|
|
عقائد ما بعد ألموت في ألأديان ألإغريقية
كامل علي
الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 12:08
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقدمة: عقائد ما بعد ألموت ألإغريقية أختلفت حسب ألفترات ألزمنية وألمواقع ألجغرافية التي عاش بها ألإغريقيون ففي هذا ألبحث سنجد تنوع في هذه العقائد. ألأخرويات وألعالم ألأسفل أليوناني: كان ألآلهة عند هوميروس خالدون بالطبع، ولكنهم أحتفظوا بمكان يدعى إليزيوم، أي ألحقول ألفردوسية، لمن يفضلونه من أحفادهم البشريين الذين جرى استثناؤهم من الموت. هرقل وحده استطاع أن يحصّل لنفسه وبقواه الذاتية مكانا في المجتمع الأولمبي. لقد كره الأبطال الموت لأنّه يحولهم إلى اشباح لا قدرة لها يقودها هرمس إلى عالم الإله هاديس ألسفلي عبر طريق يعترضه نهر ستيكس المستنقعي، حيث يرون في إنتظارهم الملاح تشارون الذي يقف مستعدا لنقل أولئك الذين حصلوا على دفن لائق ووفق الأصول، وكان عليهم لقاء ذلك أن يدفعوا له قطع العملة المعدنية التي حشيت بها أفاه جثثهم عند الدفن. وفي هذا العالم الأسفل لا يوجد ثواب وعقاب، وقلة من البشر فقط وهم الخطاة الكبار في حق الآلهة يتلقون العقاب، مثل إكسيون وسيزيف وتيتيوس. ولكن العقيدة الأورفية قد أثرت على بعض المفكرين الإغريق مثل بندار وأمبيدوقليس، وبشكل خاص على أفلاطون فإنّ محاكمة للموتى تجري على مرج أخضر يقودها كل من أيكوس ومينوس ورادامانثوس، وبعدها يتقرر مصيرهم إمّا إلى تارتاروس في قعر ألعالم ألأسفل أو إلى جزر المباركين. وهنالك فترة طويلة يقضيها الأشرار لتطهير أنفسهم عن طريق دور التناسخ وهم يختارون الكائن الذي سيتقمصونه بواسطة القرعة، ثم يشربون من نبع ليتي، نبع النسيان، لكي ينسوا كل تجاربهم السابقة. لا تقوم الديانة اليونانية على إيديولوجيا دينية مدونة ولا على دوغما مقررة، ومع ذلك لا يخلو الأمر من وجود كتابات مقدسة على شكل صلوات ونبؤات ومنقوشات وتعليمات للموتى.
عقائد ما بعد الموت اليونانية في كريت: ألكريتي يعني بعض العناية بموتاه، ويعبدهم عبادة لا تسمو إلى عبادة الآلهة. فهو يدفنهم في توابيت من الصلصال أو في جرار ضخمة، لأنهم إذا لم يدفنوا على هذا النحو قد يعودون إلى الحياة الدنيا. وهو يعمل على أن يظلوا راضين قانعين تحت الأرض بأن يضع معهم قدراً غير كثير من الطعام، وأدوات الزينة، ودمى صغيرة من الصلصال في صورة نساء يقمن على خدمتهم أو يواسينهم إلى أبد الدهر. وهو يعمد أحياناً إلى الخداع مدفوعاً برغبته في الاقتصاد الذي يطيقه تشككه البدائي، فيستبدل بالطعام الحقيقي حيوانات من الصلصال يضعها في القبر إلى جانب موتاه. وإذا دفن ملكاً أو نبيلاً أو تاجراً مثرياً وضع مع جثته بعض الصحاف الثمينة أو الحلي التي كانت ملكاً لصاحب هذه الجثة، ويضع أدوات الشطرنج مع اللاعب الماهر، ومجموعة من الآلات الموسيقية مع الموسيقي، وقارباً مع من كان مولعاً بركوب البحار. ألا ما أكثر مايدل عليه هذا العمل من عطف على الأموات! وهو يأتي إلى القبر في مواسم معينة ليقدم للموتى قرباناً من الطعام يحفظ عليهم حياتهم، وهو يرجو أن يستقبل ردمنثس الإله العادل ابن زيوس فلكانوس الروح الذي تطهر ليهبه السعادة والسلام اللذين لا بقاء لهما على ظهر هذه الأرض.
الإلهات الأمهات أليونانية- إختطاف إله العالم السفلي برسفوني أبنة دمتر: لعل سبق النساء على ألاشتغال بالزراعة، وهو السبق الذي يرجحه الكثيرون، قد ساعد على إيجاد أعظم إلهة من هاته الإلهات الأمهات، وهي دمتر إلهة الحنطة أو الأرض المنزرعة. ومن أجمل الأساطير اليونانية التي تقصها في أحسن عبارة ترنيمة دمتر وهي الترنيمة التي كانت تعزى في وقت من الأوقات إلى هومر نفسه، نقول إن من أجمل هذه الأساطير أسطورة تصف كيف اختطف بلوتو إله العالم السفلي برسفوني أبنة دمتر ونزل بها إلى الجحيم، وكيف أخذت أمها الحزينة تبحث عنها في كل مكان حتى عثرت عليها وأقنعت بلوتو أن يسمح لابنتها بأن تعيش على ظهر الأرض تسعة أشهر في كل عام- وذلك رمز ظريف لموات التربة السنوي وتجددها. وإذ كان أهل إلوسيس قد عطفوا على دمتر المتنكرة وهي "جالسة في الطريق في أشد حالات الحزن والكرب"، فقد علمتهم هم وأهل أتكا سِرَّ الزراعة، وأرسلت تربتولموس ابن ملك إلوسيس لينشر هذا الفن بين بني الإنسان. وهذه الأسطورة تتفق في جوهرها وأسطورة إيزيس وأوزيريس في مصر، وأسطورة تموز وعشتار في بابل، وأسطورة عشتروت وأدنيس في سوريا، وسيبيل وأتيس في فريجيا. وقد بقيت طقوس الأمومة طوال عصر اليونان العظيم، ثم عادت إلى الحياة من جديد في صورة تقديس مريم أم الإله. الآلهة الأرضية أليونانية وآلهة العالم ألسفلي: كان أعظم الآلهة الأرضية هو زيوس الأرضي؛ وزيوس هنا اسم نكرة لا يعني أكثر من إله. وكان يسمى أحياناً زيوس ميلكيوس أي زيوس الخَيّر؛ ولكن الوصف هنا أيضاً وصف خادع يقصد به استرضاء هذا الإله الذي كان مصوَّر بصورة أفعى رهيبة. وكان هاديز ربُّ ما تحت الأرض أخاً لزيوس وعنه أخذ اسمه. وأراد اليونان أن يسكنوا غضبه فسموه بلوتو أي واهب الوفرة، لأنه كان في مقدوره أن يبارك أو يبيد جذور كل ما ينبت على سطح الأرض . وكان أشد من بلوتو روعة ورهبة الإلهة هكتي وهي روح خبيثة تخرج من العالم السفلي وتسبب البؤس والشقاء بعينها الحاسدة الشريرة لكل مَن تزوره من الخلائق. وكان القليلو العلم من اليونان يقربون لها الجراء ليبعدوها عنهم. كان الموتى قبل عصر اليونان المجيد يعدون أرواحاً قادرة على أن تفعل للناس الخير والشر، وتسترضى بالقرابين والصلاة. ولم تكن هذه الأرواح آلهة بالمعنى الصحيح، ولكن الأسرة اليونانية البدائية كانت تعظم موتاها تعظيماً يفوق تعظيمها أي إله من الآلهة، شأنها في هذا شأن الأسرة الصينية. وكان اليونان في عصرهم الزاهر يرهبون هذه الأشباح الغامضة أكثر مما يحبونها، وكانوا يسترضونها بطقوس ومراسم يقصد بها إبعادها واتقاء شرها، كما كانوا يفعلون في عيد أنثستريا. وكانت عبادة الأبطال امتداداً لعبادة الموتى؛ فكان في وسع الآلهة أن تهب العظيم أو الشريف، أو الرجل الجميل أو المرأة الجميلة؛ الحياة الخالدة فتجعله أو تجعلها من بين الآلهة الصغرى. عقائد ما بعد الموت في ديانات الأسرار اليونانية: لم يكد يحل عصر الاستنارة في أيام بركليز حتى كان التخفي أقوى العناصر في الدين اليوناني. والتخفي عند اليونان احتفال سري يُكشف فيه عن رموز مقدسة، وتُقام فيه طقوس رمزية، لا يتعبد بها إلا المطلعون على أسرارها. وكانت هذه الطقوس في العادة تمثل تعذب إله من الآلهة وموته وبعثه، أو تحيي ذكرى هذا العذاب والبعث والموت بطريقة شبه مسرحية، وتسير إلى موضوعات زراعية قديمة وإلى ضروب من السحر، وتعِدُ أولئك المطّلعين حياة أبدية خالدة. القصائد الهومرية قبل ذلك بجيل من الزمان؛ وفي القرن السادس أو قبله كانت قد أصبحت ذات طابع مقدس، وقيل إنها قد أوحيت إلى صاحبها كما أضحت أساساً لطقوس دينية صوفية ذات صلة بطقوس ديونيسس، ولكنها تعلو عليها كثيراً فيما تنطوي عليه من عقائد دينية وفي طقوسها وأثرها الخلقي. فأما العقائد الدينية فقد كانت في جوهرها توكيداً لعذاب ديونيسس زجريوس الابن المقدس وموته وبعثه، كما كانت تؤكد أيضاً أن الناس جميعاً سوف يُبعثون في حياة مستقبلة يُثابون فيها على أعمالهم أو يعاقبون عليها. وإذا كان الاعتقاد السائد أن الجبابرة الذين قتلوا ديونيسس هم الذين تناسل منهم الآدميون، فقد كانت البشرية كلها ملوثة بشيء من الخطيئة الأولى، وكان عقابها على هذه الخطيئة أن الروح تُسجن في الجسم كأنها في سجن أو قبر، ولكن في وسع بني الإنسان أن يعزوا أنفسهم بأن يعرفوا أن الجبابرة قد أكلوا ديونيسس، وأن كل إنسان ينطوي لهذا السبب في روحه على جزء من الألوهية الخالدة، وكان عباد أرفيوس يتناولون في عشاء رباني جماعي لحم ثور نيئاً، يمثل في اعتقادهم ديونيسس، إحياء لذكرى قتل الإله وأكل لحمه وامتصاصاً للجوهر المقدس من جديد. ويقول علم اللاهوت الأرفي إن الروح تذهب بعد الموت إلى الجحيم حيث يحاسبها آلهة العالم السفلي على أعمالها، وكانت الترانيم والطقوس الأرفية ترشد المؤمنين إلى ما يجب أن يتبعوه من هذا الحساب النهائي الشامل، شأنها في هذا شأن كتاب الموتى عند قدماء المصريين. فإذا حُكم على الميت بأنه مذنب عوقب عقاباً شديداً. فمن قول إن هذا العقاب أبدي وهو الذي أخذت منه فكرة النار فيما بعد؛ وهناك فكرة أخرى تقول بالتناسخ أي أن الروح تولد مرة بعد مرة لتحيا حياة أسعد من حياتها الأولى أو أشقى منها حسب طهارتها الأولى أو عدم طهارتها، ويتكرر هذا المولد مرة بعد مرة حتى تتطهر الروح من ذنوبها تطهراً تاماً فيُسمح لها بالدخول في جزائر المنعمين. وهناك قول ثالث يبعث الأمل في قلوب الموتى وخلاصته أن العقاب الذي يلقاه الميت في الجحيم قد ينتهي إذا كفّر الإنسان عن ذنبه قبل موته أو كفّر عنه أصدقاؤه بعد موتهِ، وبهذه الطريقة نشأت عقيدة التطهير وصكوك الغفران؛ ويصف أفلاطون وهو مغضب غضباً لا يكاد يقل عن غضب لوثر بيع هذه الصكوك في أثينة في القرن الرابع قبل الميلاد. ألمصادر: قصة ألحضارة - ول ديورانت. موسوعة تاريخ ألأديان/ ألكتاب ألثالث – تحرير فراس ألسواح.
#كامل_علي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عقائد ما بعد ألموت في ديانات ألصين
-
عقائد ما بعد ألموت في ديانات ألهند
-
عقائد ما بعد ألموت في ألحضارة ألمصرية ألفرعونية
-
أسطورة أكل لحم المسيح وشرب دمه
-
مقارنة ألأديان - قصة ولادة المسيح
-
لماذا نموت؟
-
كتاب ألرائيلية محاولة للتزاوج بين ألدين وألعلم
-
كتاب ثورة الشك
-
كتاب اساطير الأولين
-
ألفرقة ألناجية
-
مقارنة بين ألأديان- ألنبي إيليا (إلياس) - 2
-
مقارنة بين ألأديان- ألنبي إيليا (إلياس) - 1
-
مقارنة بين ألأديان- قصة أيوب- 3- أيوب التوراتي وألقرآني
-
مقارنة بين ألأديان- قصة أيوب -2 - أيوب ألبابلي
-
مقارنة بين ألأديان- قصة أيوب-1- أيوب ألسومري
-
سليمان وألجن
-
آريوس والخلاف حول طبيعة ألمسيح
-
جذور ألشر
-
تأثيرات ألزرادشتية على أليهودية
-
أيهما أفضل مجتمع بدين أم بلا دين؟
المزيد.....
-
الآلاف من اليهود الحريديم يحتجون في القدس على التجنيد في الج
...
-
آلاف اليهود المتشددين يتظاهرون في القدس رفضا للتجنيد الإلزام
...
-
-لبرق الحمى عهد علي وموثق-.. فلسفة العهد في الشعر في صدر الإ
...
-
العدالة الانتقالية في ضوء الشريعة.. رؤية تأصيلية
-
أحدث تردد قناة طيور الجنة TOYOUR EL-JANAH TV.. على نايل وعرب
...
-
أحدث تردد قناة طيور الجنة TOYOUR EL-JANAH TV.. على نايل وعرب
...
-
مصر.. -حياد- المساجد يتصدر مشهد الانتخابات البرلمانية لـ-ضما
...
-
خطة الرباعية بمواجهة عراقيل الإخوان.. السودان والخيار الأخير
...
-
باكستان تهدد بـ-محو-حركة طالبان أفغانستان
-
المغرب..ترميم دار مولاي هشام يعيد الحياة لذاكرة دمنات اليهود
...
المزيد.....
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
المزيد.....
|