أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الجلولي - السودان المنسي يقف صامدا ضد جلاديه















المزيد.....

السودان المنسي يقف صامدا ضد جلاديه


علي الجلولي

الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 20:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يكاد يلتفت أحد من العالم لما يجري في السودان مند قرابة عامين. لقد استقطبت حرب الابادة الوحشية التي ينظمها كيان الاحتلال أنظار كل العالم بحكم فظاعتها التي فاقت حتى ما قرأته الأجيال عن حروب العصور الغابرة حين مازال الانسان يراوح بين الحيوانية والانسانية. لكن الوضع في السودان لا يختلف جوهريا عما يجري لشقيقه في فلسطين المحتلة، ان الفارق الوحيد تقريبا هو أن أيادي العدوان في غزة هي أيادي صهيونية امبريالية، أما أيادي التقتيل في السودان فهي أيادي سودانية، ايادي من كانوا بالأمس القريب يحكمون معا ويضعون اليد في اليد للالتفاف على ثورة ديسمبر المجيدة. ان الشعب السوداني يعيش اليوم وضعا من أفظع ما عاشه في تاريخه المعاصر، يتم ه-ا في ظل صمت مطبق وعدم انتباه حتى من الشعوب وقوى التحرر.
ـ الرجعية تنتقم من ثورة الشعب لسوداني
لقد نجح الشعب السوداني وقواه التقدمية في خلع أحد أبرز أنظمة الاستبداد التي جمعت أبشع ملامحه، فقد كان نظام البشير نظاما عسكريا وصل الى الحكم عبر انقلاب سنة 1989 واستمر يحكم الى أن تم دكه بعد أن قضى ثلاثة عقود على كرسي الامر والنهي. وهو نظام اخواني ظلامي فتت الشعب السوداني وقسم أرضه ومكوناته وحول السودان الى برميل بارود في أهم أقاليمه الغنية والثرية بكل الثروات الباطنية والزراعية وهو الذي يسمى سلة العرب لخصوبة أراضيه القادرة على اطعام كل الوطن العربي. لقد بنى البشير نظاما استبداديا تابعا وفاسدا وكان لابد من الكثير من التضحيات حتى يسقط وهو ما تم في أفريل 2018 بعد اصرار وعناد ثوري هائل من شعب السودان الذي قدر على اسقاط رأس النظام دون اسقاط مجمل المنظومة التي حكمت طيلة عقود والمتمحورة أساسا حول الاليغارشية العسكرية كغطاء لحكم الطبقات الريعية الطفيلية المسنودة والمعبر عنها من قبل التنظيمات الاخوانية التي ظلت تحم البلاد بعد سيرورة معقدة من التمكين صلب المؤسسات والطبقات الاجتماعية المسيطرة. وبعد أفريل انفتحت أمام الشعب السوداني مرحلة جديدة أكثر تعقيدا خاصة مع فشل كل انتفاضات السيرورة الثورية العربية في طورها الاول والثاني. لقد تهاوت أغلب القوى السياسية بما فيها التي كانت تناضل ضد حكم البشير قابلة بالوضع الجديد الذي يقوده عسكر البشير متحالفا مع “مليشيات الجنجويد” التي أصبحت شريكا في الحكم باتسم “قوات الدعم السريع”. ولم يكن النظام الجديد متماسكا بل كان كل طرف فيه ينتظر اللحظة المناسبة للانقضاض على الطرف الاخر، وهو ما نبهت اليه القوى الثورية التي بقي يمثلها أساسا الحزب الشيوعي ولجان المقاومة و النقابات التقدمية التي تماسكت في وجه السقوط والتسويات الرخيصة وقد أثبتت التطورات صحة تحاليلها وسلامة مواقفها حين احتدم الصراع بين مكوني الحكم، الجيش من جهة والجنجويد من جهة مقابلة والتي وصلت اليوم الى درجة اللاعودة من خلال تكريس الانقسام الأفقي والعمودي الشامل، فلكل طرف حكومته وعاصمته وأراضي سيادته وحلفاءه في الداخل والخارج، ولأجل ذلك يعرف الصراع المسلح درجة عالية جدا من القوة والعنف، فكل طرف من طرفي الحرب يعتقد أنه على قاب قوسين من الانتصار وحسم المعارك وهو ما أفرز وضعا انسانيا فضيعا لا في مناطق النزاع فحسب، بل على طول خريطة السودان التي تحولت الى خريطة الالم والنزيف الذي لا يراد له أن يتوقف. فخسب تقرير لهيئات الامم المتحدة وصل عدد النازحين داخل السودان هربا من اهوال الحرب الى 6 ملايين واضطر 3 ملايين الى مغادرة البلاد الى البلدان المجاورة وخاصة مصر التي اغلقت حدودها عديد المرات واتخذت اجراءات موغلة في العدائية ضد الهاربين من هول الحرب. ولئن تمكن قرابة مليون و300 الف من العودة الى مناطقهم الاصلية منذ نهاية العام الجاري حسب المنظمة الدولية للهجرة، فهذا لا يعني البتة تحسنا في الاوضاع، فاليوم ثمة ستة ولايات مهددة بالفيضانات بحكم امتلاء الوديان ووصول موسم الفيضانات التي تفرض على الالاف النزوح هربا من الغرق والامراض علما وأن الاف يعانون اليوم من الكوليرا التي عادت بقوة لتفتك بالأجساد النحيلة التي هدها الجوع والعطش وغياب الخدمات الصحية الاساسية. كما تعاني العديد من المناطق خوف انفجار العتاد العسكري والقنابل المزروعة في عدة أماكن من طرفي الصراع وهو ما يفتك اليوم بالعديد من الأشخاص لذلك ظلت بعض الأماكن والأحياء مهجورة. وضمن هذا الوضع توقفت في عديد الجهات خدمات الصحة و التمدرس وانقطع الكهرباء والمياه الصالحة للشرب. وبطبيعة الحال و كما في كل حرب رجعية تصاعدت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان مثل السلب والسرقة والاعتداء وتصفية الحسابات على خلفية عائلية وقبلية، كما تضاعدت الاعتداءات ضد النساء وتشير عديد التقارير المتطابقة الى تورط طرفي الصراع في اغتصاب النساء في مجتمع تقليدي من اجل الضغط وفرض النزوح أو الخضوع، والاغتصاب وانتهاك كرامة النساء هو عندي الطرفين أسلوب للعقاب والاهانة لمناصري الطرف المقابل. وتؤكد عديد المنظمات صعوبة بل استحالة تجميع المعطيات الاحصائية حول الاعتداءات والانتهاكات الجنسية لنزةع الاغلبية من النساء والرجال الى التكتم بل وأحيانا الى تسليط عقوبة اضافية على الضحايا تصل حد القتل.
ـ الصراع في السودان، السياق والخلفيات والأهداف
لا شك أن الصراع الجاري اليوم في السودان هو صراع تقف وراءه قوى متنفذة محليا واقليميا ودوليا،هي القوى المتضررة من المسار الثوري والتي تريد افشاله والالتفاف عليه، لقد استمر الصراع مدة ثلاثة سنوات صراعا سياسيا ضاريا بين الحكام الجدد بزعامة البرهان مدعوما من الطبقات المسيطرة على الاقتصاد والمجتمع والمسنودة من طرف النظام المخلوع وقوته السياسية الاساسية “حزب المؤتمر” الاخواني، وهي قوى تريد العودة من الشباك بعد أن أخرجت من الشباك، وتجد هذه الاطراف الدعم والمساندة من النظام المصري الذي يعتبر السودان حديقة خلفية لا مجال للتغيير فيه ولا مجال لخروج العسكر من الحكم حتى ولو كان مسنودا من الاخوان الذين يصارعهم في مصر، كما يجد المساندة من قطر والسعودية. وقوى طبقية وسياسية لا تختلف في الجوهر عن القوة المقابلة وهي التي تريد أن تتمكن وتاخذ مكانها في الوضع الجديد مسنودة من قوى اقليمية مؤثرة واساسا من دولة الامارات التي أصبحت لاعبا أساسيا لا في المنطقة العربية فحسب، بل في مجمل القارة الافريقية. ان الصراع الدائر على أرض السودان هو صراع بالوكالة بين قوى اقليمية ودولية تريد وضع يدها على هذا البلد الغني جدا بالثروات وخاصة مناجم الذهب والألماس التي تسيطر عليها قوات “الفاغنر” الروسية، والمخزون المهم من النفط، فضلا عن الامكانيات الزراعية بحكم جودة الأراضي والتربة ومقدرات وادي النيل. كما أن السودان هو أحد أهم بوابات البحر الاحمر هذا الممر الاستراتيجي للتجارة العالمية وأحد مفاتيح المنطقة والتموقع في صراعاتها المتعددة. لقد دعمت القوى الاقليمية المذكورة الصراع ومولته وأشرفت عليه مؤطرة من قيادتها العالمية ممثلة في الولايات المتحدة راعية الدول و القوى الرجعية. ان منطق القوى الراعية هو منطق “فرق تسد” في اطار بلورة الشرق الأوسط الجديد كما تراه ادارة المجرم “ترامب” وهو مزيد تفتيت المفتت. لقد تم تقسيم الساودان الى شمالي وجنوبي على اسس عرقية طائفية عزز ظام المهلوع البشير كل شروطه، وهاهي اليوم الرجعية الجديدة/القديمة ممثلة في المجرمين “البرهان” و “حميدتي” تخلقان كل شروط مزيد تمزيق النسيج المجتمعي السوداني حتى يحرم شعب السودان من السيادة على بلاده و مقدراته. ان ما يجري في السودان ليس بمعزل عما يجري في سوريا وليبيا واليمن وعما يُعد للجزائر ومصر وحتى للسعودية. ان الاستعمار الجديد يستمر في وضع يده على المنطقة ويبيح لنفسه استعمال كل الاساليب والسياسات لتحقيق اهدافه وضمان استمرار مصالحه التي لا يراها الا بتأبيد السيطرة على البلدان والشعوب والمقدرات. لأجل ذلك تقدمت الدول ذات الأذرع في السودان وهي الولايات المتحدة ومصر والامارات والسعودية بمبادرة رباعية لأجل تسوية الاوضاع وترتيبها وفقا للمنطق الارامني في اشعال الحروب وتسويتها، تنص المبادرة على ايقاف الحرب وتوحيد الاجهزة والشروع في تنفيذ اجراءات انتقالية تصب جميعها في تحقيق مصالح القوى المتدخلة على حساب طموحات الشعب السوداني، وهي اجراءات لوئد المسار الثثوري باعادة تنصيب نفس العصابات التي نهبت السودان ولا زالت، يتوخي نفس الخيارات التي تكرس نفس الأهداف لكن بوسائل ناعمة وليست عنيفة، وقد عبرت عديد القوى السودانية عن ارائها في المبادرة بين مرحب من قبل ذات القوى التي لا ترى السودان الا من خلال مصالحها ومنافعها، وقوى رفضت مضمون المبادرة لتعارضها مع طموحات الشعب السوداني الذي يناضل من أجل ايقاف الحرب الذي لن يتحقق الا بالتخلص من مشعليها وهما طرفي الصراع ومن يقف ورائهما محليا واقليميا ودوليا، لحساب خيارات جديدة وطنية شعبية دميقراطية، وهي الطموحات التي يناضل من اجلها شعب السودان وقدم في سبيلها النفس والنفيس، وقد عبر الحزب الشيوعي السوداني ولجان المقاومة وقوى تقدمية ووطنية أخرى عن هذا الموقف المعبر عن النبض السوداني الحقيقي الذي لا خلاص له الا على أنقاض خيارات ما قبل ثورة ديسمبر المجيدة وما بعدها.
3 أكتوبر 2025



#علي_الجلولي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شكرا لبنان
- الجمهورية والحكم الفردي: أية علاقة؟
- تونس: باكلوريا 2025، قراءة في النتائج والدلالات
- تونس:ملاحظات حول نتائج الدورة الأولى للباكلوريا
- فيما تتصاعد حرب الإبادة في غزة: المهمات المباشرة لإسناد فلسط ...
- الأوضاع في غزة: تدهور مريع وصمود بطولي
- في ذكرى الانتصار على الفاشية: الفاشية تعود بقوّة هناك، وهنا
- حوار مع الرفيق -جوليانو غراناتو-، الناطق الرسمي باسم منظمة - ...
- المقاطعة الشاملة للكيان الصهيوني آلية إسناد فعّالة للشعب الف ...
- الرفيق بريان بيكر، الأمين العام لحزب التحرر والاشتراكية بالو ...
- المسألة الكردية: عدالة القضية واختلال إدارة الصراع
- الرفيق فيليب نودجينومي، الأمين العام للحزب الشيوعي بالبنين: ...
- الرفيق فتحي فضل، الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني ل ...
- الرفيق ممدوح حبشي،القيادي بالتحالف الشعبي الاشتراكي المصري ل ...
- في الذكرى 53 لحركة فيفري1972 المجيدة، أو ملحمة استقلالية ودي ...
- حوار مع الرفيق حنا غريب،الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ...
- حوار مع الأسيرة المحررة المحامية ديالا عايش: الانتقام من الأ ...
- حوار مع الأسيرات المحررات،الرفيقة عبلة سعدات والرفيقة دانيا ...
- حوار مع الرفيق فهمي شاهين، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الف ...
- من الضّفّة الغربيّة، الرفيقة ماجدة المصري، نائبة الأمين العا ...


المزيد.....




- مصر: بيان من 6 نقاط بشأن مواجهة الحكومة لفيضانات سد النهضة ب ...
- باحثون صينيون يبتكرون طريقة لتحويل الخلايا الجذعية إلى خلايا ...
- عشر غارات في ليلة واحدة... إسرائيل تدمر مئات الآليات الثقيلة ...
- تتويج للدور الريادي المصري: الاتحاد العام لعمال مصر يُثمن ان ...
- الإليزيه: ماكرون يزور مصر الاثنين لدعم اتفاق غزة
- من الخيام إلى الركام.. ولكنهم يعودون
- زلزال ثالث يضرب الفلبين خلال يومين
- كاتب تركي: نتنياهو قبِل خطة ترامب لكنه يفكر كيف يفشلها
- عاجل.. مراسل الجزيرة عن مصدر أمني: اشتباكات بين القوات الأفغ ...
- نصف مليون يعودون إلى غزة وأرقام صادمة عن الدمار الهائل


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي الجلولي - السودان المنسي يقف صامدا ضد جلاديه