أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الجلولي - الحشد الشعبوي في تونس، السياق والسمات (ج1)















المزيد.....

الحشد الشعبوي في تونس، السياق والسمات (ج1)


علي الجلولي

الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 03:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انتبه الرأي العام في تونس الى مرور "أنصار المسار" الى الأفعال بعد الأقوال وذلك بتنظيم الهجوم على مقر الاتحاد العام التونسي للشغل بالعاصمة، ويعتبر هذا التحرك الأول الذي يستهدف تحقيق مهمة عملية من المهمات التي طالما أُعلن عنها في الخطابات الرسمية لأعلى هرم السلطة أو في الحملات على شبكة التواصل الاجتماعي التي تستقطب لفيفا هاما من الرأي العام المساند لهذه التوجهات أو المعارض لها. لقد خرج "أنصار المسار" أو "أنصار الرئيس" كما يحبذ العديد منهم، الى الشارع أكثر من مرة، لكن أعدادهم ظلت ضعيفة جدا من جهة، ومن جهة أخرى بقيت في حدود شعارات ثلب الأجسام الوسيطة وإعلان الولاء والتأييد وترديد الجمل المفاتيح التي يكررها خطاب سعيد. إن الهجوم على مقر المنظمة النقابية وإن كان بعدد غير كبير من الأنصار، فإنه يؤشر لتحول مهم سواء في ممارسة أنصار النظام، أو في اتجاه الأوضاع في البلاد نحو مزيد التوتر والتصادم. في خضم هذا الوضع يُعاد طرح السؤال حول حقيقة وطبيعة هذه المجموعات التي وضعت نفسها في خدمة السلطة.
وجب التنويه أن ظاهرة الحشود الشعبوية ليست ظاهرة جديدة، بل هي قديمة قدم نظم الاستبداد وخاصة منها التي تتجلبب بجلباب الشعبوية التي تعتمد اعتمادا جوهريا في تكريس سياساتها وفي تحقيق السيطرة الكلية على الفضاء العمومي على مثل هذا النوع من عمليات التحشيد لخلق حزام اجتماعي وسياسي يساعدها في تحقيق ما تريد. لقد اختارت الشعبوية التونسية الحاكمة اليوم أن لا تعتمد الأشكال التنظيمية المتعارفة في المجال السياسي وهي التنظم صلب حزب يحمل ويعبر عن الأفكار والتوجهات التي يتم استقطاب وتنظيم الناس على أساسها. لقد خيّر التيار الشعبوي التعويل على الفرد/الزعيم/الملهم ومن ثمة إنكار أي شكل للتنظم الجماعي. لهذا بنى قيس سعيد مشروعه السياسي برمته على فكرة جوهرية هي فكرة رفض كل الأجسام الوسيطة باعتبارها شكلا من أشكال إلغاء العلاقة المباشرة بين الشعب وقيادته (أي رئيسه) لذلك تم شن هجوم مركز على كل أشكال التنظم من أحزاب ومنظمات وجمعيات، وتم استغلال الأزمة السياسية الحادة التي أفرزها حكم منظومة الثورة المضادة وما خلفته من غضب واستياء تم توجيهه نحو تعميق العداء لكل التنظيمات بقطع النظر عن مواقفها وممارساتها. إن هذا الخطاب قدر على الولوج بين الأوساط الاجتماعية الأكثر بؤسا وفاقة سواء بحكم موقعها الطبقي أو بحكم حجم الأضرار التي مستها من تداعيات الازمة العميقة والشاملة التي استوطنت في البلاد بعد الثورة التي خلقت (أي الثورة) آمالا وطموحات لدى أغلب الطبقات المفقرة والمقهورة. لقد التقط المشروع الشعبوي حالة الاستياء لتحويلها الى قاعدة فكرية ثم مادية للانقلاب. ويعتمد النظام الشعبوي على عملية الشحن الخطابي التي تستهدف النوازع الأكثر بؤسا في البشر لا من جهة العزف على أوضاعه المادية المزرية وعلى أن الخلاص آت في القريب العاجل فحسب، بل خاصة في استهداف كل ما هو حقد وكره وشر لا بمنطق استهداف الطبقات الطفيلية التي تنهب البلاد، بل بمنطق توجيه الوعي الفردي والجماعي نحو أعداء وهميين يعدون المؤامرات والمخططات لضرب البلاد وحاكمها وشعبها. إن عملية الشحن التي يتكفلها الخطاب الرسمي وينشرها الفضاء الأزرق تشكل اليوم المرجعية الفكرية والسياسية التي على أساسها يُعاد تشكيل خريطة المواقف والاصطفافات. إن خاصية الخطاب الشعبوي في تونس هو طابعه التبشيري الأخلاقوي الذي يجد الرواج والقبول لدى الفئات والأفراد الأكثر تحطما في ذهنيتهم ونفسيتهم. إن هده الفئات تجد العزاء والسلوى في الانخراط في الحشد الشعبوي الذي يغذي الأوهام حول دور الفرد وقيمته وحول فهم الحاضر والمستقبل. إن هدف التحشيد واضح وواع عند الحاكم بأمره وعند الطبقات الاجتماعية المتنفذة المستفيدة من عملية تدجين الوعي وغسل الدماغ التي تتعرض لها الجماهير الأكثر فقرا واضطهادا حتى لا تنخرط في النضال الجماعي الواعي والمنظم، فطالما أن هذه الجماهير تستهدف آليات الدفاع الذاتي التي أوجدتها هذه الجماهير ذاتها للتوقي والدفاع عن مصالحها، فان المشروع الشعبوي يجد الدعم من هده الطبقات الطفيلية وخاصة من أكثرها استغلالا ولصوصية. إن الجماهير الشعبية وحدها تدفع فاتورة التبعات المدمرة لهيمنة الشعبوية وحشودها التي تستعمل لتدمير الوعي وتخريب النضال والاحتجاج بتأليب الفقراء بعضهم ضد بعض.
لقد تعرضت ظاهرة الحشود الشعبوية الى الدراسة العلمية من قبل مختلف المدارس المعرفية في علم الاجتماع والسياسة والفلسفة وخاصة من قبل علم النفس وعلم النفس الاجتماعي من ذلك دراسات الفرنسي "قابريال تارد" وهو أحد أهم مؤسسي علم النفس الاجتماعي وقد انتبه لظاهرة الحشد كممارسة تستقطب الفرد والجماعة انطلاقا من ديناميكية مخصوصة تتميز أساسا بالعاطفية والاندفاع مما يدفعهم الى السلوكات والممارسات الجماعية غير العقلانية. وفي هذا الصدد تلعب وسائل الاعلام والاتصال دورا حيويا وحاسما لا في خلق هذا الانتماء للحشد بل في تكييف الفرد وعيا وسلوكا ويخرجه من خانة الجمهور ويدخله فضاء الحشد. وقد دقق "تارد" في كتابه ( )
L’opinion et la foule
الفرق بين الممارسة الفردية والجماعية العقلانية والمفيدة والممارسة الخطيرة وينتهي الى أهمية الانتباه الى الديناميات الاجتماعية والنفسية التي تشكل الوعي وتخرجه من فضاء التفكير العقلاني النقدي والمستنير الى خانة التفكير والسلوك القائم على التجييش والشحن والتقليد. إن التمييز بين المجموعات البشرية ينبني على خصائصها وعيا وسلوكا، وإذا كان الجمهور حالة مطلوبة لتقدم المجتمع، فإن الحشد يحمل كل سمات الانحراف في الممارسة بإخراجها من العقلانية وإدخالها الى ضرب من الغريزية الفالتة عن أي ضبط عقلي واجتماعي. إن الحشود الشعبوية في بلادنا اليوم هي نموذج حي للحشود المنافية للعقلانية والمنخرطة في سلوكات تديميرية للفضاء المدني تروم تصحير المجال العمومي واختصاره في وضع لا تاريخي تجاوزه المجتمع البشري وهو نفي كل الأجسام والابقاء فقط على جسمي الحاكم والمحكوم قياسا على علاقة الخالق والمخلوق.
لقد عرفت كل المجتمعات المعاصرة غربا وشرقا ظاهرة الحشود الشعبوية بأشكالها المختلفة، تلك التي انتظمت في أحزاب على الشاكلة الألمانية الهتلرية والإيطالية الموسيلينية، أو التي تتجه نحو إلغاء أشكال الانتظام اعتمادا على مبدأ "من تحزب خان"، لكن هذا النموذج يبقى عرضيا وليس له أي مقوّم للاستمرار سوى استثماره في الأزمة لا غير، وهو مرتبط بالشخص لا بالمشروع، وهو حال الحشود الشعبوية في بلادنا اليوم التي تضم الفئات الأكثر تضررا من الأوضاع المادية القاسية والتي انعكس عليها ذلك من خلال اتجاهها نحو إعادة إنتاج عقلية عدوانية ثأرية تنهل من كل ما هو رثّ و بغيض وبائس في ثقافة سقط المتاع والرداءة باسم الشعب والانحياز له. وتأكيدا بكونهم مجرد استمرار للحشود الشعبوية وأنهم نسختها التونسية لا غير فهم يعوّلون على وسائل التواصل الاجتماعي باعتبارها الآلية الأنجع في تدمير الوعي وتكييف السلوك وهو ما تؤكده صفحات " أنصار المسار" التي تقطر سموما واستعادة لكل ما هو رجعي وظلامي ومظلم في القاع الاجتماعي، و أيضا من قمة المجتمع أي ثقافة وعادات وسلوكات الطبقات الأكثر رفاهية ولصوصية، ثقافة الأنانية والفردانية والنرجسية والزبونية والنزوع للتغطي بغطاء الحاكم والخضوع له وتقديم الخدمات، كل الخدمات له.
ان الشعبوية التونسية الرثة التي تستثمر في أوضاع البؤس التي كرستها لن تدوم طويلا باعتبارها حلا لمعضلات تونس اليوم، فكل المؤشرات تدل على اتجاهها نحو التفكك قياسا على التدهور المريع لأوضاع الشعب ومختلف طبقاته.
(يتبع)
جويلية 2025



#علي_الجلولي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحشد الشعبوي في تونس، السياق والسمات (ج2)
- النضال الوطني الفلسطيني ووهم حل الدولتين
- السودان المنسي يقف صامدا ضد جلاديه
- شكرا لبنان
- الجمهورية والحكم الفردي: أية علاقة؟
- تونس: باكلوريا 2025، قراءة في النتائج والدلالات
- تونس:ملاحظات حول نتائج الدورة الأولى للباكلوريا
- فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمات المباشرة لإسناد فلسط ...
- الأوضاع في غزة: تدهور مريع وصمود بطولي
- في ذكرى الانتصار على الفاشية: الفاشية تعود بقوّة هناك، وهنا
- حوار مع الرفيق -جوليانو غراناتو-، الناطق الرسمي باسم منظمة - ...
- المقاطعة الشاملة للكيان الصهيوني آلية إسناد فعّالة للشعب الف ...
- الرفيق بريان بيكر، الأمين العام لحزب التحرر والاشتراكية بالو ...
- المسألة الكردية: عدالة القضية واختلال إدارة الصراع
- الرفيق فيليب نودجينومي، الأمين العام للحزب الشيوعي بالبنين: ...
- الرفيق فتحي فضل، الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني ل ...
- الرفيق ممدوح حبشي،القيادي بالتحالف الشعبي الاشتراكي المصري ل ...
- في الذكرى 53 لحركة فيفري1972 المجيدة، أو ملحمة استقلالية ودي ...
- حوار مع الرفيق حنا غريب،الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ...
- حوار مع الأسيرة المحررة المحامية ديالا عايش: الانتقام من الأ ...


المزيد.....




- السعودية في معرض فرانكفورت: تحد لصورة نمطية لكن بأي شكل ومحت ...
- بايرن يلحق الهزيمة الأولى بدورتموند.. ولايبزغ يرتقي للوصافة ...
- -خسرنا ثقة القطريين-...ويتكوف يشعر بـ-الخيانة- حيال هجوم إسر ...
- فايننشال تايمز: بهذا رد البرغوثي على بن غفير في فيديو المواج ...
- البرهان: مستعدون للتفاوض بما يصلح السودان ويبعد أي تمرد
- الداخلية السورية تفكك خلية لتنظيم الدولة في ريف دمشق
- نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة ...
- فيديو منسوب للبرهان بشأن مفاوضات تسوية النزاع بالسودان.. هذه ...
- الصليب الأحمر يسلم جثامين 15 فلسطينيًا من إسرائيل إلى غزة
- كيف يمكن للهرمونات أن تتحكّم بعقولنا؟


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الجلولي - الحشد الشعبوي في تونس، السياق والسمات (ج1)