علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا
(Ali M.alyousif)
الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 09:14
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما يتوجب علينا التسليم به أن الافكار التي لا تخدم الحياة ليس أهميتها أن نكثر الثرثرة الفارغة بها على أن عالمنا الحقيقي تتمثل حقيقته المعرفية داخل تحليل معنى اللغة كوجود ونظام نسقي خاص مجاله فهم تحليل معنى (النص) وليس فهم معنى الواقع الحياتي بالترابط مع تعبير اللغة.
وعندما نحاول أعادة تنظيم الواقع في تنظيمنا معنى تعبير اللغة كدلالة مستقلة ونظام نسقي نفهم بها الموجودات معرفيا وفلسفيا. وليس في مهمة تخارج الفلسفة كفكر الذي دأبت عليه في المتوازي التجريدي مع موجودات عالمنا الخارجي. كما وليس في التقاطع معه والاحتدام به التي هي طبيعة اللغة الحقيقية وخاصّية اللغة الانسانوية كظاهرة حكمت الانسان في انثروبولوجيا تاريخه. اننا ندرك كل شيء من حولنا بلغة التجريد اللغوي لكننا لا نستطيع فهم الحياة من دون تواشج متعالق يجمع بين الواقع والعقل واللغة خارج تعبير التجريد اللغوي المنفرد.
ونكذب على انفسنا ونصدق كذبتنا في تاكيد مغالطة مدانة هي لامعنى مراكمة الاستطرادات التحليلية التجريدية في البحث عن فائض معنى اللغة أن تصبح حقائق فلسفية تقودنا نحو مجهول معرفي لا نفهمه ولا معنى له في الواقع والحياة بل في عالم تجريد معنى اللغة في نص لغوي تعبيري فقط. هنا نقصد أيضا ان ادراك كل شيء في العالم من حولنا هو تعبير لغوي سواء في صمت التفكير اوفي التفكير المصاحب الصوت له.
خاصية الفلسفة هي تفكير منطق العقل في تعبير اللغة عن وقائع الموجودات تجريديا.أما أن تكون اللغة هي دلالتنا الزائفة في تغييبها مرجعية العقل في تحليل متتالي لمعرفة معنى اللغة, فهي على اقل الامور سذاجة مضحكة لاصحاب فلسفة المعنى والتحليل حين يضعون العربة امام الحصان.
هذه الادانة لهذا المفهوم الضحل يجب أن لا يقودنا الى خطأ أكبر منه في محاولة جعل مفهوم فلسفة اللغة في المعنى في حضورها ايديولوجيا سطحية مباشرة تقاطع الواقع بغية السيطرة عليه وتحويله الى ميدان سياسي تضمحل فيه الفلسفة وتتلاشى من خلاله كخاصية معرفية نوعية . وتجنيس الفلسفة المستقل من فن القول والتفكير وتعبير اللغة لا يشبه ضروب تعبيرات الادب تجنيسا ولا يلتقي ضروب العلم تعبيرا مختبريا. غالبية مباحث الفلسفة كانت ولا تزال بهذا القدر أو ذاك تنأى بنفسها وتبتعد عن أن تكون ايديولوجيا نظرية مقفلة تقترب من توظيف السياسة لها بدلا من أقترابها المجدي المثمر مع منجزات العلم في الفيزياء والرياضيات مثلا الذي يفيدنا جدا التوازي الفلسفي معه حفاظا على خصوصية كلا منهما الانفرادية (الفلسفة / العلم) خاصة بالفيزياء وفي الرياضيات على مستوى تجنيس معرفي مختلف والتكامل مع العلم على مستوى تكامل وحدة المعرفة في معالجة قضايا الانسان والحياة.
توازي منطق الفلسفة التجريدي مع منطق العلوم الطبيعية التجريبية يعني بالمحصلة لا نتيجة معرفية حقيقية نجنيها من وراء هذا التعالق الاشكالي بينهما. بينما يكون توازي الفكر الفلسفي مع واقع الحياة في منتهى السلبية التي تجعل الفلسفة التجريدية تحتضر تدريجيا وتحكم فوضى الواقع مسار تفكير الناس.
وبناءا عليه يبقى نظام واقع الاشياء في العالم الخارجي تحكمه فوضى النظريات الايديولوجية السياسية, وجشع اقتصاد السوق الاستهلاكي, ومجتمع الانحلال الاخلاقي البائس الذي يخترقه التضليل الاعلامي في تعميق الجهل واسترضاء التفاوت الطبقي تحت طبقات جيولوجيا طمر الحقائق تحت تربة التخدير الانحلالي في مجتمع الرفاهية وحقوق الانسان والسعادة الارضية.
من الامور التي يجب علينا مراودتها دائما في خطابنا اللغوي الملتزم وباستمرار هو مدى وصولنا حقيقة أذا كان يراد لافكارنا الفلسفية جدوى منطقية مؤثرة, تلزمنا الابتعاد باللغة عن تعميق وملاحقة التجويف الفارغ بأسم اللحاق وراء فائض المعنى في فحوى مضمون اللغة وشكلها بعيدا عن مجريات الحياة, والاقتراب قدر الامكان وبلا تحفظ من تجريبية العلم في وضع افكار الفلسفة في مسارها الصحيح بهدي العلم وانتشال حاضرها ومستقبلها من السقوط في متاهة لا جدوى الفلسفة بالحياة الانسانية بالانفصال التام عنها وفي موازاتها الواقع في منطق تجريدي يزيد في ترّهلها المرضي. ربما يبدو هذا التعبير للبعض في تذويب وهدم حاجز مقبرة العلم عن مقبرة الفلسفة اننا نناوئ العلم على حساب الفلسفة. الحقيقة الفلسفة لا تسعى اماتة العلم ولا بمقدورها, كذلك العلم لا يبغي الاجهاز على الفلسفة ودفنها قبل انتهاء مراحل احتضارها.
في معادلة قلقة أن لا تكون الفلسفة ملحقا علميا ولا أن يكون العلم ملحقا تجريديا فلسفيا. وهذه المعادلة هي تفريق تجنيسي في المعرفة عموما وفي الادبيات الخطابية المكتوبة على وجه الخصوص, وهي حقيقة أن الفلسفة والعلم تجنيسان متوازيان غير متقاطعين في افصاحات المعرفة كلا في ميدانه ومحاولة الدمج التداخلي بينهما في محاولة تضييع ملامح وخصوصيات أحدهما بالاخر محاولة عقيمة لا جدوى منها وأستحالة أذابة فوارق التجنيس بينهما أي بين العلم والفلسفة. محاولة اذابة المنطق الفلسفي بمنطق العلم هو اضرار لخاصية الفلسفة واضرار لخاصية العلم أيضا.
فالفلسفة منطق تجريدي لا يقبل التجربة في التطبيق كما هو جوهر العلم في مجمل تخصصاته, والعلم منطق نظري ليس في حساباته هضم خيالات النظريات غير الخاضعة للتجارب. بل أن تداخل الاشياء المدركة مع الفكر في جدل ثنائي متبادل يكسبهما كلاهما التغيير والتطور وبغير هذا الفهم معناه نفي أن يكون هناك فائدة من وعي الانسان لموجودات الطبيعة وأستحداث رؤيته وقوانينه لها.ألنتيجة التي يحرزها الفكر بالنهاية من هذه العملية هو أن تكون قوانين الفكر هي قوانين الاشياء في الواقع. بمعنى أصبح ما نمتلكه من معارف عن الأشياء هي أفكار نتيجة مدركاتنا لها هو وحده الذي يعطي وجود تلك الاشياء الحضور الواقعي المؤثر بحياتنا.
وعندما يؤكد بوشنسكي أن العالم كله يتغّير بالفكر فهو لا أعتقد كان يقصد بذلك أعتماده نظرية ملاحقة المعنى الفلسفي المدّخر في تعبير اللغة كما يرغبه جاك دريدا. أن الفكر المجرد يوازي الواقع ولا يقاطعه بالاحتدام به من أجل تغييره. فلسفة اللغة ونظرية المعنى تريد أستبدال مهمة تقاطع الفكر بالواقع بغرض تخليقه والاحتدام به في حرفه عن القصدية بلا ضرورة مهمة الفكر تقاطعه الواقع بغية تغييره بل بغية توصيف معرفته المحايدة معه تجريديا في نموذج سلبي من العلاقة غير المتداخلة وغير التكاملية بينهما.
الانسان كائن مفكر, والحقيقة أن الذي يغّير مسار الانسانية أنما هو الفكر حسب تعبيربوشنسكي. واضح أن التاكيد هنا على فاعلية الفكر كمضمون عقلي تخليقي هو الذي يقوم بتغيير العالم وليس اللغة كشكل تأطيري تعبيري لمضمون التفكير العقلي, الفكر هو الذي يقوم بتجديد الوجود المادي أو المثالي كماهية وجوهر.فالفكر مضمون عقلي واللغة تأطير شكلي لذلك المضمون. والفكر نظرية والموجودات وقائع تحملها الصدف الادراكية بها أوالوعي القصدي لمعرفتها.
الفكر المجرد وحتى الفكر التنظيري الايديولوجي لا يستطيع تغيير العالم بمعزل عن أحتدامه التخارجي جدليا مع الواقع بأداة تنفيذ تهتدي بالفكر ولا تنوب عنه , هذه النظرة مسألة لا زمت انثروبولوجيا تاريخ الانسان منذ الاف السنين لا تحتاج صحة أثبات وجواز قبول وتمرير لها. صحيح جدا أن نفهم مقولة بوشنسكي أن وسيلة تغيير العالم هو الفكر ليس بمفهوم تجريد الفكر من خاصية الانفصام عن عدم احتدامه بالواقع كما تبشر به نظرية المعنى في التحول اللغوي, لكن من المحال بالمحصلة أن ينتج لنا الفكر التجريدي واقعا تجديديا بمعزل عن تقاطعه مع واقع موجود مسبقا تعتمل بداخله تناقضات التغيير فيه داخليا. الفكر لا يخلق حقائق الارض بل يتكامل معها معرفيا.
الفكر عامل موضوعي وليس عاملا ذاتيا في تبديل الواقع
الفكر هو عامل تسريع جدل المتناقضات الداخلية في المادة والمجتمع كعامل موضوعي خارجي, فالواقع بموجوداته لا يتغير بقواه الذاتية في التضاد التناقضي الجدلي الداخلي كوقائع ولا كظواهر بل يتطور ويستحدث ظواهره التجديدية بمساعدة عوامل موضوعية وظروف معينة أحداها هو الفكر المتداخل بها ضمن منهاج نظري متكامل في قراءته الواقع تحريكيا ديناميكيا.العوامل الموضوعية الخارجية هي عوامل تحريك وتفعيل تناقضات الجدل داخل الاشياء والظواهر.
وعندما يعبّر الفيلسوف الامريكي ليفريد سيلارز(1912 – 1989) عن الالتباس اللغوي الناتج عن أمثال مقولته العبقرية الصائبة تماما :(لا وجود لوعي سابق على اللغة, وأن مبتدأ ومنتهى فهمنا العالم هو تعبير لغوي,) رغم صحة العبارة المتقنة فهو يصادر العديد من الاعتراضات الواقعية المهمة التي تقفز على حقائق بيولوجيا الوعي العلمي وتجريد تعبير اللغة في البحث عن معنى الوجود في معنى اللغة. وجود اللغة تعبيرا حضوريا يرتبط بقوى الادراك العقلي للاشياء في وجودها الواقعي في عالمنا الخارجي.
المهم التفريق ان يكون الوجود المادي المستقل هو اولا واخيرا مدركا عقليا يمتلك لغته المضمرة غير الصوتية بداخله وبين اللغة عندما تكون تجريدا تعبيريا صوتيا في محاولتنا فهمنا مدركات موجودات العالم. يبدو لنا غريبا الاقرار بحقيقة ما عبّر عنه سيلارز لا وجود لوعي سابق على اللغة من حيث الوعي الصامت بالمدرك الشيئي هو نفس اللغة في التعبير التجريدي عنه خارجيا صوتيا. سيلارز اعطى تفريقا ضمنيا صائبا ان الوعي اللغوي الاستبطاني والخارجي هما لغة تعبير واحدة وهو صحيح تماما.
سيلارز بهذا التصور الالتباسي في عدم التفريق بين تمثلنا العالم الخارجي باللغة, وبين أن تكون اللغة في فلسفة المعنى هي حقيقة تحصيلنا فهم العالم من حولنا, بهذه الازدواجية غير الواضحة في تعبير سيلارز يصادر حقائق مثل حقيقة الوعي واللغة كلاهما نتاج عقلي مصنوع ذهنيا ولا يمتلكان استقلالية حضورية فاعلة لها ولا أهمية في عدم تعالقها بمنظومة العقل الادراكية, ويعتبر سيلارز اللغة والفكرالمتداخلين بدون قابلية الانفصال بينهما هما مرتكزي فهمنا العالم من حولنا وأنهما أداة فهمنا العالم من خلال فهمنا المعنى في اللغة, لكن لا يمكن للوعي واللغة خلق (عقل) مادي ادراكي يأتمر بوصايتهما هما عليه, الوعي واللغة هما حلقات تجريدية لا فيزيائية تحتويها بيولوجيا نظام العقل الفيزيائي بالوصاية العقلية عليها, واذا كان الوعي واللغة كلاهما جوهران لا فيزيائيان قبل تعبيرهما عن موضعتهما الاشياء في عالم الموجودات, فهما (الوعي واللغة) يمثلان فكرا أعزلا ولا وجود حقيقي لهما خارج انتاجية العقل لهما ووصايته عليهما في تمثلات المدركات.
وبالنتيجة يكون الوعي هو حلقة بيولوجية في ارتباطه بمنظومة الادراك العقلي وليس تجريدا نفسيا لاعلاقة تربطه بجوهر العقل البيولوجي.وهو ما يؤكده الفيلسوف الامريكي جون سيرل. بمعنى أكثر وضوحا لا وجود لوعي خارج ارتباطه بالفكر واللغة ولا أهمية لهم ثلاثتهم جميعا يعتد الاخذ بها (الوعي, اللغة, الفكر) من غير وصاية العقل البيولوجي والخيالي عليهم وتوجيههم في تنفيذ ايعازاته في تمثلاته الاشياء ومدركاته الشيئية ومواضيعه في معرفتها وتغييرها.
لذا العالم لا يتغير باللغة المجردة ولا بالفكر المجرد ولا بالوعي المجرد غير المقيّد بالعقل ماديا ,بل بالعقل التفكيري الذي يلازمه الوعي والفكر واللغة كوسائل تنفيذ لمدركات العقل النظرية على الدوام في الاحتدام الفكري المتقاطع مع الواقع في تعبير العقل توسيله الوعي واللغة والفكر نيابة عنه الذي بواسطتهم يتطور الواقع ويتغير في مرجعية العقل الحركية الانتظامية التغييرية على الدوام لهم. الفكر فاعلية عظمى جوهره الفعل التطبيقي بالحياة.
#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)
Ali_M.alyousif#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟