أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد حسين النجم - البدء الفلسفي وحكم القطيع















المزيد.....

البدء الفلسفي وحكم القطيع


محمد حسين النجم
استاذ جامعي / باحث اكاديمي

(Mohammed H. Alnajim)


الحوار المتمدن-العدد: 7413 - 2022 / 10 / 26 - 21:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يتفق الفلاسفة والباحثون بمختلف اتجاهاتهم مع ارسطو في تعميد طاليس ابا للفلسفة .ومصدر هذه الابوة هو انه اول من سأل السؤال المركزي في الفلسفة : ما اصل العالم ؟ و انه اعلن ان اصل العالم ماء , و علل قوله بذلك بأدلة عقلية بدلا من اطلاق القول على عواهنه .
وحقيقة الحال لم يردنا عن طاليس الكثير , بل ولا ندري ان كان ثمة سؤال قد طرح او ان كان ثمة تعليل لما قال , اذن فلا بد من تأويل ذلك . واول من اجترح التأويل هو ارسطوطاليس . كان ارسطو اكثر علمية واعتدالا من قوافل الباحثين والفلاسفة اللاحقين في تأويله , فهو يقول ابتداء انه (ربما ) جاءت طاليس الفكرة من رؤيته ان الاشياء جميعا لابد ان تكون رطبة , وان الحرارة نفسها تنشأ من الرطوبة , وتبقى حية بواسطتها , وان بذور كل شئ ذات طبيعة رطبة ( يوسف كرم : تاريخ الفلسفة اليونانية / ارسطو : الميتافيزيقا 983 , 25-30). وقد حذف من جاء بعد ارسطو هذه الـ ( ربما ) ليتخذوا القول بانه طاليسي بامتياز , وبناء عليه يكون طاليس اول من هجر التفسير اللاهوتي والميتافيزيقي ولجأ الى التأويل العلمي لبيان اصل العالم , بمعنى انه اول من وضع مسالة الطبيعة وضعا نظريا مبتعدا عن محاولات الشعراء واللاهوتيين . والغريب بالأمر انك تجد اشد الفلاسفة تطرفا ونزوعا الى الهدم , يتوقف امام التأويل الارسطي باعتباره لطاليس ويسعى لإعمال فكره بتوسيعه واستخراج المكنون العلمي والصوفي فيه ( انظر نيتشه : الفلسفة في العصر المأساوي الاغريقي ), وهو عمل تستغرب ان يصدر عن من وصف نفسه بالديناميت او فيلسوف المطرقة والنقد الجينيالوجي القديم .
لعله من الغرابة بمكان ان تجد هذا الخضوع الى ما يسميه فرانسيس بيكون بأوثان المسرح , والذي يتمثل بالخضوع الى انساق معرفية جامدة تستمد شرعيتها من انتمائها الى مفكرين او فلاسفة كبار , فالهيمنة الأرسطية ظلت محددة لرؤى الفلاسفة حول البدء الاول للفلسفة .
واذا كنا لا نعرف الكثير عن طاليس , مثلما لانعرف الدوافع التي دفعت ارسطو لوضعه بهذه المكانة , الا اننا تعلمنا ان جوهر الفلسفة يقوم بالمشاكسة والاعتراض الذي يتمحور حول سؤال يستهدف هز ما هو ساكن , فهل كان طاليس محققا ذلك ؟ ان الحديث عن الماء اصلا للعالم هو حديث ينتمي بالقرب الى هوميروس وهزيود وينتمي بالبعد الى كل الاقوام التي وصلنا ذكرهم وتراثهم الاسطوري قبل هوميروس وهزيود , فباي حق نستثني طاليس من الانتماء الى العالم السحري الاسطوري السابق للفلسفة ؟ يبدو لي ان الارتكان للقول بانه اشر ( الماء ) بعيدا عن التصور الاسطوري لأوقيانوس وما يرتبط به من حيوية , او انه استخدم ( ال ) التعريف لتشخيص هذا الاصل , كما يرى برونو سنيل مثلا , هو تلاعب لفظي , فاللغة التي تحدث بها كتاب الاساطير لم تكن الا الثوب الذي عبروا به عن افكارهم , والثوب يستمد شرعيته من المحيط التداولي للغة , فضلا عن اننا لا نملك النص الذي تحدث به طاليس , والكلمة التي استخدمها , فلعل الماء من بنات افكار ارسطو تعبيرا عن الاوقيانوس الطاليسي مثلا , مثلما نقرب اوقيانوس هومر وهزيود بالماء ونحن نلبسه الثوب الذي نتداوله .
ومع ذلك , لا بد من التساؤل هل هذه المسيرة الفلسفية المتوهجة بدأت مع هذه الانعطافة من الاوقيانوس الى الماء لكي تعطي طاليس شرعية الابوة ؟
باعتقادي ان المنجز الفلسفي الذي تحقق يدين بوجوده الى حالة اعتراض اكثر منها استسلام . فطاليس ليس الا مستسلما ومرددا لأساطير اكتسبها من سابقيه حسب البعض, وهو ما يجعله جزءا من رعيل كتاب الاساطير الذين عاشوا قبله ردحا طويلا من الزمن وهم يرددون ويستنسخون ما جاء به الذين من قبلهم , ولعل شذرته الاخرى المتبقية حول العالم المليء بالآلهة دليل اثبات على انتمائه الى ذلك الرعيل , فلماذا ينبغي ان نخضع لأوثان المسرح , ممثلا بأرسطو , ونغفل دور الاعتراض الذي ظهر زمن طاليس او بعده بقليل ؟ كان انكسمندريس تلميذا لطاليس , هكذا قيل او لعله معاصر له , وكان هو اول من اعترض . واذا اردنا الحق فان اعتراض انكسمندريس لا يمثل اعتراضا على استاذه او معاصره فحسب , بل اعترض على جملة التفكير الانساني قبله , او بمعنى ادق على جملة التفكير الاسطوري السابق له , دون ان يعني ذلك خروج انكسمندريس عن ذلك التفكير تماما , فاذا كان طاليس يمتح من معين هومر وهزيود القول بالماء , فان تلميذه انكسمندريس كذلك يمتح من هؤلاء , فكلاهما يستمدان فكرهما من ثقافتهم القارة المستندة على المعلمين الكبار هؤلاء , الا ان زاوية النظر التي اعتمداها وضعت انكسمندريس بموقف المعترض والمشاكس الذي رفض جعل الماء اصلا للعالم طارحا البديل , وبخطوته هذه جعل الباب مشرعا امام موجات من الاعتراضات ببدائل اخرى دفعت التفكير الى النمو والتطور . لقد ابدل انكسمندريس ماء طاليس باللامتناهي , الذي هو اشبه بالصياغة الاسطورية للكاوس البدئي الهزيودي حسب وندلباند . ولكن كان هذا الرفض يضارع القاء حجارة في بركة راكدة ؟ لم تتحرك بركة الفكر الانساني الساكنة طيلة الزمن الذي مضى , ولكن سرعان ما تتالت الموجات بعد ان اعترض انكسمندريس , الا يمنحنا هذا مشروعية القول ان انكسمندريس وليس طاليس هو المجترح لهذا الضرب من العلم ( الفلسفة ) ؟ من جهة اخرى يمكننا التساؤل عما اذا كان طاليس وثنا امتنع الاخرون عن المساس به , وانتظروا من يجرؤ على نزع قدسيته , وما ان فعل انكسمندريس ذلك حتى سارع الجميع ليعلنوا برائتهم منه بطرح بدائلهم التي تنأى بعيدا عن محدده ( الماء ) ؟ يمكننا افتراض ذلك ولكن ما نميل اليه هو ان التدافع الفكري الذي حصل يشير بوضوح الى دور انكسمندريس في تحريك هذا الفكر , كما ان ما اعقبه من اعتراضات عليه يمكن ان تؤشر مدى خطورة طرحه وامكانيته الاطاحة بمعمار الثقافة اليونانية بأجمعه , مما يجعل تلك الاعتراضات مسعى لحفظ ماء وجه هذه الثقافة ., فكلنا يعلم ان الثقافة اليونانية تجد الكمال والجمال في المتناهي , فالفكر يكون اكثر قدرة على الاحاطة به , خلافا للامتناهي الذي يعبر عن عدم التحديد او الشواش او النقص . وهكذا نلاحظ ان اول من اعترض هو انكسمانس المفترض ان يكون تلميذ انكسمندريس , الا ان انكسمانس كان اكثر ذكاء من ان يعود الى راي طاليس في الماء ولكنه سعى للعودة الى ( المحدد ) الذي اطاح به انكسمندريس , فالتحديد عند انكسمندريس خطيئة لابد ان يكفر عنها امام كرسي الزمان وهو ما يدق اسفينا في هذه الثقافة , الا ان الحجة الانكسمندرية التي لم تبتعد عن هذه الثقافة بل ترتكن اليها كان لها الاثر الفاعل بانكسمانس الذي لم يستطع بحكم هذه الثقافة ان يبتعد عن المحدد , فضحى بالماء واستبدله بالهواء , كان من الصعب على من تشبع بهذه الثقافة ان يفكر باللانهائي او يتصوره, وهكذا ارتكن الى الهواء الذي هو اكثر قدرة على تمثيل اللامتناهي , ولكنه محدد ويمكن تصوره . وعلى هذا نلاحظ ان خطيئة انكسمندريس بالتوجه نحو اللامتناهي لم يجنح لها بعده الا بارمنيدس , ولكن على استحياء , حين وصف وجوده بكل مقولات اللامتناهي الا اللاتناهي واللاتحديد ذاته التي تركها لتلميذه مليسوس بحكم ما واجهه من الاعتراض والنقد الذي يكشف لنا عن حقيقة ذلك التكاتف اليوناني في الدفاع عن المحدد والنهائي ضد من يجرؤ على انتهاكه , وهكذا نلاحظ ذلك التردد الخجول للفلاسفة الذين جاؤوا بعده بين التمسك بثقافة شكلت وثنا وبين اشكاليات يصعب الخروج منها طرحها بارمنيدس . كان الخروج عن القطيع يحتاج الى جراة كافية امتلكها بارمنيدس حين تطرف في افكاره الى حد الغاء الموجود لصالح الوجود , رغم عودته اليه بما يسميه طريق الظن , في حين جعله هيراقليطس ذروة جدله بلغة يغلفها الغموض تحاشيا لثورة القطيع هذا , فاكتفى بقبول لفظة ( غامض ) , ولعل ما هو ذو مغزى ان انكساغوراس وصل الى ما وصل اليه هبراقليطس ولكن بوضوح اكثر وبشجاعة دفع ثمنها هروبا من اثينا .
هل كان تعميد ارسطوطاليس لطاليس ابا للفلسفة هو اعلان عن الانتماء الى القطيع ؟



#محمد_حسين_النجم (هاشتاغ)       Mohammed_H._Alnajim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مكانة اللغة والاسطورة في نمط الثقافة الإنسانية
- ايروس او دافع الحب في محاورة ( المأدبة ) لافلاطون
- قراءة في كتاب علي حرب ( ثورات القوة الناعمة في العالم العربي ...
- وقفة مع الفلم الاسباني ( الحفرة )
- خبز العباس
- العشق ........والتاريخ


المزيد.....




- محكمة العدل الدولية تعلن انضمام دولة عربية لدعوى جنوب إفريقي ...
- حل البرلمان وتعليق مواد دستورية.. تفاصيل قرار أمير الكويت
- -حزب الله- يعلن استهداف شمال إسرائيل مرتين بـ-صواريخ الكاتيو ...
- أمير الكويت يحل البرلمان ويعلق بعض مواد الدستور 4 سنوات
- روسيا تبدأ هجوما في خاركيف وزيلينسكي يتحدث عن معارك على طول ...
- 10 قتلى على الأقل بينهم أطفال إثر قصف إسرائيلي لوسط قطاع غزة ...
- إسرائيل تعلن تسليم 200 ألف لتر من الوقود إلى قطاع غزة
- -جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد ...
- زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
- نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد حسين النجم - البدء الفلسفي وحكم القطيع