باسم الماز عيسى
الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 09:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ملخص الموضوع, أن (ن) هو احد اشقاء عضو قيادة كبير وسأرمز لأسمه ب(ص), أنكر مبلغ15 الف دينار على مواطن عراقي حيث وصلت شكواه أخيراً الى الرئيس احمد حسن البكر. أستأنست برأي الاستاذ عبدالسلام البكر في نشر هذا الموضوع فنصحني متفضلاً بمنح رموز لعضو القيادة وشقيقه, ولسمو أخلاقه أي المهندس عبدالسلام لم يطلب مني الاسماء الصريحة لهما.
محمد الكردي المكنى ابو قاسم شاب عصامي ومكافح, كان يسكن في مدينة (الثورة) سابقا, (الصدر) حاليا , شاب ضخم الجثة رياضي البنية ,مفتول العضلات ,وسيم الطلعة شبيه للممثل الامريكي تشاارلز برونسون.
بدء أبو قاسم حياته العملية اواسط الخمسينات كعامل في منطقة ساحة السباع وهي المركز الرئيسي لتجارة الحديد في العراق وفيما بعد في منطقة الشيخ عمر الصناعية,استطاع تكوين ثروة بسيطة من عمله في تحميل اسياخ الحديد (تحميل وتنزيل البضاعة بين السيارات والمخازن ومحلات التجار),انتقل الى عالم التجارة وبمبلغه البسيط استطاع ان يزيد ثروته اكثر من تجارة المواد الاحتياطية المستعملة وثم الجديدة للسيارات والمكائن في منطقة الشيخ عمر في بغداد, ولأمتلاكه عقلا تجاريا لم يكن ابو قاسم ليستقر في عمل معين فهو يبحث عن الربح السريع والكبير.
بعد انقلاب 1958 حصلت طفرة في القطاع العقاري في العراق حيث تم توزيع الاراضي للموظفين من المدنيين والعسكريين لأغراض السكن ومثال حي على ذلك انشاء حي زيونة في شرق بغداد وحي اليرموك غرب بغداد وبمساحات وصلت 600 متر مربع للقطعة الواحدة لفئة الضباط على سبيل المثال, انتبه ابو قاسم للربح الوفير من اعمال المقاولات في بناء الدور ولجرأته ولطموحه الكبيردخل هذا النشاط واتذكر انه قال لي يوما أن اول مبلغ من الارباح حصل عليه من عمله كان 700 دينار وهو مبلغ كبير له كأنسان كادح ومكافح وفي بداية الطريق في عالم المقاولات, ولشدة فرحه وخوفه الشديد على المبلغ كان ينام ويضع المبلغ تحت رأسه وبعد عدة ايام فتح حسابا في البنك ووضعه فيه.
بدأت أثار النعمة والثروة والترف تظهر على عائلة ابو قاسم حيث انتقل من مدينة الثورة وبنى لعائلته مسكنا حديثا في حي العقاري قرب شارع فلسطين حيث السيارة الحديثة والثياب الراقية والحلي والعطور الاجنبية , نجلاه عاشا ومنذ شبابهم بأسلوب(الدلال) الذي وفره لهم والدهم وأجزم انهما كانا من العراقيين القلائل الذين لم يعملوا بأيديهم طيلة حياتهم وعاشوا على واردات املاك والدهم. أتسم سلوك ابو قاسم بالمصداقية والأمانة في العمل وذلك أدى لتشعب وتوسع علاقاته الاجتماعية وعلاقات العمل,لاسيما مع زملائه المقاولين او ما يطلق عليهم ابناء(الصنف) أو(الكار). بدء مشروعه بالأتفاق مع الموظفين ومن يريد منهم ان يحصل على بيته الجديد جاهزا وبدون عناء وضمن فترة زمنية محددة مقابل ربح له,فحصل على مقاولة لأنشاء بيت ومن ثم بيتين ومن ثم أكثر وهكذا..
اواسط الستينات تعرف ابو قاسم على المقاول (ن) وهو من عائلة سياسية معروفة ولها سمعة طيبة وشقيقه له مكانة كبيرة في الدولة وحزب البعث العربي الاشتراكي), عرض(ن) عليه العمل معا كشركاء في قطاع المقاولات,ابو قاسم استبشر خيرا بهذه العلاقة ولكن النتائج كانت عكس توقعاته تماما!!!
بعد 30 تموز عام1968 والتخلص من رئيس الوزراء عبدالرزاق النايف الحيالي وحليفه ابراهيم عبد الرحمن الداود الهيتي أصبح القصر الجمهوري مكاناً أكثر أماناً, وعلى اثر ذلك الشعور ابتكرت القيادة اسلوب الجلسة المفتوحة لأعضاء القيادة في الهواء الطلق في حديقة القصر الجمهوري وغالبا ما تكون مساء الخميس وبعد انتهاء الدوام المسائي الرسمي حيث تحصل الجلسة المفتوحة بطلب شخصي وشفوي من احد اعضاء القيادة لطرح مشكلة ما او مناقشة اقتراح أو تلقي تعليمات من الرئيس البكر وتداول أمور لاتحتاج لجلسة رسمية.
قد تستمر هذه الجلسات لاكثر من ساعة وفي قصة اليوم كانت هي الاقصر على الاطلاق حيث لم تستمر اكثر من 10 دقائق ل(زعل) الرئيس البكر وانفضاض الجلسة على أثر مغادرته سريعا منها, يستثمر البعض من المسؤولين أوقات الجلسة بعد انتهائها لقضاء بعض الوقت والترفيه عن انفسهم وذلك بعد ان أصبحوا في المراكز العليا في الدولة فقد حرموا ولأسباب أمنية وأجتماعية من التواجد في الاماكن الشعبية كالجلوس في المقاهي ولعب ما تعرف بزهر الطاولة فيما بينهم حيث بدء البعض بجلب عدة أو اداة اللعب معهم ووضعها في صندوق السيارة لحين استخدامها عند انتهاء جلسات الهواء الطلق تلك.
في أول جلسة خاطب الرئيس البكر الجالسين (أخواني, أن الناس, ويقصد العراقيين عندهم تصور خاطئ عن موقف حزب البعث من الدين وهم يعتقدون اننا لانحترم الدين أو المعتقدات الدينية, فأطلب منكم زيارة المراقد الدينية المقدسة لتغيير هذا التصور الخاطئ, فكان الرئيس البكر أول المبادرين لتفعيل طلبه حيث زار بعد يومين او ثلاثة ايام مرقد الأمام الكاظم عليه السلام وقد يصادف تاريخ الزيارة 8/8/1968.
قبل ظهيرة أحد الايام من عام 1970 أتصلت والدتي ببدالة المجلس الوطني(مقرنائب رئيس مجلس قيادة الثورة,صدام حسين) لغرض التحدث مع والدي حيث أخبرته ان خالها ابو قاسم موجود في البيت (كنا نسكن في محلة الدوريين في منطقة العلاوي قرب مقر عمل والدي ومن الصدف الغريبة أن جارنا كان المرحوم طالب ماهية وله قصة) وأنه أي ابو قاسم يمر بمشكلة ويعاني منها ويريد لقاءك حتما.
أستأذن والدي من الملازم صباح مرزا محمود المرافق الاول للرئيس صدام, لوجود خال زوجته كضيف في بيتنا, سمح له صباح بالانصراف, قبل الغداء شرح ابو قاسم لوالدي مشكلته مع (ن) حيث دخلا شريكين في مقاولات بناء البيوت اواسط الستينات وكانت تتركز في المحلات أو المنطقة المحيطة بشارع فلسطين, وانهما كانا يتقاسمان الربح بينهما عند انتهاء المقاولة او المشروع ومن ثم يبدأن بمشروع جديد وهكذا.
لكنه أي ابو قاسم لاحظ أن(ن) وبعد 17 تموز عام1968 وتسنم شقيقه لمنصبين مهمين في الحكومة بدء يحتفظ بكل الربح ويطلب منه ان يعتبره ديناً بذمته و يعده أنه سيعيدها أليه يوم ما؟ معا تم أنجاز الكثير من المقاولات المشتركة وتزايدت ديون ابو قاسم على (ن) ووصلت الى 15 الف دينار عراقي وتعادل بقيمتها اليوم(10 كغم) ذهب عيار 21. شعر ابو قاسم ان (ن) يسوف ويماطل وأنه اصلا لايحتاج هذه الديون ويمتلك السيولة ليعيدها اليه فورا, فبدء بمفاتحته لأعادة ديونه فيقوم (ن) بتأجيل ذلك لعدة مرات ويتهرب منه ومحاولا اضعاف علاقة الشراكة والعمل وقد يكون قد شعر انه وبحكم منصب شقيقه سيحصل على عقود من الدولة فلا يحتاج ابو قاسم كشريك له في أعماله. بعد تردد طويل من ابوقاسم, فاتح (ن) ولاَخر مرة بالموضوع فكان الرد الصادم من ن (ليس لك عندي شيء, أذهب وأشتكي عندَ مَنْ شئت؟؟), مَرَت على المشكلة عدة شهور وبعد تفكير طويل من ابو قاسم من سوء العواقب أذا ما اشتكى لمركز الشرطة فجاء ليبلغ والدي بالمشكلة طالباً مساعدته في أعادة حقه.
ابو قاسم من الكورد الفيلية ويمتلك الجنسية العراقية,في عام1970 بدأت حملة لتسفير التبعية الايرانية وكان التركيز على الكورد الفيلية, لثقلهم الاقتصادي والمالي الواضح في بغداد ومما يصعب المشكلة أن (ص) له منصب مؤثر ومباشر في التعامل مع قضية الكورد الفيلية وقد يتم ظلم ابو قاسم وتسحب منه الجنسية العراقية تحت أي مبرر وتسفر عائلته الى ايران. ابو قاسم برر تأخره بأبلاغ والدي بالمشكلة, أن(ص) قوي جدا وصاحب منصبين في الحكومة وأن الشاب صدام ليس بوزن وتأثير(ص)؟؟؟ وقد تأتي النتائج سلبية عليه وعلى عائلته. أرتكب ابو قاسم خطأً جسيما بحق والدي حينما عرض عليه مبلغ 5 ألاف دينار من المبلغ الكلي أذا ما أعادها أليه, هنا انزعج والدي بشدة ورد عليه, هل سمعت أني اتعاطى الرشوة من الغريب لكي اخذها من اقاربي؟؟ فتعذر ابو قاسم وبرر عرضه, انه يائس من عودة المبلغ.
في الدوام المسائي من ذلك اليوم والذي يبدأ عادةً من الساعة السادسة عصرا ويستمر غالبا لغاية الساعة 12 ليلا وقد يستمر لغاية الساعات الاولى من الصباح عند زيارة قصر النهاية, ألتقى والدي بصباح مرزا وعرض عليه الموضوع كاملا, فدخل صباح وكأنه وجد كنزا ثمينا الى غرفة الرئيس صدام لطرح المشكلة عليه, بعد دقائق قليلة عاد واخبر والدي ان الرئيس صدام اتصل بسكرتير الرئيس البكر لعقد جلسة عند نهاية الدوام في حديقة القصر لعرض الموضوع واعادة المبلغ, وهنا طلب صباح من والدي أن يذكره ولو بأشارة عند توقفهم عن الحديث في الجلسةخاصةً أذا ما تشعبوا في أحاديثهم, حيث يكون صباح الاقرب مكانيا عند الوقوف قرب الرئيس صدام فيما افراد الحمايات يبتعدون أقل من 10 امتار عن حلقة الجلوس لأعضاء القيادة.
قبل انتهاء الدوام المسائي أنطلق موكب الرئيس صدام مع افراد حمايته و المكون من 3 سيارات مارسيدس بيضاء اللون من مكتبه في مبنى المجلس الوطني الى القصر الجمهوري حيث دخل الرئيس صدام الى غرفة الرئيس البكر وبعد اقل من 15 دقيقة خرجا معا وكانت علامات الانزعاج واضحة على محيا الرئيس البكر ومن السهولة معرفة مشاعر الرئيس البكر من خلال تقاسيم وجهه وكثرة تدخينه.
تجمع اعضاء القيادة والمسؤولين على شكل حلقة دائرية في حديقة القصر الجمهوري وتوجه اليهم الرئيسان البكر وصدام معا وكان (ص) ضمن الجالسين وبعد السلام عليهم و الرد منهم عليه بعبارة (الله بالخير) حسب التقاليد العراقية المعروفة,لاحظ الجميع ان الرئيس البكر غير مرتاح وأن هناك أمراً ما يشغل باله؟ فاَثروا الصمت وكأن الطير على رؤوسهم وبطبيعة الحال لايمكن لأي منهم بدء الحديث ألا أذا أستأذن منه أو الرئيس بدء الحديث, سحب الرئيس البكر سيكارته المفضلة من ماركة(Kent) أشعلها وبدء يسحب الانفاس وبدون أن ينطق بأي كلمة, هنا أستثمر والدي الوضع وأدرك أن ما يزعج الرئيس البكر هو ما أخبره به الرئيس صدام فيما يخص زميلهم(ص), فتشجع والدي وتقدم لعدة أمتار بأتجاه صباح مرزا فأنتبه الرئيس صدام لتقدم والدي نحوهم, فأتجه برأسه نحو جهة(ص) وقال بصوت كسر حاجز الصمت والفضول للجالسين, وبدون أستخدام عبارات التفخيم عند المخاطبة كأستاذ أو رفيق قال, ابو (؟) أحنا من جينا وأستلمنا الحكم ,جينا تا نخدم الناس لو نستغل الناس) فكان وقع كلمات الرئيس صدام كالصاعقة على الجالسين وخاصة(ص), الذي ارتبك من هول ما سمع فأجاب, طبعا ابو عدي أحنا جينا حتى نخدم الناس ولكن ما الداعي لهذا الكلام؟ فرَدَ عليه أن شقيقك (ن) انكر مبلغ 15 الف دينار على أحد المواطنين وقال له ( وين تريد تروح تشتكي, روح أشتكي, ما ألك عندي فلوس؟), أمتقع لون (ص) وصار في وضع محرج ولا يحسد عليه أمام زملائه.
في حقيقة الأمر هي كانت محاكمة علنية مصغرة له برغم ان ليس له ذنب مباشر في المشكلة, فكان رده أنه سيعود للبيت وسيقف على المشكلة لحلها. هنا نهض الرئيس البكر وغادر المكان, فنهض الجميع وعادوا الى بيوتهم فكانت تلك اقصر جلسة في الهواء الطلق.
في صباح اليوم التالي وفي الدقائق الأولى من بداية الدوام جاء مرافق(ص) وبيده كيس ورقي متوسط الحجم,بني اللون فدخل الى غرفة الرئيس صدام في مكتبه وخرج بعد دقائق معدودة بدون ذلك الكيس, جاء صباح مرزا الى غرفة المرافقين ومعه ذلك الكيس وسلمه لوالدي وقال له هذه نقود قريبك ,أحسبها؟ ويقول ابو عدي, ان عليك ايصالها لصاحبها فورا, فرفض والدي مقترح عَدْ النقود وذهب من فوره الى منزل ابو قاسم في منطقة البنوك/ حي العقاري وسلمه المبلغ كما هو ,فكانت لحظة فرح كبيرة لأبو قاسم وعائلته في ذلك اليوم.
#باسم_الماز_عيسى (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
