أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جيل مارماس: هيجل ومغالطات العقل الخالص















المزيد.....



جيل مارماس: هيجل ومغالطات العقل الخالص


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8528 - 2025 / 11 / 16 - 00:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


التعريف بالكاتب: بعد أن كان محاضرا في جامعة باريس-السوربون، يشغل جيل مارماس حاليا منصب أستاذ في جامعة بواتييه. عرف بتخصصه في فكر هيغل. من أهم منشوراته: “التفكير في الواقع”. هيغل، الطبيعة والروح، باريس، Kimé، 2008؛ ‘التاريخ الهيغلي بين الشقاء والمصالحة، باريس، Vrin، 2015؛ “هيغل، فلسفة المصالحة”، باريس، 2008، Elipses ، “السلبي في العمل. هيغل والعقل في طور التكوين”، باريس، Herman 2018؛ ” قوة المعايير وهشاشتها. مبادئ فلسفة الحق عند هيغل”، باريس، Vrin، 2019.
الترجمة:
كيف نفهم النقاش الذي خاضه هيجل مع كانط حول النفس؟ كما نعلم، يُعد كانط من أشد خصوم هيجل، وتزخر كتاباته بعبارات لاذعة معادية لكانط. لكن الإشادات لا تقل عددا، وبعيدا عن الشروح الصريحة، غالبا ما يكون التقارب بين كانط وهيجل وثيقا كلما قلّ الإفصاح عنه. مع ذلك، فإن مسألة النفس ليست محورية لا عند كانط ولا عند هيجل. فعند كانط، يميل مفهوم النفس إلى الاستعاضة عنه بمفهوم الذات المتعالية، وعند هيجل بمفهوم الروح. لذا، يطرح السؤال نفسه عليهما كموضوع مستوحى من التراث – تراث الميتافيزيقا المدرسية عند كانط، وتراث أرسطو، وتراث الميتافيزيقا المدرسية، وكانط نفسه عند هيجل – حيث يشعر كل مؤلف بأنه ملزم بإعادة التفكير، من منظوره الخاص، في تراث يتسم بالهيبة والتحفيز والتعقيد في آن واحد.
تكمن الصعوبة التي نواجهها إذن في فهم كيف يُفسّر هيجل نقد كانط لمغالطات العقل الخالص، وما تعنيه النفس في نظره على نحو صحيح، وأخيرا كيف يجب على التأمل، من وجهة نظره، أن يستعيد هذه المحمولات المُعترف بها كلاسيكيا للنفس أو الروح، وهي البساطة، والهوية الذاتية، والجوهر، والعلاقة “المثالية” بالطبيعة الخارجية. سوف نطرح ثلاث فرضيات للقراءة: أ) يضع هيجل علم النفس الدوغنائي وعلم النفس الكانطي جنبًا إلى جنب، وكلاهما يعاني من عيب اللاتأمل. ب) بالنسبة إليه، تُشير النفس، بالمعنى الدقيق للكلمة، إلى النفس الأنثروبولوجية، باعتبارها المرحلة الأولى من تطور الروح الذاتية. إذن، يتعلق الأمر بـ”الطبيعة الروحية” بمعنى الروح التي ما تزال غارقة في العواطف والجسدية. ج) من المؤكد أن هيجل يتبنى بطريقة ما النقد الكانطي لعلم النفس الدوغمائي، ولكن بالنسبة إليه لم يعد هذا النقد حلاً بل استبدالاً جدلياً: يتم إعادة اكتشاف محمولات الميتافيزيقيا الكلاسيكية، ولكن في شكل أنشطة تنجز بها الروح ذاتها من خلال تحويل موضوعها.
تحليل علم النفس العقلاني ونقده
ما التحليل الذي يقترحه هيجل، من جهة، لعلم النفس العقلاني كما تطور في الميتافيزيقا المدرسية، ومن جهة أخرى، لنقد كانط له في كتابه ” نقد العقل الخالص”؟ في كتابه “علم المنطق”، كمقدمة للحظة “المعرفة”، نجد نصا طويلا حول هذا الموضوع المزدوج، مُستلهما من عدة ملاحظات في المفهوم التمهيدي لمنطق “الموسوعة” .
تجدر الإشارة، كنقطة أولية، إلى أن هيجل يتحدث عن علم النفس العقلاني – الذي يسميه “ميتافيزيقا النفس” – في زمن الماضي. كما يشير إلى الميتافيزيقا المدرسية باسم “الميتافيزيقا القديمة”. بالنسبة إليه، من الواضح أن هذه فكرة عفا عليها الزمن. ومع ذلك، فمن المفهوم بسرعة أنه في نظره ليس كانط هو مهندس هزيمتها. بل بالنسبة إليه، فإن الميتافيزيقا ماتت من تلقاء ذاتها، ضحية لمحدوديتها. ومع ذلك، فمن خلال كانط قرأ هيجل علم النفس العقلاني، لأنه طرح توصيف الروح بناءً على مفاهيم الجوهر والبساطة واللامادية بما يتماشى مع المغالطات التي ندد بها كانط. من ناحية أخرى، يفهم هيجل أقوال كانط حول “أنا أفكر” على أنها “النص الوحيد لعلم النفس العقلاني”، ليس كحجة نقدية ضده، بل كاقتراح لعلم نفس بديل، قائم على معطيات الإدراك المتعالي فقط – حتى لو اختُزل هذا العلم تحديدا إلى نص واحد ناقص: “لن يبقى حينها سوى التمثيل البسيط، الخالي تماما من أي محتوى: الأنا، وهو تمثيل لا يمكن حتى اعتباره مفهوما، بل وعيا بسيطا يرافق جميع المفاهيم”. من هذا المنظور، يقترح كانط بالفعل علم نفس بسيطا، حيث “لا يبقى إلا التمثيل الثابت، والاسم”. يمكن لنا أن نعترض على القراءة الهيجلية، مجادلين بأن كانط لا يدّعي، في الواقع، أي علم للنفس بالمعنى الحرفي. ولكن من الحقائق، بالنسبة لهيجل، أننا أمام علمين نفسيين متنافسين: علم النفس العقلاني وعلم النفس “النقدي”.
تكمن أصالة التفسير الهيجلي في إقامة تواز بين نوعي علم النفس، بينما يرى كانط، بطبيعة الحال، أن منهجه الخاص يتعارض تماما مع منهج ميتافيزيقا الروح. في الواقع، يرى هيجل أن المذهبين “تفكيريين”. فالتفكير، في رأيه، يُشير إلى المعرفة التي تُبنى ذاتيا ولكنها تعتمد على معطيات تجريبية، وتبدأ من المفرد وترتفع إلى العموم بالتجريد. وهذا، من وجهة نظر هيجل، ما يفعله علم النفس العقلاني وعلم النفس الكانطي. فمن جهة، تربط براهين علم النفس العقلاني بين كل عقلاني بحت وجزء مستوحى من الوعي الذاتي. ومن جهة أخرى، يجعل كانط، كما قرأه هيجل، من إدراك الذات في الإدراك المفرد أساسا لعلم النفس البديل.
لكن، من وجهة نظر هيجلية، وعلى خلاف التأمل، يعاني التفكير من عيب الارتباط بموضوع غير قادر على إنتاج ومعرفة ذاته. إن كونية هذا الموضوع ليست الكونية الملموسة – الاتحاد مع الذات – لكائن يكون مبدأه في ذاته، بل الكونية المجردة للبناء النظري الذي يتم الحصول عليه من خلال تعميم الحالات التجريبية المفردة.
في هذه الحالة، ينطلق علم النفس العقلاني كما علم النفس النقدي من الأنا التجريبية ويكتفيان بتعميم محمولاتها. التفكير ليس له سوى رابط خارجي بموضوعه. إنه لا يتبعه في تطوره التلقائي، بل يسقط عليه محمولات يعتبرها معطاة وثابتة. مثلا، وفقا للقراءة الهيجلية، بالنسبة إلى علم النفس العقلاني، ستكون الجوهرية والبساطة واللامادية خصائص دائمة وثابتة للنفس. وبالمثل، بالنسبة لعلم النفس الكانطي، فإن الأنا، كتحديد داخلي، ستكون غير قادرة على التطور وتجاوز باطنها من خلال إظهار نفسها بشكل مباشر في التجربة. بالنسبة إلى هيجل، فإن افتراض ثبات تحديدات النفس يُعادل اعتبارها شيئا (ein Ding). و”الشيء” هنا يُعادل “الشيء الميت”. علم النفس الحقيقي، كما سنرى، يفترض عنده اعتبار النفس ذاتا تُفسّر نفسها بطريقة حية. لا يستخدم هيجل مصطلح التشيؤ (Verdinglichung) الذي كان شائعًا جدًا في القرن العشرين، ولكن هذا الموضوع يلعب هنا دورا رائدا.
لننظر بمزيد من التفصيل إلى تحليل هيجل لعلم النفس العقلاني. فهو، في رأيه، يتعارض جوهريا مع علم النفس التجريبي. فهو يدّعي معرفة “الطبيعة الداخلية” للنفس “كما هي في ذاتها”، لكنه يزدري الخصوصيات التجريبية لموضوعه. إنه لا يهتم بكيفية ظهوره العامة في التجربة، ولا بالتنوع الواقعي لتجسيداتها الملموسة. وكما ورد في إضافة إلى الموسوعة، فإنه يتناول الجوهر “غير الظاهري” للروح . ومع ذلك، وعلى النقيض منه، فإنه يتساءل عن مكانة النفس، ما يعني تصوّرها محسوسة ومحتلة مكانا. وأخيرا، لا يعني نقاء علم النفس العقلاني أن موضوعه سيكون حرا في ما يتعلق بالمعطى التجريبي. فبالنسبة إلى هيجل، ما يكون “مُستقرا” في غيره هو الحر. بل يعني هذا النقاء أن النفس غريبة عن أي إدراك تجريبي، وبالتالي تجد حدودها في التجربة، وبالتالي، فهي ليست حرة. في علم النفس العقلاني، “لا يظهر ما تكون به الروح روحا به”. ولا يقدم هذا العلم معرفة مخيبة للآمال فحسب، بل إنه يتعامي أيضا عن طبيعة الروح التي، كما سنرى لاحقا، ستظهر تلقائيا.
لنفتح قوسا، هيجل ليس أكثر تعاطفا مع علم النفس التجريبي. فهذا الأخير، بمراقبته ووصفه لقوى النفس كما تظهر في التجربة الخارجية، يتخلى عن إثبات وحدتها، وإظهار كيف تكون النفس كلا منظمًا، “كلًا”. صحيح أن ملاحظات علم النفس التجريبي صحيحة، لكنها تجعل العقل مجرد مجموعة من القوى المستقلة. يقول هيجل إن هذه القوى لا تربطها إلا علاقة خارجية؛ فهي في تفاعل متبادل كأشياء:
[علم النفس التجريبي] ينظر إلى العقل حسب الخصوصيات التي يتحلل إليها، بحيث يتم تمثيله كمجموعة ( مجموع ) من القدرات، قوى كانت أو أنشطة، كل منها ينتج تأثيرا بطريقته المحدودة الخاصة ويدخل في علاقة مع الآخرين خارجيًا فقط وبطريقة الفعل المتبادل” .
بهذه الطريقة، يتعامى علم النفس التجريبي عن الوساطة الداخلية، أي عما هو ضروري جوهريا في تطور لحظات الروح. فهو لا يهتم إلا بما هو غير جوهري.
بالعودة إلى علم النفس العقلاني، ما هي أصالة نقد هيجل؟ إذا قارناه بعلم النفس الكانطي، نجد أن هيجل لا يُبرز عيبا في الاستدلال، أو مغالطةً، بل يُشير إلى مشكلة منهجية، ألا وهي الطبيعة التفكيرية للمنهج. من المؤكد أن التفكير، في نظره، ليس عبثا. تحليل علم النفس العقلاني دقيق – كما هو الحال في علم النفس التجريبي – بمعنى أن كليهما “يُطابق” الواقع. لكن كليهما لا يهتم إلا بواقع جزئي، مما يجعلهما عاجزين عن إدراك كيف أن للموقف المُعارض أيضا جزءً من الحقيقة.
كيف يُحلل هيجل إذن علم النفس “النقدي” للنفس؟ في الواقع، يُعاتب مؤلف ” نقد العقل الخالص” على نبذه لأي فلسفة للنفس. فهو يُفكّر في النفس كشيءٍ غير قابلٍ للمعرفة في ذاته. وكما ذُكر، يقول كانط إن الأنا وعيٌ بسيطٌ يُصاحب جميع المفاهيم. ومن خلال هذه الأنا، لا يُمثَّل إلا الذات المتسامية للأفكار = س، والتي لا تُعرَف إلا من خلال الأفكار التي تُشكِّل محمولاتها. أما الأنا نفسها، فلا يُمكننا أن نمتلك مفهومًا حقيقيا عنها. يرى هيجل أن هذا الموقف يخالف شكوكية هيوم، التي ترفض الاعتراف بأن التجربة ستسمح لموضوع البحث بالظهور كما هو. بالنسبة إلى كانط، كما هو الحال بالنسبة إلى هيوم، يُؤكّد هيجل، لا تُقدِّم التجربة “الظاهراتي” إلا بمعنى غير الجوهري، مما يمنع معرفة الشيء نفسه.
بالنسبة إلى كانط، فإن السلبي أو غير المريح (die Unbequemlichkeit ) للأنا يكمن في حقيقة أنه لا يمكنه التفكير في ذاته، ما دام أنه ملزم بأن يستخدم تمثيله للحكم بأي شيء عن نفسه. بعبارة أخرى، لأن النفس هي وسيلة للمعرفة، فهي غير قابلة للمعرفة: لا يمكن أن تكون أداة وموضوعًا للتمثيل في نفس الوقت. لكن، يرد هيجل، هناك لبس في هذا الاستدلال. ما يسميه كانط بغير المريح ليس سوى السمة الأساسية للنفس، ألا وهي نشاطها الذاتي لمعرفة ذاتها.
ما يسميه كانط بغير المريح ليس سوى السمة الأساسية للنفس، ألا وهي نشاطها الذاتي لمعرفة ذاتها. في حالة ما إذا لم يتدخل أي شيء غريب عن جوهرها في ظهورها، يكون الأخير يكون ملائماً. بالنسبة إلى هيجل، تكون الأنا، كأي شكل من أشكال الروح، نشاط رجوع إلى الذات. بتقديم نفسها بهذه الطريقة، فإنها تقدم نفسها كما هي.
صاغ كانط قضية لاقابلية الذات للمعرفة بشكل مختلف. ففي ملاحظته العامة حول “الانتقال من علم النفس العقلاني إلى علم الكوسمولوجيا”، يطرح، كما نعلم، الاستدلال التالي: الأنا مُعطاة فقط كدالة منطقية؛ لكن، لا يمكن أن نعرف معرفة صحيحة إلا ما يُعطى لنا ظاهريا؛ إذن، الأنا غير قابلة للمعرفة. يرد هيجل قائلاً إن هذا تمثيل “متوحش”، لأنه ينبع من التحيز القائل بأن ما هو فعلي بالضرورة له وجود محسوس. وبالتالي، لا يمكن معرفة أي ذات بالمعنى العميق للمصطلح، “لأننا لا نستطيع أن ندرك الأنا، ولا أن نراها، ولا أن نشم رائحتها، إلخ.. وبالمثل، عندما يؤكد كانط أن الأنا تنتمي إلى الفكر الخالص، وأنها بالتالي خالية من المحتوى، فهذا قرار غير مبرر. فالروح، في الواقع، تتجسد وتشحن بمحتويات محددة. كانط، في نظر هيجل، مخطئ في طرح بديل: إما أن تكون النفس أنا بلا محتوى، أو أنها موضوع خارجي. في الحقيقة، النفس هي ذات وموضوع في آن واحد، فهي تُعطي لنفسها محتوى تجريبيا، وفي هذا التوضيع، تتجلى لذاتها وتكتسب وعيا بذاتها. نجد نفس الدافع النقدي السابق: كانط، مخطئا، يرفض الاعتراف بأن موضوع البحث يمكن أن يتجلى في التجربة. بهذا المعنى، يكون تصوره انعكاسيا: فهو يميل إلى استبدال فكرة اصطناعية بفهم الشيء نفسه في عملية الكشف الذاتي.
لنتحدث بمزيد من التفصيل عن الخلاف بين مندلسون وكانط كما تناوله هيجل. يرى مندلسون أن النفس بسيطة، وبالتالي لا تتحلل، وبالتالي فهي خالدة. أما كانط فيرد بأن كل حقيقة، حتى حقيقة النفس، تُعبّر عنها بدرجات. وبالتالي، حتى دون تحلل، يمكن للنفس أن تستهلك نفسها. في مقابل حجة مندلسون الكيفية، يستخدم كانط حجة كمية. فالنفس ذات مقدار هائل، وبالتالي يمكنها أن تختفي. مع ذلك، يرى هيجل أن كلاً من مندلسون وكانط يطبقان على الروح مفاهيم تتعلق بمجال الوجود. هذا التطبيق غير مناسب، لأنه يحول دون الوصول إلى ذاتية النفس. وهو، بشكل عام، انعكاسي في العادة، لأنه يقوم على إسقاط اعتباطي على الموضوع المراد دراسته، فكرة يستمدها المفكر من نفسه. مرة أخرى، يُظهر هيجل الهوية الخفية للميتافيزيقيا المدرسية والكانطية.
في نهاية المطاف، يُعدّ التحليل الهيجلي أصيلاً على نحوٍ مزدوج. فمن جهة، يُؤكد هيجل أن النظرة الميتافيزيقية إلى النفس ترتكز على أساس تجريبي؛ ومن جهة أخرى، يفترض أن كانط، دون قصد، يبقى أسيرا للميتافيزيقيا التي ينوي محاربتها. ولكن، هل يتساوى علم النفس العقلاني والكانطية؟ في النص قيد الدراسة، تُهاجم الكانطية بشدة. إذ يقول هيجل إنها تنبع من رفضٍ صارمٍ لمعرفة الحقيقة. وتبقى الحقيقة أن البديل الجوهري، بالنسبة لهيجل، ليس هو بديل العقل الخالص والبحث المتعالي، بل التفكير والتأمل. باختصار، السؤال هو: هل نريد أن نفكر في النفس كشيء ميت أم ككائن حي؟
النفس كطبيعة-روح
في الحقيقة، يكمن رد هيجل على نقد كانط للمغالطات في تحليله العام للروح. ولكن قد يكون من المفيد، قبل التطرق إلى هذا الموضوع، التأمل في كيفية تصور هيجل للنفس بالمعنى الدقيق للكلمة. ويصاحب إدانته للزوج علم بسيكولوجيا عقلانية-بسيكولوجيا متعالية مدح لعلم النفس الأرسطي: فتفلسف كانط “يبدو […] هزيلاً وفارغا مقارنة بالأفكار الأعمق للفلسفة القديمة المتعلقة بمفهوم النفس أو الفكر، على سبيل المثال [مقارنةً] بأفكار أرسطو التأملية الحقيقية”. ويدعم هذا التحليل بيانٌ قويٌّ في الفقرة 378 من “الموسوعة”، يفيد بأن كتب أرسطو عن النفس هي أبرز الأعمال المتعلقة بها، وبالتالي فإن الهدف الأساسي لفلسفة العقل لا يمكن أن يكون إلا المساهمة في إعادة فتح هذه الكتب.
ماذا يقصد هيجل هنا؟ يصبح موقفه أكثر وضوحا عندما نلاحظ أنه ينسب الفضل إلى أرسطو لأنه لم يعتبر الروح شيئا أو بسيطة، بل منغمسة في المادية. وبالتالي، فإن قوة ساكن ستاجرا (أرسطو)، ولا سيما من خلال نظريته عن العقل المنفعل، تكمن في التفكير في النفس من حيث تعقيدها وطبيعتها المتجسدة.
في الواقع، تشير النفس بالمعنى الدقيق، أي النفس الأنثروبولوجية، إلى لحظة طبيعية الروح، لحظة انغماس الروح في التأثيرات والجسدية. يتعلق الأمر بالروح بقدر ما لا يتعلق بالعالم كموضوع منفصل عن ذاته، ولا بشكل شخصي بتمثلاته. الروح، إذن، مكتفية بالوجود هنا والآن – ولا سيما في جسد محدد. هذا الوجود ليس من صنعها، بل هو مُعطى لها. في أشكالها اللاحقة، ستتعارض الروح مع العالم (في لحظة الظاهراتية)، ثم ستركز بنشاط على نفسها (في لحظة البسيكولوجيا).
لكن قبل ذلك، تشكل الأنثروبولوجيا مرحلة توجد فيها الروح على نمط المباشرة المعطاة وتكتفي بعلاقة حسية مع العالم الخارجي: “الروح بشكل عام، أو العقل الذي يظل محددا باعتباره موجودا، ما يزال عقلا [مندرجا] في الجسدية. ومن ثم يكون الإحساس في نفس الوقت شيئا جسديا بشكل مباشر”.
لذا فإن عيوب الروح كبيرة. ليس لديها أي معرفة موضوعية بل تظل محدودة بالانطباعات والأحلام والتكهنات. معرفتها متقلبة وزائلة، دون روابط متبادلة. من وجهة نظر عملية، تحكم الروح جسدها فقط، وتظل عاجزة عن إنتاج أعمال خارجية. كما أنها عاجزة عن بناء معرفتها أو إعطاء نفسها قانونا داخليا. ومع ذلك، فإن النفس هي اصلا روح تماما. لأنها، مثل أي روح، تمارس التأثير على الخارجية؛ بمعنى أنها تنتج نفسها كمبدإ داخلي لتوحيد ما يُعطى لها. مثلا، يؤكد هيجل أن للإنسان، في بعده الأنثروبولوجي، علاقة بجسده لا توجد لدى الحيوانات، لأنه يجعل هذا الجسد أداة مطيعة لإرادته: فهو قادر على الوقوف، والقيام بإيماءات مفيدة له، وتبني مواقف تعبر عن مشاعره. وبالمثل، يظهر هيجل أن الإحساس الإنساني يختلف عن الإحساس الحيواني بقدر ما تكون النفس الحاسة في الإنسان موجودة لذاتها باعتبارها كونية، مما يعني أنها ليست منغمسة تماما في الإحساس، بل تدرك ذاتها فيه باعتبارها نفسا حاسة بشكل عام .
مع ذلك، قد يُطرح السؤال التالي: مع النظرية الهيجلية عن النفس، ألا نكون إزاء تطبيع الروح؟ ألا يدافع هيجل عن فرضية أن للروح أصلا طبيعيا، بمعنى أن المجال العضوي هو نقطة البداية، وفي النهاية، علة الروح؟ بالفعل، يصف هيجل النفس الأنثروبولوجية بأنها “روح-طبيعة”، ويؤكد بشدة على اندماج الروح في الجسد. وهذا ما يتضح في النص التالي:
“في عصرنا هذا، يقلّ الحديث عن النفس في الفلسفة، سيما عن الروح. الروح تختلف عن النفس، التي هي، إن صحّ التعبير، الحد الأوسط بين الجسد والروح، أو الرابط بينهما. فالروح، باعتبارها نفسا، منغمسة في الجسد، والروح هي ما يُحيي الجسد”.
قد تحاول أن نستنتج من هذا النوع من العبارات أن الروح، عند هيجل، تنبع من الطبيعة، أو أن النفس مزيج من الطبيعة والروح. وبالتالي، يُشكك في نفي الروح للطبيعة، إذ سيكون لدينا هنا على الأقل شكل من أشكال الارتباط، أو حتى الخلط، بين اللحظتين. لكن، وفقا لفرضيتنا، ليس هذا هو الحال. فبالنسبة إلى هيجل، النفس تُمارس بالفعل تأثيرا على الطبيعة – حتى وإن كان ذلك بشكل بدائي. وتتجلى هذه النقطة تحديدا في التمييز الذي يُجريه هيجل بين النفس العضوية والنفس الأنثروبولوجية.
بالنسبة إلى هيجل، هناك نفس عضوية بالمعنى الدقيق، تدرك عمل أعضاء الجسد. هذه النفس ليست موحدة إلا بشكل غير كامل، لأن أعضاء الجسد، في عملها البيولوجي، متعارضة مع بعضها البعض. في المقابل، تقيم النفس الأنثروبولوجية داخل الجسد الحي معاني أو معايير مُوَحِّدة في كل مرة. مثلا، يستحضر هيجل حركة التحية التي تظهر بها الذات الاحترام أو التعاطف الذي تشعر به تجاه الآخرين. وبالمثل، يحلل الإحساس الإنساني السليم الذي يتميز، كما يقول، بربط القيم العاطفية أو الرمزية بالصفات الحسية للأشياء المدركة. في كل حالة، لا يهيمن الجسد لأنه، بدلاً من ذلك، فإن التحديدات الروحية هي التي يتم تأكيدها في الجسد. بهذا المعنى، فإن النفس الأنثروبولوجية، بينما يتم إدراجها في الطبيعة، تقطع معها. فهي لا تتعلق بالكائن الحي، الجسد العضوي والنفس الطبيعية، كما تتعلق بآخر، بل تأخذ منه وتجعله أداة مطيعة لتعبيرها الذاتي.
هذا ما رآه أرسطو، كما يقول هيجل، في مفهمة “العقل الوجداني” طي “كتاب النفس”. فبالنسبة إلى أرسطو، إذا كانت الحواس متخصصة، يكون العقل كليا، إذ يجب أن يستقبل جميع المعقولات. ولهذا السبب، فهو معفى من أي شكل سابق: وهو ما يعبر عنه أرسطو بقوله، مستخدما لغة مستعارة من أنكساغوراس، إن العقل غير مختلط. وبالتالي، فبينما تعتمد الحواس على الجسد، يكون العقل مستقلا عنه: فهو نقي من أي اتحاد مع الجسد، وبالتالي فهو “لاعضوي”. بالنسبة إلى هيجل، تشير النفس العضوية إلى حقيقة عمل الجسد، بينما تشير النفس الأنثروبولوجية إلى مثالية المعرفة والإرادة. تبقى النفس العضوية أسيرة للخارجية المتبادلة، بينما تُولّد النفس الأنثروبولوجية معرفة أو إرادة، وهي، في حد ذاتها، موحدة. لهذا السبب، تُعدّ النفس الأنثروبولوجية، بلا لبس، شكلا للروح. ولهذا، نرى أنه يجب التخلي عن فرضية أن الأنثروبولوجيا فلسفة للطبيعة وفلسفة للروح في آنٍ واحد.
ما هي إذن مراحل الأنثروبولوجيا؟ فالروح، كنفس طبيعية، لها أولاً محتوى يُختزل إلى عواطفها؛ ثم، كنفس تحس، تكون عرضة للانقسام؛ وأخيراً، كنفس فاعلة، تُعبّر عن روحانيتها في جسديتها.
ما هي إذن مراحل الأنثروبولوجيا؟ فالروح، كنفس طبيعية، لها أولاً محتوى يُختزل إلى عواطفها؛ ثم، كنفس تحس، تكون عرضة للانقسام؛ وأخيراً، كنفس فاعلة، تُعبّر عن روحانيتها في جسديتها. لنوضح ذلك:
(أ) النفس الطبيعية واحدة بتأثيراتها أو أحوالها. وكمثال على ذلك، يمكن الاستشهاد بالفقرة التالية:
“يختلف مزاج الرجال في الصباح عن المساء. ففي الصباح، تسود الجدية، ويزداد انسجام العقل مع ذاته ومع الطبيعة. أما النهار، فيُخصص للعمل. وفي المساء، يسود التأمل ونشاط الخيال. وفي منتصف الليل، يعود العقل من تشتتات النهار إلى ذاته، فينفرد بنفسه، وينغمس في التأملات. وبعد منتصف الليل يموت معظم الناس؛ لا ترغب الطبيعة البشرية حينها في بدء يوم جديد بعد”.
يُظهر هذا النص التواضعَ الاستثنائي للنفس الطبيعية في هذه اللحظة. إننا بعيدون كل البعد، وهو أقل ما يمكن قوله، عن الروح المتفلسفة. في صورة النفس الطبيعية المُقدمة هنا، يتعلق الأمر بالحالات المزاجية غير المحددة التي تتوالى في الفرد وفقا لمراحل اليوم. مع ذلك، فإن تأثيرات النفس الطبيعية ذات طبيعة متنوعة. فهي تتخذ أولًا شكل طباع ثابتة (مثل الشخصية)، ثم شكل قرارات متوالية (مثل تعاقب اليقظة والنوم)، وأخيرًا شكل قرارات عابرة ومنظمة بشكل منهجي (أحاسيس تتكشف وفقًا للحواس الخمس).
ب) في الروح العاطفية، نشهد صراعا بين الروح ونفسها. وبهذه الحقيقة تحديدا، تُشحن الروح بالمحتوى. يُشكل القطب الموضوعي للروح العاطفية، بطريقة ما، مخزونًا من التحديدات التي يُمكنها الوصول إلى الوعي، ولكنها أيضا تُحتمل أن تبقى مدفونة في أعماق الروح. يُستبدل الوجود المباشر والفريد لتأثيرات الروح الطبيعية بالوجود الكامن لمجموعة مُعقدة من المحتويات غير المُتأملة. وفي ما يتعلق بالروح العاطفية، يستخدم هيجل صورة “البئر بلا تحديد، حيث يُحفظ كل شيء دون وجود”. وهكذا، تكتسب الروح عالما داخليا حقيقيا تسعى جاهدةً لامتلاكه:
“يتعلق الأمر بالنسبة إلى [الفرد الحساس]، بإثبات جوهريته، الامتلاء الذي لا يكون إلا في ذاته، كذاتية، والاستيلاء على ذاته، والتحول إلى ذاته كقوة [تتصرف] في ذاته”.
أولاً، هناك لحظة سلبية، حيث يمكن أن تخضع الروح لإيحاءات منومة، والدخول في علاقات توارد خواطر مع الآخرين، وإظهار موهبة الاستبصار، وما إلى ذلك. ثم تأتي لحظة الانقسام، حيث تنقسم الروح إلى عدة مبادئ متنافسة. وهنا يأتي اضطراب العقل. أحد أكثر جوانب نظرية هيجل إثارة للدهشة هو تفاؤلها العلاجي. فبينما يرى هيجل أن الجسد الطبيعي مريض في جوهره ومحكوم عليه بالموت، يمكن للعقل دائمًا الهروب من الجنون – حتى لو كان معظم الأفراد، كما يقول، يمرون، في سياق وجودهم، بمرحلة من الوهم بدرجات متفاوتة من الشدة. وأخيرا، تأتي لحظة العادة، عندما تتمكن الروح من تقوية الجسد أمام المضايقات الخارجية أو جعله ماهرا. وهكذا، على الرغم من أنها في وضع الشر اللانهائي، تؤكد الروح سلطتها على الجسد.
ج) أخيرا، تُعبّر النفس، كنفس فاعلة، عن جسدها. وكما جاء في” الموسوعة”، فإن “للنفس، في جسديتها، شكلها الحر، الذي تشعر فيه بذاتها وتسمح بالشعور بها”. وبتعبير أدق، تجعل الروح الفردية جسديتها “المنفذة الخاضعة، اللامقاومة، لإرادتها”. يُظهر هذا التعبير أن تأثير الروح “الفاعلة” على الجسد ليس عنيفًا، بل هو سيادي. وكما نرى، تُجيب نظرية النفس الأنثروبولوجية على سؤال البداية. فالنفس تعاني من جميع عيوب المباشرة، فهي عاجزة عن المعرفة والتصرف بصدق. ومع ذلك، فهي تُشكل الأساس لمزيد من تطور الروح. إنها لحظة يجب تجاوزها، ولكنها لا غنى عنها بنفس القدر.
أي تحليل للروح؟
بعيدا عن الفهم المحدد لمفهوم النفس، يكمن السؤال في معرفة ما يسمح لنا به الفكر التأملي من قول إيجابي عن الروح بصفة عامة. فالنظرية الهيجلية الأساسية، كما نعلم، هي أن الروح لا وجود لها إلا من خلال تحررها من الطبيعة:
“من أين تأتي؟ – من الطبيعة؛ إلى أين تتجه؟ – نحو حريتها. ما تكونه تحديدا هو هذه الحركة لتحرير نفسها من الطبيعة. جوهرها ذاته لا يمكن وصفه كذات ثابتة، تفعل وتسبب هذا أو ذاك، كما لو كان هذا النشاط شيئا طارئا، نوعا من الحالة، يمكن أن توجد خارجها. بل إن نشاطها هو جوهريتها، وفاعليتها هي وجودها”.هذا التصور يعني أن الروح – كفرد، كشعب، كدولة، كذات مُمَثَّلة في عمل فني، كإله مُعبود في ديانة، إلخ – تنتج نفسها بإحداث ” الوجود” لما ليس هو نفسها، أي “الوجود” الخارجي أو “الوجود” لذاته بقدر ما هو مُعطى ببساطة. هذه هي النقطة التي من المفيد دراستها الآن، من خلال تناول محمولات الميتافيزيقا المدرسية كما طرحها كانط. بأي معنى يمكننا القول إن هيجل يُصلح تصور بساطة النفس، وهويتها العددية، وجوهريتها، وكذلك “المثالية” التي تقتضيها هذه الصفات؟ كما سنرى، توجد هنا سلسلة من الاختلافات حول فعل الروح كمنجزة لـ”إحداث” المعطى الخارجي”.
أ) في القاموس المشترك بين كانط وهيغل، يُقابل “البسيط” “المركب”. في قراءة كانط للميتافيزيقيا الدوغمائية، تُشير بساطة النفس إلى طبيعتها غير القابلة للفساد، وبالتالي الخالدة. وهذه إذن سمة ثابتة.
عند هيغل، يتميز الكائن الروحي عن الكائن الطبيعي، المكوّن من أجزاء متخارجة، بتحرره من كل محتوى ثابت وتوحيده للموضوعية المتعددة التي يرتبط بها. في المقام الأول، في الواقع، يمكن للروح أن تتحرر من كل تحديد. نجد هذا الموضوع، على سبيل المثال، في الفقرة الخامسة من “مبادئ فلسفة الحق”، حيث يُقال إن الإرادة يمكن أن تُجرّد نفسها من كل محتوى. تُستحضر هذه الإضافة المُقابلة، كمثالين، حرية الحكيم الهندوسي وإرهاب الثورة الفرنسية. يقول هيغل إن الحكيم الهندوسي يتخلى عن كل نشاط وكل هدف وكل تمثيل مُفضّلا التجربة الوحيدة لهويته الذاتية. من ناحية أخرى، يُلغي الإرهاب، من جانبه، كل مؤسسة مُحددة، وكل موهبة خاصة في نهاية المطاف. بالمثل، وفقا لإضافة من فلسفة الروح، يمثل التخلي عن الحياة بالانتحار إحدى صور هذه القدرة على التجريد:
“الذات شيءٌ بسيطٌ تماما، كوني. عندما نقول (ذات)، فإننا نعني شيئا مفردا، ولكن بما أن كل شخص هو ذات، فإننا نعني شيئًا كونيا تماما. إن كونية الذات تجعلها قادرةً على التجرد من كل شيء، حتى من حياتها”.
في مقام ثان، يوحّد العقل اختلافاته بنشاط. على سبيل المثال، وفقا للفقرة 381 من “الموسوعة”، عندما تستولي الأنا العارفة على مادة معينة، من خلال فرضيات متنوعة، تُحوّلها بأن تجعل منها تمثيلا واحدا ومتماسكا. يقطع هيجل مع تمثيل النفس غير المترابطة، لكنه يعزز تمثيل الروح الموحدة.
ب) ما رأي هيجل في موضوع الهوية الذاتية للنفس؟ لا يعتقد إطلاقا أن الروح ستبقى ثابتة، وأنها ستبقى على حالها باستمرار. لكنه يؤكد أن الروح، ككيان كوني ملموس، لا تفقد تكاملها باختلافها. فالروح تطبع كل تعديل من تعديلاتها في الكل الذي تُكوّنه، وبالتالي تحافظ عليه. مثلا، يبقى الإنسان هو نفسه، سواء كان طفلًا أو بالغا أو شيخا. وذلك لأنه، من مرحلة إلى أخرى، يُكوّن نفسه على ما هو عليه: فالتربية الفردية، التي تعني الانتقال من مرحلة حياة إلى أخرى، ليست ظاهرة طبيعية يمر بها الفرد، بل هي العمل الذي يُمارسه على نفسه. وبقدر ما يكون هو صانع كينونته، فلا يُفسده ذلك، بل على العكس، يسمح له بالتطور: “الفرد، وهو يبقى واحدا، يمر بدرجات متفاوتة من الثقافة ويبقى الفرد نفسه”. تحوله هو عمله الخاص. وحدها الروح تستطيع، في الوقت نفسه، أن تغير محتواها وتحافظ على هويتها.
في كتاب “العقل في التاريخ”، نجد نصا محيرا إلى حد ما يصر على أبدية الروح وعلى حقيقة أنها تعيش أساسا في الحاضر:
“الروح لا تنتمي إلى الماضي ولا إلى المستقبل، بل هي موجودة (الآن) بشكل مطلق. […] ما تكونه الروح الآن، كانته دائما؛ ما تكونه الآن هو مجرد وعي أكثر ثراءً، ومفهوم تبلور بشكل أعمق من تلقاء ذاته”.
فُسِّر هذا النص كما لو أن الصيرورة الزمنية للروح، عند هيجل، لا تستلزم أي تغيير حقيقي. لكن هذه القراءة تُبطلها حقيقة أن العود الأبدي للشيء نفسه، عند هيجل، تُميز الطبيعة وحدها، وهي نقيض الروح. الطبيعة كالعنقاء: إذا نهضت حتما من رمادها، فإنها مع ذلك تحتفظ دائما بنفس هيئتها. أما الروح، من ناحية أخرى، “ففي بزوغها، لا تتجدد فحسب، بل ترقى وتتحول”. لذا، هناك تغيير جوهري. ومع ذلك، في هذا التغيير، هناك أيضا بقاء للذات: ومن هنا إصرار النص المذكور أعلاه على أن “الآن” لأي شكل من أشكال الروح يُمثل تطويرا لهويتها الدائمة وليس مرحلة جديدة جذريا. قد نعترض على هيجل بأن التحول الطبيعي وحده، بمعنى التغيير الجذري للهوية، أو حتى فقدانها، هو الطفرة الحقيقية. لكن هيجل سيجيب بلا شك بأنه في غياب الهوية، لا يوجد اختبار ذاتي للتغيير، وأن هذا الأخير، إذًا، لا يستجيب إلا لظروف طارئة، مما يُفقده كل جدية. بالنسبة لهيجل، التحول الحقيقي هو ما يؤثر في الذات.
) على وجه التحديد، بالنسبة إلى هيجل، الروح ليست جوهرا فحسب، بل هي ذات أيضا. والمقصود بالذات هو الفاعل الذي يحول نفسه (يُخصِّص نفسه) مع الحفاظ على هويته (الكونية)، بحيث يمكنه التعرف على ذاته في هذه الخصوصية (كفرد مفرد). وإذا اتبعنا مثالًا قدمه هيجل في “الشذرة حول الروح الذاتية” (1822-1825)، ليس اللون ذاتا لأنه، في تحديده الخاص (مثل الأصفر والأزرق)، يتوقف عن كونه لونًا بشكل عام. من ناحية أخرى، الروح ذات لأنها، في أشكالها المحددة (مثل بطرس أو بولس)، تظل مع ذلك – وتعرف ذاتها – إنسانا بشكل عام. وبتعبير أدق، تدرك أن هويتها الخاصة لا تضر بهويتها العامة، بل على العكس، تشكل تحقيقها الملموس. الروح ذات لأنها تعي نفسها وهي تضع، حتى لموضوعيتها، تحديدات بها تعرف نفسها وتسمح لها بأن تعرف. الأنا، أولًا، وحدة خالصة تتجرّد من كل محتوى مُحدّد؛ وهي أيضا تحديدٌ حصريٌّ يُعارض كل تحديدٍ جزئيٍّ آخر؛ وأخيرا، هي وحدةُ العموم غير المُحدّد والمحتوى الحصري بقدر ما تنطرح كنشاطٍ لإعطاء محتوى لذاتها. هكذا تبقى حرة إزاء هذا الأخير: هي ليست “هذا الوجود في-و- لـ-ذاته إلا بالاتحاد مع الوجود-الموضوع”.
في الروح، تحكم الأنا الداخلية الذات الخارجية وتعبر عن نفسها داخلها: “يجب أن يُنظر إلى الروح بشكل أساسي في فعاليتها الملموسة، وفي طاقتها، وبطريقة تُعرف فيها تجسيدات هذه العناصر بحيث تكون محددة من خلال باطنها”.
من هذا النص القصير، نستنتج، انسجاما مع قولنا، أن الروح متجسدة جوهريا، لكن وجودها الفعلي ليس عبء يُضعف من طابعها الروحي. بالعكس، فلأنها تحكم بسيادة، تتجلى روحانيتها في وجودها الخارجي.
د) بالنسبة لكانط، تقود الميتافيزيقا التقليدية إلى المثالية، بمعنى أنها تفترض أن وجود شيء حقيقي خارج الذات لا يُعطى مباشرةً من قبل الإدراك. ومع ذلك، بما أن هذا الوجود يُستنتج فقط كسبب للإدراك، فقد يكون مشكوك في أمره. يرفض كانط هذه المثالية “الإشكالية”، التي ينسبها في المقام الأول إلى ديكارت، باعتبار أن حقيقة المظاهر الخارجية تُعطى مع التمثلات نفسها. في الواقع، ووفقا للإستيطيقا المتعالية، فإن الأشياء في المكان ليست منفصلة عن التمثلات التي لدينا عنها. هكذا، يتم التحقق من صحة الواقعية التجريبية: “كل إدراك خارجي هو دليل مباشر على شيء حقيقي في المكان، أو بالأحرى، هو الواقع نفسه، وإلى هذا الحد تكون الواقعية التجريبية غير قابلة للنقاش”. كما نعلم، يدافع كانط مع ذلك عن مثالية “متعالية” تُصر على الطابع القبلي للمكان والزمان وعلى الوضع الفينومينولوجي المحض لموضوعات المعرفة.
من جانبه، لم يتناول هيجل مشكلة حقيقة العالم الخارجي في نقاشه مع كانط بشأن الروح. ولكن من المثير للاهتمام أن نلاحظ أن المثالية التي يتبناها تعني أن الأشياء المحدودة حقيقية وأنها تابعة للفكرة ككلية محددة تحديدا ذاتيا. بمعنى آخر، إذا لم توضع الأشياء المحدودة موضع شك، إلا أنها لا تستطيع مقاومة الفكرة. لكن أحد أشكال الفكرة هو العقل، الذي يمكنه دائما التأثير على إلغاء (Aufhebung) موضوعه، بواسطة المعرفة أو الإرادة (أي بالفعل أو بإنشاء معيار عملي). بالنسبة إلى هيجل، يكون المحدود غير متسق في مواجهة اللامتناهي، لأن اللامتناهي يتلخص في إعطاء معنى للأشياء – ولا شيء يمكن أن يقاوم أن يُنقش داخل معنى عام. المثالية، عند هيجل، ليست مبدأ شك بل مبدأ توحيد التجربة. المثالية الهيجلية ترقى إلى “نسبية” الواقع المحدود وإثباته، لأنه هو الذي تعبر فيه الفكرة عن نفسها. إن إرث كل من الواقعية التجريبية والمثالية المتعالية موجود. ومع ذلك، فإن المثالية الهيجلية ليست مجرد نظرية فلسفية. يتعلق الأمر بعملية تجريبية من حيث انها تميز الطريقة التي ترتبط بها الفكرة، وخاصة الفكرة كروح، بالمحدود. مثلا، يدحض فعل التملك نفسه الاستغناء المفترض عن الأشياء، بحيث يمكن لهيجل أن يكتب هنا أن “الإرادة الحرة هي المثل الأعلى […] لمثل هذه الفعالية”. تشهد المثالية الهيجلية على نفسها في عالم التجربة.
هـ) أخيرا، ماذا عن موقف هيجل من خلود الروح، عقدة المشكل؟ النصوص غامضة. فخلود الروح يُؤكّد عليه باستمرار في النصوص، ولكنه يُعامل كمجرد تمثل، أي كمعرفة ناقصة. علاوة على ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هيجل لم يذكر شيئا عنه في القسم المخصص للروح الذاتية. فهو لا يُقدّم خلود الروح كأطروحة فلسفية يتبناها، بل كعقيدة جديرة بالدراسة، موجودة في ديانات عديدة، وتجد تعبيرها الأكمل في المسيحية.
بالعودة إلى موضوع التشيؤ، يأسف هيجل على أنه عند مناقشة خلود الروح، هناك ميل لمعاملته كشيء يُعد الفكر خاصيةً له – خاصية يمكن أن تزول دون أن تختفي الروح نفسها. ويشير إلى أن أفلاطون كان له الفضل، من ناحية أخرى، في إدراك أن الفكر ليس خاصيةً بل جوهر الروح ذاته، وأنه نشاطٌ شمولي. إن خلود الروح، المُتصوَّر “بالارتباط بطبيعة التفكير، وبالحرية الداخلية للتفكير”، يعني إذن أنها مُتأصلة في كل شيء
في دروسه حول فلسفة الدين، يتناول هيجل نفس الموضوع. عندما نقول أن الروح خالدة، فإننا نميل إلى أن ننسب إليها صفة مستقبلية محتملة: على وجه التحديد، الدخول إلى عالم الخلود. لكن الخلود في الواقع هو صفة حاضرة للروح، والتي، علاوة على ذلك، لا ينبغي فهمها على أنها ديمومة غير محددة. إنها تعبر عن العلاقة التي تحرر بها الروح نفسها من الطبيعية والعرضي للارتقاء إلى وجهة نظر كونية والتصالح مع كل ما هو: “الخلود ليس مجرد ديمومة، بل معرفة، ومعرفة بما هو أبدي”. إن الإيمان بخلود الروح ليس سوى تمثل لأنه يسقط بشكل غير ملائم في مستقبل غير محدد ما هو صفة حاضرة للروح. ومع ذلك، فهو صحيح لأنه يعبر عن ارتقاء العقل إلى معرفة المطلق: “إن تمثلات الله وخلود الروح لها علاقة متبادلة ضرورية: عندما يمتلك الإنسان معرفة حقيقية بالله، يمتلك معرفة حقيقية بنفسه؛ يتوافق الجانبان”. كعقل محدود ومفرد تجريدي، أنا فانٍ. لكنني أخلّد نفسي بالارتقاء إلى العقل المطلق، وخاصة إلى المعتقد الديني.
في نهاية المطاف، يُبرز النقاش حول الروح أصالة نهج هيجل. وإذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة، فإنه يؤكد رفض هيجل للميتافيزيقا ما قبل الكانطية. ويشارك مؤلف “الموسوعة” سلفه في المطالبة بفلسفة قائمة على التجربة الفعلية، ورفض أي استنتاج مجرد لخصائص الروح، والحرص على عدم اختزال نشاط الروح في تحديد جوهري. وفي الوقت نفسه، لا يقترح توسعا في المنظور المتعالي. ويهدف بحثه في الروح إلى تفسير ليس شروط موضوعية المعرفة، بل الأفعال الملموسة للروح الذاتية كما يضع نفسه في وضع معطى التجربة. وتقدم فلسفة هيجل للروح نشأة – مع ذلك، نشأة ليس لقدرات العقل بل لمحتوياته. فبالنسبة إلى هيجل، لا ينبغي تصور العقل كذات قادرة على الفعل فحسب، بل كذات فاعلة بالفعل.
ربما تُمثل نظرية هيجل القائلة بأن العقل يكشف عن ذاته تماما من خلال أفعاله قوةً وضعفا في آنٍ واحد. فمن جهة، تُتيح لنا نبذ أي كيان ميتافيزيقي خفي. ومن جهة أخرى، تُنسينا أن النفس البشرية لا تظهر على حقيقتها، بل حتما من منظورٍ مُحدد وضمن خطابٍ مُحدد. لا شك أن العقل في اللحظة الأنثروبولوجية لهيجل لم يُدرك ذاته بعد. ولكن هذا لأنه ما يزال مباشرا وغير قادر على التأمل الذاتي، وليس لأن مظهره مُصممٌ بطريقةٍ ما. يُعارض هيجل فكرة الأنا التي لا تكون خالصةً وبسيطةً كما تُعبر عن نفسها. ومن سمات الهيجلية، بشكلٍ عام، رفضها أي شكٍّ في التجربة الكونية. مهمة الفلسفة هي التفكير في التجربة، أي بالتالي في الطريقة التي تقدم الروح (أو العقل) ذاتها. لربما نتمنى، في الحقيقة، لو أنه تعمقنا في هذه التجربة.

المرجع: https://shs.cairn.info/revue-archives-de-philosophie-2014-4-page-567?lang=fr



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النواصر: هدم مبنى فاخر بسبب البناء غير القانوني في بوسكورة د ...
- هيئة حقوق الإنسان تابعة للأمم المتحدة تعقد جلسة حول السودان ...
- جيل مارماس: هيجل ومغالطات العقل الخالص (الحلقة السابعة والأخ ...
- إيران تواجه جفافا حادا وغير مسبوق
- طلحة جبريل: يوم حاورت الملك الحسن الثاني
- الكنيسيت يصادق بالقراءة الأولى على مشروع قانون إعدام الأسرى ...
- لماذا غاب المكتب السياسي للحزب الاشتراكي الموحد عن الندوة ال ...
- سوريا تنضم إلى التحالف المناهض للجهاديين بعد زيارة تاريخية ل ...
- أحزاب الكتلة الديموقراطية ونظام الحكم في المغرب، من منظور عب ...
- لطيفة باباس: الأصول المغربية لروبرت بورفيس المدافع الأمريكي ...
- الأثر التحويلي” و”الجودة التشريعية” هدفان تتعهد الأمانة العا ...
- النص الكامل لأولى تصريحات ستيفان دي ميستورا عقب صدور القرار ...
- خديجة محسن فينان: “السلام الأمريكي” كرس فوز المغرب بالصحراء ...
- إسدال الستار على الدورة الثلاثين لمهرجان تطوان لسينما البحر ...
- من هو زهران ممداني عمدة نيويورك الجديد؟
- المندوبية السامية للتخطيط: 2.1 مليون مغربي يعيشون في دواوير ...
- الملك يفتتح مستشفى محمد السادس الجامعي الدولي بالرباط ويأمر ...
- الأقاليم الجنوبية قطب استثماري استراتيجي جديد في المغرب
- جيل مارماس: هيجل ومغالطات العقل الخالص (الحلقة السادسة)
- إنزگان-آيت ملول: هيئات سياسية ونقابية وحقوقية مساندة للحراك ...


المزيد.....




- -مش خرابة بيوت-.. حلا شيحة تدعم دينا الشربيني وتوجهت برسالة ...
- من هو قائد الجيش الباكستاني، المشير عاصم منير، الذي حصل على ...
- إندونيسيا تستعد لإرسال قوات لضمان تحقيق الاستقرار في غزة
- مشروع قرار أمريكي لإنشاء قوة دولية في غزة
- المكسيك: عشرات الجرحى أغلبهم من الشرطة في احتجاجات ضد السياس ...
- لبنان يعتزم تقديم شكوى ضد إسرائيل بتهمة بناء جدار على أراضيه ...
- ما فرص نجاح مبادرة الرباعية حول السودان في ظل التصعيد الميدا ...
- شاهد.. لأول مرة علم فلسطين يرفرف على سارية كالغاري الكندية
- -كوب 30-.. احتجاجات للمطالبة بالعدالة المناخية وحماية الكوكب ...
- رامافوزا يقود حملة تنظيف جوهانسبرغ قبيل قمة الـ 20


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جيل مارماس: هيجل ومغالطات العقل الخالص