أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - الحدس والادراك















المزيد.....

الحدس والادراك


علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا

(Ali M.alyousif)


الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 10:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تمهيد
يشير المفكرصادق جلال العظم على لسان احد الفلاسفة المختصين بدراسة كانط الى ما يلي:
1. لا نستطيع ان نحدس الاشياء من غير مكان. اي ان جميع الاشياء التي نحدسها موجودة في المكان.1
2. نستطيع حدس المكان من غير الاشياء.2
امعان التفكير في العبارتين تجعلنا نحصل على نتيجة تداخلية بينهما تقوم على تعبيرين متناقضين. الفقرة الاولى لا نستطيع ان نحدس الاشياء من غير مكان صحيحة كون الأشياء هي موجودات امتلاء فراغ مكاني. ونستطيع حدس المكان من غير الاشياء في الفقرة الثانية خاطئة تناقض ما قبلها. الخطأ هنا يعتبر المكان شكلا او اطارا لفراغ لا يحتوي مادة. حتى ادراك الشكل مجردا عن محتواه لا يمكن تمريره بسهولة الا في معايير منطقية ميتافيزيقية صرف. المكان الادراكي هو مادة حسية وليس تجريدا لفظيا في التعبير عنه فقط. والحدس قابلية عقلية تتعامل مع حقائق منطقية يستلهمها تسبقها ذخيرة معرفية مخّزنة بالذاكرة.
كيف نستطيع التعبير عن التناقض في العبارتين في موائمة لا تعتمد المنطق التجريدي تماما منفردا كما لا تعتمد الحس المادي من غير تجريد تعبير اللغة؟ لو نحن نحاول تحديد معنى المكان في العبارتين نجده تعبيرا عن (الفراغ) المكاني وليس المقصود بالمكان الوعاء الاحتوائي الممتليء ماديا (صورة ومحتوى) بل الفراغ (شكل) مجرد من محتواه المادي. المكان هو وحدة من امتلاء قابل للحدس او الادراك في ثنائية تلازم صورة (شكل) ومحتوى (مادة). لا مجال ان نحدس وجود الاشياء من غير ملازمة مكانية إحتوائية لها. اي لا مجال امامنا حدس الفراغ مجردا عن خاصيته المكانية في الاحتواء المادي. ان تقول مكان يعني انك تقصد امتلاء شيئي محدود. وعندما تقول فراغ انما تكون تقصد شيئا غير موجود ماديا لكنك يمكنك تحديده بابعاد ثلاثية هي الشكل بلا محتوى. علما ان الابعاد الثلاثية للمادة (الطول , العرض, الارتفاع) ممكن ان تكون محددات لمحتوى مادي غير موجود. مثال ذلك ادراك غرفة خالية من اي شيء تحتويه بابعادها الهندسية.. حدس الاشياء يلزم عنه نوع من الادراك الذي يجمع توفر صورة ومحتوى لكل مدرك ذهني. والحدس الذي يتخطى معيار المنطق والحس انما يكون ملزما بثنائية الادراك (الزمان – المكان) التي هي ثنائية تجريدية تقود الحدس الى محاكمة صوابه العقلي. بمعنى العقل هو الذي يحدد معنى الادراك لشيء حقيقي من عدمه. الحدس العقلي وإن بدا لنا إلهاما صحيحا يقبله العقل الا انه يبقى حاملا الشك بمطلق صوابه القطعي اليقيني. الحدس ليس بديهية عابرة للتجربة يقبلها منطق العقل وكفى.
الحدس والادراك
في البدء علينا التسليم ان كلا من الحدس والادراك هما عمليتين تتمان داخل المنظومة العقلية الادراكية اي داخل سلسلة عضوية مترابطة ادراكيا تبدأ بالحواس ومن ثم مرورا بالجملة العصبية لتنتهي بالدماغ . بمعنى لا حدس بدون العقل ولا ادراك من دون منظومة العقل ايضا. كما لا يمكننا القول ان تفسير الانطباعات الحسية عن الواقع الخارجي المنقولة لنا عن الحواس لا تعتمد الخبرات المخزنة في الذاكرة. قبلية الخبرة هي التي تعطي الادراك الحسي المادي حقيقته التصورية. وعملية الادراك الحسي عملية مركبة موثوقة في صدقيتها اكثر من الحدس, حيث تتداخل عملية الادراك مع الشعور النفسي وعمليات التذكر وتداعيات الافكار المخزنة وكذلك الوعي واللغة. وكل هذه المفردات لا تتوفر ولا ملزمة للحدس بمقدار الزاميتها مشروطية الادراك الحسي. فالادراك هو عملية عقلية- نفسية تساعد الانسان معرفة عالمه الخارجي,والوصول الى معان ودلالات الاشياء وذلك عن طريق تنظيم المثيرات الحسية لتفسيرها وصياغتها في كليّات ذات معنى. ( نقلا عن موقع موضوع الالكتروني). اما الحدس فهي قدرة عقلية تخييلية تصل حقائق الاشياء من دون المرور في آلية الإدراك الحسي الطبيعي البايولوجي لها, بل تحصل على المعلومة بضرب من القوى العقلية الخارقة خارج المالوف في الادراك الحسي بخطفة من الحدس في مباشرته العقل ومباغتته ادراكيا.
كانط والمكان المحض
كانط في فرضيته الادراكية الحسية او الحدسية ذهب اننا يمكننا نزع صورة الشيء عن محتواه وندركهما كلا منهما على انفراد مجردين من تعالقهما شكلا ومحتوى, نجده ذهب ابعد من ذلك قائلا:" المكان ليس تصورا حسيا مشتقا من الخبرات الخارجية. والمكان تمّثل قبلي وضروري يكمن وراء جميع الحدوس الخارجية. ونحن لا نستطيع تمثل غياب المكان ولكن باستطاعتنا ان نفكر به خاليا من الاشياء " 3
ملاحظات تعقيبية:
- غياب المكان لا ينوب عن مجال الغائنا (الفراغ) كمحتوى استيعابي خال من المادة.المكان وجود مادي لا تخلقه تصورات وتمثلات العقل الادراكية. وتجريد تصوراتنا الحسية عن المكان هي نفس تصورات التفكير في اي موضوع عقلي. والضرورة الموجودية للمكان تستبق فكرة المكان حدسيا مقطوعة الاوصال بعوامل انبثاقها المنطقي الحي الطبيعي كمادة. المكان في تعبير اللغة عنه هو تجريد لموجود مادي وليس تصورا يبتدعه الحدس او الحس ويخلعه على الاشياء.
- كل تصور حسي للمكان حدسيا كان او تجريبيا هو تمّثل لخبرات اولية مكتسبة سابقة عنه. وبذلك عندها يصح قولنا المكان تمثل قبلي وضروري يكمن وراء جميع الحدوسات الخارجية. وعندما يكون المكان قبليا على الحدس الادراكي فهذا يلزم بالضرورة خبرة مخزنة بالذاكرة عنه لاتمام عملية ادراكه بصورة صحيحة سليمة. الحدس استثارة معرفية تتم خارج توقعات الادراكات الحسية تأتي على شكل ومضة يقبلها العقل ولا رجوع عن التسليم بصحتها. وهنا يكون للتصورات القبلية عن شيء ما تاثيرا مهما في تكريس الوعي به.
- قول كانط " لا نستطيع تمثل غياب المكان لكن باستطاعتنا ان نفكر به خاليا من الاشياء" غياب وحضور المكان تصوريا لا يتم بمعيارية الفراغ , بل بمعيارية الاحتواء الامتلائي بالمادة, تصورنا الفراغ وتمثله لا ينسحب على غياب وحضور المكان كمحتوى. الفراغ هو صفة مادية لمكان غير متعيّن ولا محدود لكن لا ينوب عن المكان في الدلالة والمعنى. فالمكان غير الفراغ رغم تعالقهما الثنائي. المكان وجود ناقص من غير امتلاء يحتويه.
- يبقى المكان في جميع تجلياته وتحولاته مقرونا بمادة يحتويها, اما ان نقصر ميتافيزيقا التمثلات العقلية المجردة ان تخلق حقائق مكانية نعطيها صفة الادراك الواقعي الحقيقي ولم تكن موجودة سابقا فهذه استحالة يعجز التفكير العقلي القيام بها لانعدام آلية الادراك السليم.. معرفة اي موجود في الطبيعة هو استرداد لخبرات معلوماتية اولية عنه.

الهوامش: 1 صادق جلال العظم /دراسات في الفلسفة الغربية المعاصرة. ص61
1. نفسه نفس الصفحة
2. نفسه نفس الصفحة



#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)       Ali_M.alyousif#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن الحاضر افتراض وهمي
- الصورة والمحتوى في الادراك
- الجدل والزمان
- المتناهي والمطلق في المجانسة النوعية
- مجتزءات فلسفية 3
- التاريخ لا يتطور ذاتيا
- الجدل والوجود غير الموجود
- الادراك تعبير لغوي
- هارتيمان والتفكير المادي
- الفلسفة الواقعية المحدثة
- الفلسفة والرياضيات
- هيجل وكروتشة
- الفلسفة والحياة
- فلسفة الوعي القصدي
- خرافة جدل العقل
- جورج مور والادراك
- شذرات فلسفية نقدية 5
- شذرات فلسفية نقدية 4
- مجتزءات فلسفية 2
- إجتزاءات فلسفية


المزيد.....




- كيف تصف انتهاكات إسرائيل خلال وقف إطلاق النار في غزة؟ رئيس و ...
- حماس: إسرائيل تسلّمت رفات ثلاثة رهائن متوفين آخرين من غزة
- روسيا تقتل 6 أشخاص على الأقل في أوكرانيا.. وكييف ترد بضرب من ...
- البابا يؤكد على ضرورة وقف فوري لإطلاق النار وفتح ممرات إنسان ...
- الوحدة العربية.. درع يحمي العرب أم وهم يعمق الانقسام؟
- كيف تعتنين بصحة الشعر الجاف؟
- رئيسة اللجنة الدولية لحماية الصحفيين: واشنطن مارست ازدواجية ...
- الأردن على حافة العطش وسط أزمة مياه وسدود شبه خاوية
- كاتب إيطالي: هل تحقق القاعدة سابقة وتسيطر على دولة مالي؟
- بلجيكا تحقق في رصد طائرة مسيرة فوق قاعدة عسكرية


المزيد.....

- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - علي محمد اليوسف - الحدس والادراك