أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الخالدي - تدريس المواد الفنية : الدواعي و الأبعاد














المزيد.....

تدريس المواد الفنية : الدواعي و الأبعاد


محمد الخالدي

الحوار المتمدن-العدد: 4757 - 2015 / 3 / 24 - 16:27
المحور: الادب والفن
    


إن تدريس المواد الفنية ليس ترفا تربويا بل ضرورة تفرضها جودة المنظومة التعليمية بفضل الكفايات النوعية و المستعرضة التي ترسخها ، بالإضافة إلى الأبعاد المتعددة التي تمثلها و الغايات الكبرى التي تسعى إلى تحقيقها.
إن جودة أية منظومة تربوية رهينة بمدى قدرتها على جعل خريجيها أكثر إبداعا و ايجابية في الانخراط في الحياة العملية، فتتحول المعيقات إلى عوامل محفزة على الخلق و الابتكار، و تسمو قيم الاعتراف بالآخر و التعاون معه من أجل صون الحياة المشتركة وإثرائها. إلا أن بلوغ هذه الغاية لا يمكن ان يتحقق بدون امتلاك رؤية جمالية تنحاز لقيم الابداع و ترسخ الاحساس بالانتماء المشترك للوطن و للإنسانية جمعاء، فالجمال الذي يبدعه الفنان لا ينحصر في منتوجه الفني بل يتجاوزه ليخلق حالة جمالية تحكم نظرته للعالم و علاقته بالأخرين، خصوصا إذا ما تأسست على معرفة فنية رصينة ومدركة لأبعادها الفلسفية و المجتمعية.
يخطأ من يعتقد ان المعرفة الفنية مجرد مكون تكميلي لما يعتبر "مكونات تعليمية أساسية"، بل هي معرفة أصيلة لها أسسها الفلسفية و مناهجها العلمية و إمكاناتها التطبيقية، بشكل لا يقل عن ما تتميز بها مجالات معرفية أخرى، إلا أن ما يثير الاستغراب أن قطاع التربية و التكوين بالمغرب لم يقم بأية مبادرة للاستثمار في المعرفة الفنية بشكل جدي، فالنظرة الدونية ما زالت هي المهيمنة، سواء في التعليم الابتدائي حيث يتم تدريس التربية الفنية من طرف مدرسين غير متخصصين، مما يجعل هؤلاء المدرسين يستغلون الوقت المخصص لها لمواد يرونها أكثر أهمية، في حين يتم تكليف التلاميذ بإنجاز الأنشطة في المنزل أو بشكل متسرع داخل الفصل، اما في التعليم الثانوي الاعدادي فرغم وجود مواد فنية لكنها غير معممة بل و اصبحت مهددة بالانقراض جراء عدم تخصيص مناصب مالية لتوظيف مدرسي المواد الفنية منذ انطلاق العمل بالمراكز الجهوية للتربية و التكوين، أما في التعليم الثانوي التأهيلي فلا وجود لأي مادة فنية، و هو نفس الجفاف الذي يمكن تسجيله بالتعليم الجامعي.
كنا ننتظر تعميم تدريس المواد الفنية على مختلف المسالك التعليمية، بكل ما يقتضيه ذلك من تكوين أطر تربوية متخصصة و توفير فضاءات مجهزة، لكننا فوجئنا بتقليص الامكانيات الموجودة و الدفع عن مشروعات بديلة غير واضحة المعالم و لا محددة الأهداف، لا يستشف منها إلا الرغبة في حصر حضور الفنون في مر اكز تنشيطية، الشيء الذي يزكي المقاربة السطحية في التعاطي مع الفنون، تلك المقاربة التي ترى في الفن غير مصدر للترفيه و التهريج و تأثيث المناسبات.
إذا كان القيمون على امر التربية و التكوين لا يدركون الأبعاد الفلسفية و الجمالية و التربوية لامتلاك المعرفة الفنية، ألا يعلمون أيضا الأهمية الاقتصادية للفن و للمعرفة الفنية، على مستوى خلق مهن واعدة و على مستوى الاستثمارات المهمة التي يمكن تجلبها لتطوير الاقتصاد الوطني؟
إن حاجة المدرسة المغربية إلى تدريس المواد الفنية لا تقتصر على الدواعي البيداغوجية و القيمية ، بل تتجاوز ذلك لتلتقي مع حاجة المجتمع ككل لتعميم المعرفة الفنية و جعلها في متناول المغاربة، مهما تفاوتت انتماءاتهم الطبقية و تباينت وضعياتهم الاعتبارية، ذلك ان زمن نخبوية الفن و احتكاره قد انتهى بخروجه من الفضاءات المغلقة و الخاصة ليعانق الفضاء العمومي كمشترك مجتمعي يسعى كل فرد من أفراد المجتمع إلى إغنائه، إبداعا أو نقدا أو فرجة، لكن كيف يمكن للمواطن المغربي بلوغ ذلك بدون حد أدنى من المعرفة الفنية التي لا يمكن أن تقدم إلا داخل الفصول الدراسية ؟ أليست المواقف السلبية من الفن ناتجة عن غياب ثقافة فنية مشتركة تحترم الابداع و تنتصر لقيم الجمال؟ كيف يمكن للدولة ان تستثمر الأموال الطائلة في تنظيم مهرجانات فنية و بناء متاحف و مسارح و قاعات سينما بمواصفات عالمية دون ان تكلف نفسها عناء الاستثمار في التثقيف الفني لبنات و أبناء المغاربة؟ من سيبدع و من سيحترم الابداع؟ أم أن هناك توجها لخلق فوارق أخرى بين المغاربة تنضاف للفوارق الاجتماعية و الطبقية؟ أي الفوارق الثقافية و الرمزية، فيزداد الفقراء فقرا ماديا و ورمزيا. حيث سنجد مواطنين يتذوقون موسيقى موزارت و يجتهدون في قراءة لوحات بيكاسو ، أو تحليل رقصة تعبيرية تنهل من تراثنا الشعبي، إلى جانب مواطنين تتنازعهم مشاعر الاحساس بالنقص و الرغبة في الرفض و الكراهية اتجاه الفن و الفنانين على السواء، أو الاكتفاء ببضاعة فنية ضحلة تتغذى على مكبوتاتهم و استيهاماتهم؟
إن الدفاع عن حق المتعلم المغربي في معرفة فنية رصينة، هو دفاع عن مشروع مجتمعي منصف و عادل، مشروع ينتصر للإنسان باعتباره اولوية الاوليات و غاية الغايات، ذلك أن كل مشروع يحتقر البعد الجمالي أو يقزمه لا يمكن أن يستمر إلا في ظل القهر و الاستبداد.
إن الدفاع عن تعميم المعرفة الفنية في مؤسساتنا التربوية هو دفاع عن الفن الواعي و الفاعل في تطوير المجتمع و تحديثه، الفن الذي يمكن أن يجعل من تراث المغاربة مادة خصبة لإبداع أكثر جمالا و راهنية.
إن الدفاع عن حق بنات و أبناء المغاربة في امتلاك معرفة فنية علمية و رصينة، هو صمام الأمان الحقيقي و الايجابي ضد قيم البذاءة و الضحالة و البلادة ، التي يمكن أن تعصف بثقافة و فن أي مجتمع.
و ختاما لا بد من التشديد على أن تدريس المواد الفنية الذي نقصده ينطلق من كون هذه المواد تخصصات علمية قائمة الذات، ينبغي معالجة إشكاليات تدريسها وفق المقاربات البيداغوجية الخاصة بها، و في إطار البنيات المؤسسية النظامية كباقي المكونات التعليمية، و لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون التنشيط الفني ان يكون بديلا عنها.



#محمد_الخالدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هدم الآثار ومأساة خراب العراق
- إشكالية «الإطار الوطني للإشهاد» من خلال - دبلوم مركز تكوين م ...
- دور هيئة التفتيش بوزارة التربية الوطنية في تطوير البحث الترب ...
- إشكالات تثيرها مذكرة نور الدين عيوش بخصوص اصلاح التعليم بالم ...
- انتظار..
- غزة تحترق، أنصروها و ادعموها
- ضرب منتظر الزيدي لبوش : قراءة و موقف من الحدث
- معا من أجل المدرسة العمومية
- اي فريق هو الفرقة الناجية؟
- الشعر العربي
- حول الصراع الطلابي في الجامعة المغربية
- التقدمية: ما معنى أن نكون تقدميين؟
- الدولة المدنية : إطلالة تاريخية
- إلى أجلِّ الناس..
- مناجاة شهيدة
- التطرف بين الهوس و الخيانة
- زهرة من القدس
- زهرة مقدسية
- العولمة
- الصراع السني-الشيعي...إلى متى؟


المزيد.....




- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...
- حضور فلسطيني وسوداني في مهرجان أسوان لسينما المرأة
- مهرجان كان: اختيار الفيلم المصري -رفعت عيني للسماء- ضمن مساب ...
- -الوعد الصادق:-بين -المسرحية- والفيلم الأميركي الرديء
- لماذا يحب كثير من الألمان ثقافة الجسد الحر؟
- بينهم فنانة وابنة مليونير شهير.. تعرف على ضحايا هجوم سيدني ا ...
- تركيز أقل على أوروبا وانفتاح على أفريقيا.. رهان متحف -متروبو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الخالدي - تدريس المواد الفنية : الدواعي و الأبعاد