبل الشعب المصري بصفتها الحقيقية وهي كونها ليست الا إطار، وقام بملئها بما لا ينسجم مع رغباتها وارادتها. نعم ساهمت العولمة وحرب الجيل الخامس بتحقيق ما لم يتم تحقيقه بأجيال الحروب الاربعة السابقة , ولكنه كشف ايضا ضرورة ان تتم الحرب بايدي امينة قادرة على كبحها عند الضرورة لتنسجم مع اهداف مديريها , ولهذا نلاحظ الانتقائية التي باتت تعتمدها الولايات المتحدة في ادارتها لهذه الحرب , والمؤسف ان حرب , بدواعي ايديولوجية لكي لا اقول طائفية , ينساق ورائها , والا ما الذي منعه من الاشارة الى الثورة الجماهيرية التي اجتاحت البحرين , مثلا , وتم قمعها بكل قسوة من قبل الاداة الامريكية ( السعودية ) ولم تحرك راعية الديمقراطية ساكنا . ان حرب في قراءته للواقع العربي لا يقراه بعقلية المفكر، بل بعقلية الطائفي، فهو ينتقي ما ينسجم مع عواطفه المترسبة في اعماقه والتي لم تستطع ليبراليته وعلمانيته نزعها، والا ما الذي يفرق بين شعب ثائر على الظلم والطغيان وبين شعب اخر يثور مثله؟ نعم قرا اوباما والاستراتيجيون الامريكان باجمعهم الحدث بعقلية السياسي الذي يعيش زمنه المعولم ,فما يهمه هو ان يقرا ويحلل دلالات الحدث بابعاده ورهاناته ليستخلص الدروس والعبر , واهم هذه الدروس ان تكون راعية الديمقراطية , وقائدة الحرب الناعمة هي الماسكة لخيوط اللعبة , وهو ما سنجدها تلتزمه لاحقا في مختلف البقاع التي تدخلت امريكا بها باسم نشر الديمقراطية , حين لا تتوانى عن انتهاك هذه الديمقراطية اذا وجدتها خلاف طموحاتها مهما كانت معبرة عن طموحات الشعوب , مثلما ان من دروسها ان تزرع ممثليها من الناشطين في قلب الحدث ليوجهوه الوجهة التي تخدم مصالحهم وان اقتضى ذلك اهراق دماء تلك الشعوب التي الهمتهم . ولتبرير عقليته الطائفية يحاول حرب ان يقارن مقارنة مضحكة بين الثورة المصرية والثورة البحرينية , فهو يتناسى بان مصر اسلاميا ذات مذهب واحد مما جعل من الانظمة المتلاحقة تلعب على ضرب القوى السياسية , لا الدينية , بعضها في بعض , لانها لم تجد طائفة اخرى اسلامية توظفها في ذلك , وهي اللعبة التي بدأها عبد الناصر ولم تنته مع انقلابها على انور السادات , فيما نجد البحرين عاشت طويلا تحت سلطة مذهبية (اقلية ) سامت ( الاغلبية ) مختلف الوان القهر واستلاب الحقوق , فالاقلية البحرينية استطاعت ان توظف انتمائها الطائفي باقصاء وتهميش اغلبية الشعب البحريني , وبالتالي فحين يثور المهمش والمستلب رفضا للتمييز الطائفي لابد ان تتم معالجة اسباب ثورته , لا ربطها بقوى اقليمية , كما يحاول ان يشي حرب , ان كون ايران شيعية لا يسمح لحرب ان يتناسى ليبراليته وعلمانيته ويحرم شعب البحرين من حقه في العيش بكرامة مثلما لاتسمح له بان ينساق وراء طائفيته ليسلب حق الشيعة الاخرين في اي مكان بالعيش بكرامة , سواء في البحرين او في غيرها . ان حرب لايختلف كثيرا عن راعية الديمقراطية التي لا تتوانى عن افقار الشعوب واذلالها ومحاصرتها لانها لا تجري بالمجرى الذي تريد دون اعتبار لراي هذه الشعوب. وماذا يتوقع حرب من بلد يقوده لون طائفي واحد هو الاقلية ويسلب اللون الاخر الاكثرية من كل حقوقه , واذا كان حرب ينسى فلابد من تذكيره بان مسلمي مصر هم من ثار وملأ الميادين , ومصر فيها المسلم والقبطي , واذا كان في ما يتعلق بالبحرين يأمل , ويبدو ان هذا شرط لتأييده لها واعتبارها ثورة شعبية , ان تكسر الانتفاضة الشعبية , وليس الأقلية ,الثنائية المذهبية بحيث تضم قوى وشخصيات من السنة والشيعة , فلماذا لا يسري رايه هذا على الثورة المصرية بان تكسر الثنائية الدينية ؟ , فهو يامل ان يشارك الاقباط في الثورة , ولكن حسه الطائفي المرهف لا يسمح له بان يدعو السني البحريني لمناصرة مواطنيه الشيعة والمشاركة معهم في رفض الظلم , فوفقا لحسابات حرب التي يبنيها على اللون الواحد وتعدده , فالثورة المصرية لا يجب تاييدها لانها ذات لون واحد ما دام لم يشارك فيها الاقباط , ولماذا نخادع انفسنا ولا نتحدث عن ضرورة كسر المنطق الطائفي في مصر وقد عانى الاقباط ماعانوا من هذه الثورة , لكي لا اقول شيعة مصر واثير احاسيسه المرهفة . ان حرب يتغافل، لكي لا يكشف عن حقيقة دوافعه، ان الكثير من الشخصيات السنية كانت متضامنة مع الانتفاضة , ولعله لم يسمع او تصامم عن سماع شهادات كثيرين على قناة الحرة الامريكية , ابان الانتفاضة واعلانهم الصريح سنيتهم وتضامنهم مع اخوانهم , قبل ان تنجح الولايات المتحدة ومفكرون طائفيون امثال حرب بشيطنة ايران بدعم مالي سعودي وبالتالي شيطنة الشيعة لكي لا يحق لهم المطالبة باي حق بل والسعي لسلبهم حق الحياة . ولا ينسى حرب ان يقذف ما يعتمل في داخله من قيح على المقاومة والممانعة في بلده حين يتباهى بالديمقراطية (فالمجتمعات الحرة الديمقراطية حيث الفرد قوة فعالة بفكره وعمله هي التي تقاوم على الوجه الاكمل) وباعتقادي ان هذه اخر قطرة حياء يسفحها المفكر الكبير، فلا شك عنده ان الديمقراطية الاسرائيلية هي التي تقاوم على الوجه الاكمل، مادام مقابلها مقاوم شيعي، حتى لو كان يقاوم ضد محتل لبلاده. هكذا يتم السقوط الاخلاقي لمفكر يحسبه الكثيرون كبيرا .لقد دامت الحروب العربية الاسرائيلية ستة عقود , ولم تستطع الانتكاسات والهزائم العربية ان تمنح الفرصة للحكام العرب ان يمدوا الجسور علانية مع اسرائيل , ولم تمر الا سنوات عشر او اكثر قليلا لنرى هرولة الحكام بل والشعوب العربية للتطبيع وبناء العلاقات الصريحة والمتينة مع اسرائيل , ليس لشيء الا لان الولايات المتحدة وذيولها في المنطقة استطاعوا ان يشيطنوا ايران , وان تمتد الشيطنة الى الشيعة , فصار من السهل ان نهرول الى اي جهة تعاديها ايران او يعاديها الشيعة , بمنطق طائفي سمج تعالى على كل منطق بل وتصادى مع ثوابت طالما ادعى الكثير من هؤلاء انهم يؤمنون بها , فصارت ايران هي الاشد بغضا , وليس اليهود , للذين ( امنوا ) , ولعله ليس مخزيا ان ينساق قطيع من الدهماء وراء هذه الدعاوى , الا ان المخزي ان ينساق بها من يعد مفكرا يحاول مثله مثل من وصفهم من المثقفين الذين ( يتصرفون دوما بوصفهم الاوصياء والوكلاء الحصريين على القيم العامة المتعلقة بالحقيقة والعدالة والثورة والهوية والامة ) والذين قال عنهم , ولا يبتعد هو كثيرا عنهم , ( لامصداقية لهم فيما يدعون او يعلنون من المواقف ) . لم تكن الولايات المتحدة واسرائيل حصرا تحلم يوما ان تمد لها يد عربية لتعترف بوجودها الشاذ، بل وتساندها فيما تقوم به من اضطهاد وعسف ضد ابناء الشعب الفلسطيني، بل وتوجه الاتهام الى هذا الشعب الصابر بانه السبب فيما يحصل له، لو لم يتم ركوب شيطنة إيران، وهي الفرصة الذهبية التي اهتبلتها الولايات المتحدة لتمارس اجرامها بحق الشعوب التي لا تتماشى مع رغباتها بفرض الحصار والتجويع والافقار تمهيدا لادارة حرب ناعمة من خلال ادواة لها في تلك الشعوب امثال حرب وغيره. ان المفكر، ان كان مفكر حق، هو الانسان الذي ينظر الى الشعوب لا الى ممارسات حكامها وطغاتها، والمفكر الانسان هو الذي يرفض اسلوب التجويع والافقار لتلك الشعوب مهما كانت المبررات، فاذا كان مما لاتطرف له عين الراسمالية المتوحشة ان تباد شعوب لأجل مصالحها، فان هذه هي نقطة الافتراق التي يجب ان تكون للمفكر الانسان مع هذه السياسة. لقد عانينا في العراق من حصار قاسي فرضته الولايات المتحدة باسم الامم المتحدة التي لم تختلف بمواقفها البائسة عن حرب، وطيلة فرض الحصار لم يتاثر به النظام واركانه، بل كان فرصتهم لاحكام قبضتهم على الشعب الذي بات لا يمكنه التفكير الا بتامين لقمة خبزه , وليس بأسقاط النظام , وبات , بغباء النظام او تغابيه , يأمل ان ينقذه من حاصره وجوعه وهو ما دعا الولايات المتحدة لان تحشد أكثر من ثلاثين دولة لازالة هذا النظام، وكان الامل بان يكون هذا درس لها بان اسلوب الحصار والتجويع لا يهدم الحكام بل يهدم الشعوب ويشلها، وازعم انها تعلم ذلك، ولا يهمها ما دام يوفر لها فرصة الانقضاض .
* علي حرب: ثورات القوة الناعمة في العالم العربي من المنظومة الى الشبكة، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت



#محمد_حسين_النجم (هاشتاغ)       Mohammed_H._Alnajim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وقفة مع الفلم الاسباني ( الحفرة )
- خبز العباس
- العشق ........والتاريخ


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - محمد حسين النجم - قراءة في كتاب علي حرب ( ثورات القوة الناعمة في العالم العربي )