أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - المحامي علي ابوحبله - من الصف الأول بدأت الحكاية














المزيد.....

من الصف الأول بدأت الحكاية


المحامي علي ابوحبله

الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 13:09
المحور: قضايا ثقافية
    


رواية رمزية بقلم المحامي علي أبو حبلة
في ذاكرة الأجيال، يقف “عريف الصف” شاهدًا على أول دروس الحياة في السلطة والعدالة والخوف.
ذلك الطفل الصغير الذي كان المعلّم يختاره لحفظ النظام، لم يكن يدرك أن اسمه سيصبح رمزًا مبكرًا لعلاقة الإنسان بالسلطة، وللصراع الأزلي بين الحق والقوة.
حين يغادر المعلم الغرفة، يترك خلفه عالمًا صغيرًا يضجّ بالحياة والفوضى، ويضع “عريفًا” ليدير النظام.
اختيار بسيط في ظاهره، لكنه يحمل في جوهره أول امتحان للقيم التي سترافقنا حتى الكهولة.
الخيار الأول:
أن يكون “العريف” تلميذًا مهذبًا، صادقًا، يرى في العدالة شرفًا وفي الواجب مسؤولية.
يمسك الدفتر بثقة الطفل الذي لم يتعلّم بعد لغة المراوغة،
يسجّل الأسماء كما هي، لا يظلم أحدًا، ولا يخشى الحقيقة.
لكن حين يعود المعلم ويعاقب المشاغبين، يتحوّل العريف إلى هدفٍ لغضبهم.
ينتظرونه بعد الدوام، يوبخونه، يسخرون منه، وربما يضربونه.
يعود إلى بيته مكسور الخاطر، يحمل في قلبه أول جرحٍ من جراح العدالة.
يتعلم باكرًا أن الصدق وحده لا يحمي،
وأن العدل بلا قوة يُكسر،
وأن قول الحقيقة في مجتمعٍ يخافها هو أقصر طريقٍ نحو الألم.
وفي اليوم التالي، حين يسأل المعلم: “من يكون عريف الصف؟”
يخفض رأسه بصمتٍ، بعد أن فقد إيمانه بأن الإنصاف يصنع الأمان.
الخيار الثاني:
أن يختار المعلم أكثر الطلاب شغبًا، ذاك الذي يهابُه الجميع.
في لحظةٍ واحدة، يتحول “الازعر” إلى صاحب سلطة،
يمسك الدفتر كما يمسك الحاكم زمام الرعية،
يسجّل الأسماء كيف يشاء، يعاقب من يعارضه، ويُكرم من يخضع له.
يخيّم الصمت على الصف، ويبدو النظام متحققًا.
لكنّه نظامٌ قائم على الخوف، لا على الوعي.
هدوءٌ زائف يخفي تحته طغيانًا صغيرًا يتربّى وينمو في العقول.
والمعلّم، في غمرة رضاه عن الانضباط، لا يدرك أنه ربّى بأصابعه جيلاً سيكبر على أن القوة تُغني عن الحق،
وأن الظلم ما دام صامتًا يمكن احتماله.
وهكذا بدأت القصة.
من صفٍ صغيرٍ في مدرسةٍ ابتدائية،
نشأ جيلٌ يتعلم أن يخاف من الازعر،
وأن يسكت عن الحقّ كي يتجنب الأذى،
وأن يصفّق للظالم إن كان قويًا.
كبرنا، وتبدلت الأدوار،
لكن “عريف الصف” لم يغادرنا قط.
عاد بثيابٍ جديدة: موظفٌ متسلّط، مسؤولٌ متغطرس،
أو حاكمٌ يرى في الطاعة غايةً لا وسيلة.
وتكررت الحكاية نفسها،
فالمهذب يُقصى لأنه صادق،
والمتسلّط يُكافأ لأنه يُخيف،
بينما الصمت يزداد اتساعًا كظلٍّ يغطي الوجدان.
الحكمة من الحكاية:
ما ظنّه المعلم يومًا تدريبًا على النظام،
كان في حقيقته تمرينًا على الخضوع.
منذ الصف الأول، تشرّبنا الخوف من قول الحق،
وألفنا فكرة أن “السلام” لا يأتي إلا على حساب الكرامة.
تلك اللحظة البريئة التي سلّم فيها المعلم دفترًا لطفلٍ صغير،
كانت شرارةً أولى في صناعة جيلٍ
يتقن الصمت أكثر مما يتقن الشجاعة.
من الصف الأول بدأت الحكاية،
ومن هناك أيضًا يمكن أن تبدأ النهضة:
حين يتعلم الجيل الجديد أن العدالة لا تحتاج إذنًا من القوة،
وأن الكلمة الصادقة لا تُقال بخوف،
بل بإيمانٍ بأن الحق، مهما تأخر،
هو وحده الذي يستحق أن يُروى... وأن يُدافع عنه.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- الثريات النحتية اليدوية.. إبداع تتجاوز قيمته 90 ألف دولار
- -على مقهى شعبي-.. أحمد الشرع يثير تفاعلا بلقاء عائلات سورية ...
- رئيس ألماني سابق يدعو لمواجهة عداء السامية -الألماني والعربي ...
- سر -الشعبوية الجذابة- التي استثمرها ممداني لحسم نيويورك
- مصر تطالب بالانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة وتنفيذ هدنة ...
- هل تسبب الكربوهيدرات الاكتئاب؟
- تلغراف: تعثر خطة ميرتس لإعادة السوريين إلى بلادهم
- غارديان: بريطانيا تجاهلت خططا لمنع الفظائع بالسودان
- طبيب بريطاني يتحدث عن أهوال غزة وعودة مستشفياتها 100 عام للو ...
- فوز ممداني بمنصب عمدة نيويورك يثير قلقا إسرائيليا عميقا


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - المحامي علي ابوحبله - من الصف الأول بدأت الحكاية