علي محمد اليوسف
كاتب وباحث في الفلسفة الغربية المعاصرة لي اكثر من 22 مؤلفا فلسفيا
(Ali M.alyousif)
الحوار المتمدن-العدد: 8508 - 2025 / 10 / 27 - 12:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
تمهيد
هل يختلف مفهوم النسبي والمطلق حسب نسق تصوراتنا لمدركاتنا العقلية أم حسب طبيعتهما المستقلة عن ادراكاتنا؟ هل متاح لنا حد المتناهي بمعيارية تجانسه النوعي مع اكبر منه من نوعه متناه ايضا ام إمكانية حد المتناهي باللامتناهي المطلق وهو افتراض محال تحققه في تعجيزه الادراك العقلي؟ هل المجانسة النوعية (الماهية والصفات) التي تجمع بين النسبي والمطلق يمتلكان ماهية واحدة في إمكانيتنا تحديد المتناهي عن المطلق بمحكومية المجانسة النوعية التي تحكمهما معا؟ علما ان المجانسة النوعية التي يمتلكها المطلق تخالف المتناهي بما يجعل من اللقاء بينهما ضربا من الهوس الصوفي الزائف..مثلا مفاهيم مطلقة نعيشها مثل الضوء, الزمان, الكون, الكواكب, المكان, النفس,النار, الماء وهكذا مع مفردات مفهومية نعيشها ونحياها نعاملها بمعيارية المتناهي الذي يمكن حده تارة, ونعاملها تارة اخرى بالمطلقية اللامتناهية كمفهوم لا يمكن حده. وهذا الراي الاخير هو الصحيح. المطلق اللامتناهي لا يمكن حده ولا ادراكه لا بالصفات الخارجية ولا بالماهية الازلية له.
هل المجانسة النوعية الطبيعية في الاشياء (الجوهر والصفات) التي تحاول جمع النسبي والمطلق سوية هي عامل توحيد بينهما تقود الى تناقض جدلي بين قطبين وبغير هذه الوحدة التجانسية التي تجمعهما لا يحصل جدل ديالكتيكي متضاد يؤدي بنا الى حركة ثم تطورمتقدم؟ هل من الممكن الحصول على ذرة ماء لو نحن عاملنا كيميائيا بمختبر جمع عنصر هيدروجين واحد مع عنصر اوكسجين واحد؟ بالتاكيد لا, معاملة جمع عنصري هيدروجين مع عنصر اوكسجين كيميائيا نحصل على ذرة الماء التي تصبح لا هي اوكسجين ولا هي هيدروجين . بل اصبحت شيئا ثالثا آخر هو ماء بطبيعة نوعية مختلفة عن مجانسة عنصري الاوكسجين والهيدروجين.. هنا ناتج معاملة ذرتي الهيدروجين مع ذرة الاوكسجين التي انتجت لنا مختبريا عنصرا ثالثا مغايرا لهما هو ليس نتيجة اصطراع تناقض (جدلي) بينهما بل هو نتيجة (تكامل ) معرفي جرى بينهما الهيدروجين والاوكسجين كعنصرين متكاملين لا يحكمهما تناقض جدلي. التناقض الجدلي هو الغاء احد طرفي التضاد على حساب بقاء الاخر بكيفية مغايرة للاصل.
فهم اسبينوزا للتناهي والمطلق
يؤكد سبينوزا " الشيء المتناهي في جنسه (نوعه) متى امكن حده بشيء آخر من طبيعته, فنقول عن جسم متناهي لاننا نستطيع تصور جسما اعظم منه. وعلى ذلك فالمعنى المحّصل بمعنى الكلمة هو معنى اللامتناهي او الجوهر المطلق وبه يجب الابتداء" (1) العبارة صحيحة وسليمة قول اسبينوزا انه حد المتناهي بمتناه من نوعه كما ذكرناه سابقا. بمعنى المتناهيين كليهما يلتقيان بالصفات والماهية الواحدة. اما مقياس الحجوم كمعيار قياسي للحد والمقارنة بين متناهيين كما ذهب اسبينوزا فهو تعبير خاطيء ليس من عدم جواز تمريره كصح لا يصلح ان يكون الحجم تعميما في كل الاحوال نعتمده في مقارنة جمع المتناهيين معا.
تعقيبي على العبارة أجمله بالتالي :
الشيء المتناهي يمكن حده بمتناه من نوعه عبارة سليمة صائبة في ظاهرها لا يمكن تخطئتها , بل هي خاطئة في استحالة التحقق من حصولها وهو الاهم في العديد من الظواهر. بخلافه انك لا تستطيع جمع لامتناهي لا يمكن ادراكه ولا معرفة حدوده بلامتناهي آخر ايضا لا تستطيع ادراكه لا عقليا حدسيا ولا عقليا حسيا.
تاكيد اسبينوزا العبقرية من وجهة نظر فلسفية ايمانية ربوبية لا دينية لاهوتية هو انك لا تجد لامتناهيات عديدة لا تخضع لمتناهي اكبر من حجومها مجتمعة الذي هو الله حسب تعبير اسبينوزا. لذا اللامتناهيات عدا الخالق اللامتناهي الذي لا يمكن ادراكه لا يمكنه الالتقاء بلامتناهي اخر لا يحمل مجانسة نوعية بالماهية والصفات لدى لامتناهي آخر يشاركه المجانسة الصفاتية. فمثلا هل تتوفر مجانسة نوعية ماهية وصفات للماء بلامتناهي اخر يختلف عنه مثل النار او التراب والعقل او الفكر واللغة وهكذا مثلا؟ اللامتناهي حسب تعريف ديكارت هو المكتفي ذاتيا ولا يحتاج لغيره في وجوده المستقل السلبي. بمعنى هو يكافيء الموجود بذاته الذي قال به كانط والماركسية ايضا.. بمعنى ان ماهية وصفات اللامنتهي هي فريدة من نوعها ولا تتكرر في لامتناهين اثنين منفصلين عن بعضهما.
لكن السؤال هل وحدة المجانسة النوعية بين متناهين يكون سببا كافيا ل(حد) احدهما بدلالة الاخر؟ الجواب نعم. لكن تعطيل هذه الفرضية الخاطئة خلاف هذا انه لا يوجد مطلقين متجانسين بالماهية والصفات منعزلين بثنائية منفصلة الواحدة عن الاخرى لذا لا يمكننا حد المطلق اللانهائي بدلالتهما ابدا. لا يوجد مطلق منقسم على نفسه فالمطلق وحدة كلية في مجانسة نوعية واحدة. لكن كما ذكرت في الفقرة السابقة هذا الافتراض في وجود لامتناهيين من نفس الطبيعة والنوع لكي يكون انفصالهما واردا يبدو مستحيلا.. كل لامتناهي لا يلتقي لامتناهي يشاركه الماهية والصفات كون اللامتناهي الاخر غير موجود بما يماثل غيره. فالهواء هو ماهية لامتناهية بصفات الهواء كذلك الماء هو ماهية بخواص صفاتية وماهوية كماء.
لا يمكن التفريق بين المتناهي المحدود واللامتناهي (المطلق) غير المحدود بسبب انهما لا يحملان مجانسة نوعية واحدة حتى في حال جاز لنا التفريق بينهما على اساس الطبيعة غير التجانسية الواحدة .
التجانس النوعي بين شيئين متناهين لا مشكلة في توسيط (حد) احدهما بدلالة الاخر. ولكن لا يوجد متناه محدود يحمل صفات مطلق غير محدود ادراكا. فمثلا الماء لا يجانس نوعيا الهواء, الدم, والتراب, المعادن بتنوعها وهكذا فاللامتناهي لا يكرر نفسه وجودا, والاختلاف بالمجانسة في اللامتناهيات هي التي تكون المانع الوحيد الذي لا يجمع لامتناهين معا. مثال ذلك عندما نتعامل بالساعة وسيلة قياس وقت او زمان مقدار حركة جسم داخل زمان تحدّه الساعة فنحن نتعامل مع زمن متناه محدود يحمل ماهية وصفات مطلق الزمان غير المحدود لا تتغير برصدنا مقدار حركة الجسم بواسطة ساعة التوقيت. الزمن المحدود الذي نتصوره متناه حصلنا عليه بتوقيت الساعة هو ليس زمنا بل هو مقدار حركة الجسم داخل مطلق زماني لا يحده شيء.
أي الزمن واحد ولا يمكن تجزئته الى زمن متناه لا يشابه مجانسته بالماهية والصفات مع مطلق زمني آخر..كل متناه لا يجانس مطلقا افتراضيا من نوعه بل مطلقا محال وجوده.. فالمتناهي محدود بالمجانسة النوعية لوحده, لذا لا يرتبط المتناهي مع المطلق ابدا لا في اختلاف المجانسة بينهما ولا في افتراض وحدة المجانسة غير الموجودة بينهما.ولا يوجد مجانسة طبيعية نوعية تجمع متناهي ومطلق بخاصية نوعية واحدة.
الشيء المتناهي هو ذلك الشيء الذي يحمل خواصه النوعية المستقلة, وليس شرطا الحكم على متناه بمتناه اكبر منه يجانسه الطبيعة بقياس الحجوم, وليس بقياس الجوهر او الماهية ولا بالصفات. بمختصر العبارة المتناهي هو الذي اكتسب صفته المتناهية باستقلالية المقارنة الحدّية بغيره من نوعه. فلا حاجة ان نحد الجسم باكبر منه من نوعه كما في عبارة اسبينوزا. المطلق لا يحده مطلق يجانسه الماهية والنوع, فلا يوجد مطلقين منفصلين لا يختلفان بالمجانسة النوعية في الماهية والصفات. كذلك المطلق لا يحده متناه لا من نوعه ولا من غير نوعه. بمعنى توضيحي هل يمكننا (حد) مطلق الضوء بمطلق ضوء آخر؟ الجواب لا لسببين :
الاول لا يوجد لا على كوكب الارض ولا في الكون مطلقين يجمعهما تجانسا نوعيا واحدا يحضران بكينونتين منفصلتين احداهما عن الاخرى. مثال ذلك الهواء, الزمان, المكان, الجاذبية وهكذا. وهنا احيل القاريء لمقولة ارسطو العبقرية قوله (مطلق الزمان لا يحد بزمان ) بمعنى لا يوجد مطلقين للزمان بل مطلق واحد يملا الكون والطبيعة والفضاء. وهو كلية بنيوية مستقلة لا يقبل القسمة على نفسه ولا يقبل المجانسة النوعية بغيره لانه وجود نوعي مقارنة بغيره. من المحال خلق مطلقين منفصلين بمجانسة نوعية لزمان واحد. او لضوء واحد غير الذي نعيشه ارضيا وكونيا.
ننتقل الى معالجة ثانية وردت عرضيا في ثنايا عبارة اسبينوزا اتناولها من جانب لغوي هو لماذا لا يكون معنى المفردة اللغوية هي دلالة مطابقة المعنى المقصود مثلا عندما تقول كتاب باللفظة المفردة لا يمكن إحالتها تاويليا لمعنى غيرمدلول محدد لاغيره هو كتاب.
اللغة مطلق ومتناهي
هل نستطيع جمع متناهي ارضي بمطلق كوني فضائي في زمن واحد؟ الجواب المراوغ هو نعم ولا. اولا لا يمكن ذلك بسبب ان الزمن الذي يحكم الكون والمجرات ومنها كوكب الارض هو زمن واحد لا يتجزأ ولا ينقسم على نفسه ولا يتقبل الاندماج بغيره لانه يمتلك مجانسة نوعية واحدة خاصة به. المجانسة النوعية هي الصفات الخارجية والماهية لاي موجود ولاي مفهوم مطلق.
ونقول في تكملة الاجابة عن السؤال اننا يمكننا ان يكون لدينا زمنا منفصلا عن الزمن المطلق الازلي اللانهائي نعيشه على الارض منقسما الى زمن ماض وحاضر ومستقبل. وهذا عين الخطأ لاننا لا نستطيع تقسيم الزمن من جهة, فلجأنا الى تحقيب الزمن (تاريخيا) ونربطه بوقائع حصلت في زمن مضى لا يمكننا استرجاع التحكم فيه كونه تاريخا ماضيا بوقائعه وليس زمنا كتجريد دلالة.
الزمن واللغة
السؤال لماذا يكون النسق اللغوي متناهيا يمكن حده بمجانسة نوعية لغوية اخرى من جنسها؟ جواب التساؤل هو ان اللغة لا يحكمها قانون النسبي المتناهي ولا المطلق اللامتناهي بل يحكمها معنى الدال والمدلول من حيث اللغة هي معنى مجرد نستطيع حده متى نشاء بمدركاته المادية من الاشياء في عالمنا وفي الطبيعة.. لذا اللغة متناه ومطلق معا. لكن اللغة التي نتداولها تواصليا لا تحدها الآلة مثل الحاسوب مثلا. بمعنى ما يحد اللغة هي لغة اخرى من طبيعتها تجانسها الماهية والصفات. الآلة لا تمتلك الارادة كما يفعل الانسان في إمكانية تقطيع اوصال اللغة النسقي. لكن مع هذا لا يمكن مجانسة اللغة بلغة الآلة.
اسبينوزا حصر الدلالة اللغوية في المفردة المتناهية من حيث لا يوجد باللغة مطلقا يمكننا حده بلغة اخرى من نوعه فيصبح المطلق متناهيا. مطلق اللغة كغيره من مفاهيم مطلقة نعيشها لا يقبل المتناهي الدائم باستقلالية . اللغة متناه يحمل صفات وماهية المطلق اللغوي. بتعبير آخر اللغة متناه ومطلق بنفس الوقت. فنص الكلام ونص الكتابة هما لغة متناهية بحدود لكنها لا تخرج عن صفتها اللانهائية انها لغة تابعة لمفهوم لغوي لامتناه. في اللغة حدود المتناهي أن المفردة اللغوية تحمل دلالة معناها في جنسها النوعي, فالمفردة اللغوية لا تحمل اكثر من حمولة مدلولها المطابق لشيء, ولا مجال أن يكون عدم المجانسة بين تعبير مفردة اللغة عن الشيء سببا في إختلاف الدال والمدلول.
المتناهي واللامتناهي في الفكر
التفكير متناه في محدودية القدرة على معرفة وفهم أشياء من العالم وليس كل العالم. ويكون التفكير الخيالي خاملا حسب توصيف ديفيد هيوم كونه يستنفد نفسه قبل تمام إدراك مواضيعه المستمدة من عالم لامتناه. لا يتمكن التفكير الخيالي التموضع الكامل في إدراكه اللامتناهي. عن هذه الحقيقة يعبّر ديكارت "ربما يوجد ما لانهاية له من الاشياء في العالم, وفي المباينة مع ذلك فليس عندي في الفاهمة أية فكرة عنه". ليس بعيدا ولا غريبا تكرار المقولة الفلسفية أن ما يعرفه الانسان ليس أكثر مما يدركه فعلا صحيحة تماما.في محاولة المتناهي المحدود معرفة اللامتناهي المطلق محاولة عقيمة لا معنى لها, فالتفكير الخيالي لا يستطيع فهم أشياء لا تكون لها معرفة صورية حتى بالتعريف البسيط لها بالذاك... يصف بول ريكور الإرادة بأنها ذات سعة ومجال بلا نهاية. ألارادة لها سعة ومجال تفكيري بلا نهاية صحيحة, كونها طموحا مستمدا من الخيال اللامتناهي , لكن فاعلية الإرادة التخييلية إنما تكون في المتحقق المنجز لما تقصده وتبتغيه في ممارسة سلوك وعي قصدي..ويقصد باللامتناهي المطلق فلسفيا هو الخالق غير المدرك بصفاته وليس ببعض ماهويته الإفتراضية الذاتية. . هذا اللامتناهي الذي لا يمكن الإحاطة به.
أما المتناهي فهو المدرك الذي يمكننا تحديده بالمقارنة مع متناه آخر يشاركه المجانسة النوعية الماهية والصفات. ومن الصعب إستطاعتنا تحديد اللامتناهي( المطلق) لأننا نحتاج الى حده بشيء يجانسه النوع وهومحال. أي يتعذر تحديد اللامتناهي بشيء يمتلك قدرة المداخلة الجدلية او المعرفية مع المتناهي. هنا أود تثبيت نقطتين لماذا نستطيع إدراك المتناهي ولا نستطيع إدراك اللامتناهي,؟
إدراك المتناهي هو إدراك لشيء متعّين محدد بخواص المادة التي تدركها عقولنا (الطول, العرض, الارتفاع , الزمن). وهو ما لا ينطبق على اللامتناهي(المطلق) الذي لا يمتلك مثل هذه الصفات التي يدركها العقل.خواص المتناهي ليست ميتافيزيقية وانما هي مادية ندركها كمتعيّن موجود من الأشياء المتناثرة في عالمنا الخارجي.
من المهم توضيح ان النسبي او المتناهي اكتسب انطولوجيته الموجودية وهويته الوجودية باستقلالية تامة عن المطلق الذي لا يجانسه الماهية والصفات. لا يوجد مطلق يشترك بالمجانسة النوعية لا مع متناه غيره ولا مع مطلق آخر غيره.
والسبب الثاني أن كل محدود هو سلب بتعبير اسبينوزا وهيجل, أي كل محدود يفقد العديد من الصفات الايجابية التي يمتلكها لحساب تعينّه المادي السلبي. فاللامتناهي لا يخضع لتجريد عقلي يدركه بتحديد صفات له هو لا يستطيعها اولا ولا مدركة من قبل العقل ايضا.أمام هذا المعنى أثار لا يبنتيز طرحا إشكاليا معتبرا " كل معنى محدّد, أيّا كان, وكل معنى لا يحتوي المتناهي هو معنى مجرد ناقص". كون الإدراك العقلي تعتريه المحدودية وتحكمه إدراكيا.هذا التداخل الإشكالي الذي يقيمه لايبنتيز على منطق رياضي هو المتواليات العددية والمتواليات الهندسية التي لها بداية ولا تكون لها نهاية. فهي تكون بحكم اللامتناهي الذي يختلف مع كل متناه مدرك بالمجانسة النوعية.
وهو حكم رياضي لا يمكننا تعميمه على مدركاتنا الاشياء وموجودات العالم الخارجي, فهذه تكون محدودة انطولوجيا متناهية وتحتويها لا متناهيات وجودية. أما رأي كانط الذي يرى الناس كائنات متناهية يعيشون في عالم لا متناه يجب أن يكون هذا اللامتناهي محدودا بزمان وإلا أصبح وجودا يمكن الإحاطة بإدراكه ولو جزئيا. لو نحن حاكمنا عبارة كانط بفهم اسبينوزا الذي يرى أن الموجود بغض النظرعن كونه متناهيا أو لامتناهيا لا فرق فهو يدرك بدلالة الجوهر, ولا يدرك الجوهر بدلالة الوجود. لاصبحت عبارة كانط ساذجة تماما. علما ان انتفاء الفارق بين عبارتي اسبينوزا وكانط انهما كليهما لا يستطيعان البرهنة الفلسفية على عبارتيهما المتناقضتين فكلاهما يتكلمان فلسفيا ميتافيزيقيا..بهذا المعنى تكون أطروحة كانط في إمكانية الإحاطة بمحدودية اللامتناهي بمحدودية الزمان الذي يحتويه خاطئة تماما كون الزمان مخلوقا أزليا يكون لامتناهيا لنا نحن البشر لكنه متناهيا مخلوقا من لامتناه لاندركه هو الله . جعل انشتاين الزمن بعدا رابعا من أبعاد المدرك الشيئي المكاني الموجود ماديا يعود لإدراك العقل الذي يفهم ويدرك ماهو مكاني بدلالة زمانه ونختم بعبارة ثانية لكانط يقول بها" ليس للعالم بداية ولا حدود بل هو لامتناه. والزمان الذي يحد العالم يتوجب أن يسبقه زمان له بداية,, وبداية الزمان هي فراغ كلي واذا لم يكن للعالم بداية ولا حدود فهو لامتناه. إن ما يلفت النظر أن كانط لا يحدد مقصوده الدقيق بالعالم هل هو الكون الماوراء الطبيعة الميتافيزيقي أم العالم الانساني على الارض؟.
الانسان المتناهي والانسان المطلق
هل الانسان متناه محدود ام هو مطلق غير متناه ولا محدود ام هو كليهما معا؟ الاجابة على هذا التساؤل الذي اثرناه هو أن الانسان وجود متناه محدود يحتويه مطلق النوع غير المتناهي غير المحدود. فهو محدود بمحدودية الكينونة, وهو غير محدود بمطلق دلالة العقل المفكر الذي تحمله كينونة الانسان. الحقيقة عندما نجعل الانسان متناهيا بدلالة كينونته الجسمانية المنفردة نقع بمحذور اننا حددنا الانسان بيولوجيا متناهيا بدلالة الكينونة بمعزل عن مطلق العقل والفكر الذي يحمله. من حيث تداخل العقل والجسم عضويا, ومفارقته الجسم بماهية العقل غير الفيزيائية التي هي خاصية التفكير.
حين يقول ديكارت "انا افكر اذن انا موجود " هو اعطى الوجود الانساني تناهي الوجود بدلالة مطلق الفكر. ناهيك عن صحة عبارة الفكر لا يصنع الوجود. فالوجود سابق على الفكر وليس لاحقا عليه. في الكوجيتو ديكارت اعطى الانسان ميزتين اثنتين, الاولى ان الفكر يحدد وجوده وهو خطا اشرنا له. والثاني الاهم ان الانسان وجود محدود متناه داخل مطلق الوجود الانساني كنوع, ومطلق داخل الكينونة العقلية الفكرية التي يمتاز بها عن غيره من المخلوقات المحدودة بدلالة بيولوجيا الوجود اما حين نقرأ تفنيد سارتر للكوجيتو في عكسه تماما قوله " انا موجود اذن انا افكر" بهذا اعطى سارتر وجود الانسان عدة ميزات هي:
- الوجود سابق على الفكر , والفكر لا يصنع الوجود.
- حين اعتبر سارتر وجود الانسان سابقا تفكيره, بهذا اعطى سارتر بخلاف اسبقية الوجود المحكوم بالمتناهي المحدود, الى مطلق كينونة الانسان بدلالة مطلقية العقل والتفكير. هنا يكون مطلق الانسان ليس بدلالة محدودية الجسم بايولوجيا بل بدلالة مطلق العقل كجوهر مفكر لامتناه غير محدود.
- الميزة الثالثة هي ان سارتر اسبغ على الانسان صفة الجدل المطلق القائم على التفكير . هنا سارتر يماهي هيجل ويسايره بمثالية التفكير على صعيد الفكر فقط علما ان سارتر يؤمن بمادية اسبقية الوجود على التفكير - والجدل مطلق غير محدود. كون الحركة قانون كوني يحكم الطبيعة والانسان والكون.
- رابعا سارتر اعطى الانسان مركزية نوعية مطلقة تلغي متناهي الانسان بالقياس لنوعه. في حين نجد عبارة هيجل( الواقع جدلي لأن طبيعة عقل الانسان جدليا) بمعنى متناهي الانسان يؤكده متناهي الجدل في الواقع الذي تحكمنا قوانين الطبيعة فيه. بهذه العبارة اعطى هيجل قمة المثالية الساذجة حينما اعتبر ديالكتيك العقل الطبيعية تسبق ديالكتيك الواقع الطبيعي. وهو ما اثار حفيظة ماركس في تغليبه جدل الواقع على جدل الفكر المتعالق به. هيجل إعتبر كينونة الانسان متناهية محدودة بدلالة بيولوجيا الجسم. وجود الانسان في الطبيعة كجسم فقط تنطبق عليه محددات المادة . في حين الانسان مطلق نوعي بدلالة امتلاكه العقل وماهية التفكير.
ملاحظة: كيف يستطيع الانسان تمييز النسبي الارضي عن المطلق الكوني بضوء النظرية النسبية العامة لانشتاين اعتباره كل شيء بالوجود والكوني هو نسبيا؟ التمييز بين المطلق اللامتناهي بالنسبة للزمن قال به نيوتن (1643 – 1727) معتبرا الزمن الارضي هو نسبي والزمن الكوني هو المطلق, لكن في نسبية انشتاين نسف مفهوم المطلق الزمني بدلالة سرعة الضوء 300الف كيلومتر في الثانية لجسم متحرك بسرعة الضوء في الفضاء, أي انشتاين تعامل مع مطلق الوجود في الجسم المتحرك بسرعة الضوء في الكون الفضائي غير الارضي الذي كلما زادت سرعة الجسم يقل مقدار الزمن عكسيا. وعندما نكون على الارض فنسبية الزمان لا تقاس بالسنوات الضوئية بل تكون في نسبية مقدار حركة الجسم بدلالة زمن الأرض الصوتي وهي 300 متر في الثانية, وليس بالسنوات الضوئية. 300 الف كيلو متر في الثانية. عليه يكون تعاملنا الفلسفي هو غير الفيزيائي العلمي على الارض.
هامش 1. الحداثة وما بعد الحداثة / طلعت عبد الحميد , عصام الدين هلال, محسن خضر ص 39
#علي_محمد_اليوسف (هاشتاغ)
Ali_M.alyousif#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟