أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الخالدي - التربية الجمالية














المزيد.....

التربية الجمالية


محمد الخالدي
كاتب وباحث مغربي

(Mohammed El Khaldi)


الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 01:51
المحور: الادب والفن
    


إن التربية الجمالية تنهل من أكثر الفلسفات انحيازا للإنسان وحريته، والتي تروم بناء مجتمع متناغم تسود فيه قيم التسامح والاعتراف بين مختلف أفراده. فالذوق الجمالي وحده الكفيل بجلب التناغم و التجانس إلى نسيج المجتمع لأنه من يقيم صرح التناغم في الفرد(شيللر،1999،ص.294)،حتى لا يتحول إلى مواطن ممسوخ لا يحس بالجمال(ريد،د.ت،ص.155)، فالمسألة ليست مجرد استعانة للتربية بالفن، بل تجعل من هذا الأخير أساس بناء المشترك الإنساني الذي تتصالح عبره كل التجاذبات الفردية، لتحقيق حياة مدنية متناغمة وحرة (RUBYL,2006)،كما أن التربية الجمالية تستمد قوتها من أكثر التجارب الإيمانية عمقا و تعبر عن جوهر السلوك الإسلامي المنحاز للجمال باعتباره مبدأ الموجودات جميعها و غايتها الأخيرة التي تتحرك نحوها لتحقيق وجودها و حقيقتها وجمالها، مما يجعل الإنسان الذي يعرف حقيقة ذاته يسعى لجعلها خيرة وجميلة لأنها تستمد جمالها من الجمال الإلهي(الصديق،2003،ص.104)، لكن من أجل إدراك عمقه علينا أن ندرك جوهر الجمال في الأشياء المحيطة بنا في العالم(الصديق،2003،ص.106).

كل المنظومات التربوية المعاصرة أصبحت تعتبر التربية على القيم الفنية والجمالية منطلقا أساسيا لبناء مجتمع المعرفة القائم على الخلق و الإبداع، وهو ما بمستطاع الفن أن يقدمه من خلال تركيزه على تنمية القدرة على الخيال والخلق والإبداع(Maestracc,2006)،كما أن امتلاك ذوق جمالي مشترك على مستوى الفضاء المدرسي يؤسس لتوافق مجتمعي على مستوى الفضاء العمومي في كليته، و هو ما يشكل أساس استمرارية أي مجتمع(TINE,2000,p.37)، كما أن فتح الفضاءات الفنية أمام أجيال الغد يقلل حتما من جانب مهم من جوانب الطبقية الاجتماعية ،خصوصا ذاك المتمثل في البعد الرمزي الذي يجعل كل شيء داخل المجتمع، مرتبا و مصنفا(بورديو،2007،ص.68)،فتتحدد قيمة كل إنسان بنوعية الفضاءات التي يمكنه الولوج إليها، والعادات التي يمارسها ونوعية الفنون التي يهتم بها.

إن عمق تأثير التربية على القيم الفنية والجميلة يجعل الحاجة إلى ترسيخها مسألة أساسية لمواجهة جانب مهم من إشكالات منظومتنا التربوية خصوصا تلك المرتبطة بالجانب القيمي والسلوكي، ذلك أن إطلالة بسيطة على واقع مؤسساتنا التربوية يكشف عن أوضاع محزنة ومخيفة، فالعنف يسود فصولها وفضاءاتها ومحيطها، بشكل فرض على كثير من الفاعلين المطالبة بتوفير الحماية الأمنية لهذه المؤسسات.

إن المقاربة الزجرية لن تستطيع إيجاد حلول جذرية لمشاكل العنف المدرسي بل ربما تساهم في تضخمها، ذلك أن العلاقات السلبية و المتوترة ،هي ما يدفع هذا الطرف أو ذاك لممارسة العنف ضد الأطراف الأخرى ،خصوصا و أن الكآبة تمد بظلالها على مختلف جوانب حياتنا المدرسية نتيجة التركيز المفرط على المحتويات التعليمية بشكل جامد يقتل روح الإبداع في نفس المدرس(ة)و المتعلم(ة) على السواء، فكأن وظيفة المدرسة الأساسية أصبحت هي التحضير للاختبارات، الشيء الذي يسهم بشكل كبير في خلق أجواء مشحونة تحكمها العدوانية و النزعة الصدامية، مما يدعو إلى البحث عن السبل الكفيلة بخلق علاقات أكثر ايجابية و تسامحا، وهو ما يمكن أن تساهم في بناءه و إرساءه التربية القائمة على قيم الفن و الجمال، لكن وفق آليات أكثر إمتاعا و فاعلية، آليات تسمح باحتضان الفن حتى يغدو مكونا جوهريا في منظومتنا التربوية، فتتحول فضاءاتنا المدرسية إلى فضاءات تنتج الجمال والإبداع عوض العنف و الكآبة.ألم يقل شيللر في رسائله حول التربية الجمالية للإنسان: "ليس ثمة من سبيل آخر يجعل من إنسان الحس إنسان العقل إلا بجعله إنسان جمال أولا" ويذهب روسو في نفس الاتجاه قائلا: إذا كان العقل هو الذي يصنع الإنسان فإن العاطفة هي التي تقوده". ألا تفتقر مؤسساتنا التعليمية إلى عواطف نبيلة وجميلة تقودها لغايات أسمى وأجمل؟

المراجع:

بورديو،بيير بورديو.(2007).الرمز و السلطة،ترجمة عبد السلام بنعبد العالي. الدار البيضاء :دار توبقال للنشر.

ريد،هربرت ريد.(د.ت).الفن و المجتمع،ترجمة فتح الباب عبد الحليم.القاهرة: مطبعة شباب محمد.

شييللر،فريدريك شيللر.(1991).في التربية الجمالية للإنسان،ترجمة و تقديم د.وفاء محمد ابراهيم.القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب.

الصديق،د.حسين الصديق.(2003).فلسفة الجمال و مسائل الفن عند أبي حيان التوحيدي.حلب:دار القلم العربي.



§ TINE,A.(2000).Jürgen Habermas: entre pluralisme et consensus. La réinvention de la modernité .Québec: Bibliothèque Paul-Émile-Boulet de l Université du Québec.

§ Lemerise,S.(1991). L’art et le public scolaire. Québec: Bibliothèque Paul-Émile-Boulet de l Université du Québec.

§ Maestracc,V.(2006).L’éducation artistique à la croisée de la création et des logiques scolaires, Revue internationale d éducation de Sèvres.N° 42.

§ RUBYL,C.(2006).l’éducation esthétique et artistique, à l’école, est un problème, pas une solution. Espaces rencontre avec l’œuvre d’art (EROA).Académie de Lille.



#محمد_الخالدي (هاشتاغ)       Mohammed_El_Khaldi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شركة عربية ناشئة تربط المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي ب ...
- فتنة الابداع
- رسالة قصيرة إلى حنظلة
- بداية
- تدريس المواد الفنية : الدواعي و الأبعاد
- هدم الآثار ومأساة خراب العراق
- إشكالية «الإطار الوطني للإشهاد» من خلال - دبلوم مركز تكوين م ...
- دور هيئة التفتيش بوزارة التربية الوطنية في تطوير البحث الترب ...
- إشكالات تثيرها مذكرة نور الدين عيوش بخصوص اصلاح التعليم بالم ...
- انتظار..
- غزة تحترق، أنصروها و ادعموها
- ضرب منتظر الزيدي لبوش : قراءة و موقف من الحدث
- معا من أجل المدرسة العمومية
- اي فريق هو الفرقة الناجية؟
- الشعر العربي
- حول الصراع الطلابي في الجامعة المغربية
- التقدمية: ما معنى أن نكون تقدميين؟
- الدولة المدنية : إطلالة تاريخية
- إلى أجلِّ الناس..
- مناجاة شهيدة


المزيد.....




- هل تصدق ان فيلم الرعب يفيد صحتك؟
- العمود الثامن: لجنة الثقافة البرلمانية ونظرية «المادون»
- في الذكرى العشرين للأندلسيات… الصويرة تحلم أن تكون -زرياب ال ...
- أَصْدَاءٌ فِي صَحْرَاءْ
- من أجل قاعة رقص ترامب.. هدم دار السينما التاريخية في البيت ا ...
- شاهد/ذهبية ثالثة لإيران في فنون القتال المختلطة للسيدات
- معرض النيابة العامة الدولي للكتائب بطرابلس يناقش الثقافة كجس ...
- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-
- تمثال من الخبز طوله متران.. فنان يحوّل ظاهرةً على الإنترنت إ ...
- مسك الختام.. أناقة المشاهير في حفل اختتام مهرجان الجونة السي ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الخالدي - التربية الجمالية