شادي الشماوي
الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 17:35
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
جريدة " الثورة " عدد 928 ، 20 أكتوبر 2025
www.revcom.us
" عاد شلاّل الدم ..."
يتبجّح دونالد ترامب بأنّ إتّفاق إيقاف إطلاق النار في غزّة هو المرحلة الأولى من " سلام قويّ و مستدام و أبديّ " .
لكن هذا بعدُ محض كذب . فمنذ أن دخل إيقاف إطلاق النار حيّز التنفيذ في 10 أكتوبر 2025 ، إنتهكته إسرائيل في ما لا يقلّ عن 48 مرّة مختلفة ، قاتلة عددا من الناس و مستمرّة في فرض التجويع و حرمان الناس في غزّة من حاجياتهم الأساسيّة .
و نحن نمضى إلى طباعة هذا العدد من الجريدة ، شنّـت إسرائيل عشرات الغارات القاتلة عبر غزّة متسبّبة في قتل ما لا يقلّ عن 44 إنسان – قصفت بالقنابل مقهى ، وناس كانوا قرب نادي كرة قدم و خيمة و مخيّم لاجئين . و برّرت إسرائيل هذا بأنّ حماس كسرت الهدنة بقتل جنديّين إسرائيليّين في منطقة رفح لكن إلى الآن لم يقدّ/وا أيّ دليل على ذلك .
عبد الله أبو حسنين و عمره 29 سنة و يعيش وسط غزّة ، صرّح لقناة الجزيرة : " " الوضع كما لو أنّ الحرب قد عادت . كنّا نأمل في أن يحترم الإتّفاق إلاّ أنّ المحتلّ لا يحترم أيّ شيء – لا إتّفاق و لا أيّ شيء . " و قال إنّه أسرع إلى موقع تمّ قصفه بالقنابل للمساعدة ، " المشهد لا يمكن وصفه . عاد شلاّل الدم مرّة أخرى ".
بعد هذا السيل من العنف الإسرائيلي – مستهدفا المدنيّين – أكّدت كلّ من إسرائيل و حماس أنّهما ملتزمتين بالحفاظ على إيقاف إطلاق النار و تنفيذ خطّة ترامب . لكن حسب ما يمكن ملاحظته في الأيّام العشرة الأخيرة ، الوضع غير قابل للتوقّع.
الكابوس بعيد عن أن ينتهي
" لقد كان هذا المخيّم من أجمل الأماكن . لكن الآن ، بوسعكم رؤية ذلك ، هو ركام و حطام . لم تعد الحياة حياة . لا يمكن أن نجد ماء . و لا غذاء . لا يمكن أن نجد أيّ شيء نشربه . يبدو أنّنا عدنا إلى الكارثة . يبدو أنّه كابوس ، شيء لم نكن نتصوّر أبدا رؤيته ". ( محمود أبو عميرة ، قاطن بغزّة المدينة) (1)
في السنتين الأخيرتين ، أسقطت إسرائيل زهاء 200 ألف طن من المتفجّرات على غزّة ، ما يعادل 13 مرّة القنابل النوويّة التي أسقطت على هيروشيما ، على منطقة مساحتها 141 ميل مربّع لا غير ( هذه مساحة فيلادلفيا ) . لم يُستثن أيّ شيء ، لا الأسر و لا المنازل و لا الأبراج السكنيّة و لا المستشفيات و لا المدارس و المعاهد و لا المزارع و لا المخابز. و قد صرّح عامل إغاثة دخل حديثا إلى وسط غزّة " كلّ مبنى من المباني لحقه ضرر أو تمّ تحطيمه والناس يعيشون في ظلّ الركام ".
و الأمر لا يتوقّف عند هذا الحدّ . لم تحطّم إسرائيل المباني فحسب ، حطّمت الحيوات و أسرا بأكملها و أحياء بأكملها . لقد قتلت أكثر من 68 ألف فلسطيني و جرحت أكثر من 170 ألف ، و خلّفت عدّة آلاف آخرين تحت الأنقاض . و قتلت عشرين ألف طفل و طفلة ، بعضهم عمره أقلّ من سنة . الجميع مصدومون جرّاء الهجمات الإسرائيليّة التي لا تتوقّف ، و الكثير مصدومون جرّاء خسارة وليّ أو وليّة أو الوليّين معا و أقارب أو أبناء و بنات .
لقد منعت إسرائيل الغذاء و الماء و الوقود و المواد الطبّية و أكثر من ذلك ، ما يتسبّب في المجاعة و التجويع و الأمراض.
هذا ما يعود إليه مئات آلاف من الفلسطينيّين و الفلسطينيّات المجبرين على مغادرة ديارهم . إنّهم يأوون إلى مباني متضرّرة و خيم أو أيّ شيء يمكن أن يجمعهم معا . إنّهم يحاولون بيأس الحصول على الغذاء . لا مواطن شغل و القليل منهم لديهم المال و معظمهم فقد كلّ شيء . لا يعرفون ما سيأتى به المستقبل – أو حتّى اليوم التالي .
إسرائيل تقيم مصائد قتل إعتباطيّة
يحتلّ الجنود الإسرائيليّون أكثر من 50 بالمائة من غزّة – التي هي بعدُ مكتظّة و كثيفة السكّان ، الآن بتقريبا لا مباني قائمة و الناس يعيشون متكدّسين فوق بعضهم البعض في خيم وسط الركام . و تبريرات إسرائيل لعديد قتلاها طوال الأيّام العشرة الأخيرة كانت زعم أنّ الفلسطينيّين إقتربوا أكثر من اللازم من المعسكرات الإسرائيليّة . ليس لأنّهم كانوا مسلّحين أو يبحثون عن مهاجمة الإسرائيليّين ، فقط لأنّهم إقتربوا أكثر من اللازم !
لقد أقامت إسرائيل ما سمّته بالخطوط الصفراء و الحمراء لا يمكن للفلسطينيّين لأن يعبروها – لكن ما من طريقة لمعرفة أين هي عمليّا .
في 17 أكتوبر 2025 ، قصف الجيش الإسرائيلي سيّارة في حيّ الزيتون بمدينة غزّة و قتلت 11 إنسانا . " لقد عبروا ما يسمّى ب " الخطّ الأصفر " ، حدّ وهميّ أشار إليه الجيش الإسرائيلي " ، هذا ما أفاد به الناطق باسم منظّمة الدفاع المدنيّ بغزّة لجريدة " الغوارديان " . " أنا متأكّد أنّ العائلة لم تكن تميّز بين الخطيّن الأصفر و الأحمر لأنّه لا وجود فعلي لعلامات ملموسة لهما على الأرض ".
خطّة " السلام " المفترض أن تجلب الإغاثة – لكن إسرائيل لا تزال تمنع المساعدات اللازمة بصفة إستعجاليّة :
خطّة " سلام " ترامب الذى وافقت عليه الولايات المتّحدة و إسرائيل و حماس كان من المفترض أن تضع نهاية للمجاعة التي تفرضها إسرائيل على غزّة . و وافقت إسرائيل على السماح بدخول 600 شاحنة من المساعدات الإنسانيّة إلى غزّة يوميّا .
لكن في الأسبوع الماضي ، شرعت إسرائيل في منع و تعطيل و الحدّ من قوافل المساعدات – بما يهدّد صحّة و حياة مئات آلاف الفلسطينيّين . و تشمل هذه المساعدات غاز الطبخ و الخيم للمهجّرين و لحم مجمّد و غلال و طحين و مستلزمات طبّية منعتها إسرائيل من دخول غزّة منذ مارس .
و ضمن أشياء أخرى :
- منعت إسرائيل أكثر من نصف الشاحنات المتّفق بشأنها – أزيد من 600 شاحنة يوميّا ، هذا ما ورد في تقرير للأمم المتّحدة ، و أنّه ليومين في الأسبوع الماضي ، لم تسمح إسرائيل بدخول أيّ شاحنة أصلا . و هذا بعد التدمير الإسرائيلي لحوالي 98 بالمائة من الأراضي الفلاحيّة بغزّة الذى جعل الأراضي تقريبا مرتهنة كلّيا بالتزوّد بالغذاء القادم إلى درجة كبيرة عبر إسرائيل .
- إلى حدّ الآن ، رفضت إسرائيل فتح معبر رفح بين غزّة و مصر ، و هذا حيويّ لجلب المساعدات الإنسانيّة ، و لتمكين الفلسطينيّين من مغادرة غزّة بما في ذلك للحصول على علاج طبّي إستعجاليّ .
- الأمراض المعدية مثل إلتهاب السحايا و الإسهال و الأمراض التنفّسيّة " تخرج عن السيطرة " ، هذا مات تحذّر به منظّمة الصحّة العالميّة (WHO ) ، لأنّ المستلزمات الطبّية جرى منعها و هجمات إسرائيل لم تبق سوى 13 من مستشفيات غزّة ال36 و ما بقي يشتغل جزئيّا .
- المدير العام لوزارة الصحّة بغزّة يقول إنّ 170 ألف فلسطيني و فلسطينيّة تسبّبت إسرائيل في جرحهم و يحتاج كلّ منهم، بمعدّل ، عمليّات جراحيّة ثلاث . و لا تزال مستشفيات غزّة تواجه نقصا كبيرا في المستلزمات الطبّية و الماء النظيف و الضرورات الأخرى ، ، و مع ذلك تواصل إسرائيل منع الأطبّاء و معظم الحاجيات الطبّية من الدخول إلى غزّة . و حذّر من أنّه دون ارتفاع في التزويد بالحاجيات ، " سيموت هؤلاء الناس أمام عيوننا " .
- لقد تركت المذابح الإباديّة الجماعيّة بغزّة قنابلا و صواريخا لم تنفجر يبلغ عددها 20.000 ، مختلطة مع أكثر من 60 مليون طن من الركام . و قد أفرز هذا أزمة إعادة إعمار – و أمن – ضخمة . و مع ذلك تواصل إسرائيل تقليص أدوات الإغاثة و الأجهزة الثقيلة اللازمة لرفع الأنقاض و إستعادة ال10.000 جثّة تحت الأنقاض ، هذا ما تقدّره وكالة الدفاع المدنيّ بغزّة .
التبرير الإسرائيلي الواهي لمنع المساعدات المنقذة للحيوات :
تبرير إسرائيل لمنعها المساعدات المنقذة للحيوات هو أنّ حماس كانت تكسر إتّفاق إطلاق النار بعدم إعادتها الفوريّة لإسرائيل كلّ جثث الأسرى الذين كانوا لديها .
و في حين أنّ إختطاف حماس و إحتفاظها بأسرى في المقام الأوّل جريمة حرب ، فإنّ ما تقدّمت به إسرائيل تبرير مريض و هراء .
أوّلا ، وافقت حماس على الإتّفاق بإعادة ، يوم 13 أكتوبر ، كافة ال20 أسيرا الأحياء الذين كانوا بحوزتها . و مذّاك ، أعادت جثامين 10 من 28 أسير وافقت أيضا على إعادتهم . و مع ذلك ، أوضحت حماس و الصليب الأحمر العالمي من البداية أنّ العثور على ال18 جثّة الباقية سيكون أمرا عسيرا جدّا .
لماذا ؟ لأنّ إسرائيل قصفت بالقنابل أو جرّفت أكثر من 80 بالمائة من غزّة ، و ما بقي هناك يقع تحت ركام ملايين الأطنان من الركام و الحطام ، و هو مختلط مع جثامين آلاف المدنيّين الفلسطينيّين !
و الآن تمنع إسرائيل دخول التجهيزات اللازمة لرفع الحطام ، و لا تزال تستخدم التجويع – و التهديدات بوضع نهاية لإيقاف إطلاق النار – كعقاب جماعي . ( أنظروا مقال آخر في هذا العدد من الجريدة حول معاملة إسرائيل المريضة للأسرى الفلسطينيّين ، أحياء و أموات ).
كهجوم كلب مسعور ، تصعّد إسرائيل من الإستعدادات للهجمات من جديد :
أكّد ترامب ، ظاهريّا بسبب تحفّظات إسرائيليّة ، " حرب " هم – أي المذابح الإباديّة الجماعيّة – في غزّة قد إنتهت .(2) و بصفة متكرّرة هاجم حماس التي عادت للظهور في غزّة و تصادمت بعنف مع قوّات أخرى بما فيها تلك المصطفّة مع إسرائيل ، و نفّذت بعض الإعدامات على الملأ للذين إتّهموهم ب " خرق القانون " و التواطؤ مع إسرائيل . (3)
في 16 أكتوبر 2025 ، حذّر ترامب من أنّه إن واصلت حماس قتل الناس في غزّة ، " لن تترك لنا خيارا عدا التدخّل و قتلهم " . ( و أوضح لاحقا أنّه ب" نحن " لم يقصد الولايات المتّحدة ).
و كذلك هدّد ترامب حماس بأنّه إن لم تسلّم سلاحها ( أمر لم يقع نقاشه بعدُ ) ، سينظر في إعطاء القوّات الإسرائيليّة الضوء الأخضر ليستأنفوا القتال : " ستعود إسرائيل إلى تلك الشوارع حالما أقول الكلمة . إن إستطاعت إسرائيل الدخول و دوس هؤلاء الحثالة ، سيفعلون ذلك ". (4)
وضع خطير و مضطرب ، بوحوش إباديّة جماعيّة لا تزال طليقة :
بينما المستقبل غير واضح ، هناك حاجة أكيدة هي وضع نهاية للإبادة الجماعيّة المقترفة من الولايات المتّحدة – إسرائيل في غزّة ! عبر العالم ، نهض الملايين و يجب أن يتواصل ذلك مطالبين بوضع حدّ للهيمنة و الإضطهاد الإمبرياليّين للشعب الفلسطينيّ .
و فيما نقوم بهذا ، علينا أن نرفع نظرنا للقتال من أجل مستقبل يستحقّه الشعب الفلسطيني – و الإنسانيّة جمعاء – الذين عرفوا الجحيم على كوكب الأرض ، و من أجل الأطفال الذين الذين واصلوا الرقص و اللعب في خضمّ هذا الكابوس .
أوقفوا الإبادة الجماعيّة التي تقترفها الولايات المتّحدة / إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني !
إرفعوا الحصار عن غزّة !
هوامش المقال :
1- هدّدت إسرائيل بإيقاف الفلسطينيّين الذين يحتفلون بإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيّين ، Democracy Now!, Oct 13, 2025
2- في إسرائيل ، أجاب ترامب على أسئلة مراسل صحفي جول رفض نتنياهو أن يقول إنّ المذابح الإسرائيليّة في غزّة قد إنتهت : " إنتهت الحرب . إنتهت الحرب . إنتهت الحرب . واضح ؟ هل فهمتم هذا ؟ ... إيقاف إطلاق النار سيتمّ التمسّك به . و نحن سنسعى لضمان التمسّك به ."
3- خارج نطاق هذا المقال أن نحلّل الدور الذى تنهض به راهنا حماس في غزّة ، أو القوّات الأخرى التي تصطدم معها .
4- يزداد الضغط على إسرائيل لتسمح بالمزيد من المساعدات إلى غزّة ، Democracy Now!, Oct 13, 2025 .
#شادي_الشماوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟